ما الذي يجتذب مُهاجرين أجانب إلى السياسات اليمينية؟
يتَّخذ مصطلح "الديمقراطية المباشرة" معنى جديداً عند حصول الشخص على الجنسية السويسرية. فعلى سبيل المثال، يَحِق للمواطن السويسري إختيار الحزب الذي يرغب بدَعمه. ولكن هل في خطاب حزب الشعب السويسري اليميني المحافظ والشعبوي الذي يقف وراء مختلف المبادرات المناهضة للهجرة ما يمكن أن يجذب المتجنسين للإنضمام الى صفوفه؟
إنه الأسبوع الأول من أعمال الدورة الربيعية للبرلمان السويسري بغرفتيه (مجلس النواب والشيوخ) التي انطلقت يوم الإثنين 3 مارس وتستمر مدة ثلاثة أسابيع. الباب المؤدي الى قاعة المجلس الوطني يُفتح ويخرج منه طوني برونَر رئيس حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) الذي يتوجه اليّ مُصافحاً.
كثيراً ما يوصف حزب الشعب السويسري، القوة الدافعة وراء مبادرات ترحيل المجرمين الأجانب، وحَظر بناء المئآذن، والمبادرة الأخيرة الداعية للحد من الهجرة التي اعتمدت في 9 فبراير 2014 بكُرهِه للأجانب. هل هذا صحيح فعلاً؟ “كلا، هذا غير صحيح على الإطلاق”، يجيب برونر، الذي يتخذ وجهه تعبيراً جدياً وهو ينحني الى الأمام مُضيفاً بأن الأجانب “مُرَحَّب بهم جداً في صفوف الحزب”. ووفق برونر، توفر عضوية المهاجرين في الحزب فرصةً لهم “للحصول على الشعور بالديمقراطية والمشاركة بتشكيلها”.
وحَسب رئيس حزب الشعب السويسري، يتلقى الحزب دعماً كبيراً من الأجانب المقيمين في سويسرا، وبالأخص من الجيل الثاني من أبناء وبنات المهاجرين. وحتى مع عدم توفر إحصاءات وطنية في الحزب، يقول برونر، “أنا أعرف أن هذا صحيح لأنني غالباً ما أحضَر مناسبات تأسيس فروع الحزب”.
جاذبية بين صفوف المهاجرين
إحدى هؤلاء المهاجرات التي تدعم الحزب بشدة هي إيفيت إيستيرمان، التي كانت عضوة في مجلس النواب الفدرالي عن حزب الشعب.. نشأت في ظل النظام الشمولي في تشيكوسلوفاكيا وجاءت إلى سويسرا في عام 1993.
في الوقت الحاضر، تقود إيستيرمان مجموعة “سويسرا الوطن الجديد” السياسية التي تأسست في عام 2010، وتتوجّه بالخطاب أساسا إلى الأجانب – المُتجنسين منهم وغير المتُجنسين على حد سواء – الراغبين في إظهار التزامهم للكنفدرالية.
وبالرغم من إستقلال المجموعة وعدم إنحيازها إلى حزب معين، وعدم تضمن موقعها على الإنترنت سوى إشارات قليلة لحزب الشعب، إلا أنها تعكس مع ذلك خط هذه التشكيلة السياسية. وكان نحو 140 شخصاً قد شاركوا في الندوة الأولى للمجموعة التي عُقِدَت في يونيو 2011، والتي ألقى فيها روجر كوبل، الناشر والصحفي والإعلامي المعروف بميوله اليمينية محاضرة حول موضوع “الهجرة نعم، ولكن بقيود”.
دعم من الأجانب
من المُرجح أن تصبح الهجرة الى سويسرا أكثر صعوبة عقب التصويت على مبادرة “أوقفوا الهجرة المكثفة” في 9 فبراير 2014، التي أطلقها حزب الشعب السويسري، ثم حظيت بتأييد 50.3% من الناخبين وغالبية الكانتونات. وتدعو هذه المبادرة الى تحديد سقف لعدد المُهاجرين الجُدد، واعتماد نظام حصص سنوية لجميع العمال الأجانب الذين يقيمون في سويسرا، ومنح الأفضلية للمواطنين السويسريين عند التوظيف، وفرض قيود على حقوق الرعايا الأجانب في مجالات التأمين على البطالة واستحقاقات الضمان الإجتماعي.
هنا يبرز السؤال عن السبب الذي يدعو الأجانب المقيمين في سويسرا إلى دَعم مثل هذه المبادرة الشعبية أو الحزب الذي يقف وراءها؟ والإجابة قد تكون عند جياني داماتو أستاذ العلوم السياسية في جامعة نوشاتيل، الذي يعتقد بأن لهذا علاقة بالحاجة إلى الشعور “بالإعتراف والقبول” [لدى الأجانب].
ووفقا لداماتو يقدم حزب الشعب السويسري “صورة قوية” لمعنى أن يكون الشخص مواطناً سويسرياً. “ولكنها صورة قديمة الطراز أيضاً. وهي في الأساس صورة سويسرا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما كان كل شئ مُنَظَّماً وعلى ما يرام”، كما يقول.
وحسب أستاذ العلوم السياسية، فإن حزب الشعب بِحاجة الى أعضاءٍ من المهاجرين، ذلك أنه “عندما يشكل الأجانب جزءاً من الحزب، سيكون هذا دليلأ على شرعية سياستهم وعدم تسببها بأي سلوك تمييزي”.
تغيّر مُستفز
نيكو ترلين، الذي يحمل الجنسية المزدوجة الكرواتية والسويسرية يدعم هو الآخر حزب الشعب، لأنه يشعر بأنه من الأحزاب القليلة التي تعمل من أجل المحافظة على القيم السويسرية، ويقول: “أردت أن أقدم مساهمتي الشخصية بهذا الخصوص، لكي نتمكن من مواصلة الحياة المُتميزة التي نتمتع بها هنا في سويسرا”.
لكنه يلاحظ أيضاً أن موقفه هذا يُواجَه باستغراب عند البعض بسبب خلفيته الكرواتية، ويعلق قائلا: “أنا أفهم ذلك، ولكن من وجهة نظري من غير المُجدي أن ننادي من الجانب الآخر للنهر، عندما أريد أن أغيّر شيئا يتعلَّق بالأجانب – ينبغي أن أكون في الوسط”.
مع ذلك، يرى ترلين بأن الحملات الأخيرة للحزب كانت تتضمن “بعض المبالغات”، حيث لم يُظهر الحزب سوى المهاجرين الفاشلين وأمثلة حول الإندماج السيء في المجتمع السويسري، إلا أنه “مع ذلك، يؤدي 95% من المهاجرين في سويسرا عملاً ممتازاً”، كما يقول.
اليقين
من جهتها، أصبحت إيفيت إيسترمان عضوة في مجلس النواب منذ عام 2007. وهي إحدى الأعضاء القلائل من المتجنسين في البرلمان الفدرالي السويسري. (يُشار إلى أن مقترحا يدعو الى إلزام النواب بتقديم جنسياتهم المزدوجة قد فشل في الحصول على تأييد الأغلبية في عام 2008، لذلك لا تتوفر إحصائيات دقيقة حول عدد البرلمانيين المتجنسين). وقد حصلت إيسترمان على الجنسية السويسرية في عام 1999، وانضمت بعد عام فقط إلى صفوف حزب الشعب في بلدية “كرينز” Kriens في كانتون لوتسرن.
وكما تقول إيسترمان، لم يكن قرار الإنضمام الى الحزب بالأمر الصعب. هي تستذكر إنبهارها بشخصية كريستوف بلوخر (الزعيم التاريخي المفوه لحزب الشعب، وعضو البرلمان الفدرالي من 1979 وحتى 2003، ووزير العدل والشرطة في الحكومة الفدرالية ما بين عامي 2004 و2008، ونائب رئيس حزب الشعب حالياً) الذي كان يمثل رمز هذا الحزب في السجالات الدائرة على شاشات التلفزيون. “حينئذٍ دار بخلدي دائماً مدى وضوح تصريحاته. إنه شخص يمكن للشعب الوصول إليه”. ومن ثمَّ بدأَتْ بدراسة وبَحث برنامج الحزب، ومن هناك “جاء اليقين بالنسبة لي”.
وقد صيغَ برنامج الحزب للأعوام من 2011 وحتى 2015 في وثيقة من مائة صفحة مملوءة بالإحصاءات، والإقتباسات وصور البطاقة البريدية السويسرية. كما يمكن الإطلاع على قيَم الحزب بشكل مفصَّل. “ينبغي لمن يختار حزب الشعب السويسري أن يعرف أين يقف”، كما جاء في النص الاستهلالي للبرنامج. و”يتحدث حزب الشعب السويسري بعبارات صريحة وهو يقود مساراً واضحاً يمكن الإعتماد عليه”.
ومع أن معظم الأحزاب السويسرية الأخرى تتفق على بعض القيم التي يتبناها حزب الشعب كالسيادة، والديمقراطية المباشرة والمسؤولية الذاتية، إلّا أنَّها لا تتشاطر قيماً أخرى يدعو اليها الحزب مثل رفض عضوية الإتحاد الأوروبي ومكافحة الجريمة عن طريق ترحيل المجرمين الأجانب.
من جهة أخرى، تبدو العديد من الإشارات التي يطلقها الحزب حول الأجانب سلبية لمن يتعمق في البحث. ففي برنامج الحزب، يمكن العثور على نص مثل “اليوم تُهدَر الحقوق المدنية بشكل صريح” على سبيل المثال، أو “بالرغم من عدم وجود إحصاءات فدرالية شاملة حول الجرائم المُرتكبة من قِبَل الشباب، ومع حقيقة تملُّك العديد من المُذنبين الأحداث للجواز السويسري، يَفترض الخبراء وجود خلفية من المهاجرين بين صفوف المجرمين الشباب بنسبة 75%..”.
هل يعني ذلك إذن وجود “أجانب جيدون” و “أجانب سيئون”؟ كلا، يجيب رئيس حزب الشعب، ولكن “هناك وكما في كل مكان أشخاص جيدون وآخرون سيّئون، سواء كان ذلك بين الأجانب أو بين السويسريين. إن المجرمين هم أولئك الذين لا يحترمون القانون ويضعون ثقافتهم الخاصة فوق قوانين البلد”، ويضيف برونر: “نحن توقع من جميع الذين يعيشون هنا احترام الدستور الفدرالي السويسري”.
أكثر “سويسرية” من السويسريين
إحترام القيم السويسرية بالنسبة للنائبة إيستيرمان، هو أمرٌ طبيعي. وكانت عضوة حزب الشعب قد تقدمت باقتراح في عام 2008 طالبت فيه أعضاء البرلمان بترديد النشيد الوطني عند إفتتاح جميع الدورات البرلمانية. وكما تستذكر: “أبدى العديد منهم إستغرابهم وقالوا لي ‘أنتِ من دون الجميع’!. وعلى الجانب الآخر، أبدى الكثيرون تقديرهم لمبادرتي وقالوا ‘أنتِ تعلميننا نحن السويسريين كيف تكون المواطنة السويسرية’”.
وبغض النظر عن الحزب الذي يَحظى بِدَعم المُتجنسين الأجانب، فإن لديهم – على غرار بقية المواطنين السويسريين – الحق في إبداء رأيهم في تشكيل مستقبل البلاد. وعندما أخبرتُ طوني برونَّر بأنني أصبحت مواطنة سويسرية مؤخراً، إرتسمت على مُحياه إبتسامة عريضة وبادَر بمصافحتي ثانية وهو يقول:”مبروك! أهلا وسهلاً بِك”.
“لا ينبغي أن تكون عملية التجنس سهلة، ولكن حينما يكون الشخص سويسرياً فذلك إمتياز”، كما يقول رئيس حزب الشعب السويسري، ذلك أن “التجنس يعني المشاركة في صنع القرار، وهذا الكفاح يؤتي ثمارَه، حتى لو استغرق ذلك خمسة أو عشرة أعوام”، على حد قول طوني برونر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.