ماذا يفعل حزب الله.. في سوريا؟
القضية بدأت همساً قبل أشهر: عناصر حزب الله اللبناني يُقاتلون قوات المعارضة المسلحة في سوريا، جنباً إلى جنب مع قوات النظام.
لكن الهمْس تحوّل في الآونة إلى صُـراخ، بعد أن أجبرت العادات القَبَلِية في منطقة البِقاع اللبناني، الحزب على الاعتراف بمصرع مُقاتلين له في بلاد الشام، إذ بعد مقتل أحد قادته البارزين محمد حسين الحاج ناصيف (أبو العباس)، طلب الحزب من عشيرته من آل شمص (كما كان يطلب طيلة الأشهر الماضية من عائلات قتلى آخرين في سوريا)، التِـزام الصمت حيال أسباب مصْرعه ودفْنه بهدوء. لكن هذه العشيرة البقاعية القوية، رفضت بشدة وطالبته بنعْيِ أبي العباس رسميا.
وهكذا، اضطر حزب الله إلى إصدار بيان رسمي، قال فيه: إن محمد حسين ناصيف “استشهد خلال قيامه بمهمّةٍ جِهادية”. بيْـد أن مصادر رسمية أمنية لبنانية وعربية وأمريكية، أكّـدت (وحزب الله لم ينفِ)، أن أبا العباس ومجموعة من مُرافقيه، قَـضوا نحبهم في كمين نصبه لهم الجيش السوري الحُر، في بلدة القصير بمحافظة حُمص. ثم أنه سِـرٌّ معروف أن حزب الله أوقف عملياته العسكرية ضد إسرائيل، منذ أن وضعت حرب يوليو 2006 أوزارها، وبالتالي، ليس ثمة تفسير لـ “المهمة الجهادية”، التي كان يقوم بها أبو العباس (الذي نقِـلت جثَّـته من سوريا عبْر نقطة المصنع الحدودية اللبنانية – السورية)، سوى أنها جرت في سوريا.
بعد هذا الحدث، كرّت السَّبحة بشكل مُتسارع. فقد تواردت الأنباء عن مقتل ودفن العديد من أعضاء الحزب، ثم جاء تقرير صحيفة تايمز البريطانية، الذي قال (استِـناداً إلى “معلومات موثوقة”، كما قالت الصحيفة)، إن حزب الله أرسل 1500 من مقاتليه إلى سوريا. وما لبثت أن لحِقَـته الوثائق السرية للمخابرات السورية، التي قالت فضائية العربية إنها حصلت عليها من منشقِّـين سوريين، والتي أكّدت وصول مئات من مقاتلي حزب الله إلى كلٍّ من حلب وحُمص.
وأخيراً، ذكرت صحيفة الحياة اللبنانية يوم الإثنين 8 أكتوبر الجاري، أن المعارضة المسلحة السورية، اعتقلت قبل أيام 13 من مقاتلي حزب الله في جبهة حمص.
3 تفسيرات
أقل ما يقال عن هذه المعطيات، أنها تطوُّر خطير على “الجبهتيْن”، السورية واللبنانية معا. على الجانب السوري، يعني وجه الخطورة، ثلاثة أمور دُفعة واحدة:
الأول، أن النظام السوري بات في حاجة ماسّة إلى مقاتلين غيْر سوريين، بعد أن أُنهِكت على ما يبدو قواته المسلحة المعتمدة بشكل رئيسي على الطائفة العلوية، والتي تُقاتِل منذ سنة ونصف سنة على جبهات تفوق مساحتها 180 ألف كيلومتر مربّع.
ويقول هنا الباحث هلال خشان، استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت (فاينانشال تايمز، 3 أكتوبر 2012): “الأسد لا يستطيع الإعتماد على الجنود والضباط السُنّة، الذين إما انشقوا أو هُـم حبيسو ثكناتهم، هذا في حين أن نِسبة العلويين من إجمالي السكان، لا تتعدى 10%. ولذا، فهو في حاجة إلى مقاتلين خارجيين”.
الأمر الثاني، هو أن الدعم العسكري الإيراني المباشِر لنظام الأسد، تضخّم في الآونة الأخيرة، وبات أيضاً أكثر وضوحاً وعلَنِـية، خاصة بعد أن أكَّد العديد من قادة الحرس الثوري الإيراني، أن عناصرا من هذا الحرس موجودة بالفعل في سوريا بصفة “خبراء”، في حين تحدّثت أنباء عن أن طيارين إيرانيين (وصلوا إلى دمشق عبْر مطار بيروت) يشاركون بكثافة في قصف المدن والقرى السورية. والآن، ومع ظهور بصمات حزب الله اللبناني أيضاً في سوريا، يكون التدخّل الإيراني قد اقترب من ذِروته.
والثالث، أن الدول الإقليمية والدولية الأخرى، ستجد الآن مبرِّرات كافية للتدخّل بشكل أكثر قوّة في الأزمة السورية، خاصة بعد انتِهاء الانتخابات الأمريكية.
صحيح أن هذه الدول تسهّـل منذ مدة غيْر قصيرة، دخول المقاتلين والأموال وبعض الأسلحة إلى معارضة الداخل السورية المسلّحة، إلا أن انخِراط إيران وحزب الله على هذا النحو الكثيف والعلني في المعركة، سيُكرِّس تحَوُّل سوريا بالكامل، إلى ساحة حروب بالواسطة بين إيران وبين خصومها العرب والدوليين.
.. واتهامات لبنانية
هذا على الصعيد السوري. أما على المستوى اللبناني، فسيكون من المُثير معرِفة ردود فِعل حزب الله على الاتهامات التي ستوجّه إليه الآن بأنه يعمل لتوريط لبنان في حرب ضدّ السُنّة السوريين، كما سبق له أن ورّط البلد في حرب مع إسرائيل عام 2006، رغم إرادة كلّ أطيافه وتياراته، وأن ادعاءاته عن كونه قوّة مقاومة وممانعة وطنية لبنانية ضد أمريكا وإٍسرائيل، ليست سوى سِتار من دُخان، يخفي وراءه حقيقة ارتِباطاته الإقليمية بالخارج.
لا بل أكثر: سيُقال الآن أن حزب الله أثبت، عبْـر انغِماسه على النحو، إلى جانب الحرس الثوري الإيراني في قتال المعارضة السورية، أنه في الواقع ليس سوى فصيل من فصائل هذا الحرس ويأتمِر بتعليماته، وأن كل أحاديث السيد حسن نصر الله حول منح ولي الفقيه الإيراني الحزب حرية القرار في لبنان، لا هي دقيقة ولا واقعية.
بيْد أن الأخطر، هو ذلك الذي لن يُـقال، إذ أن الفصائل السُنّية المسلّحة في شمال لبنان وغيْر شمال لبنان، ستجد الآن الفرصة سانِحة للإفصاح هي الأخرى عن دعمها الكامل للمعارضة المسلّحة السورية، قولاً وفِعلا. ومن شأن هذا، أن يُشرِّع أبواب لبنان ونوافذه على مصراعيها أمام التسونامي السوري الهائِج، وأن يطيح بكل سياسة النأي بالنفس، التي التزمت بها الحكومة ميقاتي.
إلى أين؟
هل لا يزال ثمة مجال بعدُ لتجنُّب هذا المصير؟ المقربون من حزب الله يردون بالإيجاب ويقولون إن الحزب اضطر للانغِماس، جزئياً وبشكل غير علني في الحرب السورية، “بهدف تجنُّب انتقالها إلى لبنان”، حيث أن القادة السوريين كانوا يضغطون منذ فترة غير قصيرة على الحزب، لحمله على مدِّ السُنّة اللّهب السورية إلى لبنان، بهدف تخفيف الضغط عليهم.
ولكن أين الدليل؟ إنه يكمُن في المخطَّطات السورية، التي كان ينوي ميشال سماحة تنفيذها، والتي قال الحزب إنه لم يعرف بها إلا بعد انكشافها. حسنا. ربما كانت هذه حجّة مُقنعة نِسبياً، أو ربما تبتلِعها قِوى 14 آذار ورئيسا الجمهورية والحكومة، وإن على مضَض، طالما أن الساحة اللبنانية، لا تزال هادئة أمنيا.
بيْد أن مثل هذه الحجّة، لن تنفع مع الفصائل السُنّية اللبنانية المسلحة في شمال لبنان، ولا بالطبع مع المعارضة المسلحة السورية، ولا بالتأكيد مع العرب والأمريكيين والأتراك والأوروبيين. فكل هؤلاء سيَـرون ما يريدون أن يروْه من معنى، لانغِماس حزب الله في الحرب السورية، على أنه بمثابة إعلان حرب إيرانية شاملة، وهذا نذير غيْر مطمْئِن للبنان.
غير مطمئن البتّة، لأنه يقود إلى سؤال مُقلق ومؤرق: الآن وقد تكشفت أنباء مشاركة لبنانيين من حزب الله وربما أيضاً من سُنّة الشمال في الحرب السورية، هل سيقتصر الأمر بين الطرفين على الحروب بالواسطة فوق الأرض السورية، أم ينقلان الحرب بينهما إلى الأرض اللبنانية؟ فلِـننتظر قليلاً لنَـرى.
بيروت (رويترز) – اعترف الامين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم الخميس بارسال طائرة الاستطلاع التي أسقطتها الطائرات العسكرية الاسرائيلية الاسبوع الماضي بعد ان حلقت نحو 55 كيلومترا داخل اسرائيل ونفى مشاركة قواته في القتال الى جانب حليفه الوثيق بشار الاسد في سوريا.
وقال نصر الله في حديث عبر تلفزيون المنار التابع لحزب الله “المقاومة في لبنان ارسلت طائرة استطلاع متطورة من الاراضي اللبنانية …باتجاه البحر وسيرت هذه الطائرة مئات الكيلومترات فوق البحر ثم اخترقت اجراءات العدو الحديدية ودخلت الى جنوب فلسطين المحتلة وحلقت فوق منشآت وقواعد حساسة ومهمة لعشرات الكيلومترات في عرض الجنوب الى ان تم اكتشافها من قبل العدو على مقربة من منطقة ديمونة فتصدى لها سرب من طائرات سلاح الجو الاسرائيلي وقام باسقاطها.”
وأضاف “في موضوع الطائرة نحن امام عملية نوعية جدا ومهمة جدا في تاريخ المقاومة في لبنان بل في تاريخ المقاومة في المنطقة.”
وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في وقت سابق يوم الخميس 11 أكتوبر إن الطائرة دون طيار التي دخلت لمسافة نحو 55 كيلومترا في إسرائيل قبل إسقاطها يوم السبت الماضي أرسلها حزب الله اللبناني.
ومن جهة أخرى، نفى الامين العام لحزب الله مشاركة مقاتليه في القتال الى جانب قوات الاسد وقال “نحن حتى هذه اللحظة لم نقاتل الى جانب النظام. اولا النظام لم يطلب منا ثانيا من يقول ان هذا الموضوع يوجد فيه مصلحة (للبنان)؟”
أضاف “ليس صحيحا.. النظام ليس بحاجة لا الينا ولا الى احد ليقاتل الى جانبه. اصلا ليس من مصلحته اي قوة غير سورية ان تدخل الى ميدان القتال .. لا هو مصلحته ولا هو بحاجة ولا هو طلب ولا نحن اخذنا هكذا قرار ولذلك هذا ليس موجودا حتى هذه اللحظة.”
وذكر انه “في اليوم الثالث لبداية الاحداث في سوريا اعلنت المعارضة في سوريا ان حزب الله ارسل ثلاثة آلاف مقاتل وقلنا يومها ان هذا كذب ومازال كذبا.”
وكانت الولايات المتحدة فرضت الشهر الماضي عقوبات على حزب الله بسبب دعمه لحكومة الاسد. وقالت وزارة الخزانة الامريكية ان حزب الله يقدم التدريب والدعم الاداري والتنظيمي القوي لدمشق.
وقال نصر الله “نحن لا نخفي سقوط شهداء لنا ولا نمزح في هذه المسألة الشرعية والاخلاقية ونشيعهم علنا.”
وكان حزب الله شيع الاسبوع الماضي القيادي علي حسين ناصيف (ابو عباس) وقال انه استشهد اثناء قيامه “بواجبه الجهادي”. وقالت المعارضة السورية انها قتلته في كمين في منطقة القصير في حمص السورية.
لكن نصر الله قال ان ناصيف قتل في قرية حدودية ضمن مجموعة من القرى المتداخلة بين لبنان وسوريا ويقطنها لبنانيون.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 أكتوبر 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.