ماذا سيفعل أوباما-2 في سوريا والشرق الأوسط؟
حين أراد ديفيد أغناتيوس، الكاتب الأمريكي (في الواشنطن بوست، 8-11-2012)، تقديم النّصح إلى الرئيس أوباما بعد فوزه بولاية ثانية، لم يجِد في السياسة الخارجية، سوى قضايا الشرق الأوسط كوسيلة لتحقيق الإنجازات التي وضعها كلها في إطار "الصّفقات".
صفقة مع إيران، لإخضاع برنامجها النووي إلى المراقبة بهدف تجنُّب الحرب. صفقة في أفغانستان، تساعد على تخطّي الحرب الأهلية، بعد مغادرة القوات الأمريكية لهذه البلاد العصيّـة على السيطرة عام 2014. صفقة، لتحقيق انتقال سياسي في سوريا، عبر تنظيم المعارضة السورية، كي تُصبِـح قوية بما فيه الكفاية لتقوم بالمساومات، ثم منح فلاديمير بوتين جائزة نوبل للسلام، لمساعدته على تحقيق التسوية. وصفقة لإقامة دولة فلسطينية، تحقق أمْن إسرائيل وتعطي العالم العربي فُـرصة للمُضي قدماً في عملية التحديث والدّمقرطة.
أغناتيوس، المقرَّب من دوائر البنتاغون الأمريكي، يريد من أوباما أن يكون “شُجاعاً ومِقداما” في ولايته الثانية، للقيام بهذه “الصفقات”، بعد أن أثبت في ولايته الأولى أنه يفتقِـد إلى الحسْم والكفاءة الإستراتيجية، ويميل إلى التفاعل مع الأحداث، بدل خلْـق الحدث، وإلى تجنُّب الخسارة، بدل العمل على الرِّبح. لكن، هل أوباما في هذا الوارد؟
هل يفعل؟
كل المحللين تقريباً في الشرق الأوسط أجمعوا على القول أن السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، لن تتغيّر مع فوز باراك أوباما، خاصة وأنه سيكون غارقاً حتى أذنيْه بالمشاكل الإقتصادية الأمريكية الضّخمة، خاصة منها “حافة الهاوية المالية” في أوائل السنة المقبلة 2013، وهذا تقدير صحيح في الكثير من النواحي.
فالتسوية الفلسطينية – الإسرائيلية، ستبقى على الأرجح في ثلاّجة الإنتظار، بعد أن احتلّت ثورات الربيع العربي مكانها في أولويات الولايات المتحدة: الديمقراطية هنا باتت قبل الجيوبوليتيك، خاصة مع وجود حكومة إسرائيلية لا تريد أصلاً مثل هذه التسوية، ومع استمرار “الحرب الأهلية الباردة” بين حماس وفتح.
و”العلاج” الأمريكي مع إيران، سيواصل الإعتماد على “أسبيرينات” التهدئة، الهادفة إلى قتل المريض الإيراني بالخنْق الإقتصادي، وأوباما لن ينجرّ إلى المطالبات الإسرائيلية بعمليات عسكرية جراحية شاملة ضد الجمهورية الإسلامية.
أما مسألة “الصفقة الكبرى” مع إيران لحملها على التخلّي عن برنامجها النووي، فهي مُستبعَـدة، إلا إذا ما دفعت الولايات المتحدة الأمور معها إلى حافة هاوية حرب شاملة جادة وحقيقية، وهذا ما لا يبدو وارداً حتى الآن.
والعلاقات الأمريكية مع أنظمة الإخوان المسلمين في مصر وتونس، ستبقى موضع اختبار وتدقيق من جانب أوباما-2، إلى أن يُثبت الإخوان أنهم جديرون بثقة واشنطن ودعمها، عبر التصدّي للمتطرّفين الأصوليين، ومواصلة العمل على بناء المرحلة الانتقالية الجديدة، استناداً إلى الديمقراطية وحرية السوق.
هل تنطبق هذه الاستمرارية المُفترضة أيضاً على الأزمة السورية؟ هنا أيضاً، ثمة شبه إجماع بين المحللين على أن أوباما-2 سيواصل سياسة أوباما-1، التي تميَّزت بالتردد في اتخاذ المواقف الحازمة إزاء هذه الأزمة، والامتناع عن الدعم واسع النطاق للمعارضة المسلحة السورية بالأسلحة المضادة للطائرات والدبّابات (بحجّة الخوف من وقوعها في أيدي القاعدة أو جبهة النصرة)، والتركيز على توحيد المعارضة السورية، لجعلها لاحقاً طرفاً رئيسياً في مفاوضات التسوية السياسية، التي قد تجري بين روسيا والولايات المتحدة.
بكلمات أوضح: يقول هؤلاء المحللون إن التوجهات الأمريكية الراهنة في سوريا، ستستمر كما هي من دون تغيير، وهذا سيستجيب أيضاً للمواقف الإسرائيلية التي لا تزال ترفض حتى الآن تغيير النظام السوري الراهن.
رأس الأسد مطلوب
لكن، حتى لو كان هذا التحليل صحيحاً، إلا أنه، وعلى عكس ما هو متوقع، لن ينزل برداً وسلاماً على صدر الرئيس السوري بشار الأسد. لماذا؟
لأسباب عدة: أولاً، لأن “فترة السماح” التي تمتّع بها النظام طيلة فترة الحملات الانتخابية الأمريكية واستخدمها لزجّ كل طاقته التدميرية في المعركة ستنتهي، من دون أن يتمكَّن من حسم الأمور لصالحه. فمن الآن فصاعدا، ستكون الأضواء الأمريكية والدولية مسلطة بقوة على ممارسات النظام العنيفة، وستوفّر مادة ضغط أمريكية دسمة على روسيا والصين، لحملهما على تغيير مواقفهما الداعمة بقوة لدمشق.
ثم، إذا ما لبّى حلف الأطلسي طلب تركيا بنشر صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ على الحدود السورية – التركية، والذي يتطلّب نشر قوات خاصة أطلسية لتشغيل هذه الصواريخ، فهذا سيعني بدء ولادة طوق عسكري أطلسي حقيقي حول رقبة الأسد.
ثانياً، لأن كل جهود الرئيس الأسد لتصدير أزمته إلى الدول المجاورة وتحويلها من أزمة داخلية إلى أزمة إقليمية، ستُطْوى صفحتها بفعل التفرُّغ الأمريكي لمراقبة وملاحقة وإجهاض هذه الجهود.
وثالثاً، لأن فوز أوباما سيكون أسوأ بالنسبة إلى مصير الأسد من فوز رومني. فهذا الأخير كان ينوي تصعيد المجابهة مع “الخصمين الجيو – سياسيين، الأخطر على الولايات المتحدة”، (على حد تعبيره)، وهما روسيا والصين، الأمر الذي كان سيدفعهما إلى الوقوف بحزم أكبر إلى جانب الأسد كأحد الردود على هذا التصعيد.
هذا في حين أن أوباما، بسياسة “إعادة التنظيم” (Reset) مع موسكو، التي أرست على رغم عثراتها وثغراتها، فرصاً للتفاهم معها، سيكون قادراً على طرح مسألة دحرجة رأس الأسد، كمدخل وشرط لأي تسوية حكم مشترك (كوندومينيوم) محتملة بين روسيا وأمريكا.
ورابعاً وأخيراً، أوباما لن يحتاج إلى ستة أشهر كما رومني، لترسيخ دعائم ولايته الثانية. والتغيير الأساسي الذي يمكن أن يحدث، وهو احتمال التخلي عن هيلاري كلينتون (كي تتفرّغ لمعركة الرئاسة لعام 2016)، لن يستهلك الكثير من وقته. وهذا أيضاً لن يصبّ في مصلحة الأسد.
أهمية “التفاصيل”
ماذا يعني كل ذلك؟ إنه يعني أن التوقُّعات القاطعة حول عدم تغيير السياسة الأمريكية إزاء سوريا، قد لا يكون دقيقاً كثيرا. هو صحيح في خطوطه العامة، لكن بين تضاعيف هذه الخطوط، ثمة الكثير من “التفاصيل”.
لكن ما هو تفصيل في معايير الدول الكبرى، قد يكون كل شيء بالنسبة إلى صغار اللاعبين. وهذا ينطبق كل الإنطباق، على سبيل المثال، على مصير الرئيس بشار الأسد.
أما دعوة أغناتيوس للأسد كي يكون “شُجاعاً” في الشرق الأوسط، فهي قد تتحقق في سوريا، وربما أيضاً في أفغانستان (إذا ما نجحت واشنطن في إقناع طالبان بتقنين طموحاتها)، لكنها تبدو بعيدة المنال في إيران وفلسطين. وهذا أمر لا علاقة به بالشَّجاعة والجبن، بل بالمصالح المتضاربة وموازين القوى المحلية والدولية المتناقضة.
بيروت (رويترز ) – قال الرئيس السوري بشار الأسد في حديث تلفزيوني نشرت مقتطفات منه على الإنترنت يوم الخميس 8 نوفمبر إنه لا يتوقع أن يُقدم الغرب على التدخل العسكري في سوريا محذرا من أن تكلفة تلك الخطوة “أكبر من أن يتحملها العالم”.
وقال الأسد في حديث خاص لقناة (روسيا اليوم) “أعتقد أن كلفة الغزو الاجنبي لسوريا لو حدث ستكون أكبر من أن يستطيع العالم بأسره تحملها لانه اذا كانت هناك مشاكل في سوريا… فان ذلك سيكون له أثر الدومينو الذي سيؤثر على العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي”.
وأضاف في الحديث الذي أجري باللغة الانجليزية ونشرت مقتطفات منه بالعربية على موقع القناة على الإنترنت “لا أعتقد أن الغرب يمضي في هذا الإتجاه لكنه إذا فعل فلن يكون بوسع أحد أن يتنبأ بما سيحدث بعد ذلك”.
ولم يتضح متى أجريت المقابلة مع الأسد لكن المحطة قالت إنها ستبثها كاملة يوم الجمعة 9 نوفمبر.
وقال الأسد الذي يقاتل لاخماد انتفاضة ضد حكمه منذ 19 شهرا إن عليه أن “يعيش ويموت في سوريا” فيما بدا أنه رفض لفكرة الخروج الآمن التي يُمكن ان تشكل أحد الطرق لإنهاء الصراع في البلاد.
وقال “أنا لست دمية ولم يصنعني الغرب كي أذهب إلى الغرب أو إلى أي بلد آخر. أنا سوري أنا من صنع سوريا وعليّ أن أعيش وأموت في سوريا”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 نوفمبر 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.