الفايسبوك المغربي سلاح فعال بيد “الشعب الموازي”
أصبح للفايسبوك ومواقع التواصل الإجتماعي حضورا في المغرب، كفاعل جديد بات يمتلك صوتا مسموعا ووقعا وتأثيرا لا يستهان به، يقوي ويدعم منظمات المجتمع المدني، في التأثير على صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وأضحى كمارد أزرق يرعب السياسيين ويترصد أخطاؤهم وزلاتهم ونبض الشارع الذي يعكس درجة حرارة أجواء المجتمع وبوصلة تحدد نحو أي اتجاه يسير الرأي العام.
وأصبح مألوفا، مطالعة عناوين بالبنط العريض على صفحات الجرائد والمواقع الإخبارية لأخبار تشمل عبارات من قبيل “تشعل أو تلهب أو تغلي في الفايسبوك” فمنه انطلقت شرارة الجدل تجاه الكثير من القضايا التي شغلت الرأي العام والنخب السياسية ومراكز صنع القرار السياسي في البلاد، واستطاع في مناسبات عديدة أن يشكل قوى ضاغطة على توجهات المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية .
وتوصف مواقع التواصل الاجتماعي، واساسا الفايسبوك، بالشعب المغربي “الموازي” واليقظ على مدار اليوم والأسبوع تجاه ما يدور حوله من أحداث والإحصائيات صنفت المغرب ثالثا عربيا في عدد مستخدمي الفايسبوك بعد مصر والمملكة العربية السعودية بحوالي 7 ملايين مشترك. ويوصف تارة بـ “حزب الفايسبوك” الذي تجاوز عدد المنتسبين فيه وسقف الحرية ومنسوب الجرأة فيه ما لدى أحزاب البلاد الرسمية، فصار حزبا منفلتا من الخطوط الحمراء والممنوعات والحدود السياسية التي ترسمها عادة الأحزاب التقليدية مستفيدا من أجواء الحرية والوعي السياسي الذي تعاظمت أهميته بعد زمن الربيع العربي الذي شكلت حركة 20 فبراير نسخته المغربية، فقد شكل الفايسبوك المنصة الأولى لانطلاق فكرة حراك 20 فبراير على غرار ثورات باقي البلدان العربية.
وشكلت مواقع التواصل الاجتماعي، السند الحقيقي لمنظمات المجتمع المدني بالمغرب والاطار الذي ينظم حركتها ويجعل صوتها مسموعا، واذا كان شارع محمد الخامس (الشارع الرئيسي بالعاصمة المغربية) بكونه يواجه مقر البرلمان، ميدان الحراك الاجتماعي والاحتجاجي، فان المحتجين احتشدوا بعد حراك وتعبئة جيش الفايسبوك، ليسلب الصحافة والمنشورات الحزبية هذا الدور، ولتصنع هذه المنظمات الحدث وتجبر السلطات على التراجع عن قرار او دفعها لاتخاذ قرار.
“قوة ضاغطة” و”حزب عريض”
ويقول عبد الوهاب الرامي الأستاذ والباحث المغربي في المعهد العالي للإعلام والاتصال ان الإنترنت، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، ستكون تكون قوة ضاغطة على كل المؤسسات، خاصة إذا كان الفعل فيها منظما ضمن استراتيجيات تواصلية متحكم فيها، لأن الإنترنت فضاء يتيح دمقرطة المشاركة المجتمعية وميزته أنه حيز تختلط فيه، كما في الحياة العامة، مقومات الإخبار والتواصل الأقرب إلى ما يعيشه الفرد في الواقع. والتلاقي الافتراضي يعيد الاعتبار للحميمية التي تظل منفتحة فيه إلى أقصى الحدود.
واضاف الرامي في حديث ل”سويس انفو” ان الإنترنت يعيد الاعتبار للفرد، وهو منفتح على خلق نوع من الفردانية الافتراضية في المجتمعات التي تطرح داخلها الجماعة كملمح مجتمعي كاسح. وبهذا يشجع الإنترنت التعبيرات الفردية-الجماعية. وهو نوع من التواصل الجديد الذي ينخرط فيه الفرد كذات دون نكرانه للفعل الجماعي.
وبقول محمد بودن الباحث في العلوم السياسية ورئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات العامة أن حزب الفيسبوك في المغرب، هو حزب عريض، يضم”الحزبي، التكنوقراطي، المقاطع، الصامت، فضلا عن “الجيوش الفيسبوكية”، وفي كل حين ترتفع فيه جاذبية السياسة، أو تظهر أعراض احتجاجية معينة، أو تطفوا على السطح ظاهرة سياسية غير مسبوقة، ينفتح باب الجدل حول دور الفيسبوك ، في عمليات التأجيج والتسهيل، من حيث تمكين المتذمرين من اجتذاب الدعم داخليا وخارجيا، أوالتفاعل مع التطورات الميدانية أولا بأول، علاوة على دور الفيسبوك في ملئ الفراغات التي تنتجها رتابة الإيقاع في المشهد السياسي المغربي.
يشجع الإنترنت التعبيرات الفردية-الجماعية، وهو نوع من التواصل الجديد الذي ينخرط فيه الفرد كذات دون نكرانه للفعل الجماعي عبد الوهاب الرامي، أستاذ وباحث
ويؤكد عبد الوهاب الرامي إن شبكات التواصل الاجتماعي منافس قوي لوسائل الإعلام المسماة تقليدية، لأنها تشرك كل هذه الوسائل في مادتها. إنها بشكل من الأشكال فضاء لتلاقي هذه الوسائط التقليدية. والحرية التي تطبع شبكات التواصل الاجتماعي، والتي ترجع إلى عدم إكراه الإعلان عن الهوية كشرط للمشاركة فيها، هي ما يجعل هذه الوسائل الجديدة مغرية إلى أقصى الحدود، وفاتحة لشهية الخوض في كل المواضيع مهما كانت حساسيتها.
واضاف الرامي ان من عيوب هذه الوسيلة الجديدة سهولة إبداء الرأي، والحكم على ما يجري، والتعليق المتعجل، وسقوط المسؤولية حين الاختفاء وراء أسماء مستعارة، وانتحال الصفة، وعدم وجود شروط لأخذ الكلمة، وخرق المواثيق المجتمعية في آداب الحديث والجدل، وسرقة الأفكار.
ويلاحظ محمد بومدن في تصريحات ل”سويس انفو” ان ثمة شعبوية طاغية بالمغرب على جاذبية السياسة في الفيسبوك، مما يساهم في انخفاض مؤشرات الثقة في العمل السياسي – الحزبي وبروز “جهاد النخبة على الفيسبوك” وهذا انتج سلبية مبالغ فيها لدى المنتقدين،وأحيانا مداهنة لدى المؤيدين كما لاحظ قدرة الحركات الفيسبوكية على الضغط وإيصال المطالب للحكومة وباقي الفاعلين المؤسساتيين، عن طريق العرائض، وتقنيات الهاشتاغ بعد ان اصبح “حزب الفيسبوك في المغرب حزبا اغلبيا، يضم الوزراء، وباقي الفاعلين المؤسساتيين من أعلى سلطة إلى ادناها، فضلا عن تحول الفيسبوك إلى ساحة نضالية،مفترضة وافتراضية.
وقال ان الفيسبوك في المغرب، أحدث تأثيرات نافذة الأثر، وتركيزا في عدة أحداث، مهنية (الإضرابات نموذجا)، قطاعية (قضية الاساتذة المتدربين،الطلبة الأطباء،)، محلية (مسيرة الشموع بطنجة،تنورة انزكان)، سوسيو- سياسية (خرجات وأخطاء المسؤولين الحكوميين..) كما تحول الفيسبوك المغربي إلى إعلام بديل، متفوق على باقي أصناف الإعلام.
نجاحات استثنائية
استطاع الضغط الفايسبوكي في أغسطس 2013 ولأول مرة في تاريخ المغرب أن يدفع مؤسسة القصر الملكي إلى إصدار ثلاث بيانات توضيحية في أيام متقاربة في ما عرف بقضية “دانيال كالفان” المجرم الإسباني الذي حظي بعفو ملكي رغم أنه كان معتقلا في قضية أخلاقية لاغتصابه 11 طفلا مغربي في مدينة القنيطرة غير بعيد عن الرباط. فورما تسرب الخبر حتى انتشر كالنار في الهشيم على موقع فايسبوك فساد سخط عارم وعجت حسابات المغاربة بعبارات الشجب والاستنكار في سابقة هي الأولى من نوعها تضع قرارا ملكيا تحت مجهر النقد وتم إلغاء قرار العفو و إعادة تسليم المجرم كالفان إلى السلطات الاسبانية في قضية تصدرت أخبار العالم وكادت أن تخلق أزمة دبلوماسية بين المغرب واسبانيا بفضل يقظة سكان الفايسبوك.
وفي أقل من سنة قضية أخرى تدحرجت ككرة ثلج بين حسابات نشطاء الفايسبوك المغاربة وتتعلق بفضيحة ملعب الرباط لكرة القدم حيث أثارت صور أرضية الملعب التي أغرقتها مياه الأمطار أمام أنظار كاميرات وسائل الإعلام عبر العالم التي كانت حاضرة لتغطية مباراة دولية جمعت فريقا استراليا بفرق مكسيكي. فعمد عمال الملعب إلى استعمال وسائل بدائية لتجفيف الملعب. وهو ما اعتبره المغاربة فضيحة أخجلتهم أمام العالم فكانت النتيجة أن فتح تحقيق رسمي كشف عددا من الاختلالات في صفقة تجهيز الملعب بعشب رديء وهو ما نتج عنه ولأول مرة في حكومة الربيع العربي إقالة وزير الشباب والرياضة محمد أوزين المسؤول المباشر عن الفضيحة.
وثارت عاصفة هوجاء في يوليو 2015 قضية “فتيات التنورة” في مدينة انزكان ضواحي أكادير جنوب المغرب وهما فتاتان ألقت الشرطة عليهن القبض اثر خلاف مع تجار سوق لم يستسيغوا ارتداؤهن تنورة فاعتبروها مخلة بالآداب وبتعاليم الدين والحشمة. فانطلقت في الفايسبوك وبمباركة منظمات المجتمع المدني والحقوقي حملات تضامن مع الفتاتين بشعار “صايتي حريتي” أي تنورتي حريتي وأعقب ذلك عشرات الوقفات الاحتجاجية في عدة مدن مغربية أنتهت بمحاكمة تجند لها أكثر من 1000 محامي مغربي وانتهت ببراءة الفتاتين.
ونجح ناشطو الفايسبوك في حملة تضامن مع فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة تعرضت لاغتصاب نتج عنه حمل فولادة وحظيت صور حملها ووليدها تعاطفا شديدا انتهى بمبادرة نشطاء إلى فتح اكتتاب عام على موقع “كوتيزي” لجمع التبرعات ومشاركة الرابط مع أكبر قدر ممكن من الحسابات الفايسبوكية بهدف جمع مبلغ 25 ألف يورو لاقتناء شقة للضحية المعاقة. وكان نتيجة الاهتمام الكبير لمغاربة الفايسبوك بهذه القضية أن بادرت إحدى شركات العقار إلى التبرع بشقة تكلفت شركة تجهيز أخرى بتجهيزها بالمجان فيما وضع المبلغ الذي جمع عبر موقع كوتيزي في وقت قياسي في حساب الضحية لأجل تجهيز مشروع تجاري لصالحها.
وفي رد فعل فايسبوكي وصف بالأشرس والأعنف من نوعه كان حول تصريحات الوزيرة المغربية شرفات أفيلال وزيرة الماء والبيئة حول معاشات الوزراء والبرلمانيين قالت أن هذا نقاش شعبوي وأن معاشات الوزراء هي فقط “زوج فرانك” وهي عبارة يستعملها المغاربة عادة للتقليل من شأن مبلغ معين، في حين أن مبلغ معاش البرلماني الذي قصدته الوزيرة وهو 8000 درهم حوالي 900 دلار هو يعادل ضعف “السميك” أربع مرات في المغرب ووصل الاستياء العام من الوزيرة حد إطلاق عريضة شعبية وقعها مئات الآلاف من مغاربة الفايسبوك تطالب الحكومة المغربية بمراجعة نظام المعاشات الذي يثقل كاهل ميزانية البلاد واعتبار مهمة البرلماني مهمة انتدابية محدودة الزمن وليس مهنة تستوجب معاشا طوال العمر ونفس الشيء ينطبق على الوزراء وكبار المسؤولين المغاربة.
وأمام الضغط الشعبي الكبير الذي مارسه الفايسبوك في هذه القضية التي تناسلت حولها عشرات “الهاشتاغات” أشهرها “هاشتاغ” #زوج فرنك اضطرت أحزاب سياسية إلى إدراج بند تعديل نظام المعاشات في برامجها فيما التزم سياسيون كبار الصمت تجاه القضية مخافة غضبة فايسبوكية تضعهم في الواجهة وقام آخرون بإعلان استعدادهم للتنازل عن معاشاتهم في حال سن المشرع المغربي لقانون يتيح هذا الأمر. وهو ما فسره مراقبون برغبة من هؤلاء في كسب ود سكان الفايسبوك واستمالتهم. وهي القضية التي ما تزال تفاعلاتها مستمرة رغم أنها عرفت تجاوزات وصلت حد تهديدات تلقتها الوزيرة حسبما صرحت به حول زلة لسان أحالت حياتها إلى جحيم وطرحت موضوعا شائكا للنقاش مؤكد لا يروق أعضاء الحكومة و”جيوش البرلمانيين المستفيدين من ريع المعاشات”، على حد قول الفايسبوكيين المغاربة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.