مسؤول سوداني: “لن نتعاون مع هذه المحكمة ولن نعترف بقراراتها”
أعلن السودان عن رفضه لقرار المحكمة الجنائية الدولية، القاضي بإيقاف الرئيس عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقرر عدم التعاون معها بسبب أن السودان ليس طرفا في اتفاقية إنشائها وأن القرار قرار سياسي بالدرجة الأولى.
وفي جنيف أعلنت الخرطوم على لسان السيد عبد الدائم زمراوي، وكيل وزارة العدل السودانية بأن “المنظمات الإنسانية التي تم طردها، قامت بنشاطات مخالفة لما اتفق عليه وقدّمت معلومات للمحكمة الجنائية الدولية ونشرت معلومات غير صحيحة”.
وخلال تواجده في جنيف لحضور الاجتماع العادي لمجلس حقوق الإنسان، تطرق وكيل وزارة العدل في الحكومة السودانية إلى موقف بلاده الرافض للقرار الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية، والقاضي بتوقيف الرئيس عمر حسن البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، وذلك من خلال لقاءات ثنائية أجراها مع عدد من ممثلي الدول.
وعلى هامش تنظيمه لندوة صحفية عقدها يوم 5 مارس في قصر الأمم المتحدة في جنيف لنفس الغرض، خصّ السيد عبد الدائم زمراوي سويس إنفو بالحوار التالي.
سويس إنفو: أولا ما هو موقف الحكومة السودانية من قرار المحكمة الجنائية الدولية؟
عبد الدائم زمراوي: موقفنا نحن كحكومة، هو أن هذا القرار لا يعنينا في كثير، لأن السودان يعتقد جازما أن هذه المحكمة ليست مختصة وليس لها اختصاص على الأفراد السودانيين، بحسبان أن السودان ليس طرفا في اتفاقية روما، المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي، فإن موقفنا القانوني هو أننا لن نتعاون مع هذه المحكمة ولن نعترف بالقرارات الصادرة منها وسنقاوِمها.
سويس إنفو: وكيف ينوي السودان مواجهة هذا الضغط من أجل تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية؟
عبد الدائم زمراوي: قناعتنا نحن، أن هذه المسألة مسألة سياسية تصب في إطار الضغوط على السودان للوصول الى غايات تبتغيها بعض الدول ولمصالح تريد أن تحققها. وتعتقد أن النظام السوداني يقف عقبة في طريق تحقيق هذه الغايات، لذلك سيستخدم السودان المجالات المتاحة له، السياسية والدبلوماسية، وعلاقاته مع الأشقاء العرب ومع الأصدقاء في القارة الإفريقية، كما أننا أعضاء في دول عدم الانحياز زائد الصين، وكل هذه الدول ناصرت السودان، ولذلك سنسلك هذه القنوات لمناهضة هذا القرار.
سوس إنفو: السودان لم يتوقف عن الترديد بأن قرار المحكمة الجنائية الدولية قرار سياسي وبعيد عن الميدان القانوني. هل بالإمكان توضيح ذلك؟
عبد الدائم زمراوي: نعم، لا زالت قناعتنا بأن هذا عمل سياسي أُلبس ثوبا قانونيا للضغط على السودان والوصول الى نتائج تريد بعد الدول أن تحققها.
أولا، أن الصراع في دارفور هو صراع داخلي بدأ بين قبائل رعوية وأخرى زراعية، وهو ممتد في التاريخ وليس وليد اليوم. وكانت تستخدم فيه أدوات بدائية، ولذلك، لم تكن تحدث إصابات كبيرة، ولكن كما تعلم، بدأ يتدفق السلاح على الاقليم نتيجة لظروف موضوعية، كون السودان يجاور بعض الدول الإفريقية التي تعرف صراعات وانقلابات. وبسبب تدفق هذا السلاح، صارت هذه الصِّـراعات القبلية تحدِث أضرارا كبيرة ومقتل وجرح عدد أكبر من الناس. يضاف الى ذلك، أن المتمرِّدين في بداية التمرد عام 2003، هاجموا أكثر من 80 مركزا الشرطة في الاقليم، وهذا خلق نوعا من الفوضى ومن عدم الوجود الحكومي، ولذلك حصل نوع من الانفلات والانهيار فيما يتعلق بالوضع القانوني، لذلك، قامت الحكومة في عام 2004 بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة رئيس القضاء الأسبق، وهي اللجنة التي رفعت خلاصة تحقيقها لرئاسة الجمهورية في نهاية عام 2004، وقد تزامن ذلك مع حضور اللجنة الدولية برئاسة القاضي الإيطالي كاسيسي.
والسبب في اتهامنا لهم بالتسييس، كون هذه اللجنة كانت مهمّـتها المحددة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، التحقيق فيما إذا كانت قد أرتكبت جريمة إبادة في دارفور ام لا، ومن هم الأشخاص المسؤولين عن ذلك؟ لكن هذه اللجنة بعد أن توصّـلت إلى أنه لا توجد جرائم إبادة في دارفور، وإنما توجد تجاوزات تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، انتقلت مباشرة الى القول أن القضاء السوداني غير قادر وغير مؤهل للفصل في هذه النزاعات. ولعلم اللجنة بأن مثل هذه الملاحظة تخرج عن نطاق المهمة الموكلة لها، أضافت في هامش التقرير ملاحظة توضح فيها بان ذلك يخرج عن نطاق مهمتها… .
وما أدركنا من وراء ذلك كقانونيين، من وراء هذه العبارة بأن القضاء السوداني غير قادر وغير راغب، هو تمهيد لتحويل الملف الى محكمة الجنايات الدولية، لأن بموجب اتفاق روما أن الاختصاص الأصيل ينتقل للقضاء الوطني، ولا ينتقل من القضاء الوطني الى المحكمة الجنائية الدولية، إلا إذا ثبت أن القضاء الوطني غير راغب أو غير عادل، وهذه كانت الإشارة الأولى للتسييس.
والإشارة الثانية للتسييس، هي أن مشروع القرار الذي قدمته فرنسا لمجلس الأمن لم يكن يحتوي على استثناءات، وهو ما دفع الولايات المتحدة (الحريصة على عدم تعريض جنودها العاملين في الخارج الى محاكمة محتملة من قبل المحكمة الجنائية الدولية)، الى التلويح بمعارضة القرار الفرنسي باستعمال حق الفيتو، وهو ما دفع الى الإشارة بوضوح في الفقرة الثانية من القرار الى أن الدول غير المنضَـوية تحت قرار روما، غير ملزمة بالتعاون مع المحكمة، ولكن القرار الذي صدر، ذكر أنه يجب على السودان أن يتعاون، وهذا تناقض بين وواضح.
كما أشارت الفقرة السادسة من القرار، الى أنه في حال نشر قوات دول غير أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية على التراب السوداني وتم ارتكاب جرائم حرب في السودان، فإن هؤلاء الجنود لا يخضعون للمحكمة الجنائية الدولية، وإنما يخضعون لقضائهم الوطني، وهذه مفارقة كيف تجعل السودانيين الذين يرتكبون جرائم لا يخضعون لقانونهم الوطني، بينما تجعل شخصا غريبا يأتي للسودان ويرتكب جرائم حرب خاضعا لقانونه الوطني ولا يخضع لقانون المحكمة الجنائية الدولية؟
كما أن معدّي القرار 1593 يُـدركون بأن هذا القرار يخالف معاهدة فيينا، التي لا ترغم دولة على الالتزام بمعاهدة هي ليست طرفا فيها.
سويس إنفو: هناك قرار لطرد عدد من المنظمات الإنسانية العاملة في دارفور وفي مناطق أخرى من السودان. ما هي اسباب هذا الطرد وكيف تنوون التعامل في المستقبل مع منظمات الأمم المتحدة؟
عبد الدائم زمراوي: الحكومة السودانية أكّـدت التزامها بمبادئ الأمم المتحدة والتزامها بالاتفاقيات الموقعة مع كافة الأطراف، سواء كانت منظمات دولية أو منظمات طوعية، ولن تقوم بأي إجراء ينافي هذه الاتفاقيات.
ولكن في نفس الوقت، هذه الاتفاقيات تمنح السودان الحق في إبعاد أي شخص أو أي منظمة تتصرف بطريقة مخالفة لما يمليه القانون الدولي وما تمليه الاتفاقية الموقعة مع السودان، ما يخالف المهمة التي جاء من أجلها الى السودان. فقد قدمت للسودان ما يجاوز 150 منظمة طوعية تعمل في دارفور في كافة نواحي العمل الإنساني، وظلت هذه المنظمات تحصل على التقدير والدعم والرعاية من الحكومة السودانية، ولكننا رصدنا العديد من التجاوزات لبعض هذه المنظمات، تمثلت أولا في الدخول في عمل استخباري يشمل جمع معلومات عن القوات السودانية وأماكن تحكمها ونقاط تجمعها. ثانيا، تقديم معلومات غير صحيحة لمحكمة الجنايات الدولية. ثالثا، نشر معلومات غير صحيحة وآخرها قيام منظمة بنشر معلومات مفادها أن حوالي 5000 امرأة سودانية تم اغتصابها، وان النساء من قبائل والمغتصبين من قبائل اخرى.
وعندما طلبنا منهم الحضور وتقديم البيئات وأسماء الأشخاص وأسماء النساء المغتصبات والأماكن التي تم فيها ذلك، حتى نتحرى ونتخذ الإجراءت القانونية، اعتذروا. وقد قدِم مدير المنظمة من خارج السودان وقدّم اعتذارا وذكرنا له أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تقديم معلومات غير صحيحة، ولذلك، الطرد تم لأسباب موضوعية لمخالفة هذه المنظمات المهام التي قدِمت من أجلها الى السودان.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
عبرت منظمات الأمم المتحدة في جنيف صباح الجمعة 6 مارس عن “القلق” تجاه قرار طرد السودان ل 13 من المنظمات الإنسانية العاملة في دارفور. وقالت الناطقة باسم مكتب التنسيق الإنساني التابع للأمم المتحدة اليزابيت بيرس “بطرد هذه المنظمات غير الحكومية وإذا لم تتراجع الحكومة السودانية عن موقفها فإن 1،1 مليون شخص سيصبحون بدون غذاء وبدون ماء صالح للشرب”.
أما المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية فضيلة الشايب فقالت “إن فقدان عمل منظمات الإغاثة قد يهدد كل الجهود المبذولة لمراقبة انتشار الأمراض وقد يقود إلى إفلات عملية مراقبة انتشار الأوبئة”.
الناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين رون ريدموند فعبر عن ” المخاوف من أن تؤدي الأوضاع الحالية الى زيادة عدد الراغبين في الفرار من البلاد وبالأخص من إقليم دارفور واللجوء الى البلدان المجاورة حيث يوجد عدد كبير من اللاجئين السودانيين”.
أما الناطق باسم مفوضية حقوق الإنسان روبيرت كولويل فأوضح في رد على سؤال حول ما إذا كان منع منظمات إنسانية من القيام بعملها الإنساني في منطقة صراع يشكل “جريمة حرب” بأن “المفوضية ستدرس بدون شك ذلك ولكن لا يمكنني تحديد موقف الآن”.
وفي لقاء آخر مع الصحافة في جنيف، قال مدير منظمة أطباء بدون حدود كريستوف فورنيي، الذي أطردت السلطات السودانية فرعيها الهولندي والفرنسي “إننا نجهل الإتهامات الموجهة لنا من قبل السلطات السودانية”.
وبخصوص اتهام نائب وزير العدل لبعض المنظمات غير الحكومية بأنها “لم تحترم الاتفاق المبرم مع السلطات السودانية أو قامت بعمليات تخابر ورصد لمواقع القوات السودانية أو تعاونت وقدمت معلومات للمحكمة الجنائية الدولية او روجت لمعلومات خاطئة”، رد المدير كريستوف فورنيي بأن “منظمة أطباء بدون حدود لم تتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية وقد أوضحت ذلك منذ البداية للحفاظ على حيادها”، أما فيما يخص الاتهامات الأخرى فقال “إنها اتهامات كثيرا ما تلجأ لها الدول بدون تدقيق أو تحديد”، حسب قوله.
ولكن مدير منظمة أطباء بدون حدود اعترف بأن “هناك جهات ترغب في رؤيتنا كأدوات يمكن أن تؤثر في مسار قضائي، وجهات أخرى ترغب في الإستفادة مما يحدث لنا لكي تقول هل رأيتم كيف أن هذه العدالة غير منصفة، وهذا ما نرغب في تفاديه وأن نبقى خارج هذا المنطق للحفاظ على حيز إنساني حقيقي ومحايد وألا نسقط في هذا الفخ حفاظا على خدمة آلاف الضحايا”.
وفي ختام حديثه، وجه مدير منظمة أطباء بدون حدود نداء إلى الرئيس السوداني قائلا: “ندعو الرئيس البشير إلى إعادة النظر في قراره للسماح لكل فروع منظمة أطباء بدون حدود باستئناف نشاطها في دارفور”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.