مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مشاريع سويسرية جديدة في الضفة والقطاع

إنتاج البروتينات الحيوانية سيكون من ضمن مشاريع التعاون السويسري في القرى الفلسطينية. في الصورة، مزرعة في قطاع غزة Keystone

تعتزم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون تنفيذ مشاريع هامة في الأراضي الفلسطينية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام القادم، ستركز من جهة على تعزيز المنتجات الزراعية وتحسين تسويقها على المستوى المحلي، وعلى توطيد الحكم الرشيد والشفافية داخل البلديات من جهة أخرى.

وفي حديث لـ swissinfo.ch، كشف مدير مكتب الوكالة في القدس، السيد جيانكارلو دي بيتشيوتو، عن تفاصيل المشاريع الجديدة، فضلا عن تغيّرات الأولويات السويسرية في الضفة والقطاع.

يترأس السيد جيانكارلو دي بيتشيوتو مكتب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في الضفة الغربية والقطاع منذ سبتمبر 2009، أي قبل اندلاع ثورات الربيع العربي التي عاين تأثيراتها على الشارع الفلسطيني أيضا، لاسيما على شبابه. فالسيد دي بيتشيوتو لاحظ، على سبيل المثال، أن الشباب الفلسطيني بات يعبر عن رغبة متزايدة في “مشاركة أكبر في عمليات اتخاذ القرار في القضايا التي تعنيه، مثل التربية والوصول إلى الخدمات الصحية”. ونوه في هذا السياق إلى أن الشباب الذي ينزل للتظاهر في الشارع “يريد التمكــّن من اتخاذ خيارات كمواطنين جديرين بالاحترام”.

والإسهامُ في تمكين الفلسطينيين من الاستمتاع بــ “مواطنة كاملة” هو جزء من المشاريع الجديدة التي تستعد الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون لإطلاقها في “الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2013” في كل من الضفة والقطاع، بحيث تشارك سويسرا، إلى جانب سبعة بلدان أخرى، استجابة لطلب فلسطيني، في برنامج يهدف إلى تطوير نظام عمل البلديات، بما في ذلك تعزيز مفهوم المساءلة الاجتماعية ومسؤوليات المنتخبين تجاه المواطنين، وتشجيع الحكم الرشيد والشفافية وآليات المراقبة.

كما سينفذ مكتب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في الضفة والقطاع – الذي يوجد مقره بالقدس – والذي تبلغ ميزانيته السنوية 21,5 مليون فرنك (في الفترة الممتدة من 2010 إلى 2014) مشروعين في مجال التنمية القروية في الأراضي الفلسطينية لترشيد الإنتاج وتحسين التسويق على المستوى المحلي، أخذا بعين الاعتبار احترام البيئة وقوانين السوق.

وفيما يلي، نص الحوار الذي أجرته swissinfo.ch مع السيد دي بيتشيوتو قبل أسابيع من تجدد التوتر والمواجهات العسكرية بين الإسرائيليين والفلسطينين في قطاع غزة. وقتل نحو 160 فلسطينيا نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء والشيوخ، بينما جرح أكثر من ألف في الغارات التي شنتها إسرائيل على القطاع من 14 نوفمبر  2012. كما قتل خمسة إسرائيليين على الأقل، من بينهم جندي في سقوط صواريخ فلسطينية على جنوب إسرائيل.

swissinfo.ch: لماذا تهتمون بشكل خاص بالمناطق الريفية الفلسطينية وما هي أبرز الصعوبات والنقائص التي تعاني منها؟

جيانكارلو دي بيتشيوتو: لأن المناطق الريفية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما هو الحال في العديد من البلدان التي تعمل فيها وكالة التنمية والتعاون، تجتذب بشكل أقل اهتمام أبرز المانحين. خيار العمل في القرى يميز التعاون السويسري لما لنا من خبرة ومهارات في هذا المجال، ولكن أيضا لأصولنا نحن كمزارعين، لا سيما أن هنالك إمكانيات تنمية هائلة في تلك المناطق.

لقد أصبحت الزراعة في الوضع الذي نعيشه بالضفة الغربية وقطاع غزة – أي حالة صراع وهشاشة ناجمة بالخصوص عن الاحتلال الإسرائيلي – الملاذ الأخير بالنسبة للتنمية الاقتصادية للسكان الذين لم تعد لديهم القدرة، على سبيل المثال، على الوصول إلى سوق العمل، بسبب عراقيل التنقل المرتبطة بنظام التصاريح الذي وضعته إسرائيل. والافتقار لفرص العمل في سوق دولية منكمشة يُجبر الفلسطينيين على البحث عن بدائل في عين المكان.

ثم إن ارتباط الفلسطينيين بالأرض يتجاوز البعد الثقافي ورمز شجرة الزيتون، ليتضمن الدفاع عن أرض الأجداد. وفي هذا المستوى، تتدخل الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية، من خلال محاولة العمل، رغم جميع الإكراهات، في احترامٍ لمبادئ السوق وتقنيات الإنتاج الأكثر اقتصادا والأكثر احتراما للبيئة، من أجل إتاحة الوصول إلى السوق المحلية بسلع ذات جودة مماثلة للمنتجات الإسرائيلية. ولاحترام قوانين السوق، يمكن أن ننصح المنتج باستخدام تقنيات إنتاج أفضل، ولكن دون دعم إنتاجه.

المحور الأول من مشاريعكم المقبلة سيشجع الإنتاج وبيع المنتجات الزراعية في الأسواق المحلية سيستفيد من “مساعدة تقنية” في المقام الأول. في ماذا تتمثل هذه المساعدة بشكل ملموس؟

جيانكارلو دي بيتشيوتو: إن المساعدة التقنية هي ما نعــْرفه في أوروبا في شكل الإرشاد الزراعي. وهي تتم من خلال مستشارين يتواصلون مع التعاونيات أو المنتجين المستقلين ليقدموا لهم نصائح مرتبطة بالإنتاج والتسويق: مثل التعبئة والتغليف ووضع العلامات، والاستخدام العقلاني للمبيدات، وأفضل الفترات لزرع هذا المنتج أو ذاك، مثل الطماطم أو الخيار. إن شراء النصائح ممارسة يلجأ إليها كل منتج، وأيضا كل صاحب مصنع، لمواكبة التطور واستخدام التكنولوجيا الأكثر ملاءمة.

وستتيح ورش عمل تحسيس وتثقيف التعاونيات (بأهمية) تنوع الإنتاج، والمنتجات الثانوية في قطاع زيت الزيتون التي تحظى بفرص (تسويق) حتى في الخارج. ونأمل – وهنا أتحدث عن قطاع غزة – تطوير قنوات مرتبطة بإنتاج البروتينات الحيوانية: حيوانات المزرعة مثل الحمام والماعز والأغنام. والطلب موجود في غزة بما أنه لا يوجد قدر كبير من التجارة مع العالم الخارجي. وبما أن جهودنا تشمل الجوانب النوعية، فنحن نتحدث عن عمليات تتطلب الكثير من الخبرة.

إن دور الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون سيتمثل في توفير الموارد اللاّزمة لجعل هذه المهارة رهن إشارة (المعنين بالأمر). في بداية الأمر، ستُغطي التكاليف بمبلغ رمزي – من مساهمات المشاركين. وسيكون مقدمو الخدمات والمرشدون من السكان المحليين. وارتكاز الخبرة في غزة يعدّ عامل استدامة لهذا النهج.

المحور الثاني لمشاريع وكالتكم يهدف إلى تعزيز الحكم الرشيد والشفافية داخل البلديات الفلسطينية. ألا تخشون الدخول في نوع من التصادم مع مختلف مكونات تلك البلديات (كجهة أجنبية تتدخل لتلقين الدروس في هذا المجال)؟

جيانكارلو دي بيتشيوتو: إن الحكم الرشيد والشفافية في البلديات نابعان في المقام الأول من نية فلسطينية. إنه مشروع فلسطيني وُضع وطــُبّق من قبل وزارة الحكم المحلي التي يتمثل دورها في تعزيز القدرة الإدارية للبلديات، أي الجهاز الإداري والمنتخبين المحليين. ويتعلق الأمر هنا بالنظر في النظام وتحسينه، وليس التدخل في القرارات التي تظل ثمرة مداولات سياسية.

وكان هذا موضوعَ عملٍ سبق أن فكــّرنا في معالجته عندما كــُنا نصوغ استراتيجيتنا. إن البلدية تمثل الوحدة الإقليمية، كما أنها بمثابة قياس على الأصعدة الجغرافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث تــُنجز الأمور بمقربة من المواطن (ومراعاة لمصالحه). واستراتيجيتنا تتمحور حول مواطنة يُستمتع بها بشكل كامل.

إن المهمة تتمثل في ضمان وجود آليات يـُتوخى منها تحويل مشروع سياسي إلى أمر واقع، كإقامة مجلس محلي، وأن تتوفر شفافية في عمليات مثل منح مناقصات محلية، وأن تكون تلك العمليات مفهومة بالنسبة للجميع. نحن نتواجد في فلسطين، أي في منطقة شهدت أنواعا مختلفة من الإدارة على مر القرون. هنالك ممارسة حكم رشيد محلي، وتـكمن المأمورية في تعزيزها وتحديثها وتكييفيها مع الحقائق الجديدة، والمشاريع السياسية للسلطة الفلسطينية، وأيضا مع تحركات الدمقرطة التي تــُعد مشروعة. فالناس الذين يتظاهرون (في الشارع الفلسطيني) لا يطالبون بتشييد شارع هنا أو هنا، بل يريدون في المقام الأول أن تُمنح لهم الكلمة كمواطنين كاملين، بالمعنى الذي نقصده في سويسرا.

(…) ومعرفة جوانب هذا الحكم الرشيد وتلك الديمقراطية التي لا يزال ينبغي تطويرها لا تمثل فقط موضوعا مثيرا بل مجالا تتمتع فيه سويسرا بخبرات هائلة تعتمد على عملنا في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا. وهي أيضا طريقة لإشراك الناس الذين يتلقون المساعدة الدولية في هذه العملية. فهم الذين يتعين عليهم في نهاية المطاف اتخاذ القرارات بشأن أولويات الاستثمار، ونحن نسعى إلى أن نكون أكثر نشاطا على هذا المستوى تحديدا: أي تطوير آليات الحوار بين المنتخبين المحليين والمواطنين.  

يبدو واضحا أن وكالتكم تكيف برامجها مع احتياجات الفلسطينيين مع تفضيل مبدأ تعليم الصيد بدل توفير السمك. هل يعني ذلك أن أولوياتكم الجديدة بأن مجالات عملكم السابقة، مثل إعادة تأهيل السجناء، والتكوين المهني، والصحة النفسية، أصحبت الآن تدار تماما من قبل الفلسطينيين أنفسهم؟

جيانكارلو دي بيتشيوتو: لقد راجعنا استراتيجيتنا اعتمادا على الإمكانيات والمعارف والشبكات المتوفرة لدينا. كل هذه المكونات تــُعد جزءً من القرار. فيما يخص إعادة تأهيل السجناء السابقين، فإننا شرعنا فيها عام 1994 عندما كان هناك مئات الآلاف منهم الذين نقلوا من السجون الإسرائيلية إلى الضفة الغربية، وحيث كان ينبغي تقديم الدعم لهؤلاء الآشخاص. ولكن اليوم، تغيرت الأوضاع وتوقف المشروع لأن عدد الأسرى السابقين الذين يحتاجون إلى التأهيل قد قلّ بالفعل.

ومع ذلك، هنالك قدرٌ كبير من الاتساق في أشكال الدعم التي يقدمها التعاون السويسري للأراضي الفلسطينية. ففي مجال الصحة العقلية والدعم النفسي، مثلا، نحن نعمل في غزة منذ عام 1996 بسبب وجود حاجة لذلك، ونظرا لتوفر مؤسسات متينة. 


أما بالنسبة للتكوين المهني، صحيح أنه بعد فترة انقطاع طويلة إلى حد ما، عاودنا العمل في هذا المجال. ولهذا الغرض، نحن نتعاون الآن مع وزارتي التربية والتعليم والعمل، جنبا إلى جنب مع بلدان أخرى، مثل ألمانيا، من أجل تعزيز تنفيذ الاستراتيجيات.

 

ولعل الاختلاف الأساسي بين ما كنا نفعله في عام 1994 وما نقوم به اليوم هو الرغبة في التحلي بقدر أكبر من الاستراتيجية وممارسة تأثير أكبر على نظام التكوين المهني الفلسطيني نفسه. ونحن نفضل بالتالي مقاربة أكثر واقعية، بمعنى أنها أكثر انسجاما مع تطلعات السلطة الفلسطينية أو منظمات المجتمع المدني، أو شركات القطاع الخاص.

إن التعليم والتدريب المهني مجالان يستهدفان الشبيبة ولهما تأثير قد يكون كبيرا جدا على عمليات التحول داخل المجتمع. ولئن كانت إعادة تأهيل السجناء بالغة الأهمية لارتباطها بأشخاص وأفراد وأرباب أسرة وأمهات عائلات، فإنها ذات طابع يقترب أكثر من الرعاية المــُلطّفة، بالمـُقارنة مع الاهتمام بالشبيبة والسماح لها بدخول سوق العمل. وهذا النوع من التفكير والتأمل هو الذي يــُحدّد إيقاع خياراتنا الاستراتيجية الخاصة بنوعية الدعم الذي يريد التعاون السويسري تقديمه.

يوم 13 سبتمبر 2012، أشاد مكتب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في القدس، بمساهمته في تحقيق “انتصار” في مجال حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، بعد أن ألغت المحكمة الفلسطينية العليا قرار فصل ست مائة موظف فلسطيني من قبل مشغليهم الفلسطينيين لـ “أسباب أمنية”.

 

وفي رده على سؤال swissinfo.ch عما إذا كان الحضور الدائم لممثلي الوكالة السويسرية في جلسات المحكمة العليا قد كان له تأثير بشكل أو بآخر على مجريات القضية، أجاب مدير مكتب الوكالة في القدس، السيد جيانكارلو دي بيتشيوتو:

“لقد تابع جلسات المحكمة العليا الفلسطينية أيضا ممثلون دبلوماسيون آخرون. الحدث الأهم لا يتمثل في حضور سويسرا أو غيابها، بل الاهتمام الذي أبداه المجتمع الدولي بحسن سير العملية القضائية في فلسطين.”

وأوضح السيد دي بيتشيوتو ضمن هذا السياق أن الموظفين الست مائة كانوا قد صُرفوا من عملهم على أساس انتماء سياسي لم يكن قد ثبت بعد، مؤكدا أن الحكم الصادر عن المحكمة العليا الفلسطينية “انتصار هام لأن العدالة الفلسطينية أثبتت أنها لا تخضع للضغوط، كما أثبتت السلطة الفلسطينية قدرتها على إعادة النظر في قراراتها على أساس مبادئ القانون، وهذه رسالة مهمة للعالم”.

ويقر السيد دي بيتشيتو أن للحضور الدولي في جلسات المحكمة وزن أكيد، قائلا: “نحن لا نعيش ولا نعمل ولا ننشط في عــُزلة ومحيط غير سياسي”، مذكرا بأن الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون تدعم لجنة حقوق الإنسان الفلسطينية المستقلة التي جلبت القضية إلى انتباه المحكمة، ومنوها إلى أن الأمر يتعلق هنا بـ “عمليات دمقرطة معقدة للغاية، ولكن من دونها لا يمكن إحراز أي تقدم”.

من مواليد 1959 في العاصمة اليونانية أثينا، ويحمل الجنسية السويسرية. متزوج وله طفلين راشدين.

في عام 1984، حصل على شهادة في علم الهندسة الزراعية من المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ.

في عام 1986، ترأس لمدة سنتين الإنتاج النباتي في فرع لشركة “ستيفن ريس” السويسرية بكلّ من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.

عمل لمدة أربعة أعوام من 1989 إلى 1993 على مشاريع بحثية لحساب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في كل من موزمبيق، قبل الانتقال في العام الأخير للعمل بروما، مقر المنظمة.

وفي عام 1993، التحق بمكتب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في بوليفيا كنائب لمدير المكتب، وشغل لاحقا نفس المنصب في مكتب الوكالة بنيكاراغوا.

وبعد شغله وظائف عديدة في الوكالة داخل سويسرا، من 1999 إلى 2009، أبرزها مدير برامج ونائب رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هذه الوكالة التابعة لوزارة الخارجية، عــُين كرئيس لمكتب الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزة الذي يوجد مقره في القدس، حيث لا يزال يشغل هذا المنصب.

يتحدث الفرنسية (اللغة الأم)، كما يتقن اللغات الألمانية والإيطالية والإنجليزية والإسبانية. وله معرفة جيدة بالبرتغالية ومعرفة أساسية باليونانية.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية