مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

محمد ولد عبد العزيز: هل “يُجدّد” الطبقة السياسية و”يُحارب” الفساد ورموزه؟

الرئيس الموريتاني المنتخب محمد ولد عبد العزيز يُجيب على أسئلة الصحافيين في ندوة صحفية عقدها في العاصمة نواكشوط يوم 19 يوليو 2009 Keystone

شكّـلت الانتخابات الرئاسية الموريتانية الأخيرة مُـنعطَـفا جديدا في الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد خلال الأحد عشر شهرا الماضية. فبعد أن كان الجميع يترقّـبها آملا في أن تضع حدا نهائيا لحالة الاستقطاب والتّـجاذب السياسييْـن في البلد، جاءت نتائجها المفاجئة لتشكِّـل حلقة جديدة من حلقات الأزمة وامتدادا لها، وإن بصورة أخفّ وطأة وأقل تبريرا من قبل.

فقد كانت المفاجأة الكُـبرى التي أذهلت المراقبين وصدمت المعارضين، هي النتيجة السّـاحقة التي تقدّم بها الرئيس السابق للمجلس العسكري الجنرال محمد ولد عبد العزيز على منافسِـيه، رغم تمكينهم من إدارة دفّـتيْ وزارة الداخلية المشرفة على تنظيم الانتخابات واللجنة المستقلة المُـشرفة على مراقبتها، ودون أن تقدم المعارضة بُـرهانا ساطعا على حدوث تلاعُـب بالنتائج أو بأصوات الناخبين.

فقد تمكّـن الرجل من حسم المنافسة الشَّـرسة مع خصومِـه السياسيين ومنافسيه الأقوِياء في الجولة الأولى وبأغلبية تزيد على 52%، في حين لم يتمكن أقرب منافسيه رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير من تجاوُز عتبة الـ 17%، مما حَـدَا ببعض منافسيه إلى الطّـعن في النتيجة والتشكيك فيها، لكن دون تقديم أدلّـة قاطعة على وقوع تزوير فاحش أو تلاعب واضح، كما صرّح بذلك رئيس المجلس الدستوري ووزير الداخلية المحسوب على المعارضة.

وحتى رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات أقر بذلك قبل أن يقدِّم استقالته، قائلا إن لديه شكوكا في نزاهة العملية الانتخابية، لا يملك عليها من الدليل سوى طعون بعض المرشّـحين، ولذلك، استقال ليريح ضميره، وهي الاستقالة التي وصفها مقرّبون من ولد عبد العزيز بأنها “قرار سياسي يهدف إلى خدمة المرشحين المشكِّـكين في نتائج الانتخابات”.

بطاقة ذكية.. أم حملة سياسية؟

وإذا ما نحّـينا جانبا الحديث في بعض الأوساط المعارضة عن وجود بطاقة تصويت ذكِـية تمنح الأصوات تلقائيا للجنرال محمد ولد عبد العزيز (باعتبار ذلك المبرر الوحيد حتى الآن، الذي تعتقد بعض قوى المعارضة أنه قد يمكِّـن ولد عبد العزيز من حصد هذا الفارق الكبير في الأصوات، لكنها أيضا لا تملك عليه دليلا)، فإن قراءة أولية لهذه النتائج، تدفع إلى تسجيل بعض الملاحظات.

منها أن ولد عبد العزيز ـ كما يقول مقرّبون منه ـ حكم البلاد لفترة لا تتجاوز عشرة أشهر، جاب خلالها طول البلاد وعرضها أكثر من مرّة، وزار الأحياء الفقيرة والمستشفيات وأمر بتقديم بعض الخدمات الملموسة والتي تمس الحياة اليومية للغالبية الفقيرة من سكان البلد، سواء على الصعيد الصحي أو على صعيد خفض أسعار المواد الاستهلاكية أو توزيع القِـطع الأرضية على سكان أحياء الصفيح، وهي إجراءات، وإن وصفها الكثيرون بـ “الارتجالية وغير المدروسة”، إلا إنها في النهاية دفعت السّـواد الساحق من فقراء البلد ومتوسِّـطي الدخل فيه، وهم أغلبية السكان، إلى التصديق بأن الرجل قد يكون أقرب المُـتصارعين على الرئاسة إلى تحقيق أحلام الفقراء.

فضلا عما يقوله خصومه السياسيون، من أنه استخدم وسائل الدولة ونفوذها في حملته الانتخابية واعتمد سياسة الترغيب والتّـرهيب، وأقحم قادة الجيش والأمن في حملته الانتخابية.

وخلاصة القول أن ولد عبد العزيز خرج من هذه الانتخابات بدعم شعبي كبير، تقابله معارضة سياسية قوية، وأن فوزه بهذه السهولة شكّـل سلسلة انقلابات سياسية واجتماعية وتاريخية في البلد. فقد اصطفّ أغلب زعماء العشائر وأصحاب النفوذ السياسي التقليدي والقوى السياسية المعروفة بالأغلبية التقليدية، التي لم تعارض أي نظام في تاريخها السياسي، ضدّه، معزَّزة برجال أعمال من الوزن الثقيل، وسعَـوا جميعا لقطع الطريق عليه، بعد أن حرص في خطابه السياسي على الوعد بتجديد الطبقة السياسية والوعيد بضرب ومحاسبة الطبقة التي حكمت البلد في السابق، والتي لا يتوانى عن وصفها بـ “أقلية المُـفسدين التي أهلكت الحرث والنّـسل وقادت البلد إلى ما يعيشه من فقر وبُـؤس وتخلّـف”.

ماذا يريد ولد عبد العزيز؟

وإذا كانت صفحة الجدل القانوني حول شرعية الانتخابات قد طُـويَـت بقرار تزكيتها، الصادر عن المجلس الدستوري، فإن أسئلة كثيرة تطرح نفسها بإلحاح حول مستقبل العملية السياسية في البلد، وفي مقدّمتها مدى جدية المعارضة في المُـضي قُـدما في رفض النتائج ومواجهتها، أم أنها مجرّد حركات استعراضية لامتصاص الصّدمة؟ وهل سيَـقدِم ولد عبد العزيز على خفض مستوى سخونة خطابه السياسي ووعده ووعيده تُـجاه خصومه السياسيين؟ وهل فعلا ـ كما قال في أول خطاب له بعد فوزه ـ قرّر أن يكون رئيسا لجميع الموريتانيين دون استثناء، لا مرشحا تدعمه طائفة وتعارضه أخرى، وكيف سيتعامل مع الإمبراطوريات المالية والسياسية التي ناهضته بشدّة وبذلت الغالي والنّـفيس من أجل منعه من العودة إلى كرسي الحُـكم عن طريق الانتخابات؟ فهل سيبدأ مرحلة تصفية الحسابات معها أم أن الحملة الانتخابية بالنسبة له قد انتهت بما لها وما عليها؟

من هنا يستبعد المراقبون أن يُقدم ولد عبد العزيز على تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها المعارضة، وإن كان من غير المُـستبعد أن يسعى إلى استمالة أطراف من معارضيه التقليديين لضمِّـهم إلى صف الأغلبية الدّاعمة له، من قبيل حزب “تواصل” الإسلامي، الذي كان مرشحه في طليعة المرشحين الخاسرين الذين اعترفوا بالنتائج وهنّأوا ولد عبد العزيز بفوزه، فضلا عن تقاطع خطابهم السياسي مع برامجه في أمور جوهرية، من قبيل قطع العلاقات مع إسرائيل والتوجه بالبلد نحو معسكر الممانعة العربية ومحاربة الفساد، وهي شعارات رفعها ولد عبد العزيز وكسب بها آلاف الأصوات على حساب التيار الإسلامي القادم من أحضان الجبهة الوطنية للدِّفاع عن الديمقراطية، بما تحتضنه من متناقضات يسارية وقومية ووطنية، كما لوحظ أن الرجل في خطاباته النارية التي لم يسلَـم منها معارض له، تحاشى التعريض بالإسلاميين أو الهجوم عليهم، رغم أن بعض قياداتهم لم تتوانَ خلال الفترة الماضية عن وصفه بأبشَـع النُّـعوت السياسية.

وتعتبر حكومة ولد عبد العزيز المُـنتظرة، أول اختبار جدي سيُـواجهه خطاب تجديد الطبقة السياسية الذي رفعه وتسلّـح به طيلة الفترة الانتقالية ودفع ثمنه غاليا في تخلّـي بعض الرموز السياسية وقادة النفوذ عنه، كما أنها ستشكِّـل اختبارا كذلك لخطاب مناهضة الفساد ورموزه، من خلال قائمة الشخصيات التي ستسند إليها الحقائب الوزارية.

ما يمكن الجزم به هنا، هو أن موريتانيا دخلت مرحلة جديدة من تاريخها السياسي مع رئيس جديد تتباين أوصاف مُـنتقديه ومؤيِّـديه وتعليقاتهم حوله.

ففي حين يصفه معارضوه بالدكتاتورية والتهوّر وانعدام الخِـبرة السياسية وضيق الصّـدر الديمقراطي والتعاطي مع الشأن السياسي بمنطِـق قائد الثكنة العسكرية، الذي يصدر الأوامر دُون استشارة ويرفض نقاشها مع الجنود، ويستشفون معه للبلد مستقبلا غامضا، ستكون الحريات أول ضحاياه، حسب قولهم، ويحذِّرون من مغبّـة موجة تصفية حسابات يقوم بها تحت ذرائع مختلفة، منها محاربة الفساد والحفاظ على سيادة البلد وهيبة الدولة، يرى مؤيِّـدوه أنه الرجل القوي الذي تحتاجه البلاد ليُـعيد إليها هيبة الدولة، وأنه الأقدر على كبح جِـماح المفسدين والعابثين بالدولة والقادر على بنائها وحفظ أمنها، ويعدون بأن تتحوّل البلاد في السنوات الخمس القادمة تحت قيادته إلى ورشات بناء وعمل، واصفين الحديث عن دكتاتوريته بأنه تدلِـيس تتعمّـده المعارضة وتستهدف منه تشويه صورة صرامة الرجل في التعاطي مع الشأن العام.

في انتظار التنمية

لكن ما يُـجمع عليه الموريتانيون، هو أن البلد سئم الجدل السياسي العقيم وضاعت آمال وأحلام ساكنته بين صراعات القوى السياسية، واشتغل حكّـامه ومحكوموه في مهاتراتهم السياسية عن التنمية والبناء، لذلك، فإن البلد يحتاج اليوم إلى أن يخفِّـف جزءً من ضجيجه السياسي، لصالح صمْـت البناء وهدوء التنمية والتشييد، وهو أمر لن يكون بالمقدور تحقيقه ما لم يتعاون عليه الجميع، سواء في المعارضة أو الموالاة.

فموريتانيا لم تعرف في سنواتها الأخيرة أيّ استقرار سياسي، حيث ظلّـت تدُور في حلقة مُـفرغة من الإنقلابات والإنتخابات، دون أن تلوح في الأفُـق نهاية لهذه الدوامة، وحسب الموريتانيون سنة 2007 أن تجربتهم الديمقراطية الخارجة للتوّ من رحِـم مرحلة انتقالية، ستوفِّـر لهم جوّا من الاستقرار السياسي، يضمن للبلد الانخراط في ورشات ومشاريع تنموية تمكِّـنهم من قطع أشواط على طريق توفير العيش الكريم للمواطنين، لكن التجربة الديمقراطية لم تعمِّـر أكثر من خمسة عشر شهرا، كانت مليئة بالاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية، وانتهت بانتكاسة كبيرة ممثّـلة في انقلاب عسكري أعاد الأمور إلى سابق عهدها.

أما اليوم، وقد وُلِـدت تجربة ديمقراطية جديدة، أسّـست على نِـضال قوي وغير مسبوق للقوى السياسية التي ناهضت الانقلاب وفرضت العودة إلى الحياة الدستورية، فإن الموريتانيين يتطلّـعون إلى أن يُـدرك عسكريوهم أن عهد الانقلابات قد ولّـى إلى غير رجعة وأن الطبقة السياسية لم تعد ذلك الوقود الجاهز لتشغيل ماكينات الانقلابات كلّـما قفز ضابط على كرسي الرئاسة، كما يتطلّـعون إلى أن يدرك قادتهم السياسيون أن سنوات المهاترات السياسية والشدّ والجذب لم تقدِّم للمواطن كسرة خُـبز ولا جرعة ماء، وإنما أوقفت مسيرة التنمية المتباطئة أصلا وزادت أوضاع السكان سوءً على سوءٍ.

فالبلد يعيش ضائقة اقتصادية خانقة، قامت على أنقاض وضع اجتماعي وتنموي سيئ. فرغم موارد الطبيعة الكثيرة من نفط وحديد ونحاس وذهب وثروة سمكية هائلة وأراض زراعية وتنمية حيوانية، يقابلها استقرار ديموغرافي في حدود الثلاثة ملايين نسمة فقط، فإن موريتانيا لم تذُق للرّخاء طَـعما ولم تعرف للتقدم سبيلا، ويرجع الخبراء ذلك إلى عقود من سوء التسيير عاشها البلد في الماضي، حوّلت فئة كبار موظفي الدولة إلى ثلّـة الأغنياء أو من يُـسمَّـون اصطلاحا “القِـطط السمان”، بينما تعيش أغلبية سكان البلد تحت خطّ الفقر.

فالعاصمة نواكشوط ـ تلك المدينة الفتية التي وضع حجرها الأساس بداية ستينيات القرن الماضي – تحيط بها اليوم أحزمة من أحياء الصفيح تحوّلت إلى بُـؤرة للفقر والبؤس والإجرام. فهل رست سفينة موريتانيا على شاطئ الاستقرار؟ أم أن الدوّامة ما تزال فيها حلقات مفرغة تنتظر دورات قادمة، لا قبل للبلد وسكانه بتحمّل وطأتها وتداعياتها.

محمد محمود أبو المعالي – نواكشوط – swissinfo.ch

نواكشوط (رويترز) – أقرت المحكمة الدستورية في موريتانيا يوم الخميس 23 يوليو 2009، فوز محمد ولد عبد العزيز في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مطلع الأسبوع، رافضة الطعن الذي تقدّم به بعض المرشّـحين الخاسرين بان الإنتخابات زورت.

وحصل عبد العزيز الذي قاد انقلابا عسكريا في أغسطس 2008 على 52.6% من الاصوات في الانتخابات التي استهدفت إعادة الحكم الدستوري، بالاضافة الى استعادة ثقة المانحين والمستثمرين في موريتانيا، المنتجة للحديد الخام والنفط.

وفي وقت سابق من هذا الاسبوع، قدم المرشحون الخاسرون احمد ولد داده ومسعود ولد بلخير واعل ولد محمد فال، استئنافا للمحكمة لالغاء نتائج الانتخابات وقدموا أدلة قالوا إنها ستبرهن على ان الانتخابات لم تكن نزيهة.

وقال تقي ولد سيدي، احد اعضاء المحكمة في مؤتمر صحفي “قررت المحكمة الدستورية أن الادعاءات لم تتضمن اي دليل ملموس على حدوث مخالفات”. وأضاف “انتخب محمد ولد عبد العزيز باغلبية مطلقة، ولذلك فانه الرئيس وفقا للدستور”.

وقاد عبد العزيز انقلابا اطاح بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس ينتخب بصورة ديمقراطية في بلد يسيطر فيه رجال الجيش الاقوياء على السلطة منذ فترة طويلة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 يوليو 2009)

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية