مرة أخرى.. الإعلام التونسي في عين الإعصار!
أعلنت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والإتصال عن حلِّ نفسها بعد مرور سنة أو تزيد من النشاط الذي أفضى إلى إصدار تقرير شخّصت فيه الوضع الإعلامي التونسي، وقدّمت من خلاله جُملة من التوصيات والمقترحات.
ويبدو أن الهيئة أرادت من خلال قرارها توجيه رسالة إلى الرأي العام الداخلي والخارجي، مفادها أنه “بعد أكثر من ست أشهر من حُكم الترويْـكا، لم تصدر أية مبادرة أو إشارة جدية للشروع في إصلاح قِطاع الإعلام”، حسبما ورد على لسان رئيسها الإعلامي المعروف كمال العبيدي.
اتهام باطل
من جهتها، عبرت الحكومة عن تفاجُـئِـها بهذا القرار، واعتبرت أن اتهامها بـ “ممارسة الرقابة والتضليل” هو “اتهام باطل”. وأعادت رئاسة الحكومة في بيان لها التأكيد على أن المشهد الإعلامي الراهن “أحادي”، وشبَّـهته بما كان عليه المشهد الإعلامي في ظل الدكتاتورية، ولكن “في اتجاه معاداة الحكومة المنتخبة ديمقراطيا”، على حد تعبير السيد لطفي زيتون، المستشار السياسي لرئيس الحكومة.
كما اعتبر السيد زيتون أن “الهيئات المدافعة الآن على الإعلام، إنما هي بصدد الدفاع عن مشهد إعلامي واحد، وهو معاداة الحكومة المُـنتخبة وما تقوم به، وذلك بعد أن كانت تثمّن إنجازات النظام المخلوع، لتُـصبح اليوم من مهاجمي الحكومة الحالية”.
عودة الجدل وتبادل الاتهامات
هكذا مرة أخرى، يعود الجدل وتبادُل التهم بين الإئتلاف الحاكم في تونس بقيادة حركة النهضة وبين الساحة الإعلامية. فما الجديد؟ وما هي الخلفيات والتوقعات؟
عندما أنْهت هذه الهيئة إنجاز تقريرها الطويل حول حالة الإعلام وسلّمته إلى الرؤساء الثلاث، وهم رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني التأسيسي، تلقّت وعودا بدراسة المحتوى والتعامل بجدية مع المقترحات التي قُـدِّمت. لكن رئاسة الحكومة قرّرت دعوة الإعلاميين إلى استشارة وطنية حول المرسوميْن 115 و116، اللذيْن تُطالب الهيئة بتفعيلهما، بعد أن وقّع عليهما الرئيس السابق فؤاد المبزّع في بداية نوفمبر 2011.
غير أن هذه الإستشارة فشِلت منذ اللحظة الأولى، بسبب مقاطعة الهياكل الممثلة للصحفيين، وذلك احتجاجا على تشريك رموز الإعلام السابق لمرحلة الرئيس بن علي، وهو ما زاد في تعميق ظِلال الشكّ بين الطرفين.
انتقادات وتحفظات
من جهة أخرى، انتقدت الهيئة وكذلك نقابة الصحفيين، استمرار الحكومة في تعيين مسؤولين على رأس المؤسسات الإعلامية في القطاع العمومي، بدون استشارة الصحفيين وهياكلهم، وهي مسألة مُثيرة للجدل، وسبَق أن أدّت إلى تنظيم تجمع احتجاجي أمام مقرّ رئاسة الحكومة في شهر يناير الماضي، وهو التجمع الذي شاركت فيه معظم أطياف المشهد الإعلامي بتونس، بما في ذلك صحفيين ينتمون إلى حزبيْ المؤتمر والتكتّل، المشتركين في الإئتلاف الحاكم.
في مقابل هذه الإنتقادات، قامت الحكومة بإحالة نصّ المرسوميْن على المجلس الوطني التأسيسي لمناقشتهما واتخاذ قرار في شأنهما، وذلك في ظل التحفّظات التي أبدتها الحكومة على عديد الفصول الواردة بهما. ومن ذلك، اعتقاد الحكومة بأن الهيئة المستقِلة المُقترحة للإشراف على قطاع الإعلام، تتمتع بصلاحيات واسعة جدا، وأنها بذلك قد همّشت دور السلطة التنفيذية، كما تمّت إثارة تحفظات واعتراضات جزء واسع من أصحاب القطاع الخاص.
فالهيئة التعديلية التي تمّ اقتراحها، ستكون وِفق هذا التصور، الجهة الوحيدة التي لها صلاحيات الإشراف على الإعلام، بما في ذلك تعيين المشرفين على مؤسسات الإعلام العمومي، وكذلك إقالتهم ومنح رخص الإصدار والبثّ، وأيضا سحبها أو إيقاف البث، وهو ما من شأنه أن يُـضيِّق كثيرا من فرص تدخّل الحكومة أو الرئاسة في القطاع الإعلامي، المتّهم أصلا بأنه معاد للترويْكا.
الاستفادة من الفراغ القانوني
في مقابل ذلك، أكد الذين وضعوا هذا التصوّر أنهم استندوا في مقترحاتهم على المواثيق الدولية، وأنهم استأنسوا بتجارب دولية عديدة، في حين أن خصومهم يعتقدون من جهتهم بأن هذا التصوّر جاء محكوما بخلفية سياسية، الهدف منها تحجيم النهضة وحلفائها، وجعل الإعلام سِلاحا في أيْدي معارضي السلطة، وهو ما ينفيه بشدّة الخبراء الذين قاموا بصياغة المشروع، إذ اعتبر كمال العبيدي أن الحكومة “لا تريد إحداث هيئة تعديلية تسهَـر على ضمان حرية الإتصال السّمعي البصري، وهي مستفيدة من الفراغ القانوني”.
في المقابل، أعلن رئيس المجلس الوطني التأسيسي د. مصطفى بن جعفر أن المجلس سيقوم بتعيين هذه الهيئة المستقِلة قبل نهاية شهر أغسطس القادم. كما أن النقاشات لا زالت مستمرّة داخل لِجان المجلس حول إنهاء حالة الفراغ القانوني الذي نجم عن تجميد العمل بالمرسوميْن.
من جهة أخرى ذكرت مصادر رسمية، أن الحكومة تعهّـدت بإرسال تقرير الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والإتصال إلى كافة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، وأنها قرّرت تضمين توصيات هذا التقرير في جدول أعمال الدورة الثانية من الإستشارة الوطنية حول الإعلام. غير أن عديد الأطراف المعنِية بالإعلام في تونس، وحتى خارج تونس، تعتقد بأن الحكومة غيْـر جادة في التعامل مع ملف الإعلام.
وبالرغم من التغيير الذي طرأ على أسلوب تغطية الأحداث الرسمية، خاصة بالقناتيْن العموميتين، الأولى والثانية، إلا أن الحكومة لا تزال تتّهم وسائل الإعلام بعدم الموضوعية. وفي هذا السياق، أكد المستشار السياسي لرئيس الحكومة المكلف بالإعلام أن “أغلب المؤسسات الإعلامية لا تزال تنقل صورا أحادية سيِّئة عن البلاد للخارج، وهي لا تخدم بذلك لا صالح الشعب ولا صالح السلطة ولا المعارضة”.
تراشق بين نقابة الصحفيين والحكومة
في سياق متصل، يستمر التراشق بين نقابة الصحفيين من جهة، وبين الحكومة من جهة أخرى، حول الإعلاميين الذين ارتبطوا بالنظام السابق، والمتّهمين بالفساد وتبرير الإستِبداد. فالنقابة تواصل الضغط على وزارة الداخلية لنشْـر قائمة الإعلاميين الذين كانوا متعاونين مع البوليس السياسي، وهو ما رفضه وزير الداخلية علي العريض، بحجة حماية أعراض عائلات هؤلاء.
وفي المقابل، يطالب القسم السياسي برئاسة الحكومة، نقابة الصحفيين التونسيين بمدِّها بقائمة الإعلاميين الذين تتهمهم النقابة بالفساد، وهو ما رفضته النقابة خوفا من أن يتِم متابعتها قضائيا من قِبل المشكوك فيهم، وهي تُـصِرّ على أن مصالح الداخلية تُـعتبر الجهة التي تملك وثائق الإثبات، وهي المطالبة بالكشف عن خفايا هذا الملف، أي أن كل جهة لا تريد أن تتحمل المسؤولية السياسية والقانونية للكشف عن تفاصيل هذه القضية وخفاياها، وإن كان الكثيرون يعتقدون بأن الحكومة هي المطالبة بأن تبادر بحُكم مسؤوليتها وما تتمتّع به من صلاحيات ومن اطِّلاع على الملفات السرية.
جدل مُرشح للإستمرار..
في الأثناء، بدأ سوء إدارة الملف الإعلامي يُـحدِث ضررا بصورة تونس ما بعد الثورة، وهو ما دفع بالسيد فرانك لارو Frank La Rue المقرر الأممي الخاص بحماية الحق في حرية الرأي والتعبير إلى زيارة تونس بمناسبة اليوم العالمي للصحافة، الذي شهد غليانا إعلاميا حول مستقبل المرْفَق العمومي. وأكّد المقرر الأممي خلال تلك الزيارة على أهمية حيادية المرفق العمومي للإعلام ودوره في مواكبة المسار الإنتقالي الديمقراطي، مشيرا أن “التجارب الناجحة في هذا الإنتقال، يجب أن يواكبها مشهد إعلامي تعددي وملتزم بمواثيق المهنة “.
لقد اختلف المشهد الإعلامي كثيرا عمّا كان عليه من قبل، ولا يزال سقف حرية التعبير في تونس ما بعد الثورة، عاليا إلى درجة الانفلات، لكن المشكلة التي يعانيها القطاع، هي تعمّق أزمة الثقة بين الهياكل المدافعة عن الصحفيين والتي أصبحت تفصح عن شكها في نوايا السلطة واستعدادها لحماية حرية الصحافة، وبين الحكومة التي تعتقد بأن أغلب وسائل الإعلام معادية لها.
وما لم يتم التعجيل بإصدار تشريعات تحمي الصحافة والصحفيين، وما لم يقع إنشاء هيئة دائمة مستقلة لإدارة الشأن الإعلامي، وما لم تترسّخ تقاليد وآليات تجعل من الإعلام العمومي ناضجا ومسؤولا ومتمتعا بالحرية والإستقلالية الفعلية، فإن الجدل العقيم حول مستقبل الإعلام التونسي سيبقى مرشّحا للاستمرار ومزيد التردّي والقصف المتبادل.
نفت الحكومة التونسية التي تقودها “حركة النهضة” الاسلامية، اتهامات بمحاولة السيطرة على وسائل الاعلام في تونس او بممارسة الرقابة عليها.
وقال لطفي زيتون، الوزير المستشار لدى حمادي الجبالي، رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة، في مؤتمر صحفي عقده يوم الجمعة 6 يوليو 2012، “ليس هناك أي جهة في الحكومة تراقب ما تبثه وسائل الإعلام”.
ووصف الوزير بـ “المفاجئ” إعلان “الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال” (مستقلة) يوم الأربعاء 4 يوليو حل نفسها معللة ذلك برفض حكومة الجبالي تفعيل المرسومين (القانونين) 115 و116 اللذين ينظمان قطاع الاعلام واستقلاليته في تونس.
وقال “وقع إصدار هذين المرسومين في عهد الحكومة السابقة” برئاسة الباجي قايد السبسي وحكومة الجبالي تلقت من نقابة الإعلام والثقافة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمال في تونس) ومديري مؤسسات إعلامية “عديد الطلبات بالتريث” قبل تطبيق المرسومين.
وأضاف زيتون “ليست مهمة الحكومة إصلاح الاعلام أو الوصاية عليه (..) مشروع إصلاح الإعلام الآن هو بيد المجلس الوطني التأسيسي” المنبثق عن انتخابات 23 أكتوبر 2011.
وُينتظر أن يتم عرض المرسومين على المجلس التأسيسي الذي يعود له القرار الفصل في تطبيق المرسومين من عدمه.
وينظم المرسوم 115 “حرية الصحافة والطباعة والنشر”. وينص المرسوم 116 على “إحداث الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري” وهي هيئة “تعديلية” تتولى تعيين مسؤولي المؤسسات السمعية والبصرية العمومية وتحمي استقلاليتها إزاء السلط العمومية.
وفي نوفمبر 2011 صادقت حكومة رئيس الوزراء التونسي السابق الباجي قايد السبسي على المرسومين 115 و116.
وقال الصحفي المستقل كمال العبيدي، رئيس “الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والإتصال” في مؤتمر صحفي عقده يوم الأربعاء 4 يوليو “إن منظمات مهنية وحقوقية تونسية ودولية شهدت بتطابق المرسومين 115 و116 مع المعايير الدولية لحرية التعبير”.
واتهم حكومة حمادي الجبالي بـ “تجاوز السلطة” لرفضها تطبيق مرسومين صادقت عليهما حكومة سابقة. وقال إن “تواصل الحصار على عملية إصلاح الإعلام” في تونس دفع الهيئة التي يرأسها إلى وضع حد لعملها.
ونبه العبيدي إلى “تزايد المؤشرات التي تدل على وجود تهديد جدي لحرية التعبير واستقلالية المؤسسات الإعلامية” في تونس منذ بداية السنة الحالية.
وانتقد تعيين الحكومة يوم الاثنين 2 يوليو مديري الإذاعات التسع العمومية في البلاد “دون تشاور مع الجهات والهياكل المهنية والنقابية المعنية” وندد بتواصل “نفس الأسلوب المعتمد في التعيينات والإقالات في العقود الماضية”.
وقال “لاحظنا جميعا استعانة الحكومة في أكثر من مناسبة وأكثر من موقع بأدوات التضليل والرقابة (المستعملة) في العهد السابق”.
ودعا العبيدي الصحفيين في تونس إلى “الدفاع عن حرياتهم وعن استقلالية مؤسساتهم الإعلامية إزاء صناع القرار واللوبيات السياسية والمالية”.
وتأسست “الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال” في 2 مارس 2011 بقرار من الرئيس السابق فؤاد المبزع بهدف “تقديم مقترحات حول إصلاح الاعلام والاتصال مع مراعاة المعايير الدولية في حرية التعبير” بحسب النص القانوني المُحدِث للهيئة.
ورفعت الهيئة في أبريل 2012 إلى رؤساء الجمهورية والحكومة والمجلس الوطني التأسيسي، تقريرا تضمن “مقترحات وتوصيات تتعلق بإصلاح المؤسسات الإعلامية العمومية، وضمان استقلاليتها باعتماد معايير الشفافية والمساءلة والكفاءة في الإدارة” بحسب كمال العبيدي الذي انتقد “عدم اكتراث أصحاب القرار” بالتقرير.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب بتاريخ 6 يوليو 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.