مخاوف جدية لدى المفوضية السامية للاجئين من “تآكل حق اللجوء”
يثير تكرار التحذيرات الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الموجّـهة للدول الأوروبية بعد إقدام إيطاليا على تطبيق الإعادة القسرية لطالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين الى ليبيا، المخاوف من إمكانية "تآكل حق اللجوء"، خصوصا وأنها تتم إلى بلد تصفه المفوضية بأنه "غير مُلزم قانونيا وغير مجهّـز لتقديم الحماية الضرورية"، مثلما يُستنتج من توضيحات السيد رضوان النويصر، المسؤول عن المنطقة العربية بالمفوضية.
فبعد إثارته موضوع الإعادة القسرية لطالبي اللجوء من إيطاليا الى ليبيا أمام إجتماع اللجنة التنفيذية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، الذي انعقد في جنيف ما بين 28 سبتمبر و2 أكتوبر 2009، أعاد المفوض السامي لشؤون اللاجئين السيد أنطونيو غوتيريس قرع جرس الإنذار بخصوص هذا التراجع عن الإلتزامات في مجال اللجوء أمام وزراء الداخلية لدول الإتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الإثنين 5 أكتوبر، معتبرا أن “ليبيا لا تتوفر فيها شروط البلد القادر على استقبال طالبي اللجوء المحتاجين الى حماية دولية”.
لمعرفة الأسباب الكامنة وراء تخوف المفوضية، اتصلت swissinfo.ch بالسيد رضوان النويصر، مدير مكتب شمال إفريقيا والشرق الأوسط بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في جنيف وأجرت معه الحوار التالي.
swissinfo.ch: أولا، هل بالإمكان تحديد أسباب تخوفات المفوضية من هذه الإعادة القسرية لدول لا تتوفر فيها الحماية الدولية الضرورية وبالأخص ليبيا؟
رضوان النويصر: تدخل المفوضية في هذا النطاق، جاء خاصة إثر ما قامت به إيطاليا من إعادة العديد من طالبي اللجوء أو المهاجرين غير الشرعيين الذين تم توقيفهم في مياه تقرب من المياه الدولية الإيطالية أو بالقرب من مالطا أو في عرض البحر عموما، والذين تمت إعادتهم الى ليبيا على أساس أنهم خرجوا من ليبيا وقصدوا الدول الأوروبية.
فنحن نعتبر أن إعادة أشخاص مهاجرين غير شرعيين أو ربما فيما بينهم أناس يريدون طلب اللجوء بحثا عن الأمان، لابد أن يكون في إطار قانوني واضح. ومن هنا، فإن قبول اللجوء يتم في خطوات معينة لم تتم في ليبيا الى حد الآن، إذ لابد أن تكون هناك هياكل مختصة لاستقبال وإيواء هؤلاء الأشخاص وتحديد وضعهم القانوني، إن كانت تنطبق عليهم صفة اللاجئن أم لا. وكل هذه الأمور غير موجودة في ليبيا، خاصة وأن ليبيا ليست منضمة الى اتفاقية عام 1951.
صحيح أن ليبيا طرف في الاتفاقية الإفريقية لعام 1969، لكنها لم تنضم الى الإتفاقية الدولية لحماية اللاجئين وليست لها فيما عدى الواجب الأخلاقي، أية ضرورة قانونية أو واجب قانوني لاحترام تلك الإتفاقية.
إذن، اللوم كان موجها نحو إيطاليا، وطلبنا منها أن تُوقف هذه الإعادة للأشخاص حتى ينمو هيكل اللجوء وتحديد وضع اللاجئين في ليبيا إلى مستوى يسمح باستيعاب كل هذه الطلبات.
تذكير المفوض السامي لشؤون اللاجئين بالموضوع أمام الإجتماع الأخير لوزراء الداخلية في دول الاتحاد الأوروبي، هل جاء للتوضيح بأن ميل بعض الدول الأوروبية لهذا التوجه لا يُعتبر حلا مقبولا؟
رضوان النويصر: أكيد ان المفوض السامي لمّـا اتجه الى كل وزارء الداخلية في البلدان الأوروبية، كان يقصد بأن هذا ليس حلا، لا من الناحية الإنسانية أو من حيث الواجب الأخلاقي لاستقبال وإجارة طالبي اللجوء.
وقد شعرنا، وأتمنى أن يكون استنتاجا خاطئا، بأن هناك ميولا لدى بعض الدول الأوروبية الأخرى للإتجاه في نفس المنهج الذي اتجهت إليه إيطاليا، وربما لهم نية إعادة طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين الى البلدان التي عبروا عن طريقها للوصول إلى أوروبا.
وتذكير المفوض السامي بذلك، كان للتوضيح بأنه اتجاه خاطئ، وأن على الدول الأوروبية أن تتعامل مع طالبي اللجوء وحتى مع المهاجرين غير الشرعيين الذين لا تنطبق عليهم صفة طالبي اللجوء، بطريقة إنسانية، سواء في استقبالهم أو في إعادتهم في ظروف كريمة وآمنة الى دولهم الأصلية. وهناك العديد من الأطفال من بين هؤلاء الأشخاص المهاجرين الذين تفرض المعاهدات الدولية حمايتهم ومنع الإساءة لهم أو إعادتهم قسرا أو سجنهم أو حرمانهم من حق التعليم وما إلى ذلك، وهذا حتى خارج نطاق اللجوء.
عندما نتطرق إلى هؤلاء اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين الذين تمت إعادتهم الى ليبيا، نتحدث عن أية أعداد؟ وما هي نسبة طالبي اللجوء من بينهم؟
رضوان النويصر: يمكن القول أن هناك أكثر من 700 شخص تمت إعادتهم الى ليبيا خلال الأشهر القليلة الأخيرة. لا أستطيع أن أؤكد لكم كَـم من هؤلاء يستحقون او تنطبق عليهم صفة اللجوء، لأنه لم نتمكن من التحدث مع كل هؤلاء أو استجوابهم. هناك مراكز إيقاف في ليبيا لم نتمكن من الوصول إليها.
لكن إلى حد الآن بصفة عامة، الأغلبية الساحقة ممّـن أعيدوا الى ليبيا هم من إريتريا، ونحن نعتقد أن الأريتريين يستحقون – عموما – الحماية المدنية نظرا للوضع الداخلي في بلدهم، ثم هناك العديد من بينهم صوماليون، وكما نعرف ليس هناك حكومة في الصومال أو استقرار أو قانون، ولابد من إسداء بعض من الحماية ولو المؤقتة للصوماليين حتى يتحسن الوضع الأمني والاجتماعي في بلدهم. إذن، هناك بوضوح العديد من بين (الأشخاص) الـمُـعادين الذين يستحقون الحماية الدولية ولابد من التعامل معهم كأشخاص في حاجة للحماية.
حاولت دول الضفة الشمالية لحوض البحر الأبيض المتوسط سابقا إقامة مخيمات فرز في بلدان الضفة الجنوبية لاستقبال طالبي اللجوء والمهاجرين، وهو المشروع الذي قاومته المفوضية. حسب علمكم إلى اين وصلت هذه المحاولات؟
رضوان النويصر: الفكرة ما زالت متواصلة. ربما أن إيطاليا بادرت بإعادتهم على أمل أن تتكفل ليبيا أو المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ببقية الإجراءات، وهذا كلام غير معقول.
نحن ننظر للمسألة بنظرة مبدئية. أولا، عندما يصل طالب اللجوء أو المهاجر غير الشرعي إلى الأراضي الأوروبية أو المياه الإقليمية الأوروبية، لابد من التعامل معه على تلك الأرض وإدماجه في الهياكل الأوروبية وتحديد وضعه القانوني والاعتراف به كلاجئ إذا استحق ذلك، أو إعادته كريما وآمنا الى بلده الأصلي، إذا لم تنطبق عليه شروط اللجوء.
لكن في نفس الوقت وموازاة لذلك، تقوم المفوضية بجهد مع الحكومات الشمال إفريقية، خاصة ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، لتنمية وتطوير هياكل اللجوء هناك، حتى يمكن لطالب اللجوء أن يتقدم للمفوضية في شمال إفريقيا بدون أن يفكر في المخاطرة في البحر وربما الغرق والموت في طريقه إلى أوروبا، وبذلك، نكون قد استجبنا لكل المتطلبات بصفة إنسانية وكريمة للجميع.
لكن، ما الذي عرقل لحد الآن فكرة الدول الغربية الرامية لإقامة مخيمات فرز في بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، وما الذي يحُـول دون توفير الظروف الملائمة للقيام بعملية فرز إنسانية وكريمة في بلدان شمال افريقيا؟
رضوان النويصر: ربما أن الذي حال دون تنفيذ مشروع المخيمات، يرجع لحدود أخلاقية، لكن لا تزال الفكرة قائمة وتدور في أذهان العديد من المسؤولين في أوروبا.
أما فيما يتعلق بتوفير ظروف ملائمة في بلدان الجنوب لمعالجة ملفات طالبي اللجوء وتجنيبهم المغامرة في البحار، فهذا كلام جيد، ولكن لا يمكن أن نقارن بين التزامات الدول المتقدمة في مجال اللجوء او توفير الرعاية والحماية للمواطن والأجنبي وللمهاجر غير الشرعي، وأولويات الدول النامية التي عليها مراعاة أولويات التنمية والتعليم والصحة وما إلى ذلك.
كما أن أوروبا لها تقاليد وبلدانها وقّـعت على الاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين، وهي المرجع الأول لقانون اللجوء الدولي، وتبعا لذلك عليها ان تواصل الإيفاء بالتزاماتها ونساعدها في ذلك.
لكن مع ذلك، نحث الدول الشمال إفريقية على وضع هياكلها حتى تصل في وقت من الأوقات الى مستوى القيام بهذا الواجب الإنساني والأخلاقي الذي يتعدّى الإتفاقيات. وقد قمنا بخطوات لا بأس بها في المغرب، ولو اننا لا زلنا في أول الطريق. وهناك تقدم، ولو بسيط في ليبيا عبر الاتصال بطالبي اللجوء والـمـُعـادين من إيطاليا وغيرها. ولنا مكتب هناك ونتعامل مع منظمة دولية للسِّـلم والرعاية، وهي منظمة ليبية تعمل في مجال حماية المهاجرين واللاجئين، ولكننا لا زلنا في بداية الطريق.
الإطار المخوّل لعمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في ليبيا، هو إطار غير رسمي حسب علمنا. إلى اين توصلتم في حواركم مع السلطات الليبية، سواء فيما يتعلق بتواجد المنظمة او بالاستماع الى رأيها في هذا الملف؟
رضوان النويصر: وضع المفوضية في ليبيا لا يزال وضعا هشا للغاية، لكن نتمنى انه من خلال تجربة المفوضية مع “المنظمة الدولية للسِّـلم والرعاية”، التي هي منظمة ليبية ومكلفة بالتعامل مع موضوع الهجرة والمهاجرين واللاجئين، ومن خلال التجربة الجيدة لعمل المفوضية خلال السنوات الماضية، فقد يحث ذلك السلطات الليبية على إعطاء إطار قانوني لتواجد المفوضية، مما يسمح لها بالتعامل مع هذا الموضوع والقيام بمهامها بطريقة منظمة ومفيدة.
من خلال ما سبق ذكره، هل نستنتج وجود تخوفا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من تآكل الالتزامات في مجال اللجوء، خصوصا من قبل الدول الأوروبية التي ترغب في التخلص من ملف طالبي اللجوء بطريقة غير مرضية؟
رضوان النويصر: هو التخوف موجود ولا أخفي عليكم، ذلك أنه ليس موجودا فقط لدى المفوضية، بل ايضا لدى دول وأنظمة أوروبية تقدمية في المجال الإنساني ومجال اللجوء. ونحن نتعامل مع كل ألوان الطيف الأوروبي في مجال اللجوء لكي نُبقي على هذا الإرث الأخلاقي الإنساني الذي هو احترام حقوق اللاجئ وإعطاء الحماية لمن يستحق، ولكي لا نضحي بتجربة لربما قدمت الحماية لملايين البشر الفارين من ويلات الحروب والأزمات والكوارث الإنسانية، ونرمي بها في سلة المهملات، لا لسبب سوى أن عدد المهاجرين الشرعيين القادمين الى أوروبا إزداد في السنوات الأخيرة، وهذا لا يبرر مثل هذا الاتجاه المتطرف. ونحن على يقين بأن المجموعة الدولية والدول الأوروبية بصفة خاصة، لا تزال متمسِّـكة بهذا الإرث وسيبقى إن شاء الله صامدا ويُسدي الحماية لمن يستحقها.
محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف
جنيف (أ ف ب) – اعلن المفوض الاعلى لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة انطونيو غوتيريس يوم الجمعة 2 أكتوبر 2009 أن على دول الاتحاد الاوروبي ان تنسق بشكل عاجل سياساتها في مجال اللجوء لازالة التفاوت الواضح القائم حاليا بين الدول.
وقال غوتيريس خلال مؤتمر صحافي انه وعلى الرغم من حرية التنقل بين دول الاتحاد الاوروبي “هناك انظمة وطنية متعلقة باللجوء مختلفة تماما” ما يزيد من “مخاطر اللجوء العشوائي”.
وقال على سبيل المثال ان “طالب اللجوء قد لا يحظى باي فرص ليعد لاجئا في بلد في حين تصل نسبة هذه الفرص الى 80% في بلد اخر”.
واضاف “لا بد بالتالي من ضمان تنسيق انظمة اللجوء الوطنية” ونظرا الى الضغط الموجود في بعض الدول مثل مالطا او اسبانيا “من الضروري تقاسم المسؤوليات”. واوضح ان ذلك سيسمح لنظام “دبلن 2″ ب”العمل بشكل مقبول”.
ووفقا لهذا النظام المطبق في الاتحاد الاوروبي، فان المهاجرين ملزمون بطلب اللجوء في البلد الذي دخلوا منه. وهذا الاجراء جعل بعض الدول مثل اسبانيا وايطاليا واليونان التي تشكل بسبب موقعها الجغرافي منافذ للهجرة من افريقيا، تتلقى اعدادا كبيرة من طلبات اللجوء.
وقال غوتيريس ان المفوضية توجه اصابع الاتهام خصوصا الى اليونان بعد ان اوصت الدول الاعضاء بعدم ارسال لاجئين الى هذا البلد “لان شروط الحماية معدومة فيه في نظرنا وفرص الاعتراف بحق اللجوء ضئيلة جدا”.
ويبقى اللجوء احدى النقاط السوداء في سياسة الهجرة الاوروبية. ومن اصل 121 الف طلب قدمتها في 2008 المفوضية العليا وافق الاوروبيون على 4378 في مقابل 60 الفا للولايات المتحدة.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 2 أكتوبر 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.