مخاوف غربية متنامية من تـفـجـّـر خــزان البارود السوري
اختار بشار الأسد استخدام القوة لمحاولة وضع حد للاحتجاجات التي تهز سوريا، وهذا على مرأى ومسمع من القوى الغربية الحائرة، التي تخشى انتشار الإضطرابات إلى كامل المنطقة، مثلما يشرح ذلك السويسري لورينزو سواريس، الذي اشتغل لفترة في سوريا.
تشير المعارضة السورية الى أن الاحتجاجات التي لم يسبق لها مثيل والتي تهز سوريا منذ أكثر من ستة أسابيع، وما رافقها من قمع متزايد تكون قد خلفت أكثر من 500 قتيل. ولكن المجموعة الدولية التي سارعت الى حد ما لدعم الثورة الشعبية في ليبيا، ومعاقبة مرتكبي الأعمال الوحشية في حق الشعب الليبي، تتردد اليوم في مواجهة النظام السوري، بل لا زالت تترنح حول إمكانية فرض عقوبات من عدمه. فهل هناك تخوف لدى القوى العظمى من إضعاف نظام بشار الأسد، مما قد يعمل على الإخلال بالاستقرار في كامل المنطقة؟
هذا ما يراه السويسري لورانزو سواريس، الذي عاد في 20 مارس الماضي من سوريا التي عمل فيها لفائدة مؤسسة دولية لأكثر من ثلاث سنوات ونصف. وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته معه swissinfo.ch.
swissinfo.ch: خلال الثلاث سنوات ونصف التي قضيتموها في سوريا، هل لاحظتم مؤشرات تنبئ بانفجار هذه الاحتجاجات القائمة اليوم ضد النظام هناك؟
لورينزو سواريس: لم أتوقع في يوم من الأيام أن أحداثا من هذا القبيل قد تقع. وحتى بعد انطلاق الاحتجاجات الأولى في تونس وفي مصر، لم يكن أحد في محيطي يتوقع أن تصل تلك الأحداث الى دمشق. فسمعة بشار الأسد لدى المواطنين، وبالأخص الشباب منهم، كانت مقبولة عموما. وكان السوريون يلخصون ذلك بقولهم: إن بشار الأسد رجل إصلاح مشبع بنوايا حسنة كثيرة، ولكنه محاط بشخصيات من القيادات القديمة في الجيش وفي جهاز المخابرات موروثة عن عهد والده، وهي التي تعتبر مصدر كل هذه المشاكل. واليوم تطالب غالبية السوريين بالتغيير حتى على رأس السلطة، وليس فقط في محيط الرئيس. وهذا عنصر جديد.
كيف تفسرون أسباب هذا التصعيد في الاحتجاجات؟
لورينزو سواريس: تم التركيز في البداية على الدور المهم لوسائط الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر، ولكن موجة الاحتجاجات المعتمدة على الانترنت لا تمثل في الواقع إلا جانبا محدودا من المحتجين. أما التصعيد في عملية الاحتجاجات، فكان ردا على عمليات الإغتيال التي قام بها النظام. فنحن اليوم نعيش في دوامة التداول بين “القمع – والمظاهرات”، وهذه الدوامة تغذيها أعمال العنف التي يمارسها النظام ضد عمليات الاحتجاج، بدل الاستماع للمطالب المنطقية للمعارضة. وفي منطقة ما زالت متمسكة بالهويات الدينية والتي يمكن فيها تهييج الأحاسيس بسرعة، يبدو أن النظام يلعب بالنار.
هل أصبحت درعا في سوريا، مثل بنغازي في ليبيا، معقلا للاحتجاج ضد نظام بشار الأسد؟
لورينزو سواريس: بدون شك، هذه المدينة هي قلب حركة الاحتجاج، ولكن ظهرت مراكز احتجاج أخرى في باقي أنحاء البلاد. فمنطقة درعا ظلت لوقت طويل مهمشة تتخبط في مشاكل اقتصادية. وبدون شك، كانت بطالة الشباب من الأسباب المحركة لعملية الاحتجاج، ولو أنها ليست السبب الوحيد، لأن عمليات الاحتجاج عمّـت العديد من المناطق وشاركت فيها فئات اجتماعية وتيارات سياسية مختلفة.
كما أن المطالب التي يتم ترديدها متباينة. فالبعض يطالب بالإفراج عن قريب له معتقل والبعض الآخر يطالب بمزيد من الحريات الاقتصادية والسياسية، وهناك من يعارض استمرار النظام في حد ذاته. وكما كان الحال في تونس ومصر، وفي باقي أنحاء العالم العربي، ليس لحركة الاحتجاج السورية أية قاعدة أيديولوجية واضحة ولا بنية تنظيمية قائمة بحالها.
وما نشاهده في الشارع هو بالدرجة الأولى رجل احتجاج أكثر من كونه رجل ثورة: أي نحن أمام حالة من الرفض للنظام القائم جملة وتفصيلا، من دون أن تكون هناك مقترحات واضحة للنظام البديل.
هل حصلت أخطاء في تقييم القدرة القمعية للنظام السوري؟
لورينزو سواريس: من الواضح أن عملية القمع الحالية أمر غير مقبول بالمرة، ولكن يجب أن نحتفظ بالأمور في حدودها النسبية. فالدولة ليست بصدد القيام بهجمات عشوائية وشاملة ضد آلاف المدنيين، بل يقوم بعمليات اغتيال وعمليات اعتقال محددة، بأمل تخويف المتظاهرين وخنق حركة الاحتجاج.
وهنا في الغرب، لم يكن أحد يتوقع شيئا آخر من نظام بشار الأسد. فهو لم يغير الكثير عما كان عليه نظام والده حافظ الأسد، حتى ولو أن هناك تيارا أكثر اعتدالا بدأ يظهر مع مر الزمن. ولكن المفاجأة الكبرى لم تكن في تصرف النظام، بل في ظهور وتطور حركة الإحتجاج في حد ذاتها.
هل تتخوف من تطور هذه المواجهات إلى مواجهات طائفية؟
لورينزو سواريس: بالطبع لدي تخوف كبير. فسوريا فسيفساء من الطوائف والأديان، شأنها في ذلك شأن العراق المجاور. والتجارب التاريخية التي مرت بها المنطقة تدفع الى التخوف من تحولها الى برميل بارود جديد قابل للانفجار. وحتى ولو بالغ بعض السياح وبعض المراقبين الغربيين في وصف سوريا المعاصرة بالبلد المثالي، من حيث الاستقرار والأمن والتناسق بين الطوائف، فإن العلاقات بين هذه الطوائف متوترة أكثر مما نتصور.
فالطائفة العلوية التي تتولى الحكم اليوم، تُـوجه لها اتهامات عن حق بأنها استولت على موارد الدولة وعلى موارد القطاع الاقتصادي الخاص، ولذا فإن خطر الإنزلاق نحو التطرف ونحو فقدان الثقة أصبح واقعا ملموسا اليوم.
هل يمكن أن ينهار نظام بشار الأسد؟
لورينزو سواريس: كل شيء ممكن بالطبع، مثلما أظهر ذلك المثل التونسي والمصري والليبي، ولكن أعتقد بأن هذا السناريو ما زال بعيد التحقيق. فالمتظاهرون ما زالوا قليلي العدد، كما أن اجهزة النظام الحيوية ما زالت غير مهددة بالمرة.
وثانيا، ليس لدى حركة الاحتجاج اية تصورات ومشاريع سياسية بإمكانها أن تدفع العدد الكبير من افراد الشعب للانضمام. كما لا يجب التقليل من أهمية المعايير الجيو سياسية الاقليمية. فالقوى العظمى التي لها نفوذ في سوريا وفي البلدان المجاورة، لا ترغب في المجازفة بعملية تدخل بإمكانها ان تقود الى حرب أهلية جديدة في قلب منطقة هي أصلا غير مستقرة.
وإذا ما لم تشهد الأوضاع تصعيدا على المدى البعيد، فإن الحكومات الغربية ستكتفي بتدخلات لفظية في أغلبها، وهذا يظهر جليا كيف أن عمليات الإدانة التي تتخذها المجموعة الدولية ما زالت تتخذ بشكل انتقائي، لأن عملية التدخل لأسباب “إنسانية”، ما زالت تُـتخذ بدافع استغلال الفرصة السياسية المواتية، بدل مراعاة أية معايير أخلاقية غربية.
اعتقالات ومظاهرات مستمرة
يوم الثلاثاء 3 مايو، اعتقل ستة اشخاص على الاقل بعد ان سيطرت قوات الامن على مدينة بانياس الساحلية وهي مركز حضري آخر يتحدى المتظاهرون فيه الاسد. وقال أنس الشغري احد قادة الاحتجاج لوكالة رويترز ان الجيش أغلق المدخل الشمالي بينما أغلقت قوات الامن الجنوب، لكن ناشطا حقوقيا آخر قال إن نحو الف محتج قاموا بمسيرة في الحي السني في بانياس والذي يقع الى الجنوب مباشرة من السوق الرئيسية وهم يحملون أرغفة الخبز تعبيرا عن التضامن مع شعب درعا. وقدم النشط صورا للمظاهرة.
أما في درعا، فقد صرح أحد سكان المدينة ويدعى ابو محمد: “ما زالوا يسحبون كل من هو دون الأربعين عاما الى استاد (ملعب) درعا حيث احتجزوا في العراء مئات من بينهم عدد من النساء الأسبوع الماضي”.
في جامعة حلب، تظاهر نحو الف طالب يوم الثلاثاء 3 مايو وقام آلاف الأشخاص بمسيرة في مدينة القامشلي الشرقية التي يغلب الأكراد على سكانها وهم يحملون الشموع ويهتفون بالحرية.
وقال سكان في ضواحي دمشق، حيث اعتقل كثيرون، إن حواجز الطرق والاعتقالات تزايدت هذا الأسبوع في مناطق حول العاصمة. وقالت إحدى السكان إنها شاهدت قوات امن ترتدي ملابس مدنية تقيم حواجز من أكياس الرمال وتضع مدفعا آليا على طريق بالقرب من بلدة كفر بطنا يوم الثلاثاء 3 مايو.
وفي علامة على أن العنف اضر بالنشاط الاقتصادي قال رئيس اتحاد البنوك العربية لوكالة رويترز يوم الثلاثاء 3 مايو إن ما يصل الى ثمانية في المائة (8%) من الودائع بالليرة السورية في سوريا قد تم تحويلها الى دولارات منذ بداية الإضطرابات.
المرصد السوري لحقوق الانسان:
أحيل مئات السوريين للقضاء بتهمة “النيل من هيبة الدولة واثارة الشغب” وتم توجيه هذه التهمة التي تبلغ عقوبتها السجن ثلاث سنوات يوم الثلاثاء 3 مايو 2011 الى مئات ممن اعتقلوا قبيل صلاة يوم الجمعة 29 أبريل. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن الاعتقالات الجماعية مستمرة في أنحاء سوريا واصفا ذلك بأنه خرق اخر لحقوق الانسان والمعاهدات الدولية.
منظمة “إنسان” لحقوق الإنسان:
قال وسيم طريف، رئيس منظمة (انسان) لحقوق الانسان، إن افرادا من اسر المعتقلين اكدوا اعتقال 2843 شخصا وان الرقم قد يصل الى ثمانية الاف. واعتقل اكثر من 800 منهم في درعا.
وقال طريف ان بين المعتقلين نشطاء وشخصيات بارزة واشخاصا شوهدوا يلتقطون صورا فوتوغرافية او بكاميرات فيديو باجهزة الهاتف المحمول او اشخاصا اشتبه في انهم يقومون بتحميل لقطات فيديو على الانترنت. وأضاف أن قوات الامن تعتقل الناس في درعا ودوما بشكل عشوائي.
منظمات حقوقية دولية
تؤكد منظمات حقوقية أن قوات الامن قتلت 560 مدنيا على الاقل منذ تفجر الاضطرابات في درعا في 18 من مارس 2011.
وأفادت منظمة العفو الدولية ان محتجين ابلغوها انهم تعرضوا للضرب بالعصي والاسلاك وخضعوا لظروف قاسية منها الحرمان من الطعام.
وقال فيليب لوثر المسؤول بالمنظمة “استخدام القوة الفتاكة دون مبرر والاعتقال التعسفي والتعذيب تبدو اجراءات يائسة من جانب حكومة لا تتسامح مع المعارضة وينبغي ان تتوقف على الفور”.
(نقله إلى العربية وعالجه: محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.