مشهد سياسي “مُـرتبك” وتوتّـرات طائفية “غيْـر بريئة”
مشهد سياسي مُرتبك وتوتّرات طائفية وسياسية تهدأ هنا، لتشتعل هناك، ويُهدد استمرارها بتفاقُـم الأوضاع والأزمات التي تعاني منها البلاد، التي ما زالت في سنواتها الأولى، بعد ثورةٍ أطاحت بنظام ديكتاتوري مستبِـد، أذاق الشعب ويْلات الفقر والجوع والجهل والبطالة، على مدى ثلاثة عقود مُتتالية، واستبدلته بنظام جديد، لم يتمكّن حتى هذه اللحظة من حلّ مشاكل المصريين وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم، التي لخّصها شعارهم التاريخي "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".
وفي محاولة للوقوف على أسباب هذا الوضع المتأزّم، والبحث عن حلول عاجِلة قادِرة على وقف النزيف المُستمِر، استطلع مراسل swissinfo.ch بالقاهرة، آراء عدد من الخبراء والمحللين السياسيين والقانونيين والنشطاء المصريين.. من خلال هذا التحقيق..
حالة من التراخي والانفلات
في البداية، وردّا على سؤال حول أعمال العنف والنّعرات الطائفية التي وقعت مؤخّرا في مصر؟ الأسباب والحلول؟ يقول المحلل السياسي الدكتور عمرو أبو الفضل: رغم أن الملف الطائفي في مصر شائك، إلا أن الأحداث الأخيرة، ربما تكون نَتاج لحالة الاحتِقان السياسي الذي تعيشه البلاد. فهناك حالة من التراخي والانفلات في كل مناحي الحياة، بفعل غياب الدولة وسيادة القانون والعدالة، وهو ما أفرز سلوكيات غريبة عنه، ولا تعبّر عن حقيقته”.
في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، يرى أبو الفضل، الخبير بمركز الجمهورية للدراسات السياسية والأمنية، “المشكلة، أن هناك مَن يسعى عبْر الـأحداث المُفتعلة إلى توظيفها سياسيا، للانقضاض على السلطة، واتّهامها بأنها المسؤولة عن حالة الفوضى والأزمات التي يعانى منها المجتمع”، مشيرا إلى أنه “أصبح لدينا أزمات تأخذ أشكالا عديدة؛ من دعوات للتظاهر والاعتصام إلى المطالبة بالإضراب والعِصيان المدني، وصولا إلى ارتكاب أفعال إجرامية، تستهدف حصار مؤسسات الدولة ومنع بعض المسؤولين من مباشرة عملهم، مثلما حدث مع النائب العام”.
وأوضح أن “هناك مَن يسعى لإرباك المشهد السياسي وأحداث الخصوص، مثال حي على هذا. فتوقيت إثارتها يبدو للعيان أنه مُفتعل، وحجم الأحداث ينبِّئ عن تضخيم مقصود، ربما يكون هناك من يريد الزّج بالملف الطائفي في خِضمّ هذا الوضع المتأزّم، خصوصا وأن هناك بعثة لصندوق النقد الدولي تتفاوض في القاهرة حول القرض الذي تحتاجه مصر لتدعيم اقتصادها ومنعه من الانهيار”.
فيما يعتبر الخبير القانوني الدكتور السيد مصطفى أبو الخير، أن “إحداث فِتنة طائفية، هو من ضِمن آليات الثورة المضادّة، التي يتم التدبير لها في الخارج وتنفيذها في الداخل، من خلال الفلول وأعضاء جبهة الإنقاذ مع بعض رجال الشرطة والقضاء”، موضحا أن “حادث الخصوص تمّ استخدامه لعمل فِتنة طائفية، خاصة مع وجود شحن إعلامي من قنوات الفلول”.
القاهرة (رويترز): قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط يوم الثلاثاء 9 أبريل، إن الحكومة المصرية طلبت من خبراء قانونيين اقتراح تعديلات على الدستور الجديد، مما يشير إلى سعيها لمعالجة بعض مخاوف معارضين ليبراليين ويساريين.
وانسحب أعضاء في جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة من الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور العام الماضي، احتجاجا على ما اعتبروه صبغة إسلامية للدستور وطالبوا بإجراء تعديلات بحيث يكفل الدستور المزيد من الحريات والحقوق خاصة للأقليات الدينية والمرأة.
وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط أن رئيس الوزراء هشام قنديل كلف لجنة من الخبراء القانونيين للنظر فيما بين 10 و15 مادة بالدستور والذي تم التعجل في إقراره عبر الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، مما أثار احتجاج المعارضة ووافقت عليه أغلبية الناخبين في الاستفتاء.
ورأس المعارض البارز محمد البرادعي حملة لتعديل الدستور.
ولم تحدد الوكالة أي البنود التي ستجري إعادة النظر فيها أو ممن تتشكل لجنة الخبراء القانونيين أو متى ستصدر اللجنة تقريرها. ولم يتسن على الفور الاتصال بمتحدث باسم الحكومة للتعليق وقنديل في رحلة إلى افريقيا يوم الثلاثاء.
ونقلت الوكالة عن قنديل قوله إن التعديلات المقترحة لن تكون ملزمة لمجلس النواب الجديد الذي من المتوقع انتخابه في وقت لاحق من العام الجاري لكن سيجري إرسالها إلى الرئيس محمد مرسي ليتخذ قرارا بشأنها.
وقال حسين عبد الغني المتحدث باسم جبهة الإنقاذ الوطني إن هذه الخطوة تهدف إلى اجتذاب المعارضين بالطبع وإنهم يأخذونها على محمل جدي لكنهم في حاجة للتأكد من أنها خطوة جادة تسفر عن نتيجة ملموسة. وأضاف أنهم لهذا السبب يطلبون معلومات تفصيلية مثل الأعضاء في هذه اللجنة والبنود التي سيجري بحثها.
ويمارس الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضغطا على مرسي والمعارضة للتوصل إلى توافق وتحقيق الاستقرار في البلاد في الوقت الذي تسعى فيه مصر إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي للحد من الأزمة الاقتصادية.
وحدد البرادعي ثلاثة شروط يوم الاثنين 8 أبريل 2013 حتى تتعاون جبهة الإنقاذ الوطني مع مرسي والسعي إلى توافق وطني وهي تشكيل حكومة محايدة ولها مصداقية وتعيين نائب عام مستقل ولجنة لصياغة قانون جديد للانتخابات البرلمانية.
وطالب عصام العريان القيادي في جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي لها الرئيس مرسي في حسابه على فيسبوك يوم الثلاثاء 9 أبريل بمحاكمة البرادعي لمساعدته الحكومة الأمريكية على شن حربها على العراق عام 2003 عندما كان مديرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 أبريل 2013)
ارتباط التوترات الطائفية بالسياسية
متفقا مع أبو الفضل وأبو الخير، يرى المحلل السياسي أحمد فودة، أنه “لا يمكن فصل التوتّرات الطائفية التي حدثت مؤخرا، عن التوترات السياسية التي تعيشها مصر منذ نجاح الثورة، وذلك لعدّة أسباب، أولها: أن المعارضة – والتي يُعتبر المسيحيون جزءً أساسيا منها- تسعى لنشْر العُنف في الشارع، على أمل أن يُسهِم ذلك في إسقاط نظام الرئيس المُنتخَب محمد مرسي”.
ويضيف فودة، مدير مركز النخبة للدراسات بالقاهرة في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “وثانيها، أن الكنيسة كمُؤسسة دينية، هي جزء أصيل من اللعبة السياسية، وذلك حتى قبل الثورة. ووِفق تحليلات مهمّة، فإنها تُعتَبر واحدة من المؤسسات التي تصنّف على أنها من فلول النظام السابق، نظرا لارتباطاتها به، حيث كان هناك اتِّفاق غيْر مُعلن بينهما، يقوم على تجييش المسيحيين لخِدمة النظام، مقابل الحصول على امتيازات طائفية غير مسبوقة”.
واستطرد قائلاً: “وبعد الثورة، شعرت الكنيسة أنها خسرت الكثير من هذه الامتيازات، فراحت تُقاوم بشدّة أية تغيّرات يُمكن أن تؤدّي لخسارة المزيد، خاصة بعد وصول التيار الإسلامي للحُكم، فأصبحت جزءًا أصيلاً من جبهة الانقاذ، التي راحت تستخدِم الحشود البشرية في الضغط على النظام، وكان الجزء الأكبر من هذه الحشود من المسيحيين، وهو ما ظهر واضحا أيام الانتخابات والاستفتاءات وفي أزمة الاتحادية والأزمات التالية لها، حينما أصبح العُنف هو العنوان الأساسي لهذه الحشود”.
وقال فودة: “وقد تأكّد هذا الأمر مع تصريحات رأس الكنيسة المصرية، الذي أعلن مِرارا أنه يعمل مع جبهة الإنقاذ على إسقاط حُكم الرئيس الإخواني، وأن مصر لا يمكن أن تكون هويتها إسلامية، بل يجب أن تظل عِلمانية، إن لم تكن مسيحية، كما ردّدت تظاهرات المسيحيين خلال الأيام الماضية”.
وبرُؤية مُختلفة تماما لِما قال به فودة أبو الخير وأبو الفضل، يرى الكاتب والناشط المصري الدكتور هاني صموئيل أن “التوتّرات الطائفية التي شهدتها مصر مؤخرا، هي من صُنع النظام الحاكم، لصرف النظر عمّا تمُر به البلاد من فشَل سياسي وتدهْـوُر اقتصادي وأمني ملحوظ”.
“الأوروبي” والضغط على الرئيس
وعن رأيه في دعوة الإتحاد الأوروبي لكل من السلطة والمعارضة في مصر، إلى التّوافق حول الإصلاحات الاقتصادية الضرورية والعاجِلة، يرى أبو الفضل، أن “هذه الدّعوة ليست للتّوافق حول القرْض وجَـدْواه، وإمكانية توظيفه، وإنما هي دعوة سياسية لكل من السلطة الحاكمة، ممثلة في الرئاسة والحكومة، وقِوى المعارضة، ممثلة في جبهة الإنقاذ، بالجلوس على مائدة الحوار وتقديم تنازُلات مُتبادَلة والوصول إلى صيغة توافُقية حول مُختلف الملفّات السياسية المُتنازَع عليها، للحدِّ من الآثار السَّلبِية للصِّراع السياسي، الذي يهز بقوّة أركان الدولة ويهدّد أمنها واستقرارها”.
ويعتبر أن المشكلة ليست في التوافق، وإنما في المعارضة التي لا تطرح بدائل ولا تقوم بالدور المعروف في كل الدول الديمقراطية، من النّقد وطرح الأفكار والبرامج والمراقبة الفعّالة لأداء الحكومة”، مشيرا إلى أن “ما يحدُث على أرض الواقِع، هو رغبة عارِمة مفضوحة من المعارضة، لتعويق أداء السلطة ومنعها من الاستمرار في تسيير شؤون الدولة والهجوم عليها وتشويه ما تقوم به، لأهداف سياسية لا تخفى على أحد”.
الأمر الذي أيّده فودة بقوله: “أعتقد أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يشاركان في حملة الضغوط التي يتعرّض لها الرئيس مرسي والإخوان، ليس من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإنما لأنهما يُريدان الحصول من النظام الجديد على نفس الخدمات التي كان يقدِّمها المخلوع حسني مبارك، خاصة في القضايا الحسّاسة، مثل: الهجرة غير الشرعية والإرهاب، فضلا عن السّعْي الدائم لعدَم ظهور دولة قوية في جنوب البحر المتوسط، يمكن أن تهدِّد أمْن أوروبا”.
وأضاف أن “أوروبا وأمريكا يعلمان جيدا أن المعارضة المصرية لن تتوافَق مع النظام مَهْما قدم من تنازلات، لأنهم يريدون إسقاطه، وليس التوافُق معه، ومن ثم، فإن هذه الدّعوات هي جزء من الضغوط، خاصة بعد أن نجح الرئيس مرسي في وضع اللّبنة الأولى في عملية تنويع التّحالفات الخارجية مع مصر، من خلال دعم خيار التوجّه شرقا، بزيارة الصين وباكستان والهند، ومحاولة الانضِمام إلى مجموعة البريكس”.
مختلفا مع سابقيْه، يرى صموئيل أن “السلطة ليس لديها نيّة جادّة للحوار مع المعارضة، وأن مرسي لا يمتلِك أية رُؤية، وهو غيْر قادِر على إدارة دولة ضخْمة مثل مصر، بتاريخها وأزماتها المتكرّرة، وخاصة الاقتصادية والأمنية، ومن ثمّ، فإنه لا يصلح أن يكون رئيسا، ويجب خلعه”، معتبرا أن “مبارك بكل سلبياته، أفضل منه مليون مرة”.
الرئاسة و”الإعلام”.. حرية أم انفلات؟!
وعن تقييم سياسة الرئيس في التعامل مع “الإعلام”، وهل تصبّ في إطار “القمْع والتضييق” أم “الانفتاح والحرية”؟ يقول أبو الفضل: “علينا أن نعترف بأن حرية الرأي والفِكر وتداول المعلومات، من الأمور التي لا يمكن فرض قيود عليها. فهي مكفولة بنصّ الدستور والقانون، كما أنها كانت أحد مُكتسبات ثورة 25 يناير، كما لا يمكن تجاهُل أن حرية الإعلام، هي أحد أهَم تطوّرات العصر الحديث ومظاهر الدولة الديمقراطية”.
ويرى أن “سبب الأزمة في مصر، أن هناك تجاوز للمفهوم الطبيعي للدور المعروف للإعلام في كل دول العالم. فالإعلام وسيلة للمعرِفة والرّقابة وتداول المعلومات والتّوجيه ومساعدة المواطنين، لتكوين وِجهات نظر حوْل مُختلف قضايا المجتمع، لكنه (الإعلام) تجاهَل كل هذا، واتّجه لتوظيف إمكاناته الضّخمة للتّخديم على الصراع السياسي والانحياز لخيارات مُعيَّنة، ربّما تكون أغلبها مُرتبطة بشبكة المصالح التي ورثناها عن النظام الساقط، بهدف الدفاع عن مصالح الدولة العميقة ورجال أعمالها ورموزها السياسية والاقتصادية، التي باتت كياناتها مهدّدة بقوّة، نتيجة تقدّم الثورة على مسارات كثيرة”.
ويكشف أبو الفضل عن “أننا أصبحنا أمام حالات للتجاوز المهني والأخلاقي والقِـيمي، وضرب لميثاق الشرف الإعلامي، بحجّة حرية الإعلام والفِكر”، معتقدا أن “مواجهة هذا الانفِلات يحتاج لتحقيق أهدافِ الثورة على أرض الواقع وتطبيق القانون والعدالة بشفافية تامّة وإشراك المواطن في العملية السياسة وجعله طرفا فاعلاً ورئيسيا، حتى لا يتم استقطابه أو التدليس عليه، وتقديم كافة المعلومات للمواطن، مما يُمكِّـنه من معرفة الحقيقة بدقّة وشفافية، دون تلوين سياسي”.
وقف التجاوزات دون المساس بالحريات
ومن جانبه، يقول فودة: “يسعى الرئيس مرسي إلى دعم كافة الحريات، خاصة حرية الإعلام، رغم التجاوزات الغير مسبوقة من قِبل كثير من الإعلاميين، ليس فقط في حقّ الرئيس، وإنما أيضا في حق الوطن ومؤسساته، إلا أنه يُدرك أن هذا شيء طبيعي. فبعد مرحلة الكبْت التي عاشها الإعلام طيلة العقود السِتّ المُنصرمة، فإن حصوله على الحرية، لابد أن تشوبها هذه التشوّهات التي تحدُث من بعض الإعلاميين، لذا، فإنه من الأفضل تفعيل بعض القوانين التي توقف هذه التشوّهات، دون المساس بحرية الإعلام”.
أما صموئيل، فيرى أن “الجهل والتخلّف الذي أصاب مصر، سببه انسياق أرباع المثقّفين وراء الشعارات الدّينية المضلّلة، التي تروج لها بعض القنوات الإعلامية”، معتبرا أن “مبارك لم يقصف قلما ولم يغلق جريدة ولم يسوِّد قناة فضائية”، وأن “هناك خنْق غير مسبوق لحرية الإعلام”، مستدلاً بـ “حصار مدينة الإنتاج الإعلامي مرّتيْن”، و”تغيير وائل الإبراشي بمذيعة أخرى” و”التّهديدات التي تلقّاها مُعظم الإعلاميين بالقتل”، على حد قوله.
وهذا ما ردّ عليه أبو الخير بقوله: أن “ما يحدُث اليوم من وسائل الإعلام في مصر، ليس حرية إعلام، وإنما فوضى. فالحرية لها ضوابِط، وينبغي على الرئيس المُنتخَب تفعيل القوانين الموجودة الخاصة بالإعلام، فضلا عن تفعيل قانون العقوبات، لأن بعض وسائل الإعلام ترتكِب جرائم جِنائية مُعاقَب عليها بنصّ القانون”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.