ما الذي يمكن أن يفعله الأتراك والسعوديون في سوريا؟
قال مسؤول بوزارة الخارجية التركية يوم الثلاثاء 20 مارس إن تركيا قدمت موعد اجتماع "أصدقاء سوريا" المقرر عقده في اسطنبول الى الأول بدلا من الثاني من ابريل القادم.
في الأثناء، قال الامين العام للأمم المتحدة بان “إن الوضع في سوريا غير مقبول” ودعا المجتمع الدولي الى التحدث بصوت واحد كما حث أعضاء مجلس الامن على “نبذ الفرقة والتوافق في هذا الشأن”.
على صعيد آخر وقبل النفي الرسمي الأردني المفاجئ يوم السبت 17 مارس لعبور عتاد ومعدات عسكرية سعودية لأراضيه باتجاه سوريا لدعم المعارضة، كانت قنوات التواصل الإجتماعي على شبكة الإنترنت تبُـث برقية، قيل إن العاهل السعودي عبد الله وجّهها إلى وزير دفاعه الأمير سلمان.
في هذه البرقية المُفترضة، يتحدّث الملك عن فشل “مُهل” أعطاها هو للرئيس السوري بشار الأسد، ثم يأمر وزير دفاعه بإرسال قوات سعودية إلى تركيا بقيادة الأمير الفريق الركن خالد بن بندر بن عبد العزيز، قائد القوات البرية. وكما ورد في البرقية المزعومة، “ستنضم هذه القوات إلى وحدات أخرى من تركيا ومصر والأردن وقطر” للقيام بمهام لم يكشف النِّـقاب عنها.
لم يصدر في الرياض أي تأكيد لوجود مثل هذه البرقية. لكن، وحتى لو كانت هذه الأخيرة غير صحيحة، إلا أنها تصبّ في الواقع في سياقات وتطوّرات تبدو ملائمة للغاية لمضمونها.
تسليح المعارضة وفتح الحدود
في واقع الأمر، دعت الرياض جهاراً إلى تسليح المعارضة السورية، وكادت أن تقاطع “مؤتمر أصدقاء سوريا” الذي انعقد في موفى فبراير في تونس، لأن الدول الغربية تجنّبت اتِّخاذ مواقف حاسمة وحازمة ضدّ النظام السوري. وفوق هذا وذاك، كانت المملكة تمهّـد بشكل حثيث لإسقاط ما تبقى من شرعية عربية عن النظام السوري، ليس فقط من خلال الضغوط وإجراءات المقاطعة، بل أيضاً عبر الإقتراب من الإعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي وحيد للدولة السورية.
في الوقت نفسه، كانت قطر تتحرّك في الوِجهة ذاتها، وإن بوتائِـر أسرع، إذ سرت أنباء عدّة حتى قبل شهرين عن أنها شحنت العديد من المُـعدّات العسكرية عبر حدود سوريا مع الأردن ولبنان وحتى العراق، بل ترددت أنباء – لم تتأكد – عن احتمال تواجد وحدات قوات خاصة قطرية إما داخل سوريا أو على الحدود السورية – الأردنية.
وفي الأردن، تحدّثت العديد من المصادر عن ضغوط خليجية – غربية قوية تعرض لها الملك الأردني عبد الله لحمله على فتح حدوده أمام المعارضة المسلحة السورية، تُـوّجت خلال لقاء القمة السعودي – الأردني الأخير بوعود دعم مالي ودبلوماسي ضخم لعمّان، في حال أقدمت على هذه الخطوة. ويبدو أن الأردن بدأ يستجيب لهذه الضغوط، كما تدلّ على ذلك مُـعسكرات التدريب الأربعة التي أقامها قُـرب حدوده المشتركة مع سوريا.
العامل الكردي
كل هذه التطوّرات هامة بالطبع، وتشي بأن برقية الملك عبد الله المُفترَضة، ليست مجرد صاعقة عابرة في سماء صافية. لكن مع ذلك ثمة ما هو أهَـمّ ويرتبط بالتحوّلات السريعة في موقف تركيا، التي سيكون دورها هو الحاسِم في أي تدخّل عسكري مُـحتمل.
في الأسبوع المنقضي أعلنت أنقرة أنها تتوقّع أن يصل عدد اللاجئين السوريين على أراضيها في وقت قريب إلى أكثر من 500 ألف، وهذا سيشكّل بالنسبة إليها، ليس فقط إرهاقاً كاسحاً لاقتصادها الوطني، بل أيضاً تهديداً لأمنها القومي، وهذا ما دفعها إلى الإعلان عن أن الحلّ الوحيد للردّ على هذا التهديد، هو “إقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية” لاستيعاب هذا الكمّ الهائل من النازحين.
بيد أن هذا المبرِّر على أهميته، ليس في الواقع هو الدافع الأول الذي قد يحفِّـز أنقرة على التدخل المباشر في الشأن السوري. الدافع الحقيقي، هو المسألة الكردية في مُـثلث الأناضول – كردستان العراق – شمال سوريا.
ففي المناطق المأهولة بالسكان الأكراد في سوريا، يوسّع حزب العمال الكردستاني التركي جبهة عملياته العسكرية ضد تركيا، كما يوسّع قادة إقليم كردستان العراقي نفوذهم السياسي ويقومون بحملات تهدِف حسب معلومات متطابقة إلى إنشاء منطقة حُـكم ذاتي كردية في سوريا.
وكما هو معلوم، يمكن لتمدد أجندة حزب العمال الكردستاني والأجندة الكردية العراقية إلى سوريا، أن يكون مصدراً للكثير من المشكلات والمتاعِب غيْـر المتوقّـعة بالنسبة للمسألة الكردية في تركيا، ما يُفضي إلى تشجيع المطالب الكردية بالحُكم الذاتي وتعزيز الكِفاح المسلح الذي يخوضه حزب العمال الكردستاني. ولذا، تعيش أنقرة حالياً حالة من الذّعـر، وهي على حق في ذُعْـرها.
فالأكراد يمثّلون ما يقرب من 20% من سكانها، وتتراوح مطالبهم بين الإعتراف بالحقوق الثقافية للسكان الأكراد إلى انفصال المنطقة الكردية عن الدولة التركية. وقد سعى رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان، منذ عام 2007، إلى التخفيف من حِـدّة هذه المسألة من خلال منح الأكراد بعض الحقوق الثقافية في إطار المواطنة التركية، لكنه لا يزال يرفض منحهم أي درجة من درجات الحُكم الذاتي ويقاوم النّزعة الانفصالية. وقد اعتقدت تركيا أن سقوط نظام الأسد، ربما يوفِّـر فرصة لتسوية مشكلة الأكراد السوريين، باستخدام صيغة مماثلة لصيغة منح الحقوق الثقافية – المواطنية لهم.
في هذا السياق، ترى المحللة الاستراتيجية الإيطالية ماريا فانتابي، أن تركيا كانت تأمل في الإشراف على المفاوضات بشأن القضية الكردية من خلال استضافة المجلس الوطني السوري على أراضيها، وأن يتم الإاعتراف، في مرحلة ما بعد الأسد، بحقوق الأكراد ضِـمن “وحدة الدولة السورية”. وهكذا، يُمنع أكراد سوريا من الحصول على أيّ شكل من أشكال الحُكم الذاتي، ويضعف فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا وحزب الإتحاد الديمقراطي، كما يتِم تجنّـب استثارة مشاعِـر الحركة الانفصالية الكردية في تركيا. بيد أن الإستراتيجية التركية جاءت بنتائج عكسية. فالأسد لم يسقُـط. والأكراد العراقيون يضغطون لتحقيق أجندتهم الخاصة، في حين يردّ الأسد عن طريق إطلاق العِـنان لحزب العمال الكردستاني في سوريا.
وفي هذه الأثناء، فشل المجلس الوطني السوري في اجتذاب واستبقاء أعضائه من الأكراد، ما أفسح المجال أمام أكراد العراق كي يضمّـوا الأحزاب الكردية السورية تحت جناحهم. ففي نوفمبر 2011، سحب 11 حزباً كردياً عضويتهم من المجلس الوطني السوري وتجمّعوا في المؤتمر الوطني الكردي، ثم انضمّوا في نهاية المطاف إلى المجلس الوطني الكردستاني تحت المظلّة الكردية العراقية. ولم يبق في المجلس الوطني السوري سوى بضعة أعضاء من الأكراد، ما أفقده الشرعية اللازمة لتشكيل أساس للمفاوضات. ولذا، مستقبل أكراد سوريا قد يتقرّر (كما ترى الخبيرة فانتابي) في “العاصمة” الكردية العراقية أربيل، في حال استمر الوضع الراهن.
“منطقة عازلة” داخل سوريا؟
هذا المأزق التركي الحقيقي قد يدفع حكومة أردوغان في النهاية إلى تجاوز تحذيرات إيران (التي هدّدت بحشد نصف مليون جندي على حدودها مع تركيا وإشعال حرب إقليمية في حال تدخّلت هذه الأخيرة في سوريا)، وأيضاً روسيا (التي لوّحت هي الأخرى بتهديدات مماثلة، وإن أقل حدة)، والإندفاع نحو إقامة المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية.
التبرير سيكون بالطبع الحالة الإنسانية والأكلاف الاقتصادية والأمنية للنازحين السوريين. لكن الغاية، كما أشرنا، ستكون وقف تبلوُر مُـثلث كردي سوري – عراقي – تركي قد يفرض أفدح الأخطار على الوحدة القومية التركية. كما سيكون هناك تبرير آخر، قانوني هذه المرة. إذ في وسع أنقرة الاستناد إلى معاهدة أضنة التي وقعها الطرفان السوري والتركي في عام 1998 (لتجنّب اندلاع حرب بين البلدين بسبب نشاطات حزب العمال الكردستاني في سورية)، والتي نصّ أحد بنودها الـ11 على أنه “يُسمح للجيش التركي بدخول الأراضي السورية لتعقّب “الإرهابيين” حتى عمق 15 كيلومتراً، وليس للسوريين حق مماثل”.
إن احتمال نجاح أكراد سوريا في إقامة حكم ذاتي في شمال البلاد، سيعني فتح جبهة كردية عسكرية في جنوب تركيا. كما أن تفاقم نفوذ أكراد شمال العراق في شمال سوريا، قد يفجّر المشاعر القومية الكردية في هضبة الأناضول. وفي الوقت نفسه، فإن حصول حزب العمال الكردستاني مؤخراً على تفويض مطلق من دمشق لتوسيع عملياته العسكرية في منطقة عفرين الواقعة في شمال غرب سورية، يعني أنه سيكون قادراً على التوسُّع شرقاً، وهو يفتح الآن مكاتب جديدة في مدينتي رأس العين ورأس العرب الواقعتين على الحدود السورية – التركية.
تقاطع مصالح
هذه التطورات الدراماتيكية تشي بأنه قد ينشأ قريباً تقاطع مصالح واسع بين تركيا والسعودية وقطر والأردن وربما مصر، على ضرورة المُـضيّ قُـدماً في التدخل العسكري المباشر في سوريا، سواء اتخذ هذا شكل دعم المعارضة السورية بكل أنواع الأسلحة والعتاد أو ارتدى في نهاية المطاف حلّة المنطقة العازلة، التي يمكنها أن تقلب المَـوازين في الداخل السوري رأساً على عقِـب.
وفي حال وصلت الأمور إلى هذه المرحلة، والأرجح أنها ستصل بالفعل، سيكون من الضروري (والمثير) التساؤل عن طبيعة ردود فعل، ليس فقط طهران وموسكو وحزب الله، بل أيضاً إسرائيل التي قد تجِـد نفسها مُـضطرة حينها إلى وضح حدٍّ لسياسة “النأي بالنفس”، التي لا تزال تمارسها، وإن شكلياً، حتى الآن.
والآن، هل ثمة ضرورة بعدُ للتساؤل عمّا إذا كانت برقية الملك السعودي صحيحة أم لا؟
نفى وزير الدولة الاردني لشؤون الاعلام والاتصال راكان المجالي يوم 17 مارس 2012 تحرك معداّت عسكرية سعودية الى المملكة لتسليح الجيش السوري الحر.
وقال المجالي، الذي يشغل ايضا منصب الناطق الرسمي باسم الحكومة الاردنية لوكالة فرانس برس “ننفي نفيا قاطعا ان يكون هناك نقل أسلحة او أي توجهات من هذا النوع”، معتبرا ان “هذا الخبر لا أساس له من الصحة”. وأوضح المجالي انه ” لم يجر حديث حول هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد”.
وكان مصدر دبلوماسي عربي اعلن لوكالة فرانس برس من دبي يوم السبت 17 مارس “تحرك معدات عسكرية سعودية الى الاردن لتسليح الجيش السوري الحر” الذي انشقت عناصره عن الجيش النظامي السوري. واضاف المصدر مشترطا عدم كشف اسمه أن “التفاصيل المتعلقة بهذه العملية ستعلن في وقت لاحق”.
يذكر ان السعودية، وهي من ابرز المنتقدين لقمع المحتجين على النظام في سوريا، كانت اعلنت يوم 14 مارس اغلاق سفارتها في دمشق وسحب جميع الدبلوماسيين بعدما كانت استدعت سفيرها من هناك في اغسطس 2011.
وكان وزير الخارجية الامير سعود الفيصل اعلن قبل اسبوعين مجددا تاييده تسليح المعارضين السوريين لان “هذا حقهم للدفاع عن انفسهم”. وقال في هذا الشان ان “رغبة السوريين في التسلح دفاعا عن انفسهم حق لهم. لقد استخدمت اسلحة في دك المنازل تستخدم في حرب مع الاعداء”.
يذكر ان الفيصل كان اعتبر خلال لقاء مع وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون على هامش المؤتمر الدولي حول سوريا في تونس في 24 فبراير الماضي، ان تسليح المعارضة “فكرة ممتازة لانهم بحاجة الى توفير الحماية لانفسهم”.
وكان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بحث مع ملك الاردن عبد الله الثاني يوم الاثنين 12 مارس في الرياض “تطورات الأوضاع في سوريا” مع التاكيد على “ضرورة إيجاد مخرج للأزمة السورية في اطار الإجماع العربي”.
ويقول الاردن ان حوالى 80 الف سوري دخلوا المملكة منذ اندلاع الاحداث في سوريا منتصف مارس من العام الماضي، ومعظم هؤلاء يقيمون مع أقاربهم في مدينتي المفرق والرمثا شمالي المملكة.
ولا يزال أول مخيم لاستقبال اللاجئين السوريين في المملكة قيد الإنشاء على أرض تبلغ مساحتها 30 دونما في مدينة المفرق (70 كلم شمال عمان) قرب الحدود مع سوريا.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، فان قمع الإحتجاجات في سوريا أسفر عن سقوط نحو تسعة آلاف قتيل منذ بدء الحركة الإحتجاجية ضد النظام في مارس 2011.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 17 مارس 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.