ماذا وراء اغتيال وسام الحسن.. وماذا بعده؟
اغتيال وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، على هذا النحو العنيف الذي أعاد إلى الأذهان عملية اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري بقنبلة ضخمة مماثلة العام 2005، أطلق رسائل في كل الاتجاهات المحلية اللبنانية والإقليمية والدولية.
على الصعيد اللبناني، سيُغلق هذا الهجوم، على الأرجح، صفحة سياسة “النأي بالنفس” عن الأزمة السورية التي قالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إنها تنتهجها منذ اندلاع الإنتفاضة السورية قبل نيف و18 شهرا.
إذ بدلاً من أن يبتعد لبنان عن هذه الأزمة، وهو على أي حال أمر لم يتحقق تماماً مع قيام الأحزاب والأطراف السنّية والشيعية اللبنانية بدعم المعارضة والنظام السوريين على التوالي، جاءت هذه الأزمة إليه بقوة عبر اغتيال الحسن. وهذا أمر سيضع حكومة ميقاتي في مهب الريح حتى ولو لم تستقل، كما طالبتها قوى 14 آذار/مارس بذلك في بيان لها يوم الجمعة 19 أكتوبر.
لماذا يحدث هذا؟
لأن هذا الاغتيال سيعمّق إلى حد كبير الشرخ الطائفي والإستقطاب الحاد بين القوى اللبنانية المناوئة والموالية للنظام السوري، وقد يحقق في نهاية المطاف رغبة هذا الأخير منذ وقت طويل في مد الحريق السوري إلى لبنان والدول المجاورة تنفيذاَ لشعاره الشهير:” لا استقرار سورية (أي لا استقرار النظام) سيعني لا إستقرار كل المنطقة”.
فالأرجح أن القوى السنّية السياسية لن تقبل أن يمر اغتيال الحسن، وهو الرجل الذي تحوّل في الذهن الجماعي السنّي إلى بطل خاصة بعد كشفه مخطط التفجير الذي أعدَّته السلطات السورية عبر وزير الإعلام السابق ميشال سماحة وعبر تفكيكه أيضاً عشرات الخلايا الإستخبارية الإسرائيلية، مرور الكرام. وهذا سيحدث على صعيد الشارع كما على المستوى السياسي، على رغم كل دعوات العقلاء بين السياسيين السنّة إلى عدم الإنجرار إلى المخطط الحكومي السوري لتفجير لبنان.
وإذا ما أدت ردة الفعل السنّية إلى سقوط حكومة ميقاتي، ربما بدعم من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي اتهم “بشار الأسد ورجاله في لبنان” باغتيال الحسن، فإن هذا من شأنه أن يُزيل آخر حاجز يحول دون الصدام بين قوى 14 و8 آذار/ مارس، وبالتالي دون انفلات الوضع الأمني في لبنان من عقاله، خاصة وأنه يتوقع أن يكون في جعبة النظام السوري المزيد من الوقود (أي عمليات تفجير أمنية أخرى) لزيادة الوضع اشتعالا.
مقدمات إيرانية..
هذا على الصعيد المحلي اللبناني. ويأتي الوضع الإقليمي المحيط بالأزمة السورية ليعطي التأزم اللبناني المحتمل، أو المتوقع، بعده الأخطر. كيف ذلك؟
يكفي هنا مراقبة طبيعة السلوك الإيراني خلال الأسابيع القليلة الماضية، من الاعترافات الرسمية لطهران بأن وحدات من حرسها الثوري موجودة بالفعل في سورية لدعم النظام (وبعض هذه الوحدات توفِّر الآن الحماية الشخصية للرئيس بشار الأسد نفسه)، إلى الاعتراف الأخر لحليفها الرئيس في لبنان والمشرق حزب الله بالانخراط في القتال ضد المعارضة السورية، للوصول إلى الاستنتاج بأن الملالي الحاكمين قرروا “لعب الصولد” (أي رمي كل أوراقهم وأرصدتهم) في الأزمة السورية.
وبالطبع، فإن الترجمة العملية لمثل هذا القرار في لبنان لن تكون خافية. فحزب الله، الذي قاوم طيلة الأشهر الـ18 الماضية كل ضغوط النظام السوري لدفعه إلى تفجير الوضع اللبناني لتخفيف الضغط عليه في الداخل السوري، لن يستطيع إدارة الظهر لأي قرار يتخذه ولي الفقيه الإيراني برمي ثقل الحزب كاملاً وعلناً وراء نظام الأسد.
حسن نصر الله، زعيم الحزب ألمح في خطابه الأخير (الذي حاول فيه أن يصوّر قتال عناصره إلى جانب النظام السوري على أنه دفاع عن النفس) إلى هذه النقطة حين قال أن حزبه “لم يقرر بعد الانضمام إلى حرب النظام السوري ضد معارضيه، لكن إذا ما فرضت الظروف هذا فسيعلن ذلك”. وحينها فسَّر المراقبون هذا التصريح بأنه يعتبر تمهيداً لانخراط الحزب رسمياً في الحرب السورية، ويبدو أنهم لم يكونوا على خطأ.
وعلى أي حال، سيكون في المستطاع قياس مدى صحة او خطأ هذه الفرضية، حين نعرف كيفية تفاعل حزب الله مع كلٍ من ردة الفعل السياسية والشعبية للمعارضة على عملية اغتيال الحسن، وعلى الأزمة الحكومية المحتملة.
.. وتحضيرات دولية
ماذا الآن عن التفاعلات الدولية لعملية اغتيال الحسن؟ أول ما يجب أن يقال هنا أن النظام السوري، في حال ثبت أنه وراء هذا الإغتيال (والأرجح بالطبع أن الأمر كذلك) قد تجاوز بذلك خطاً أحمر جديداً في علاقته مع الولايات المتحدة وفرنسا. إذ من المعروف أن الحسن كان يقيم علاقات وثيقة مع بعض الأجهزة في كلا هاتين الدولتين الكبريين.
فواشنطن هي التي زوّدت فرع المعلومات الذي رئسه الحسن بالأجهزة التكنولوجية المتطورة التي سمحت له ليس بكشف المخططات السورية وحسب، بل أيضاً بإماطة اللثام عن شبكات التجسس الإسرائيلية (على رغم أن هذا لم يكن برضى الإدارة الأميركية). وباريس كانت تنسّق عمل أجهزة مخابراتها في المشرق مع جهاز الحسن. ويقال أن مثل هذا التنسيق هو الذي أدى إلى كشف مخطط سماحة- علي المملوك.
والآن، فإن اغتيال الحسن سيضيف دافعاً آخر لواشنطن وباريس كي تسرعا بما يعتقد أنه استعدادات لتدخل من نوع آخر في الأزمة السورية، يتجاوز مجرد دعم المعارضة السورية بأجهزة التحكُّم عن بعد (الريموت كونترول) كما يحدث الآن.
وكان تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست يوم السبت 20 أكتوبر 2012 أشار بقوة إلى هذا الإحتمال حين قال إن “الحكومة الأمريكية تكثِّف من وراء الكواليس المشاورات العسكرية وتبادل المعلومات الإستخبارية مع تركيا، فيما يواجه كلا البلدين احتمال تصاعد الحرب الأهلية السورية إلى حرب إقليمية”. وأضاف التقرير أن الهدف الأول لمثل هذا التنسيق هو دراسة فرض حظر جوي ومنطقة آمنة (على الأرجح في الشمال السوري المحاذي للحدود التركية). وفي حال قطعت المشاورات حيال هذا الأمر شوطاً آخر نحو التنفيذ، فستكون فرنسا أكثر من مستعدة للمشاركة فيه، خاصة وأنها أعلنت غير مرة استعدادها لذلك.
ماذا تعني كل هذه التطورات المتلاحقة؟ أمراً واحدا: الوضع الإقليمي المحيط بالأزمة السورية، خاصة في لبنان وتركيا، يقترب من درجة الغليان. ودرجة حرارة هذا الغليان سترتفع أكثر في كل يوم يقترب فيه موعد انتهاء الإنتخابات الرئاسية الأمريكية.
وفيما يبدو أن وسام الحسن كان أول ضحايا هذا الغليان، لكنه حتماً لن يكون الأخير.
شهدت بيروت يوم الاثنين 22 أكتوبر 2012 مواجهات بين الجيش اللبناني ومسلحين، في حين بقيت المعارضة على موقفها الداعي لاسقاط الحكومة متهمة اياها بالصمت عن مقتل قادة لبنانيين على ايدي النظام السوري، وذلك بعد يومين من اغتيال مسؤول امني كبير في انفجار سيارة مفخخة.
وشهدت الساعات الماضية تحركا دبلوماسيا دوليا في اتجاه لبنان ركز على أهمية “استمرارية العمل الحكومي والمؤسسات” من اجل حفظ الاستقرار في لبنان. ومنذ صباح يوم الإثنين سجل ظهور مسلح في عدد من مناطق غرب بيروت القريبة من الطريق الجديدة، معقل سعد الحريري، ابرز زعماء المعارضة، وقام مسلحون مقنعون بقطع عدد من الطرق بالعوائق وحاويات النفايات والحجارة ومنعوا السيارات من المرور.
ويقوم الجيش باعادة فتح الطرق وملاحقة المسلحين، الا انه تعرض في منطقتي قصقص ومستديرة شاتيلا لاطلاق نار من اسلحة رشاشة فرد عليه بالرشاشات الثقيلة.
وكان الجيش نفذ عملية الليلة الماضية (الأحد) ضد مسلحين في الطريق الجديدة. وسمعت على مدى اكثر من ساعة طلقات نارية كثيفة من اسلحة رشاشة وقذائف صاروخية لم يعرف تماما ما اذا كانت بين مجموعات مسلحة او نتيجة تدخل الجيش الذي تمكن من “ضبط الوضع”.
وفي طرابلس كبرى مدن الشمال تستمر الاشتباكات متقطعة منذ يوم الاحد 21 أكتوبر بين منطقتي جبل محسن ذات الغالبية العلوية وباب التبانة ذات الغالبية السنية، ما تسبب بمقتل ستة اشخاص واصابة احد عشر شخصا بجروح بينهم ثلاثة عناصر من الجيش الذي يعزز مواقعه في المناطق المتوترة.
واوضح مصدر امني لوكالة فرانس برس ان الظهور المسلح والحوادث الامنية المتفرقة التي تحصل في عدد من المناطق السنية ناتجة عن “ردود فعل تقوم بها مجموعات تحظى بغطاء سياسي معين” بعد مقتل رئيس فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي الضابط السني وسام الحسن.
واكدت قيادة الجيش يوم الاثنين 22 أكتوبر “تمسكها بدورها في قمع الاخلال بالامن وفي حفظ السلم الأهلي”، مشيرة الى ان “التطورات التي حصلت في الساعات الأخيرة اثبتت بلا شك ان الوطن يمر بلحظات مصيرية حرجة، وان نسبة الاحتقان في بعض المناطق ترتفع الى مستويات غير مسبوقة”.
وشددت القيادة على ان “الامن خط احمر فعلا لا قولا”، داعية “المواطنين على تنوع انتماءاتهم الى التحلي بأعلى درجات المسؤولية الوطنية في هذا الظرف العصيب، وعدم ترك الانفعالات تتحكم بالوضع والمبادرة الى اخلاء الشوارع وفتح الطرق التي لا تزال مقطوعة”. وقالت ان الجيش سيتخذ “تدابير حازمة، لا سيما في المناطق التي تشهد احتكاكات طائفية ومذهبية متصاعدة، وذلك منعا لتحويل لبنان مجددا الى ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية”.
وتقع المناطق السنية التي تشهد توترا في بيروت على تماس مع مناطق اخرى شيعية، وقد شهدت هذه المناطق في 2008 مواجهات دامية بين انصار الحريري وحزب الله الشيعي. ولم يعلق حزب الله خلال الساعات الماضية على التطورات الامنية ولا على مطالبة المعارضة للحكومة التي يشكل الحزب مع حلفائه اكثرية فيها، بالاستقالة.
وكان تشييع الحسن امس في وسط بيروت تحول الى تظاهرة شعبية صاخبة طالبت باسقاط الحكومة، وانتهت بمحاولة متظاهرين اقتحام السراي الحكومي. وعلى الاثر وجه سعد الحريري نداء الى انصاره للانسحاب من الشوارع. وقال “لسنا طالبي عنف بل سلام. نريد ان تسقط الحكومة بطريقة سلمية. اطالب كل المناصرين والموجودين في الطرق بالانسحاب”.
الا ان اعتصاما لشبان من كل احزاب قوى 14 آذار (المعارضة) لا يزال قائما قرب السراي. وقد تم نصب خيم في المكان. كما نصبت خيمتا اعتصام على مقربة من منزل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في طرابلس للمطالبة باستقالته.
وكان ميقاتي رد يوم السبت 20 أكتوبر على مطلب المعارضة بالقول انه ليس متمسكا بمنصبه، لكنه علق اي قرار حول الاستقالة على مشاورات وطنية يجريها رئيس الجمهورية مع الاطراف السياسيينحول الموضوع الحكومي، ومشيرا الى ان الرئيس ميشال سليمان حذره من الفراغ في حال تخليه عن رئاسة الحكومة.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 22 أكتوبر 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.