مشروع الفدرالية في ليبيا.. انتقام من التهميش لكنه يثير المخاوف من التقسيم
على الرغم من شكوى سكّـان المناطق الشرقية في ليبيا ممّا تعرّضوا له من حيف وتهميش طيلة أكثر من نصف قرن، فإن الذين يفكِّـرون في خيار الإنفصال، يشكِّـلون أقلية ولا أمل لهم في المستقبل بتكريس الصيغة الفدرالية، التي يسعون لتحقيقها.
وقد أثارت المبادرة الأخيرة، المتمثِّـلة في إعلان “مؤتمر برقة” في 6 مارس 2012 عن إرادة فصل بنغازي عن باقي البلد، ردود فِـعل قوية في سائر أنحاء ليبيا، بلغت حدّ التشهير بالذين شاركوا في المؤتمر، بمن فيهم أحمد الزبير السنوسي، الذي أمضى 31 سنة في سجون القذافي.
وحاز السنوسي، وهو من أقرباء الملك إدريس السنوسي (1951 – 1969) على جائزة ساخاروف في 2011. وتتمثل المفارقة في أنه عضو في المجلس الوطني الإنتقالي، الذي قاد الثورة على نظام معمر القذافي (1969 – 2011) مكلّف بملف السجناء السابقين، ويُفترض أنه سيحافظ على وحدة ليبيا الديمقراطية، مما طرح إشكالا قانونيا ما زال محلّ جدل.
وأعلن السنوسي في تصريحات أدلى بها لوكالة الأنباء الألمانية من القاهرة، حيث يقيم، أنه ومَـن معه من أهْـل برقة لن يخوضوا انتخابات المؤتمر الوطني، إذا استمرت الشروط والتقسيمات التي وضعها المجلس الإنتقالي لتلك الإنتخابات، وقال: “لن نقبل نحن أهْـل برقة بتلك التقسيمات. فهي مرفوضة من جانبنا بشكل مُـطلَـق، حتى قبل إعلان برقة إقليما فدراليا”.
وتابع أحمد الزبير السنوسي “نريد توزيعا مُـتساويا لمقاعِـد المؤتمر الوطني بين كل أقاليم ليبيا”. ولوحظ أن المجلس الانتقالي امتصّ هذا الطلب بالإعلان عن زيادة عدد المقاعد المخصّصة للمناطق الشرقية والجنوب في المؤتمر الوطني، بشكل لا يتناسب مع حجمها السكاني، من باب التمييز الإيجابي.
وفي الوقت الحاضر، لا توجد إحصاءات دقيقة عن التوزيع السكاني في ليبيا، إلا أن الأرجح، أن طرابلس والمناطق الغربية، تضم 80% من سكان البلاد، بينما لم تُمنَـح في تشكيلة المؤتمر الوطني سوى نصف المقاعد تقريبا، أي أن المناطق الشرقية المهمَّـشة أعطيت الأفضلية من أجْـل منحها فرصة لتدارُك ما فات.
هواجس ومخاوف
في هذا السياق، يمكن القول أن مشروع الفدرالية يثير توجُّـسات ومخاوف عدّة لدى الزعماء الليبيين، الذين يخشون من أن يصبح تفكّك البلد، ثمنا للقضاء على النظام المستبد. لكن الماسكين بزِمام الأمور في الوقت الحاضر، أكثر ثقة في إخفاق هذا الخيار، وهو ما عبّر عنه رئيس الحكومة عبد الرحيم الكيب، حين سألته إحدى الصحف عن مشروع الفدرالية، فردّ بأنه “جزء من الحِـراك السياسي في البلاد، وإذا طرح الأمر في استفتاء وتركنا الليبيين يقرِّرون، فستكون لدينا نتيجة مغايرة لهذا الطرح”.
مع ذلك، لا يُخفي الكيب معارضته لنظام الفدرالية، الذي اعتبره “نظاما قديما أكَـل الدّهر عليه وشرب، ولا يناسبنا في هذه المرحلة. لكن هذا لا يمنعنا من أن ننظر إلى ضرورة البحث في خيارات واقعية، ولهذا نطرح قانون الحُكم المحلّي، حيث سيتِـم تقسيم ليبيا إلى محافظات. ونعتقد أن أسلوب الإدارة المحلية لدى تطبيقه، سيُـعالج الكثير من المشاكل الموجودة الآن”.
وبدا الكيب في تصريحاته واثقا من أن خيار الفدرالية لن يكون الحلّ الأمثل للتهميش الذي عانت منه مناطق الشرق والجنوب، على اعتبار أن “هذه الثورة التي أطاحت بالنظام السابق، قادرة على أن ترسم لنفسها وللبلاد مستقبلا وطنيا، يستوعب الجميع من دون إقصاء أو تهميش”، على حد قوله.
في السياق نفسه، أعلن ناصر المانع، المتحدِّث باسم الحكومة الليبية أخيرا، عن اعتزام الحكومة فتح ديوان لمجلس رئاسة الوزراء في مدينتَـي سبها وبنغازي، بالإضافة إلى توزيع بعض الشركات والمؤسسات الحكومية على باقي المدن، كي لا تبقى العاصمة مُحتكرة لها. ويُفضِّل كثير من المثقفين الليبيين، بمَـن فيهم مَـن هُـم أعضاء في الحكومة والمجلس الإنتقالي، استخدام اللامركزية بديلا من الفدرالية، للمحافظة على كِـيان ليبيا موحدا وتجنيبه المصير الذي عرفه السودان المجاور.
لا مركزية أم فدرالية؟
مع ذلك، هناك انقسام داخل النُّـخب الليبية بين فريقين، أحدهما مُـدافع عن وحدة البلاد، مع الإقرار بضرورة اللامركزية. والثاني، داعٍ إلى الفدرالية. لكن القراءة المُـتأنية لمواقف هؤلاء وأولئك، تُظهر أن ترابط الأجزاء الثلاثة التي تتكوّن منها ليبيا، وهي برقة (الشرق) وطرابلس (الغرب) وفزان (الجنوب)، خط أحمر بالنسبة للجميع.
ويُخفف المدافعون عن استقلال برقة من غلوائهم فيؤكِّـدون أن “الفدرالية كنظام سياسي، لا تؤدي بالضرورة إلى التقسيم، كما أن الدّعوة إلى نظام فدرالي، لا تعني بالضرورة تنفيذ برامج أجنبية أو الخيانة”. جاء هذا الموقف صدى للإتهامات بالتخوين التي تعالت بعد مؤتمر 6 مارس الأخير، والتي رأت في تلك الخطوة مناورة جديدة من عناصر النظام السابق، الذين لم يعد في مقدورهم المجاهرة بالعداء للثورة، “فركبوا موجة تقرير المصير التي كانت مَعْبَـرا للتقسيم في العراق والسودان”، كما قال بعض المعارضين لهم.
وتقمَّـص الكاتب صبره قاسم، المناهض للفدرالية، موقف هؤلاء قائلا: “نحن الفدراليون ضد التهميش… عقدنا الإجتماعات السرية والعلنية منذ شهر أبريل 2011 قبل تحرير البريقة، وبعد انطلاق الثورة بشهرين، لأننا عرفنا أن حكومة الكيب ستهمِّـش برقة كما فعل القذافي، فمعظمنا من لجانه الثورية وخريجي مدرجه الأخضر والمنادين بنظريته الخضراء، ونعرف مدى تهميشه لبرقة! وعليه، لا مناص من فدرالية حدودها عند آخر حقول النفط غربا لضمان وحدة التراب الليبي! فنحن لا ننوي تقسيم البلاد لا سمح الله! لم نجمعكم يا أهل برقة لاستشارتكم، لأننا نمارس ديمقراطية صاحب الخيمة، فنحن القيادة الإجتماعية ببرقة ودعونا مشايخ قبائلكم لحضور الإعلان، وما عليكم إلا الصمت وعدم الإحتجاج، حتى نقسمكم من الداخل إلى سكان (برقاويين) أصليين وآخرين دخلاء أفاقيين، غرباء”.
أكثر من ذلك، ذهب الكاتب رمضان الفراوي إلى أن البرقاويين، الذين حضروا مؤتمر بنغازي في السادس من لشهر مارس الجاري، “كانوا ضحايا خدعتين. الأولى، هي أن أغلبية مَـن حضر المؤتمر، لم تأت لكي تقسم ليبيا، ولكنها حضرت بعدما قيل لها أن هناك نقاشا سيجري حول ما إذا كنا نحتاج إلى الفدرالية، ثم فوجئت بإعلان برقة إقليما مستقلا. والثانية، أن الفدرالية أو المركزية، كلاهما خيار لا يحِـق لجزء من الشعب أن ينفرد به، بل هو خيار يتطلّب موافقة كل الشعب، ومن ثم، فإن إعلانه كخيار لفئة قليلة ومحاولة فرضه كأمر واقع، هو مجرد خدعة بائسة”.
التاريخ يُعيد نفسه…
أما الأكاديمي المعروف الدكتور مصطفى عمر التير، أستاذ علم الاجتماع في جامعة طرابلس، فعاد إلى تحليل جذور المسألة مؤكدا لـ swissinfo.ch أن الدعوة إلى استقلال إقليم برقة ليست جديدة. فهي قديمة قِـدَم الأيام الأولى للمطالبة بالإستقلال بعد انسحاب الجيش الإيطالي من البلاد. وقال “ليبيا كإقليم له تاريخ طويل. فالاسم ينتمي للحضارات القديمة، كما أن أسماء الأقاليم الفرعية، طرابلس وبرقة وفزان، كانت هي الأخرى معروفة. وعندما قررت إيطاليا أن تحتل موقعا في شمال إفريقيا، اختارت ليبيا بأقاليمها الثلاثة التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية. ودخل الليبيون في حرب شعواء، استمرت عشرين سنة، قبل أن تتمكن إيطاليا من بسْـط سلطتها على كافة التراب الليبي”.
وأشار التير إلى أن عددا من ليبيي المهجَـر نشطوا سياسيا، بحيث بقيت القضية الليبية حية وارتفعت وتيرة النشاط عند بداية الحرب الكونية الثانية، فتكاثر عدد المطالبين بالإستقلال. وأوضح أن الأسْـرة السنوسية “ليست ليبية، وإنما جاءت إلى ليبيا من الجزائر، ثم انتشرت في أنحاء مختلفة من ليبيا وفي الأقاليم المجاورة، لكن انتشارها الأكثر كان في إقليم برقة، حيث نجح مؤسِّس الدّعوة في كسب ثقة جميع شيوخ القبائل. لذلك، انتشرت الزوايا السنوسية في كل قرية وبلدة. وعندما غزت إيطاليا البلاد، كانت الفرق الليبية المحاربة متعدِّدة في إقليم طرابلس، بينما اتَّحدت الفِـرق في إقليم برقة تحت الزعامة السنوسية. وبعدما انتصر الحلفاء في الحرب، انسحبت الجيوش الإيطالية من ليبيا، وبدأ سيل رجوع الليبيين من المهجر، وارتفع صوت المطالبة بالإستقلال.
ويُشدد الدكتور التير على التَّـشابه الكبير بين الإعلان الأخير عن الفدرالية والإعلان عن استقلال برقة في عام 1949، مُذكِّـرا بالعلاقة الخاصة التي كانت تربط بريطانيا بالأمير ادريس السنوسي، إذ وافقت على إعطاء برقة حُـكما ذاتيا تحت إمارته، وهكذا أعلن عن استقلال الإقليم في أول يونيو 1949. ورأى في تلك الخُـطوة “عملا يتَّـسق مع البرنامج السياسي لبريطانيا خلال تلك الفترة، الذي رمى إلى تحويل مناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية إلى دويلات مَـلكية ترتبط بالتاج البريطاني، وهو البرنامج الذي بدأ بمملكتَي العراق وما سُـمي عندئذ بشرق الأردن. وفي هذا الإطار، اتخذ النظام الجديد في برقة قرارا منفرِدا وطلب من بقية الليبيين الإنضمام إليه، بعد القبول بالشروط التي وضعها، كما قرّر ذلك النظام بوضوح في حالة تخلف بقية الليبيين عن اللِّحاق بالنظام الذي أعلن في برقة، تحويلها إلى دولة مستقلة”.
واستنتج التير أن نفس السيناريو تكرّر يوم السادس من مارس 2012، من خلال ما أصبح يُـعرف بإعلان مؤتمر برقة. وكما حدث في الحالة الأولى، حيث تولّى عدد من الشخصيات التي لم تنخرِط في العمل العسكري، التحضير والدعوة للنظام الفدرالي، تولّى عدد من الأشخاص الذين لم ينخرطوا في المقاومة المسلحة، التحضير والدّعوة لفكرة النظام الفدرالي منذ الأيام الأولى لانتفاضة 17 فبراير 2011.
وكما عارض هذا الإعلان المنفرد بعض سكان إقليم برقة عندئذ، عارض بعض أهالي نفس الإقليم إعلان 6 مارس. من هنا، توقع الدكتور التير لمشروع الفدرالية الجديد، مصير المشروع السابق، “لما أعلنت ليبيا دولة مستقلة على شكل فدرالية من ثلاث ولايات، ثم أعلن الملك نفسه بعد ظهور الكثير من المشكلات نهاية النظام الفدرالي في عام 1963”.
ومضى التير مُعلّـقا “مثل هذا الموقف هو الذي يجعل المرء يستحضر ما حدث في 1949 ويقول كأن التاريخ يُـعيد نفسه في هذا البلد، وما أشبه الليلة بالبارحة”، لكنه تساءل في الوقت نفسه: “هل سيتفق الحدثان في النتائج أم أن الظروف غير الظروف والعصر غير العصر والناس غير الناس، وأن مسيرة التاريخ عبْـر الزمن تتّجه إلى الأمام وليس إلى الخلف؟”.
ثروة نفطية
يشكل وجود القسم الأعظم من احتياطات الطاقة الليبية في المنطقة الشرقية، أحد الحوافز الرئيسية لطرح مشروع الفدرالية. ويمتد إقليم برقة من الحدود المصرية الليبية شرقا إلى وسط البلاد غربا، ومن سواحل المتوسط شمالا إلى حدود السودان وتشاد جنوبا. والحجّة التي يطرحها الإنفصاليون تبريرا للفدرالية، هي الظلم الذي عانت منه بنغازي طيلة حكم القذافي.
ويُقِـر الكاتب والمحلل السياسي عبد المنصف البوري، المنحدر من بنغازي، بأن مدينته والمناطق الشرقية عموما، عانت من الإقصاء والحِرمان عقودا طويلة. ويستدِل على ذلك، بأن نظام القذافي لم يُقِـم فيها أية مشروعات تنموية، بل إن مطارها المعروف بمطار بنينة – بنغازي، لم يُدخل عليه أي تغيير منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لكن البوري، الذي يُعتبر من الأكاديميين الأوائل الذين حلّلوا ظاهرتَي الجهوية (المناطقية) والقبلية في ليبيا، منذ تسعينات القرن الماضي في مجلة “شؤون ليبية” وسواها من المطبوعات، يُحذّر من التغاضي عن الحقائق التي تشكل تركيبة المجتمع الليبي، وهي الحقائق “الناتجة عن تفاعُـل القوى الإجتماعية والعوامل الجغرافية القائمة في البلاد. فالمسألة القبلية كانت قائمة وما زالت وستبقى في المجتمع الليبي لفترة طويلة. كما أن الجهوية التي أفرزتها العوامل الجغرافية، هي عوامل ثابتة لا مجال لتغييرها. غير أن التعامل مع هذه “الحقائق” وما ترتّب عليها في الماضي وما سيترتب عليها في المستقبل من إشكالات، يتوقف بالدرجة الأولى على الكيفية التي يُنظر بها إليها، ومن أي الزوايا يتِم التعاطي معها وبأي الأساليب والوسائل تحلّ أو تتم معالجتها”.
ويؤكد البوري لـ swissinfo.ch أن جذور القبلية القائمة في المجتمع الليبي، تمتد إلى سنوات بعيدة في عُـمق التاريخ، وأن دورها الاجتماعي والاقتصادي كان باستمرار دوراً إيجابياً، بل يمكن الجزم أيضاً بأن دور القبيلة السياسي، كان في أغلبه قبل ميلاد الدولة الليبية الحديثة، خاصة في فترة الاستعمار الإيطالي وخلال مراحل الجهاد الوطني ضد الاستعمار الفاشستي، مدعاة للفخر لا تشوبه إلا تلك الإستثناءات البسيطة والقليلة التي وقعت إبان تلك المرحلة.
ويستدرك قائلا “لكن، كان يفترض أنه مع قيام دولة ليبيا واتِّجاه المجتمع إلى التطوّر المدني وإقامة المؤسسات، أن يتقلص أو يختفي الدّور السياسي للقبيلة، سواء بشكله المباشر أو بشكله غير المباشر، لكي يُفسح المجال أمام قيام المؤسسات السياسية، ممثلة في التنظيمات التي تباشر دورها في طرح وتبنّي مطالب المجتمع. غير أن هذا الأمر لم يتم. فبعد أن حصلت البلاد على الإستقلال وبعد أن تم منع القوى والأحزاب السياسية من العمل الرسمي في إطار الدولة، كما كان سائداً في عهد الإدارة الأجنبية على البلاد، فإن استمرار حالة الفراغ السياسي، حتى بعد وقوع الانقلاب (في 1969)، وتجريم العمل الحِزبي والسياسي، دفع باتجاه تسريع وتأكيد المسألة القبلية، خاصة في ظل الشعور بعدم الاستقرار والطُّـمأنينة وتقلّص الأمن إلى أدنى مستوياته لدى كل من “النظام” والمجتمع على حد سواء”.
ويتوقف البوري هنا عند آليات ضرب المناعة الاجتماعية، مؤكدا أن “المجتمع الليبي بات لأول مرّة في تاريخه، شِـبه عاجز عن المقاومة اليومية للنظام، بعدما انتهت المصادمات التي شهدتها السنوات الأولى من عقد السبعينات، ثم عقدَي الثمانينات والتسعينات، إذ جرى بعد ذلك تهميش وعْـي المجتمع وتفكيك أوْصاله وحركته عبْـر القمع المتواصل والإستبداد، الذي ضرب كل الأشكال التنظيمية للمجتمع القاعدي من عناصر فِكرية وقوى طلابية ونقابية ومهنية”.
في ضوء تلك القراءة، يفتح البوري نافذة الأمل بمستقبل مستقِـر لليبيا، بعد التجاذبات القوية التي رافقت طرح مشروع الفدرالية، مُعتمِدا على رؤية استمدّها من القواسم المشتركة، التي تتكرر في طروحات القوى السياسية والاجتماعية الليبية في مرحلة ما بعد القذافي. وهذه القواسم، ليست سوى مرتكزات المشروع الديمقراطي، فلا سبيل، في رأيه، لعودة الحياة الطبيعية للمجتمع “من دون إعادة دور مؤسسات المجتمع المدني، وهي ليست فقط المؤسسات الحكومية، ولكن أيضا المؤسسات الشعبية، ممثلة في الأحزاب والقوى المهنية والنقابية والطلابية، التي تجمع كل الليبيين التفافا حول البرامج والقضايا والمبادئ. فالعودة إلى تأكيد وبِناء المجتمع المدني في بُـعده القانوني الدستوري، هو الذي يحدِّد الحقوق والواجبات، ومن ثَـم يحمي هذه الحقوق والواجبات، وهو فوق ذلك يصُون قِـيم العدل والمساواة”.
حدد المجلس الوطني الانتقالي، السلطة الحاكمة في ليبيا، تشكيلة هيئة صياغة دستور البلاد التي يفترض ان ينشئها وقرر ان تتألف من ستين عضوا يمثلون “اقاليم الثلاثة” بالتساوي، لصياغة مسودة الدستور على اساس اللامركزية.
ويأتي قرار المجلس تلبية لمطلب قادة برقة في الشرق الليبي الذين يخشون تهميش منطقتهم في الهيئات القيادية الجديدة في ليبيا.
وجاء القرار في تعديل ادخل على الاعلان الدستوري الموقت الذي اصدره المجلس في الثالث من آب/اغسطس 2011 في بنغازي خلال التمرد على نظام معمر القذافي لتنظيم العملية الانتقالية وعمل الدولة في ليبيا حتى اعتماد دستور جديد من قبل مجلس تأسيسي منتخب.
ويطال التعديل المادة 30 من الاعلان التي اصبحت تقضي “باختيار هيئة تأسيسية من غير اعضاء المؤتمر الوطني العام المنتخب لصياغة مشروع دستور للبلاد (…) تتكون من ستين عضوا على غرار لجنة الستين التي شكلت لاعداد دستور استقلال ليبيا في 1951”.
وقالت رئيسة اللجنة القانونية في المجلس الوطني الانتقالي سلوى الدغيلي لوكالة فرانس برس ان “الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور” وعلى غرار لجنة الستين التي شكلت خلال مرحلة استقلال ليبيا في 1951 في عهد الملك ادريس السنوسي، ستضم عشرين شخصا من كل من الاقاليم الثلاثة برقة وطرابلس وفزان.
ولم تكن بنية هذه الهيئة واضحة في الاعلان الدستوري مما كان يثير مخاوف الشرق من هيمنة الغرب الليبي الذي يضم عددا اكبر من السكان.
وكانت ليبيا تتألف من ثلاثة اقاليم ادارية قبل ان يُلغى هذا النظام الاتحادي في 1963. وهذا التعديل الاول على الاعلان الدستوري، سيؤدي الى الحد من نفوذ طرابلس.
وقالت الدغيلي انه يهدف الى “امتصاص التوتر الذي ظهر في الشرق بسبب المركزية والتهميش ورفض الشرق لعدد المقاعد التي كانت مخصصة له” في المجلس التأسيسي.
وجاء هذا التعديل بعد ايام من اعلان زعماء قبائل وسياسيين في شرق ليبيا منطقة برقة التي تمتد من الحدود المصرية شرقا وحتى مدينة سرت غربا اقليما فدراليا وتعيينهم مجلسا انتقاليا له.
من جهة اخرى، تحدثت الدغيلي عن توزيع جديد للمقاعد في المجلس التأسيسي الذي يضم مئتي عضو منتخب، موضحة ان مئة من هذه المقاعد ستخصص للغرب (بدلا من 102) وستين للشرق واربعين للجنوب.
كما قرر المجلس ان يتم التصويت في المجلس التأسيسي باغلبية الثلثين. وقالت الدغيلي ان “منطقة الغرب لن تتمكن بذلك من تمرير قرار بدون موافقة المنطقتين الاخريين”.
على صعيد آخر، قتل شخص على الأقل واصيب اكثر من خمسة آخرين مساء الجمعة 16 مارس 2012 في مدينة بنغازي اثر اشتباكات مسلحة بين دعاة الفدرالية والمناهضين لها بعد مسيرة شارك فيها نحو 2000 شخصا تاييدا لإعلان إقليم برقة في شرق البلاد “إقليما فدراليا”، بحسب مصدر طبي. وقالت المسؤولة الطبية بسمة محمد إن “شخصا قتل وأصيب خمسة آخرون”.
وبدأ الاشتباك بعدما توجه أنصار الفدرالية الذين يتحدر معظمهم من سكان المناطق الواقعة شرق بنغازي، إلى ساحة التحرير أمام مبنى محكمة شمال المدينة، ليقيموا مهرجانا خطابيا. وألقى احمد الزبير السنوسي الذي يترأس ما يُسمى “المجلس التأسيسي لاقليم برقة”، كلمة في التجمع.
وقال مراسل وكالة فرانس برس إن شابين حاولا الصعود الى المنصة بعد انتهاء كلمة الزبير مباشرة وقاما برشق المتظاهرين بالحجارة، ثم بدأ التراشق بالحجارة بين الطرفين وتحول إلى تبادل لإطلاق الرصاص.
واحتشد رافضو الفدرالية، وأغلبهم من سكان المنطقة المحيطة بالساحة، وفرقوا دعاة الفدرالية بالأسلحة البيضاء والحجارة، وقد تم إضرام النيران في الأكشاك داخل الساحة.
ولم تكن الشرطة أو الجيش أو كتائب الثوار طرفا في هذه الإشتباكات، واكتفت بإغلاق كل المنافذ المؤدية للساحة في وجه الداخلين إليها.
ومساء الجمعة 16 مارس، دعا المجلس الوطني الليبي إلى التهدئة، فيما أكدت السلطات الأمنية سيطرتها على الأوضاع.
وقال رئيس اللجنة الإعلامية للمجلس مختار الجدال “ندعو الجميع للتهدئة”، مؤكدا أن ما حدث “مجرد حراك شعبي لا علاقة للمجلس والحكومة به”.
من جهته، قال رئيس اللجنة الأمنية العليا لمدينة بنغازي فوزي ونيس: “إن الأمر تحت السيطرة، والإشتباكات انتهت بين الطرفين”.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 16 مارس 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.