محمود عباس يُصرّ على خوض معركته الأممية.. حتى النهاية!
في ذات صيف عام 2000، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يقف إلى جانب رفيق دربه الزعيم الراحل ياسر عرفات في وجه ضغوط أميركية وإسرائيلية شرسة لإجبارهما على توقيع معاهدة سلام ناقصة مع إسرائيل، لكنهما رفضا بشدة وكان ما كان من سنوات عجاف ذاقها الفلسطينيون.
واليوم – وبعد انقضاء 11 عاما على موقعة “كامب ديفيد” – يواجه عباس في نيويورك ذات الحلف، لكنه يعود هذه المرة “غازيا.. مقبلا غير مدبر” في أثر ثأر طال انتظاره أكثر من ستين عاما هي عمر إسرائيل التي أقيمت بفعل قرارات أممية، يقول الرئيس الأمريكي باراك أوباما الآن إنها “لم تعد صالحة” لإقامة دولة فلسطين.
قبل ساعات من إلقاء خطاب عباس التاريخي أمام الجمعية للأمم المتحدة لطلب عضوية فلسطين الكاملة، كان الرئيس الفلسطيني في وجه الضغوط مباشرة في لقاء مع أوباما، لقاء لم تكشف تفاصيله، ولكنه كان – بكل تأكيد – لقاء الثأر الرئيسي بين فلسطين والإدارة الأمريكية، وهو اللقاء الذي دمغ رسميا الهجوم الفلسطيني العابر للقارات.
لا شيء الآن يمكن أن يُثني عباس عن المضي في تقديم طلب عضوية فلسطين إلى مجلس الأمن حيث الفيتو الأمريكي المتوقع والذي سيُحرج إدارة أوباما أكثر مما يمكن أن يكبد الفلسطينيين أي خسارة.
بيد أن الضغوط المباشرة على الفلسطينيين لم تتوقف، وظلت التسريبات الإعلامية المختلفة تتوالى على مدار الساعة على شكل تصريحات عن مصادر تقول وتردد بأن الفلسطينيين تلقوا مبادرات يمكن أن تنجح في صدّهم عن المضي قدما في هجومهم الدبلوماسي.
لكن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، كان قاطعا في رده على ذلك خلال حديثه إلى “إذاعة صوت فلسطين” في مدينة رام الله غداة لقاء عباس وأوباما في نيويورك يوم الأربعاء 21 سبتمبر. فقد نفى عبد ربه وجود أي اتفاق حول مهلة تمنح لمجلس الأمن وقال: “إنه لا يوجد اتفاق على أي مهلة تمنح لمجلس الأمن بخصوص الطلب الفلسطيني الذي سيقدم إليه عدا المهلة القانونية التي تتطلبها عملية دراسة هذا الطلب”.
وشدد عبد ربه على أن الطلب سيقدم للمجلس يوم الجمعة (23 سبتمبر) عقب خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة وأن لا نية إطلاقا لتأجيل تقديمه. وقال إن المعركة حول الطلب الفلسطيني حاسمة ومستمرة وأن إسرائيل تحاول أن تجعل من الموضوع شأنا داخليا أمريكيا وقضية انتخابية أمريكية منددا بتصريحات لحاكم ولاية تكساس أريك بيري الذي انتقد وضع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على قدم المساواة.
طريق المعركة
ليس ثمة أوهام تخالط ذهن الرئيس محمود عباس حول نتائج المعركة الفلسطينية الراهنة على الساحة الدولية، حسب ما يقول المقربون منه، وهو ما تؤكده شخصيته وسيرته على مدار أكثر من أربعين عاما من العمل السياسي الوطني الفلسطيني.
الرجل، واضح مباشر، لا يُخفي ولا يتستر، يجهر في العلن بما يقوله ويفعله في اللقاءات الرسمية ووراء الكواليس، وربما كان ذلك أقوى أسلحته وأدواته السياسية، وهو ما أزعج وأربك الإسرائيليين أو الأمريكيين وحرمهم من فرص التـأثير عليه وإحراجه وبالتالي إضعافه.
ومحمود عباس هو الذي خط نهج المفاوضات التي أفضت إلى أوسلو وما تلاها، وظل مُصرّا على المفاوضات ورفض المواجهات المسلحة والعنف، حتى في ذهابه إلى الأمم المتحدة واصل الحديث عن المفاوضات ولم ينكر على أي دولة تقدمها باقتراح أو مبادرة ما دامت في إطار حل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة للدولة المرتقبة وحق اللاجئين.
بموازاة ذلك، لم يتراجع عباس عن مواقفه ونهجه ولو لمرة واحدة أو تحت طائلة الظروف، حتى في أحلك أيامه أواخر عام 2010 عندما اتهم بأنه انصاع لضغوط الإدارة الأمريكية وإسرائيل وتأجيل النظر في تقرير غولدستون حول الحرب على غزة. كانت تلك أقسى أيام عباس، عندما فكر في الإستقالة بعد أن سيرت حماس تظاهرات نعتته بالخائن وحرّضت على قتله، ربما كان ذلك أيضا ما يجعل عباس الآن أشد إصرار على المضي في طريق معركته الأممية إلى النهاية.
يُضاف إلى ذلك وعد أوباما في مثل هذا الوقت من العام الماضي عندما قال أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2010: “ستكون فلسطين عضوا في لقائنا القادم”، وهو الوعد الذي صدّقه عباس في حينه والذي تراجع عنه أوباما اليوم ليضاف سلاحا آخر قويا بين يدي عباس في ما يطلق عليه البعض تسمية “غزوة” نيويورك.
القرار الدولي.. ورقة تفاوضية
لن تشرق الشمس من الغرب غداة إلقاء عباس خطاب طلب عضوية دولة فلسطين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الثالث والعشرين من سبتمبر 2010، لكنها وبكل تأكيد ستكون شمسا فلسطينية خالصة ساطعة في سماء نيويورك.
فعندما احتلت رئيسة البرازيل منصة الجمعية العامة قوطعت بتصفيق الحضور الدولي مرتين، الأولى عندما أشارت إلى أنها أول امرأة تمنح الدور الأول في الحديث أمام الجمعية، والثانية عندما عندما دعت إلى قبول فلسطين دولة كاملة العضوية في منظمة الأمم المتحدة.
وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، يقول الكاتب والمحلل السياسي محمد هواش: “ليس لدى الفلسطينيين أوهام ولكن القيادة الفلسطينية نجحت في نقل الموقف والحق الفلسطيني نقلة نوعية واستطاعت اقتناص الإهتمام الدولي وفرض الأجندة الفلسطينية حتى على ثورات الربيع العربي”.
من جهته، كتب حسن لبطل في زاويته اليومية في صحيفة “الايام” الصادرة في رام الله يقول: “لكن هذا هو “ثأر عباس” العنيد لما جرى في كامب ديفيد 2000. آنذاك استفردوا بنا.. والآن، نراهم محشورين، سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة”.. وأضاف “ليست الدولة في الجيب، أياً كان قرار الجمعية (على الأغلب دولة – غير عضو) لكنها ليست في الغيب، لأن القرار الدولي سيكون ورقة في يد المفاوض الفلسطيني في شروط تفاوض أكثر ملاءمة.. وليست تحت احتكار الولايات المتحدة”.
لكن ثمة من يعتقد أن هناك أسبابا قوية تجبر على تحويل النظر إلى جهة مغايرة مخالفة لكل هذا التفاؤل الذي أطلقته مبادرة عباس العالمية، لاسيما وأن حركات كبرى مثل حركة حماس الإسلامية وصفت الخطوة بأنها “قفزة غير محسوبة في الهواء”. وهو ما يردده إلى حد بعيد الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين الذي قال في تصريح لـ swissinfo.ch “إن الموضوع لم يُدرس بعناية كافية وهناك تخبط واضح من قبل القيادة الفلسطينية” إزاء طرح مسألة العضوية الكاملة على الهيئات الدولية.
ولم يخف شاهين تشاؤمه من احتمال تعقد الأمور “بل تحولها إلى هزيمة داخل مجلس الأمن تنتقل تداعياتها إلى أروقة الجمعية العامة ذاتها”. ويعلل ذلك بالإشارة إلى أن الفلسطينيين لا يملكون أصواتا كافية داخل مجلس الأمن حيث يتمتعون حاليا بسبعة أصوات بدلا من الأصوات التسعة المطلوبة لنجاح التصويت.
وقال شاهين: “إن ذلك يُعفي الإدارة الأمريكية من حرج استخدام الفيتو ضد الطلب الفلسطيني الأمر الذي سيعقد الأمور داخل الجمعية العامة ويدفع الفلسطينيين نحو الهزيمة”. ويُلقي شاهين باللوم على مستشاري ومساعدي عباس “الذين لم يستعدوا للمسألة بشكل جدي”، حسب رأيه.
الأمم المتحدة (رويترز) – أبلغ الرئيس الامريكي باراك أوباما الامم المتحدة يوم الاربعاء 21 سبتمبر أنه لا يوجد طريق مختصر إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط لكن الفلسطينيين قالوا إنهم سيستمرون في سعيهم لتقديم طلب في الأمم المتحدة للإعتراف بدولتهم.
ووسط جهود محمومة لتجنب كارثة دبلوماسية حث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الأمم المتحدة أن تمنح الفلسطينيين وضع دولة مراقب مثل الفاتيكان واقترح جدولا زمنيا مدته عام لعملية السلام في الشرق الاوسط.
وبعد مرور عام على قوله أمام الجمعية العامة أنه يأمل أن يرى مولد دولة فلسطينية في غضون عام، قال الرئيس الامريكي: “إن قيام هذه الدولة إلى جانب اسرائيل ما زال هدفه”، واستدرك بقوله “لكن السؤال لا يتعلق بالهدف الذي نسعى إليه انما السؤال هو كيف الوصول إليه. وأنا مقتنع بأنه لا يوجد طريق مختصر لإنهاء صراع مستمر منذ عقود”.
وكان أوباما يأمل أن يتمكن من إثناء الفلسطينيين عن عزمهم مطالبة مجلس الأمن بالإعتراف بالدولة على الرغم من غضب اسرائيل وتهديد الولايات المتحدة باستخدام حق النقض (الفيتو) لإحباط هذه الخطوة.
غير ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يبدو عازما على مواصلة خطته لتقديم طلب الإعتراف بالدولة الى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون يوم الجمعة 23 سبتمبر.
وقال البيت الابيض إن أوباما أبلغ عباس في اجتماع أن التحرك في الأمم المتحدة لن يؤدي إلى دولة فلسطينية وأن الولايات المتحدة ستعترض بحق النقض على مثل هذا التحرك في مجلس الأمن.
وسئل بن رودس نائب مستشار اوباما لشؤون الامن القومي هل بدرت عن الرئيس عباس علامة على انه قد يغير خطته، فرد بقوله “إنه كان واضحا جدا فيما يعتزمه…. وهو الذهاب إلى المجلس وبدء عملية طلب العضوية هناك”.
وقال نبيل ابو ردينة المتحدث باسم عباس إن الزعيمين أكدا موقفيهما دون الوصول إلى نتيجة فيما يبدو.
وقال بن ردوس المتحدث باسم مجلس الامن القومي للبيت الابيض للصحفيين بعد اجتماع اوباما وعباس في نيويورك “سنضطر الى رفض اي تحرك في مجلس الأمن التابع للامم المتحدة بما في ذلك إذا اقتضت الضرورة استخدام حق النقض (الفيتو)”.
وقال اوباما للأمم المتحدة مرددا موقف اسرائيل إن المفاوضات هي الطريق الوحيد الى الدولة الفلسطينية. وقال أوباما في كلمته أمام الجمعية العامة للامم المتحدة “السلام لا يمكن أن يتحقق من خلال البيانات والقرارات في الأمم المتحدة”.
وأضاف قوله “في نهاية المطاف سيكون الإسرائيليون والفلسطينيون – وليس نحن – من يتعين عليهم التوصل لاتفاق بشأن القضايا محل الخلاف بينهم مثل الحدود والأمن واللاجئين والقدس”.
واجتمع أوباما في وقت سابق مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وأكد له مساندة الولايات المتحدة التامة لاسرائيل.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 سبتمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.