محاولات تسوية نزاع الصحراء لا زالت تراوح مكانها
رغم مرور أكثر من 24 عاما على إطلاق الأمم المتحدة لمخطَّـطها للسلام بين المغرب وجبهة البوليساريو، فإن العجز عن التقدّم يبقى النتيجة الأساسية لمجهودات تُـبذَل وميزانيات تُـصرَف، وكأنها مياه تصبّ في الرمال.
آخر هذه الهوامش التي انشغلت بها الأمانة العامة للمنتظم الأممي وأطراف النزاع والجهات المعنية به، كان سحْب المغرب ثِقته من الدبلوماسي الأمريكي كريستوفر روس، كممثل شخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية في شهر مايو الماضي، ثم إعادة منحه ثقته بعد اتصال هاتفي بين العاهل المغربي الملك محمد السادس وبان كي مون في الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر الجاري، دون أن يعني ذلك أن روس سيواصل مهمّته التي كُـلِّف بها بداية 2009، وهو الخبير بشؤون المغرب العربي، إذ بالإضافة إلى إتقانه اللغة العربية، عمل سفيرا لبلاده في الجزائر في تسعينات القرن الماضي، كما ترأس المركز الإعلامي والثقافي الأمريكي في مدينة فاس المغربية في سبعينيات القرن الماضي.
سحب الثقة المغربية من روس، الذي خلف في المنصب الدبلوماسي الفنلندي بيتر فان فالسيوم (الذي سبق لجبهة البوليساريو أن تحفّـظت على استمراره في مهمّته)، أدى إلى فتور في العلاقات بين الرباط ونيويورك، أكده ليس فقط تمسّك الأمين العام بان كي مون بمبعوثه الشخصي، بل أيضا تعيينه الألماني فولفغانج فيسبرود فيبر، كممثل خاص له ورئيس لبعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، خلفا لممثله السابق، المصري هاني عبد العزيز، الذي انتهت مهمته في موفى شهر أبريل الماضي. والملفت هنا أن البرنامج الذي أتى به فيبر إلى المنطقة كان يتجه إلى تطبيق ما قاله روس وأثار بسببه القلق المغربي.
في شهر مايو الماضي، سجلت الحكومة المغربية على روس، ما أورده في مسودّة تقرير قدمها لبان كي مون، من اتهامات للمغرب بالقيام بانتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار وانتهاكات لحقوق الإنسان وعرْقلة مهمّة المينورسو والتجسّس عليها وتوصيته بتوسيع صلاحياتها، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالمنطقة والتقرير بها، فيما تجاهل – حسب الرباط – ما تعرفه مخيّمات تندوف، حيث التجمع الرئيسي لجبهة البوليساريو من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وطلب إجراء إحصاء للاجئين الصحراويين. وسياسيا، تجاهله لمبادرة المغرب بمنح الصحراويين حُكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، كحل دائم ونهائي للنزاع.
جمود عملية التسوية
المغرب اعتبر أن ما أورده روس، جاء تأكيدا على عدم حياده وموضوعيته وانحيازه لجبهة البوليساريو خاصة، لذلك أعلن سحب ثقته به، خاصة بعد أن تبين للرباط أن شطب بان كي مون بعض ما تحفظ عليه المغرب، لم يمنع روس من إعداد لزيارة مجلس الأمن للصحراء، دون التشاور معها، وكل ذلك “يُعتبر مسّا بالسيادة المغربية على المنطقة”، حسب المسؤولين المغاربة.
وما بين شهري مايو وسبتمبر، ظل المغرب في انتظار ردّ رسمي من بان كي مون، الذي كان يكتفي بإعلان موقفه عبر تصريحات صحفية، مؤكدة على تمسكه بروس، مدعوما من واشنطن ولندن، فيما لم يلقَ المغرب دعما مشابها من طرف باريس، حليفته التقليدية وداعمته الأساسية في أروقة الأمم المتحدة، أما التحركات الرامية إلى دفع عملية السلام (وإن كانت السابقة منها لم تأت بنتيجة إيجابية) فقد تجمدت تماما.
مقابل جمود عملية التسوية وعدم الإرتياح الدولي لسحب المغرب ثقته من روس، تحركت جبهة البوليساريو وحلفاؤها على جبهة حقوق الإنسان، وكان أبرزها زيارة وفد حقوقي دولي، نظمتها مؤسسة روبرت كينيدي للمغرب والجزائر، حيث زار مدينتيْ العيون والرباط، ثم مخيمات تندوف، ومحور لقاءاته على الهيئات والمؤسسات والناشطين المناهضين لمغربية الصحراء، ثم زيارة خوان مانديز، المقرر الخاص للأمم المتحدة، المعني بمناهضة التعذيب، وتخصيصه يومين لزيارة مدينة العيون ولقاءات مع الناشطين الحقوقيين المؤيدين لجبهة البوليساريو، بالإضافة لزيارة إريك غولدستون، نائب المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لمنظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية.
أزمة كريستوفر روس
الإتصال الهاتفي الذي تم بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي أكدا خلاله على أهمية الرقي بالتبادل المُثمِـر والمستمر والمسؤول بين المغرب والأمم المتحدة، إلى مستويات أعلى، أنهى أزمة روس، دون أن يعني ذلك أن الرجل سيمارس مهامّه بنفس الأجواء التي سبقت الأزمة.
من جهته، أكد بان كي مون للعاهل المغربي، أن المنظمة لا تعتزم إدخال أي تغييرات على مهامها في مجال الوساطة الرامية إلى إيجاد حل سياسي لنزاع الصحراء مقبول من لدن الأطراف، وأن مبعوثه الشخصي كريستوفر روس وممثله الخاص الألماني فولفغانغ فيسبرود فيبر، سيضطلعان بمهامهما ضمن إطارها المحدّد من قِـبل مجلس الأمن الدولي، من أجل تحقيق تقدم في مسلسل تسوية نزاع الصحراء٬ وبالتالي، المساهمة في إقامة علاقات ثنائية منشودة مع الجزائر.
“الحفاظ على ماء الوجه”
في تصريحات خاصة، قال محمد اليازغي، وزير الدولة المغربي السابق، لـ swissinfo.ch، إن على روس أن يطلب إعفاءه من مهمته أو أن يبحث له بان كي مون عن مهمة أخرى، لأنه من غير الممكن، سياسيا، القيام بوساطة بين طرفين، أحدهما سحب الثقة من الوسيط ويصعب على المغرب التعامل معه كشخص طعن فيه، ولن يكون ممكنا استقباله أو التحاور معه، وأن ما جرى التفاهم عليه بين العاهل المغربي والأمين العام للأمم المتحدة، لا يخرج عن سياق حل لأزمة روس، مع الحفاظ على ماء وجه كل الأطراف المعنية.
من الناحية العملية، تنتهي مهمة كريستوفر روس بداية 2013 وسيكون التجديد له أو عدم التجديد، مؤشرا على مستقبل عملية السلام في الصحراء الغربية. وفي هذاالسياق، يتوقع اليازغي أن يختار بان كي مون مبعوثا آخر بديلا عن روس، على غرار تدبيره لسحب ثقة البوليساريو بفالسيوم عام 2008 بإبقائه لحين انتهاء ولايته وعدم التجديد له. وكشف اليازغي أيضا لـ swissinfo.ch، أن الجزائر تتمسك بأمريكي مبعوثا، فيما لا يُولي المغرب اهتماما إن كان أمريكيا أو أوروبيا.
يُشار إلى المسؤول المغربي السابق كان له موقف متميز منذ اليوم الأول للإعلان عن سحب ثقة الرباط من روس، حيث حمّل الدبلوماسية المغربية مسؤولية عدم التجاوب الايجابي لكل الأطراف المعنية مع الموقف المغربي.
التنويه بالمقترح المغربي.. لا يكفي
في سياق متصل، قال اليازغي إن كريستوفر روس، ومنذ تعيينه ممثلا للأمين العام للأمم المتحدة بداية 2009، لم يلتزم بما اتفق عليه مع المغرب، ببدء مهمته من حيث توقف فالسيوم، بالنتيجة التي خلص إليها بـ “عدم واقعية قيام دولة مستقلة بالصحراء الغربية”، بل أدخل تسوية النزاع في متاهات المفاوضات غير المباشرة، كان مفترضا أن تقتصر على جولتين أو 3 جولات، لتصل إلى 9 جولات، دون الوصول إلى أي تقدّم حقيقي، وألمح إلى أن تغييرا سلبيا في تدبير روس للملف، ظهر منذ تشكيل الحكومة المغربية الحالية.
إضافة إلى ذلك، أكد اليازغي أن قرار المغرب سحب الثقة من روس، وإن كان له ما يبرره، إلا أنه كان من الأفضل لو صاحب قرار سحْب الثقة، إجراء مشاورات واسعة مع الفاعلين السياسيين في الداخل، ومع حلفاء المغرب في الخارج، قبل اتخاذ القرار، مشيرا إلى أن الملك محمد السادس، عندما أراد سنة 2006 طرح مقترح الحكم الذاتي، أجرى مشاورات واسعة، داخليا وخارجيا، مما أكسب المقترح التِفافا داخليا ودعْما دوليا، إلا أن اليازغي حذّر من الاطمئنان إلى التصريحات المُنوِّهة بالمقترح المغربي، واعتبر أن السؤال المطروح الآن، هو كيفية إقناع أعضاء مجلس الأمن بأن لا يكتفوا فقط بالتنويه بالمقترح المغربي، وإنما أن يضغطوا من أجل أن يكون هذا المقترح، هو الورقة الوحيدة على طاولة المفاوضات.
مسار نزاع طال أمده
وفي الوقت الذي يُؤكد فيه وزير الخارجية المغربي الدكتور سعد الدين العثماني على فشل خصوم بلاده في فرض انحراف في مجال تدخّل الأمم المتحدة في قضية الصحراء، فإنه يؤكد أيضا الإطمئنان، الذي يطبع ملف الصحراء، ويعتبر أن المغرب يسير من أحسن إلى أحسن، ولو ببطء، مُراهنا على مداخل يعتبرها مهمّة في ملف معقَّـد كملف الصحراء، منها بناء الإتحاد المغاربي وتحسين العلاقات مع الجزائر، يرى محمد العربي المساري، وزير الاتصال الأسبق، أن مسار قضية الصحراء لا يُطَمئِـن، لأن المغرب “يقبل بمِسطرة أممية، تتيح لخصوم الوِحدة الترابية، التحرك بنوع من الشطط”، على حد تعبيره.
وقال المساري، وهو من أبرز الدبلوماسيين والكتّاب المغاربة المتابعين لملف النزاع الصحراوي، إن من المنطق أن لا يبقى كريستوفر روس مبعوثا أمميا، رغم تشبّث بان كي مون به، ودعم دول كبرى لخيار بان كي مون، لأنه أظهر أنه غيْر قادِر أن يكون مقبولا عند جميع الأطراف، وأن له تصوّرات خاصة به، في موضوع الصحراء.
خلاصة القول أن مسار النزاع الصحراوي، الذي تجاوز عمره الـ 37 عاما، يظل حائلا دون قيام تعاون إقليمي ضروري لمنطقة بأمس الحاجة إلى التنمية والتعليم والصحة، بل إلى الأمن والإستقرار، كما يُـدخِلها (حكومات وشعوبا) في توترات لم تعُـد تثير اهتماما دوليا، ولا حتى محليا، وقد يكون النزاع علامة على ما تعانيه بلدان المنطقة من النزوع نحو التشرذم وسوء الحكامة والتدبير اللاديمقراطي لمجتمعاتها، دون إدراك أن العالم تغير والإنسان أيضا، وأن نزاعا من هذا القبيل يظل في نهاية المطاف قناة للتدخل الخارجي وإبقاء دول المنطقة رهينة لدى الدول الكبرى.
زار خوان منديز، المقرر الأممي المعني بمسألة التعذيب، يوم الثلاثاء 18 سبتمبر 2012، سجن مدينة العيون، كبرى محافظات الصحراء الغربية، التي يؤكد المغرب السيادة عليها، وتطالب جبهة البوليساريو باستقلالها.
واطلع خوان مانديز، حسبما أفادت وكالة الأنباء المغربية يوم الأربعاء 19 سبتمبر “على مختلف المرافق والبنيات التحتية المتوفرة بالسجن”، مضيفة أن “المسؤول الأممي التقى بعدد من السجناء واستمع لملاحظاتهم”. ونادِرا ما يُسمح للمنظمات والجمعيات الحقوقية المغربية بدخول السجون.
وقال عبد الاله بن عبد السلام، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لفرانس برس “إن ولوج السجون صار أكثر صعوبة مع المندوب العام الجديد للسجون”.
ووصل خوان منديز إلى المغرب يوم السبت الماضي (15 سبتمبر)، بناء على دعوة رسمية بهدف “مساعدة السلطات على احترام دولة الحق والقانون”.
وامضى منديز يومين في مدينة العيون في الصحراء الغربية، التقى خلالها السلطات المحلية وممثلي عدد من جمعيات المجتمع المدني.
ولم يتم الكشف عن برنامجه التفصيلي خلال هذا الاسبوع، حيث قال فريقه في اتصال مع فرانس برس، إنه لن يتم التصريح أو الإدلاء بأي معلومات حتى نهاية الزيارة، وذلك خلال مؤتمر صحفي يُعقد يوم السبت المقبل 22 سبتمبر في الرباط.
وتأتي هذه الزيارة بالتزامن مع تعبير الإئتلاف المغربي لحقوق الإنسان المكوّن من 18 هيئة ومنظمة حقوقية عن “قلقه العميق، إزاء التدهور الذي يشهده المغرب، فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان”. وأبلغ الإئتلاف قلقه هذا للمقرر الأممي الخاص بالتعذيب خلال لقاء جمعهما يوم السبت المنصرم 15 سبتمبر في العاصمة الرباط.
والصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقة، ضمها المغرب سنة 1975، حيث تقترح الرباط حُكما ذاتيا مُوسّعا تحت سيادتها، وهو ما ترفضه جبهة البوليساريو.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 19 سبتمبر 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.