مشروع حصانة صالح ومَـن معه يضع الجميع في موقف حرج
وضع مشروع قانون الضمانات القضائية، الذي يمنح الرئيس اليمني علي عبدالله صالح المعلقة ولايته ومَـن عمل معه، الذي أُجِّـل يوم السبت 14 يناير التصويت عليه من قِـبل مجلس النواب وللمرة الرابعة، جميع الأطراف في "موقف حرج".
وحسب ما يبدو، لم يكن هذا الموقف واردا في حسبان الأطراف الراعية أو الموقّعة على المبادرة الخليجية لأن الجميع كان واقعاً تحت سيطرة هاجس تدارك تطوّر الأحداث على الأرض، الآخذة حينها في التصاعد والحؤول دون توسّع المواجهات التي اندلعت في أكثر من مكان إلى حرب شاملة، لم يكن بمقدور أي من أطرافها المنهكة أن يربحها ولم يكن بإمكان بلد شارف على الإنهيار وشلّـت جميع سلطاته، أن يتحمّـل أوزارها.
حصانة مثيرة للجدل
لكن يبدو أن هيمنة ذلك الهاجس، أغفل إلى حدٍّ بعيد المسوغات والمبرّرات القانونية والأخلاقية وحتى السياسية، كما تجاهل الثوار الذين ما زالوا على إصرارهم في مواصلة احتجاجاتهم، رافضين للتسوية السياسية التي تمّـت وللحصانة المثيرة للجدل السياسي والقانوني والاخلاقي، ما يمدهم بالمزيد من مبرّرات التصعيد الثوري تُـجاه مَـن يرون أنهم التفّـوا على ثورتهم ومطالبهم، لاسيما مع تردّد جميع الأطراف المعنِـية في الانتقال إلى الخطوات اللاحقة، وِفق بنود المبادرة الخليجية وجمودها عند نقطة الحصانة المثيرة للجدل، التي نصّـت على العفو الشامل على علي عبدالله صالح ومَـن عمل معه خلال فترة حُـكمه، دونما تحديد لا للأشخاص ولا للجرائم المشمولة بالعفو.
الإشكالية تبدأ في “المعارضة التقليدية “، التي نظر إليها المحتجّـون كحليف، وأصبحت حالياً شريكاً يقتسِـم نصف السلطة، ويطاردها شعور بذنب السَّـطو على الثورة، بغضِّ النظر عمّـا إذا كانت هي الساطي المباشر أو أنها استسلمت للضغوط الإقليمية والدولية، كما تبرر ذلك. فهذا الذنب جعلها متردِّدة وتسعى إلى تخفيف حدّته من خلال تجنّـبها أن تكون متنكِّـرة مرّتين للثوار. الأولى، في استثمارها للثورة واستباق الثوار الحقيقيين إلى قطف حصيلة التغيير التي أحدثوها في الحياة السياسية، بعد أن ظلت تلك المعارضة عاجزة على مدار عقديْـن من الزمن عن زحزحة صالح عن عرشه الجمهوري.
والثانية، استخفافها بالشهداء والجرحى الذين سقطوا، بمنح قاتليهم ومُـرتكبي أعمال العنف ضدّهم صكوك غُـفران أبدية، مع أنها ظلت تتعاطى معهم كرأسمال للثورة، ما يثير شكوك قطاعات من الشارع اليمني حول ما إذا كانت فقط تسعى من وراء ذلك إلى رفع سقف مطالبها وتعزيز موقعها التفاوضي مع النظام، وهذا سيُـفقدها شعبيتها، إن لم يجرِّدها من الإلتزام القِـيمي والأخلاقي تجاه حقوق مَـن قُـتل وجُـرح واختُـطف وعُـذب.
لهذا السبب، يرى البعض أن تخلف الوزراء من المحسوبين على اللقاء المشترك وحلفائهم عن حضور جلسات البرلمان التي أجِّـلت للمرة الرابعة (لاسيما وزيرا العدل والشؤون القانونية) لا يمكن أن يكون إلا محاولة يائسة للإفلات من اللَّـعنة الحقوقية والتاريخية، التي قد تُـطاردهما كرجال قانون وقضاء.
“قانون بغيض..”
المأزق ذاته، يعيشه الشريك الثاني في السلطة، المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه. فمع أنه، وهو حزب الرئيس صالح، قد عمل جاهداً خلال مرحلة المُـماطلة الطويلة التي سبقت التوقيع على المبادرة، على ربط أي تقدّم في التسوية السياسية بقبول الطرف الآخر بالضمانات القانونية المطلوبة لصالح ومَـن عمل معه، لكن الحزب نفسه عاد ليُـصدر أحياناً إشارات عبْـر قياداته، مُـؤداها أن منح الضمانات تهُـمّ الطرف الآخر في السلطة. ما يعني أن عدم الإلتزام بتنفيذ أي بند من بنود الإتفاقية وآليتها التنفيذية، سيبقى سبباً كافياً إلى جرّ البلاد إلى حرب.
وأحيانا أخرى، تصدر عن قيادات المؤتمر الشعبي العام ما يُـوحي برفض وتجريم إقرار القانون، وآخرها ما صدر عن القيادي في الحزب وعضو البرلمان ياسر العواضي على موقع “تويتر”، عندما وصف قانون “الحصانة” بالقانون البغيض، داعياً زملاءه في مجلس النواب إلى الامتناع عن التصويت لإقراره، وزاد أن اعتبره “فكرة غريبة وقانوناً حقيراً يقتل الضمير ويغيّب الأمانة والمسؤولية”، على حد تعبيره.
بين الهدف والوسيلة
من الواضح أن المسألة على درجة كبيرة من التعقيد. فهي قد تفضي إلى الخروج من مأزق بات يحيط بالجميع، لكن ثمنها السياسي سيكون باهظاً لكل الأطراف. فالنظام يواجه انقلاب الشارع عليه والجميع يخشى من الثمن السياسي الذي قد يتكبّـده إذا ما أبدى تحمساً لإقرار الضمانات التي تبدو اليوم مغامرة غير مضمونة النتائج، ليس فقط للأطراف الوطنية، وإنما أيضاً للأطراف الإقليمية والدولية وحتى الأمم المتحدة، التي أصبحت مصداقيتها محلّ اختبار حقيقي لقبولها ومشاركتها في تسوية سياسية تدعوها للتضحية بالمبادئ التي قامت عليها.
في الأثناء، يبدو أن هذه السابقة بطبيعتها المتناقضة بين الهدف والوسيلة، ستعمل على المزيد من التردد الحاصل في حسم مسألة الضمانات التي اتّـفقت عليها الأطراف السياسية، وِفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، لأن الجميع يسعى سياسياً إلى إقرار الضمانات القانونية، بغية تجنيب البلاد مزيداً من الإنهيار، لكنهم في الوقت ذاته، يريدون أن يتنصّـلوا من تبِـعاتها الحقوقية والأخلاقية، وربما خِـشية من الخسارة الشعبية، كما ظهر جلياً من تضارب المواقف تجاهها، خاصة وأن الثوار ما زالوا على خياراتهم الرافضة للضمانات، كما أن المعارضة القانونية والفِـقهية للمشروع لا زالت على أشدّها ولها ما يبررها.
رفض مشروع قانون الحصانة
في تعليقه على الإشكال القانوني القائم، صرح الناشط الحقوقي والمدني يحيى هايل لـ swissinfo.ch: “المعارضة لمشروع قانون الحصانة من الملاحقة القضائية، تأتي في صورتين، تتحدّدان تبعاً للخلفية والجدية في الموقف. ففي الصورة الأولى، تتراءى مثل تلك الحصانة ضرباً من الإنقلاب على المسار التطوري للحضارة الإنسانية في مجال العدالة وحقوق الإنسان، ناهيك عن تعارضها الجوهري مع سائر التشريعات، بما فيها المواثيق الدولية ومن قبلها القوانين الوطنية، ووفقا للصورة هنا، فهي مرفوضة كليا ولا مجال للخوْض في التفاصيل، لأنها كالعدم، ومن شأن الفعل الشعبي أن يتعامل مع هذه النتيجة”.
أما في الصورة الثانية، حسب يحيى دائما “فهي مرفوضة، لكن من داخلها، مما يعني مناقشة التفاصيل، وهي بالضرورة مناقشة أساسها القانوني، تبدأ بالتفكير جديا بمسألة الطعن بعدم دستورية القانون أمام القضاء اليمني، وهو تفكير يجد سنَـده في حقيقة أن مجرّد النصّ على امتناع الطّـعن، لا يحصن القانون من الطّـعن لتعارض مثل ذلك النص أساسا مع الدستور”.
وفي سياق السعي إلى تقليل كل طرف من حرَجه، بدأت بعض الأصوات تتعالى مطالِـبة بعدم عمومية النصّ القانوني، ومنها ما طالب به “اللقاء المُـشترك” من تضمين القانون، أسماء وطبيعة الجرائم المشمولة بالعفو، حتى لا يكون بمثابة صك على بياض يكافئ حتى المفسدين عن فسادهم في مراحل تاريخية لا علاقة لها باندلاع وتداعيات ثورات الربيع العربي.
في المقابل، يذهب يحيى إلى أن “المطالبة بتعديل صيغة مشروع القانون، بحيث ينص على أنواع الجرائم وأسماء المعنيين بها، من غير المتوقع أن يقبل به الطرف المعني بالحصانة، لأنه يتضمن إقرارا بارتكاب الأفعال المُجرّمة قانونا، لاسيما وأن مثل ذلك التعديل في قسمه المتعلق بتحديد الجرائم، المراد تقرير الحصانة من الملاحقة بشأنها، يجد مرجعيته القانونية في نص المادة (539) من قانون الإجراءات الجزائية المتعلق بالعفو الشامل، وهو ذاته النص الذي لا نشك لحظة بأنه ما تبادر إلى ذِهن واضع مشروع القانون، وهو يشير في الديباجة إلى الإستناد إلى قانون الإجراءات الجزائية”.
ويضيف الناشط الحقوقي في تصريحاته لـ swissinfo.ch: “تماماً كما لا نشك في أن من سيتصلبون في الموقف المعارض لمثل ذلك التعديل، سيعتصمون بحبل القانون رقم (4) لسنة 1994 بشأن العفو الشامل، الصادر في أعقاب حرب 1994، باعتباره سابقة قانونية في تطبيق العفو الشامل، من حيث أنه لم يحدد أنواع الجرائم، وإنما حصرها في عبارة “أعمال وتصرفات مخالفة للدستور ويعاقب عليها القانون”، مع التأكيد أن مثل تلك الصيغة، لا تتفق والنص الإجرائي الجزائي المشار إليه والذي يتطلب فعلاً جنائيا ليمحو العفو الشامل عنه صفة الجريمة”.
لكن في حالة قبول التعديل المطلوب بالتنصيص في القانون على الأسماء والجرائم المشمولة بالعفو، فإن في وسع مسار الرفض من الداخل، كما يرى يحيى هايل أن “يكمل قراءة ذلك النص الإجرائي، وفيه (ولا يمس العفو بنوعية حقوق الغير، إلا بموافقتهم ويعتبر من حقوق الغير القصاص والدية والأرش)”!!
الصيغة الفضفاضة.. إلى أين؟
عموما يمكن القول أن الصيغة الفضفاضة التي جاء بها مشروع قانون الضمانات والحقبة الزمنية التي توفر لها الحماية القانونية والعمومية التي تميزها، يبدو أنها ستسقِـط حق اليمنيين في ملاحقة الفاسدين وستحُـول دون استرداد ثرواتهم المنهوبة وستتستر على مُـرتكبي الجرائم التاريخية، التي ما زالت حاضرة في ذاكرة الأجيال، وآخرها قتل وجرح آلاف اليمنيين منذ اندلاع احتجاجاتهم، حتى في ظل حكومة التوافُـق التي بات يُـنظَـر إليها كشريك في المذابح الأخيرة التي استهدفت “مسيرة الحياة” الراجلة وأدت إلى مقتل 14 شخصا وجرح العشرات.
ويبقى السؤال: هل ستضغط المطالب الداخلية المسنُودة من قبل المنظمات الحقوقية، الوطنية والإقليمية والدولية، في اتّجاه تعديل القانون لصالح الإنتصار للحقوق، أم أن الأمور ستقررها في نهاية المطاف متطلّـبات التسوية السياسية، مثلما صاغتها المبادرة الخليجية، حتى وإن أحرجت جميع أطرافها؟
صنعاء (رويترز) – قال وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي ان انتخابات الرئاسة المقررة يوم 21 فبراير 2012 قد تؤجل بسبب مخاوف أمنية.
ويزيد هذا احتمال انهيار اتفاق تدعمه الولايات المتحدة والامم المتحدة لانهاء الاضطرابات في اليمن.
وتأتي تعليقات القربي – وهي أول تلميح الى امكانية تأجيل الانتخابات – بعد أن سيطر مقاتلون اسلاميون على بلدة بأكملها وهو ما يبرز مخاوف أمريكية وسعودية من أن تؤدي الفوضى التي سببتها الازمة السياسية في اليمن الى تعزيز قوة تنظيم القاعدة في اليمن.
وانتخابات الرئاسة جزء رئيسي من الخطة التي وضعها مجلس التعاون الخليجي وتهدف لازاحة الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة بعد احتجاجات بدأت قبل نحو عام ضد حكمه المستمر منذ 33 عاما.
وقال القربي وهو عضو في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي ينتمي اليه صالح في مقابلة مع تلفزيون العربية (تبث من دبي) يوم الثلاثاء 17 يناير: “انا من الاشخاص أتمني ان الامر (الانتخابات) يجري في الميعاد المحدد.. لكن للاسف يوجد بعض الاخطار المتعلقة بالامن .. ولو ما في تحقيقات لهذه الامور سيكون من الصعب اجراء الانتخابات يوم 21 فبراير.”
وسارع ائتلاف المعارضة الذي يتقاسم السلطة مع حزب المؤتمر الشعبي العام في حكومة مهمتها قيادة البلاد حتى الانتخابات الى رفض أي تأجيل.
وقال غالب العديني المتحدث باسم أحزاب اللقاء المشترك ان التصريح يوضح ممارسات نظام الرئيس صالح التي قال انها تهدف الى خلق الفوضى.
وكرر العديني اتهامات لصالح بانه يسلم أراض للاسلاميين حتى يظهر أن نهاية حكمه تعني حالة فوضى تزدهر فيها القاعدة.
وقال العديني أن مثل هذه التصريحات توضح أن تسليم بلدة رداع للاسلاميين تم بموافقة كاملة من نظام صالح. وتقع رداع على بعد 170 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة صنعاء وسيطر عليها مقاتلون اسلاميون يوم الاحد 15 يناير 2012.
وقال ان الهدف هو ادخال البلاد في فوضى ثم التهرب من المبادرة الخليجية وانتخابات الرئاسة.
وينفي معسكر صالح هذه الاتهامات ويتهم حزبا اسلاميا فاعلا في أحزاب اللقاء المشترك كان شريكا يوما ما في الحكومة بأنه واجهة للقاعدة.
وعبرت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون في مؤتمر صحفي في ابيدجان عاصمة ساحل العاج عن القلق بشان انشطة القاعدة في اليمن.
وقالت “نحن مستمرون في التركيز على التهديد الذي تشكله القاعدة في اليمن وسنواصل العمل مع شركائنا هناك وفي اماكن اخرى لضمان ألا تكتسب القاعدة موطيء قدم في شبه الجزيرة العربية.”
ويرفض النشطاء الشبان الذين قادوا المظاهرات ضد صالح اتفاق نقل السلطة الذي يعطيه وكبار مساعديه حصانة من المحاكمة. ويريد النشطاء محاكمة صالح عن اتهامات بقتل المحتجين اثناء الانتفاضة.
وأيدت الحكومة الانتقالية – التي تراقب أيضا الفصل بين قوات موالية لصالح ووحدات منشقة عن الجيش وميليشيات قبلية – مسودة قانون للحصانة لم يقره البرلمان بعد.
وقال صالح في وقت سابق من هذا الشهر انه سيبقى في اليمن متراجعا عن خطط للسفر الي الولايات المتحدة.
وقالت كلينتون “نأسف أن الرئيس فشل الي الآن في التقيد بتعهداته التي قطعها على نفسه لمغادرة البلاد للسماح بالمضي قدما في اجراء الانتخابات واعطاء الشعب فرصة لسماع صوته واختيار ممثليه”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 17 يناير 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.