مثقّفون قطريون: استضافة كأس العالم “فُـرصة لتسريع الإصلاحات”
في عاصفة عاتية من الهجمات الإعلامية والهجمات المضادة، تحوّل التحقيق الذي نشرته صحيفة بريطانية عن أوضاع العمالة السريلانكية في قطر، إلى مادّة مشتعِلة كادت تحرق قرار إسناد تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022 إلى قطر، لاسيما أنها تزامنت مع مظاهرات صاخبة أمام أبواب الفندق الذي استضاف اجتماع اللجنة التنفيذية للفيفا مؤخرا في زيورخ، طالب خلالها المحتجّون بسحب قرار استضافة قطر كأس العالم، بالنظر "لتشغيل العمّال الآسيويين بالسّخرة"، حسب قولهم.
وأحدثت الأزمة التي اندلعت مؤخّرا بين منظمات حقوقية دولية وخاصة منظمة “هيومان رايتس ووتش” والحكومة القطرية في أعقاب نشر “الغارديان” لتحقيقها، “خضّة” حملت السلطات في الإمارة الصغيرة، التي تتمتّع بأعلى دخل فردي في العالم، على مراجعة تشريعات العمل، كي لا تكون مبرِّرا لإفساد تنظيم الكأس. هكذا وجدت قطر نفسها (ربما من دون أن تستعِد لذلك)، تحت الأضواء الكاشفة للمنظمات الدولية التي لم تعتدْ على مجاملة الدول الخليجية، خصوصا في ملفّات حقوق الإنسان.
وما أن نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرها عن أوضاع العمال السريلانكيين في حضائر البناء، حتى تلقّفتها المنظمات الحقوقية لكي تشنّ حملة إعلامية، شجّعت أطرافا عدّة على المطالبة برفض ترشيح قطر لاستضافة كأس العالم. وبثّت قنوات تليفزيونية عالمية صورا لمحتجّين أمام مقر اجتماعات “الفيفا” في سويسرا، وهم يحملون لافتات تدعو لرفع الورقة الحمراء معاقَبة لقطر، على ما اعتبروه انتهاكا لحقوق العمال، أي حجْب تنظيم الكأس عنها.
بعد مرور نحو أسبوعين على الزّوبعة السياسية والرياضية، تحدّث حسين الملا، وكيل وزارة العمل القطري إلى الإعلاميين في مؤتمر صحفي خصّصت له الصحف المحلية صفحات مطولة.
لم يأت المُلاّ بجديد، إذ أكّد مرة أخرى أن “هناك مؤامرة ذات أبعاد سياسية وراء تقرير صحيفة “الغارديان”، تستهدِف إبطال استضافة قطر للمونديال”.
أعلن وكيل وزارة العمل القطري عن عقد اجتماع ثانٍ مع أفراد الجالية السريلانكية في قطر، التي قدر عددها بـ 400 ألف عامل “يُحوِّلون إلى بلدهم أكثر من مليار دولار في السنة”، على حد قوله. بيد أنه أعلن في الوقت نفسه، عن تعديل بعض القوانين المنظمة للعمل، وفقا لمتطلّبات تنظيم كأس العالم.
في ندوته الصحفية، قدّر وكيل وزارة العمل عدد العمال الأجانب في قطر بـ 1.2 مليون عامل، وقال: “إن عددهم سيزيد بـ 500 ألف، لتلبية الإحتياجات المستقبلية، بما فيها ملاعب المونديال”.
هجوم معاكس
في البداية، بدت السلطات القطرية كما لو أنها فوجئت بحجم الإنتقادات التي انطلقت من صحيفة بريطانية معروفة بصِدقيتها، فلاذت بالصّمت طيلة نحو أسبوعين. لكنها “عكست الهجوم” بلغة كرة القدم، بعد تصريحات رئيس اللجنة التنفيذية للفيفا جوزيف بلاتر بأن قطر ما زالت هي المستضيف الرسمي لكأس العالم 2022 وأن جدول المناقشات في اجتماع اللجنة التنفيذية لم يتجاوز الإختيار بين الصيف والشتاء موعِدا لمباريات الكأس، بالنظر لحرارة الطقس في الخليج صيفا. وارتاح القطريون أكثر لمّا أعلن السويسري بلاتر أن تحديد الفصل الملائم، لن يتم قبل اجتماع المكتب التنفيذي للفيفا في ساو باولو بالبرازيل على هامش نهائيات كأس العالم 2014.
لكن رغم تنفيس بلاتر للإحتقان، لوحظ أنه لم يتطرّق أي مصدر رسمي قطري للموضوع، عدا علي أحمد الخليفي، وهو استشاري العلاقات الدولية لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية القطرية. كما لوحظ أن السفارة السريلانكية عقدت مؤتمرا صحفيا لتفنيد ما ورد في مقال “الغارديان”. وظلت الردود والتعليقات القطرية، محصورة بمقالات نارية لبعض الإعلاميين البارزين أو المسؤولين في مؤسسات غير حكومية، مثل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وهي هيئة على صلة وثيقة بالدولة، أقلّه على صعيد التمويل، الذين قادوا حملات قوية، ليس فقط ضد الصحيفة البريطانية، وإنما أيضا ضد “وسائل إعلام عربية شقيقة تجنّت على قطر، مُروِّجة لعدم قُدرتها على استضافة المونديال”، كما كتب محمد حجي، نائب رئيس تحرير صحيفة “العرب”، ذات العلاقة المتينة بالدولة.
كما لوحظ أن غرفة تجارة وصناعة قطر انضمت إلى الحملة المضادّة، وإن بشيء من التأخير، إذ انتهزت فرصة اجتماع مجلس إدارة منظمة العمل العربية يوم 30 سبتمبر 2013 في القاهرة، لكي يطلب عضو مجلس إدارة الغرفة، المهندس ناصر المير، من المجلس تبنّي قرار بتوجيه رسالة من المنظمة العربية إلى منظمة العمل الدولية في جنيف “للتأكيد على أن العَمالة الوافِدة في قطر، تحصل على حقوقها كاملة وتحظى بالإحترام والأمن والإستقرار، وأن ما ورد في “الغارديان” عار عن الصحة”. وبالطبع، تبنّى الإجتماع هذا المسعى..
وفي خطٍّ مُوازٍ، عقد علي بن صميخ المري، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، مؤتمرا صحفيا قال فيه، إن الجهات الحكومية القطرية بدأت تحقيقا في مدى صحّة ما نشرته “الغارديان”، غير أنه أكّد في الوقت نفسه أن وزارة العمل تتّجه إلى مضاعفة عدد مفتّشي العمل، الذين لا يتجاوز عددهم 150 مفتِّشا حاليا، “لتضييق الخِناق على أيّ نوع من أنواع التجاوزات”.
أما الخطوة الأخرى التي اتّخذتها الدوحة، فتمثلت في تكليف شركة محاماة دولية بمُراجعة ما نشرته الصحيفة البريطانية “بطريقة مستقلة وإعداد تقرير عن مدى صحّتها للوزارة، ومن ثَم اتخاذ الإجراءات الضرورية للردّ على تلك الإدّعاءات”، مثلما قال المستشار علي أحمد الخليفي، الذي يبدو أنه يعلم سلفا أن نتائج التحقيق ستكون في صالح الحكومة القطرية.
ومن هذا الموقع نفسه، كتب محمد حجّي، نائب رئيس تحرير “العرب” في افتتاحيته المذكورة، أن “الخضّة” الأخيرة “حملت عدّة دروس يجب علينا الوقوف عندها ومراجعة النفس في الكيفية التي اعتمدناها، لمواجهة مثل هذه الحملات، وما هي الأخطاء التي ارتكبناها والطّرق المُمكنة لمعالجة مثل هذه الأمور مستقبلا؟”، لكنه لم يستخلص أي درس ومضى يُدافع عن السلطة، من دون الإشارة إلى أيّ نوع من التقصير.
أكثر من ذلك، تحوّل المعلّق إلى مهاجم لبلاتر، لأنه “لم يحسم الجدل في شأن تنظيم الكأس في الشتاء أو في الصيف، وكأنه يقول للمبتزّين إن لديهم فُرصا أخرى لممارسة الإبتزاز حتى عام 2014″، مع أن رئيس الفيفا واجه المحتجّين واستَمات في الدفاع عن حقّ قطر في استضافة الكأس. ثم أنهى المعلّق مقاله الطويل (صفحة من الحجم الكبير)، بجملة يصعب إحصاء عدد المعلّقين الرّسميين الذين استخدموها قبله، وهي “القافِلة تسير والكِلاب تنبَح”، وقد وضعها في خانة “الأقوال المأثورة”….
إجراءات عاجلة وصارمة؟
في المقابل، ردّدت منظمات دولية كبيرة معنِية بحقوق الإنسان، في مقدمتها “هيومان رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية، صدى مقال “الغارديان”، متوعِّدة بالتحقيق في الأمر ومُطالبة بإجراءات عاجِلة وصارمة لحماية حقوق العمال الآسيويين في قطر. وما أزعج تلك المنظمات، هي التقارير التي أشارت إلى احتمال وفاة عشرات العمّال النباليين في قطر، نتيجة انتهاكات جسيمة قد يكون تعرّض لها هؤلاء العمّال، بحسب التقارير.
لكن السلطات القطرية أكّدت، على ألسِنة معلِّقين غير رسميين دائما، أن عدد الوفيات الناتجة عن حوادِث العمل في صفوف النباليين، لم تتجاوز منذ بداية العام الجاري، 15 حالة من بين 340 ألف عامل. أما الحجّة الأخرى التي استخدمها القطريون، فهي أن حضائر بناء الملاعِب لم تنطلق بعدُ وأن الأمْر لا يعدو الاستِعانة بمئات الآلاف من العمّال الآسيويين في إنشاء مشاريع البِنية التحتية، وخاصة المشروع الضّخم المتعلّق بإقامة شبكتيْ سكة حديدية ومِترو في العاصمة الدوحة قبل 2022.
كشف خليفة المسلماني، أحد المستثمرين البارزين، أن عدد سكان قطر الذي وصل إلى 1.8 مليون ساكن في أواخر 2012، ارتفع خلال الأشهر التِّسعة الأخيرة بأكثر من 200 ألف شخص (غالبيتهم من العمّال الأجانب)، ليبلغ أكثر من مليونيْ ساكن.
هذا النمُو السريع لا يفسّره سوى التدفّق المكثّف للعمّال الآسيويين لإنجاز المشاريع المُرتبِطة باستضافة كأس العالم، ما يعني مجيء مزيد من السريلانكيين والبنغاليين والباكستانيين والفليبينيين، الذين تقوم عليهم مشاريع كبرى في البلد.
المسلماني توقّع في ضوء دراسة استشرافية، أن يرتفع عدد سكان قطر إلى 2.4 مليون ساكن، بزيادة نسبتها 20% بحلول سنة 2016، وهو نمو يخصّ الوافدين أو “المقيمين”، مثلما يُسمَّون هنا، وليس المواطنين (أبناء البلد)، الذين لا يتجاوز عددهم 200 ألف.
“رُبّ ضارّة نافِعة”
ورأى محلّل، فضّل عدم الكشف عن إسمه، أن السلطات القطرية كان يمكن أن تتخلّص من آثار الحملة الإعلامية التي استهدفتها، بإجراء تحقيق فوري في سلوك الشركات التي تنفِّذ المشاريع الكبيرة في البلد وإنزال العِقاب بها، في حال ثبت قيامها بتجاوزات. وشكّلت الخطوة التي قامت بها إحدى تلك الشركات، وهي مؤسسة بروة للتطوير العقاري، مثالا لنوع آخر من التّعاطي مع الحملات الخارجية، إذ أعلنت عن بِناء مدينتيْن سكنيتيْن مُخصّصتيْن للعمال بحلول 2014، تتّسع كل واحدة منهما لإيواء 50 ألف عامل.
على هذا الأساس، يقول مثقفون قطريون مستقلّون بصوت خفيض “ربّ ضارّة نافعة”، إذ يعتقِدون أن إسناد تنظيم كأس العالم لبلدهم، سيضعه تحت الأضواء الكاشِفة طيلة السنوات المقبلة ويدفع عجلة الإصلاحات الإجتماعية والإقتصادية وحتى السياسية، بنسق أسرَع من ذي قبل. وفي هذا الإطار، يُتوقّع الإقدام على خطوات جديدة في 2014، منها مثلا انتخاب أعضاء مجلس الشورى وإعطاء هامش من الحرية للإعلام، الذي ما زال ذا لون واحد.
أما باسكال بونيفاس، الكاتب والباحث الفرنسي الذي ألّف كُتبا عن كرة القدم ورِهاناتها، فقال لـ swissinfo.ch، إنه “يدافع عن استضافة قطر كأس العالم، لأن جميع القارّات أخذت فرصتها في تنظيم هذا الحدَث الكبير، لكنها المرّة الأولى التي ستُمنَح فيها مثل هذه الفرصة للعالم العربي والإسلامي”. وقلل من حدّة المُعاناة التي يعيشها العمال الآسيويون في قطر، مؤكّدا أن “أوضاع هؤلاء صعبة وإنْ بدرجات في جميع دول الخليج”.
أما في موضوع الرّشاوى التي قيل أن القطريين أعطوها لقاء إسناد تنظيم كأس العالم إلى بلدهم، فقال بونيفاس، الذي يشغل منصب رئيس المعهد الفرنسي للأبحاث الدولية والإستراتيجية IFRI: “إن جميع الدول بما فيها الديمقراطية، دفعت رشاوى لاستضافة المباريات الرياضية الكُبرى”، مستدِلا بمدينة لندن، التي خطفت من باريس تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في عام 2012.
طالب وفد نقابي دولي يوم الخميس 10 أكتوبر 2013 قطر، الدولة التي تستعد لاستضافة كاس العالم لكرة القدم في 2022، بتحسين ظروف حياة الوافدين العاملين في قطاع الإنشاءات “الآن”.
وقال الوفد الذي يضم 18 شخصا في بيان أصدره في نهاية مهمة في قطر استمرت اربعة ايام “يتعين اتخاذ تدابير قوية الآن وليس في المستقبل” لتحسين ظروف عمل وحياة العمال الاجانب.
وتتعرض قطر لضغط متزايد من اجل وضع حد لما وصفته منظمات حقوقية بانه “استغلال” للعمال الوافدين العاملين في المشاريع الانشائية الضخمة التي تحضر لاستضافة كاس العالم في 2022.
وذكر بيان الوفد ان الادلة اظهرت بان “النقص في ارساء اجواء ملائمة للعمل يبقى منتشرا على نطاق واسع فيما يستمر ايضا جو من الخوف” بين العمال. وبحسب البيان، فان “الخطط والاصلاحات التي تقدمها السلطات تفتقر للطابع العاجل المطلوب في هذه الحالة”.
وكان الجدل حول وضع العمال في قطر تفجر الشهر الماضي مع نشر صحيفة غارديان البريطانية تقريرا اشار الى وفاة 44 عاملا نيباليا في العمل.
وندد الاتحاد الدولي للنقابات بالرد “الضعيف والمخيب للامل” من قبل السلطات القطرية ازاء التقارير الاعلامية حول وفاة العمال النيباليين.
وكان رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الانسان علي المري اقر الاسبوع الماضي بوجود قصور في هذا المجال إلا انه نفى بشدة الاتهامات بوجود حالات ترقي الى “الإستعباد” او “التشغيل القسري”. من جهته، اكد وكيل وزارة العمل حسين الملا لوكالة فرانس برس أن 99% من الشركات في قطر تحترم قانون العمل موضحا أنه “بامكان أي عامل ان يشتكي”.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 10 أكتوبر 2013)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.