ماذا وراء سعي الشركات الأمنية الخاصة إلى تقنين أنشطتها؟
ظلت الصورة العالقة بالشركات الأمنية الخاصة العاملة سواء في العراق وأفغانستان، أو في أماكن متفرقة أخرى بأنها مؤسسات توظف مرتزقة، ولا تراعي القيم الأخلاقية، ولا تحترم القوانين النافذة. ولتلميع هذه الصورة، تسعى هذه الشركات اليوم إلى تقنين أنشطتها .
وبحسب ألكسندر فوترافارس رئيس قسم العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية Webster بجنيف: “منذ سنة 2000، تسعى “جمعية عمليات حفظ السلام وتحقيق الاستقرار”، المنظمة الدولية الممثلة للشركات الأمنية الخاصة، إلى وضع مدوّنة دولية لتقنين عملها”.
تأتي هذه الوثيقة التي تم التوقيع عليها يوم 10 نوفمبر 2010 بجنيف من طرف 60 شركة أمنية خاصة، وبرعاية من سويسرا، في المقام الأول نتيجة لرغبة هذا القطاع، الذي يشهد نموا وتوسعا كبيريْن، في تقنين أنشطته. وكان في مقدمة الشركات الموقعة في جنيف شركة Blackwater التي ذاع صيتها نتيجة ما سجّل عنها من تجاوزات في العراق، والتي غيّرت أسمها لاحقا إلى Xe Services.
ويشير الكاتب الفرنسي جيرارد شاليوند، الذي قدم جردا دقيقا للسياق الذي ظهرت فيه هذه الشركات الأمنية الخاصة، وطورت فيه أنشطتها في كتابه “فنون الحرب الجديدة” الذي أعيد نشره أخيرا في شاكلة “كتاب للجيب”، يشير هذا الأخير إلى “أنه في مرات عديدة تعرضت Blackwater إلى اتهامات خطيرة. وفي كل مرة تختفي أو تقوم بإنسحاب تكتيكي، لتظهر في مكان آخر، بعد أن تغير معالمها الخارجية”.
أي نوع من العقوبات؟
يتساءل هذا الخبير في القضايا الجيو-إستراتيجية، والذي يضيف: “يبدو لي أن تقنين أنشطة هذه الشركات أصبح من الضروري: أولا لأن أية ظاهرة جديدة تتطلب قانونا جديدا. وثانيا لكي يكون هذا الاتفاق المقنن لأنشطتها مجديا يجب ألا يبقى مجرد إعلان للنوايا. يجب ان يتضمّن تحديدا دقيقا للعقوبات التي يجب ان تفرض على الجهات المخالفة للمدوّنة عند الضرورة”.
ومثلما أوضح بيان لوزارة الخارجية السويسرية: “تقوم الشركات والجهات المعنية الحاضرة خلال حفل توقيع “المدوّنة الدولية لحسن السلوك” بإنشاء لجنة مشرفة مكلفة بوضع آلية خارجية ومستقلة من أجل السهر على مراقبة وتنفيذ بنود هذه المدوّنة”.
لكن جيرارد شاليوند يشكك في صدق هذا المسعى، ويقول: ” هذا الأمر مشكوك فيه على الأقل بالنسبة للشركات الأمريكية الكبرى، والتي ليست خاضعة حتى إلى مساءلة مجلس النواب ومجلس الشيوخ في بلادها. نحن أمام إعلان نوايا يطمئن نوعا ما. لكنه إعلان رمزي، قد يظل مجرد حبر على ورق”.
وتشير وزارة الخارجية في بيانها إلى أن “مدوّنة السلوك التي وقعت بجنيف تنص على ضرورة احترام حقوق الإنسان بغض النظر عن القوانين الوطنية المعمول بها”.
شركات في أوج نموها
في انتظار ذلك، يشير ألكسندر فوترافارس إلى النتيجة المباشرة لهذا الاتفاق والمتمثلة في إضفاء شرعية على عمل هذه المؤسسات، ويمنحها سلطة واسعة ظلت تفتقدها إلى حد الآن، ويتساءل هذا الأخير: “هل تحدّ مدوّنة السلوك هذه من مجالات عمل هذه الشركات؟ لا أعتقد ذلك. ما سيحصل هو العكس، نحن بصدد خلق مجال يسمح لهذه الشركات الخاصة بممارسة نشاطها في عدد أكبر من البلدان”.
ويترافق هذا التطوّر مع توجه العديد من الدول الغربية نحو إلغاء الخدمة العسكرية، وتقليص الميزانيات المخصصة للمؤسسات العسكرية الرسمية فيها. لكن فوترافارس لا يعتقد أن الشركات الأمنية الخاصة تمثلا حلا مربحا: “نظرا لارتفاع أجرة موظفيها، وتكاليف تجهيزاتها، لا تمثل هذه الشركات الأمنية الخاصة سوقا مربحة مقارنة بالجيوش الوطنية، باستثناء المهام اللوجستية والنقل”.
ويرجع هذا الخبير في القضايا العسكرية لجوء بعض البلدان الكبرى للاستعانة بخدمات هذه الشركات إلى حرصها على تسجيل أقل ما يمكن من الخسائر في حروبها الخارجية، وأحسن مثال على ذلك الولايات المتحدة التي ليست ملزمة بالإعلان عن عدد أفراد الشركات الخاصة الذين قتلوا او جرحوا في العراق وفي أفغانستان”.
استقالة الدولة؟
من المثير للاستغراب فعلا في هذا المجال هو رؤية بلدان كبرى على الساحة الدولية تتخلى عن مجال من المفترض أنه حكرا على الدولة. أعني استخدام العنف للأغراض المشروعة.
ولكن مثلما أشار جيرارد شاليوند، يتعلق الأمر في الواقع بشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام في خدمة الدولة. هذا الأمر صحيح خاصة بالنسبة للشركات الأمريكية الأكثر والأقوى على الساحة الدولية، أو حتى بالنسبة للشركات البريطانية التي تعمل لصالح حكومتها، أو في الحد الأدنى في احترام تام لمصالحها.
ويفتح هذا الوضع الباب لاحتمال تطور مؤسسات عسكرية خاصة موازية، حتى لو وعدت باحترام مدوّنة السلوك الدولية. وهذا الخطر يكمن في أن هذه الشركات بحسب شاليوند: “تجمع في قبضة واحدة القوة البشرية، وقوة المال، وحرية الحركة، وأخذ المبادرة”.
ويضرب فوترافارس مثالا واقعيا على ما يمكن ان يؤول إليه الوضع فيقول: “بعض البلدان في إفريقيا مثلا لا تستطيع تسديد الديون المتراكمة عليها لصالح هذه الشركات. فتطالب هذه الاخيرة في تلك الحالة بتسليمها موارد طبيعية مقابل استحقاقاتها، أو السماح لها باستغلال مناجم في بعض المناطق الغنية بالأحجار الكريمة، أو عبر حصولها على عقود للاستثمار في القطاع العام في تلك البلدان، كقطاع توزيع المياه، أو الكهرباء”.
ويحذّر الخبير السويسري من أنه: “يوجد خطر حقيقي حاليا من أن تتحوّل الشركات الأمنية الخاصة إلى دول متعددة داخل الدولة الواحدة”.
هذه الشركات بصدد تركيز عملها وأنشطتها في ثلاثة مجالات مختلفة:
1. شركات مستخدمة لمرتزقة في عمليات تهدف إلى زعزعة الاوضاع في بعض الدول، أو من اجل دعم بقاء بعض الانظمة الاخرى. أغلبية الشركات من هذا الصنف بالتأكيد لن توقّع على مدوّنة السلوك الدولية التي أعلن عنها بجنيف يوم 10 نوفمبر 2010.
2. أغلبية الشركات الامنية الخاصة ترغب في تلميع صورتها من خلال التوقيع على مدوّنة السلوك، وهذه الأخيرة تحرص على الإستثمار في عمليات حفظ السلام وتحقيق الإستقرار، من خلال العمل لصالح الامم المتحدة مثلا.
3. الشركات العاملة خاصة في مجال اللوجستيك والطبخ وتوريد الأغذية. وهذه الشركات هي الأثر ربحية تقريبا، وليس لهذه الشركات أي مشكلة في التوقيع على مدوّنة السلوك هذه.
(ألكسندر فوترافارس في حديث إلى swissinfo.ch)
بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية: أغلبية هذه الشركات أما أمريكية أو بريطانية، وفي الحالتيْن تكون هذه المؤسسات في خدمة حكومتيْ بلديهما. وحديثا بدأت فرنسا أيضا في إستخدام هذا النوع من المؤسسات.
على المستوى الدولي: مع الوقت يتزايد عدد الشركات الامنية الخاصة التي يتم إنشاؤها في القارة الإفريقية. كذلك في الشرق الاوسط، تقوم إسرائيل بتطوير هذه الشركات. وهذه الشركات تعمل بنشاط وعلى نطاق واسع حاليا في منطقة آسيا الوسطى.
(نقله من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.