مجلس حقوق الإنسان يتبنى تقرير غولدستون ويدعو إلى تنفيذه
في ختام دورة استثنائية بجنيف بدأت اشغالها يوم الخميس 15 أكتوبر 2009، وتواصلت يوم الجمعة، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقرير غولدستون حول جرائم الحرب التي يتهم حماس، وخاصة الجيش الإسرائيلي، بارتكابها خلال حربه على غزة في شهريْ ديسمبر ويناير الماضيين.
وأدان مجلس حقوق الإنسان في قراره الصادر الجمعة والذي أيدته 25 دولة، وعارضته ست أخرى من بينها الولايات المتحدة، إسرائيل لعدم تعاونها مع لجنة التحقيق التي ترأسها القاضي ريتشارد غولدستون من جنوب افريقيا حول أحداث غزة.
هذا القرار الذي احتفظت عن التصويت عنه 11 دولة عضوا في مجلس حقوق الإنسان يدعو مجلس الأمن لطلب تدخل المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق حول أحداث غزة إذا لم يقم الإسرائيليون والفلسطنيون بذلك بمبادرة منهم”.
لكن الرفض الإسرائيلي لهذا القرار لم يتأخّر، فقد وصفه إيلي فيشاي، وزير الداخلية، ونائب رئيس الوزراء في إسرائيل “بالمهزلة الدبلوماسية”. مدعيا: “أن الجيش الإسرائيلي خلال خلال عملياته في قطاع غزة، قد تصرف بمنتهى الحذر واللطف تجاه المدنيين الأبرياء”.
حدث هذا التطوّر الملفت أسبوعان فقط بعد ان قرر المجلس نفسه تاجيل النظر في هذا التقرير إلى ستة اشهر لاحقا، تأجيل حُمّلت مسؤوليته إلى السلطة الفلسطينية، وتعرض بسببه رئيسها محمود عباس إلى انتقادات شديدة من الراي العام الفلسطيني، وهيئاته المدنية والسياسية، وكذلك من المنظمات غير الحكومية، واتهامه بالخضوع لضغوط واشنطن وإسرائيل.
قرار دولي لدعم تقرير أممي
حظى مشروع القرار الفلسطيني أمام المجلس المكوّن من 47 دولة، منذ البداية بدعم بلدان عربية وإسلامية وإفريقية ومن امريكا اللاتينية. لكن، كان من الواضح أنه سيواجه باعتراض الولايات المتحدة، واحتفاظ غالبية الدول الأوروبية الحاضرة، ومن بينها فرنسا وبريطانيا، اللتان حاولتا حتى آخر لحظة إقناع إسرائيل بالتعامل بإيجابية مع توصيات تقرير غولدستون، لكن تلك المفاوضات لم تسفر عنها أي نتائج.
ويتضمّن القرار نقطتيْن أساسيتين: الدعوة أوّلا إلى “حمل طرفيْ النزاع على تشكيل لجان تحقيق وطنية مستقلة لمتابعة ومعاقبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الموثقة في تقرير اللجنة الأممية”، وثانيا: أن يقوم مجلس الأمن “بطلب تدخّل المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق بشان تلك الجرائم في حالة لم تجر الأطراف التحقيقات المطلوبة”.
لكن ما يثير مخاوف بعض الدول بشان هذا القرار هو هذه النقطة الأخيرة، أي عندما يتحوّل الملف إلى دوائر مجلس الأمن. فتصويت الولايات المتحدة ضد مشروع القرار الفلسطيني لا يترك مجالا للشك بانها سوف تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي محاولة دولية لإجبار إسرائيل، حليفتها الإستراتيجية في الشرق الأوسط، على الإمتثال لمقتضيات هذا القرار.
وهذا الأمر استبقته السيدة نافي بيلاي، المفوّضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة التي لم تخف دعمها وتأييدها لما ورد في تقرير المحقق الدولي الجنوب الإفريقي ريتشارد غولدستون، واتهامه للجيش الإسرائيلي وقوات حماس بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب التي شنتها الدولة العبرية على القطاع.
وقد عبّرت المسؤولة الاممية عن بالغ قلقها “لأن جميع أطراف النزاع في الشرق الأوسط مستمرة في انتهاك القانون الدولي، ويفلت مرتكبو تلك الإنتهاكات من العقاب”.
قلق وانزعاج في تل ابيب
إسرائيل التي نددت بالتقرير منذ نشره في سبتمبر الماضي، بدت منزعجة جدا للتطوّر المتسارع للأحداث، فبعد ان كانت قد نجحت في البداية بدعم امريكي في تأجيل النظر في قرار غولدستون ستة اشهر إضافية، عاد القرار إلى المحافل الدولية بأسرع مما كانت تتصوّر، ومارس عليها مجلس الأمن الأسبوع الماضي ضغوطا من أجل حثها على إجراء تحقيق كامل في المزاعم الموجهة ضدها في تحقيق غولدستون.
ومن شأن مجمل هذه التطوّرات أن تزيد في الضغوط المستمرة على الدولة العبرية، التي بذلت جهودا مضنية من أجل النيل من مصداقية التقرير، ومحاولة التأثير على المواقف الدولية بالتلويح “بأنه لا إستئناف لمحادثات السلام، مادام التقرير مُتداولا ويناقش”.
فيوم الخميس 15 اكتوبر دعا بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان إلى رفض تقرير لجنة التحقيق الأممية، وأضاف في ختام محادثاته مع نظيره الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو بأن “على الدول التي تحترم مسؤولياتها ان تصوّت ضد هذا القرار الذي يدعم الإرهاب، ويضع عراقيل امام إحلال السلام”، على حد تعبيره.
من جهته اعتبر أهارون ليشنو يار، سفير إسرائيل بمقر الأمم المتحدة بجنيف أن “المصادقة على تقرير غولدستون من مجلس حقوق الإنسان يكافؤ الإرهاب، والمستفيدون منه هم حماس وحلفاؤها الذين لا يريدون ان يعمّ السلام المنطقة”.
وأضاف السفير الإسرائيلي: “هذه الخطوة تشكل نكسة لجهود السلام، فكل حوار يبنى على الثقة المتبادلة. فقط الحوار، وليس الجلسات الإستثنائية، هو السبيل الوحيد القادر على تحقيق نتائج إيجابية لجميع الأطراف، وتعزيز نفوذ السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عبّاس”.
كما ذكّر السفير الإسرائيلي بان “الأخطاء التي ارتكبت خلال عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة هي الآن موضع تحقيق في إسرائيل”، متهما في الوقت نفسه لجنة التحقيق الدولية بقيادة غولدستون “بتجاهل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
إشادة سويسرية بالتقرير وتمسك بتنفيذه
خلال مداولات مجلس حقوق الإنسان، طالبت سويسرا كل من إسرائيل وحماس كل على حدة “بفتح تحقيق نزيه ومستقل، يحترم المعايير الدولية، حول الأحداث التي شهدتها غزة في ديسمبر ويناير الماضيين”.
ولضمان الإلتزام بذلك، اقترح المندوب السويسري تشكيل لجنة خبراء مستقلة للإشراف ومراقبة وتقييم الإجراءات القضائية التي سوف تتخذها الأطراف المعنية. وتقوم هذه اللجنة في الأخير بعرض تقييمها لتقدم وجدوى الإجراءات التي اتخذتها تلك الأطراف على المجلس.
وخلال مناقشة التقرير، أشاد يورغ لاوبر السفير السويسري بالأمم المتحدة بتقرير غولدستون، ورأى أن “هذا التقرير يقدّم قراءة موضوعية وشاملة للأحداث التي وقعت خلال ديسمبر 2008، ويناير 2009”. قبل ان يضيف بأن بلاده “راضية عن التقرير لكون اللجنة المشرفة عليه لم تكتف بالتحقيق حول الجرائم المرتكبة من طرف دون آخر، بل من جميع الأطراف”.
لكن الدبلوماسي السويسري الذي أعاد التأكيد على أهمية هذا التقرير، وأهمية عرضه على أنظار هذا المجلس، دعا إلى أن يكون قرار المجلس بشأنه أيضا “متوازنا لكي يحظى بدعم أكثر الأطراف”.
ويذكر أن مجلس حقوق الإنسان كان منعقدا منذ الخميس 15 اكتوبر، في دورة استثنائية بدعوة من السلطة الفلسطينية، مدعومة من المجموعة العربية، وبلدان عدم الإنحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والمجموعة الإفريقية.
swissinfo.ch مع الوكالات
يدعو نص القرار الذي يحمل عنوان “وضع حقوق الإنسان في الاراضي الفلسطينية المحتلة وفي القدس”،الذي تقدمت به السلطة الفلسطينية لمجلس حقوق الإنسان التابع للولايات المتحدة، بدعم من المجموعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكتلة عدم الإنحياز، وبعض الدول الإفريقية، وأقره المجلس يوم الجمعة 16 اكتوبر 2009 إلى :
– تأييد التوصيات الواردة في تقرير القاضي الجنوب الإفريقي ريتشارد غولدستون، وفي مقدمتها دعوة إسرائيل إلى إجراء تحقيق حول الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب على غزة.
– دعوة جميع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة بما ورد في التقرير إلى العمل على ضمان تطبيق تلك التوصيات كل في إطار اختصاصه.
– دعوة الجمعية العامة للامم المتحدة إلى بحث تقرير غولدستون ومطالبة الأمين العام للمنظمة الدولية إلى مراجعة مدى التزام إسرائيل لما ورد فيه من استحقاقات بحقها.
– إدانة “جميع السياسات والإجراءات التي تفرضها قوات الإحتلال على الفلسطينيين بما في ذلك تقييد حرية وصول الفلسطينيين إلى الأماكن المقدسة وإلى ممتلكاتهم”.
– يدعو إسرائيل إلى وقف الحفر والتنقيب حول المسجد الأقصى، وأماكن دينية اخرى خاصة بالمسلمين والمسيحيين”، والتوقف عن أجراء أي حفريات من شأنها الأضرار بأساسات تلك الأماكن المقدسة أو تغيير طابعها الثقافي.
– يدعو مجلس الأمن إلى إحالة قضية انتهاكات حقوق اإنسان في غزة خلال الحرب الإسرائيلية الأخير على القطاع إلى المحكمة الجنائية الدولية إذا لم يقم طرفا النزاع (الإسرائيليون والفلسطينيون) بفتح تحقيق نزيه ومطابق للمعايير الدولية حول تلك الإنتهاكات ومعاقبة المسؤولين عنها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.