مصر.. بين “الرشّ بالماء” و”الرشّ بالدِّماء”!
مع الإقتراب من 30 يونيو، يرتفع الصّخب ويتصاعد القلق وتتعدّد الاحتمالات ويزيد الإنقسام بين المصريين، أما الأخطر من ذلك، فهو التكفير المتبادل بين الفرقاء، إما تكفيرا دينيا يبرع فيه أنصار الرئيس مرسي من الإسلاميين، أو تكفيرا وطنيا يلجأ إليه بعض أنصار المعارضة ورموزها.
والنتيجة البارزة، تتجسّد في حالة انتظار شعبي لما سيحدث في اليوم الأخير من الشهر الجاري. أما السؤال المُسيْطر فهو: هل سيسقط الرئيس ومعه جماعة الإخوان، وهل سيأتي نظام جديد وكيف؟ أم سيبقى الرئيس وأنصاره ويكمِّلون خُطّتهم في أخونة المؤسسات وتحقيق هدفهم الأسمى في التمكّن مصريا، وأستاذية العالم لاحقا، كما تقول بذلك تعليمات الإمام حسن البنّا، مؤسس الجماعة؟.
الخوف واللاّيَـقين
الأسئلة الكثيرة التي يرددها المواطنون البُسطاء، تعكس مساحة واسعة من الخوف الممزوج باللاّيَـقين ممّا سيحدُث بعد 30 يونيو، خاصة وأن الأحوال الاقتصادية والأمنية في تراجع مستمِـر، واختفاء السِّلع الأساسية، بما في ذلك وقود السيارات والمصانع، أصبح مشهدا يوميا، والغلاء بات أكبر من قُـدرة نصف المصريين على الإحتمال، ورصيد الحكومة عند الناس يقترِب من نقطة الصِّفر.
أما وضع الرئيس مرسي، فأحسن حالا نِسبيا من حكومته. فشعبيته سجّلت 28%، وذلك حسب استطلاع أجراه مركز جيمس زغبي عن توجهات المصريين إزاء حُكم الإخوان بعد مرور عام على تنصيب الرئيس مرسي ونُـشِر قبل ثلاثة أيام، حيث بلغت العيِّنة أكثر من 5 آلاف مُفردة موزّعة على مناطق مختلفة، شملت كل أرجاء مصر. ومن بين هؤلاء الـ 28% الذين عبَّروا عن رِضاهم عن الرئيس مرسي، جاء مؤيِّدو الإخوان بنسبة 98%، وبما يعني أن الذين يؤيِّدون الرئيس مرسي من غير الإخوان وغير التيار الإسلامي بوجه عام، في حدود 2% وحسب.
سخط شعبي وتمرُّد
تَـدنّي شعبية الرئيس مرسي بعد عام من الحُكم، مقارنة بنسبة 48% قبل ستة أشهر مضت، يعكِس حالة عدم الرضا الشعبي ومشاعر السّخط، نتيجة فشل الرئيس في تحقيق أي من وعوده التي أطلقها في الأيام الاولى لانتخابه، وهي المشاعر التي تفسِّر ارتفاع عدد الذين وقَّعوا على استمارة حركة “تمرّد”، التي أطلقها ثلاثة من الشباب قبل حوالي شهرين، وتحوّلت بعد ذلك إلى حركة شعبية واسعة الإنتشار، سجّلت ما يزيد عن 15 مليون استمارة وما زال العدد مرشّحا للإرتفاع، حيث يتبارى المصريون في تصوير الإستمارة وتوزيعها وحثّ بعضهم البعض على توقيعها.
الإستمارة التي تقول ببساطة، إن فشل الرئيس يؤدي مباشرة إلى شرعية مطلَب سحب الثِّقة منه. ولما كان الرئيس قد فاز بعدد أصوات لا يزيد عن 12 مليون صوتا، فإن تجاوُز أعداد الموقّعين على استمارة سحْب الثقة العدد الذي فاز به الرئيس، يعني أن الرئيس قد فقَـد شرعِيته، وعليه أن يستجيب لمطلب إجراء الإنتخابات الرئاسية المبكّرة.
جدل حول دستورية التمرّد
وهنا، تتعدّد الإجتهادات بشأن دستورية هذا التفسير، بل ودستورية حركة “تمرّد” نفسها. وثمَّة تياران رئيسيان، الأول، وهو الممثل للتيار الإسلامي، فيرى أن حركة تمرّد بمُجملها، لا تزيد عن حالة معنوية دِعائية، وفي أفضل الأحوال، نوع من الضغط الشعبي على الرئيس وعلى جماعة الإخوان، وأن أرقامها المُعلنة لا مدلول سياسي أو قانوني أو دستوري لها.
وفي المقابل، فإن الرافضين حُكم الإخوان ومعارضي الرئيس، يروْن في “تمرد” وسيلة احتجاج شعبية ديمقراطية، ذات أسُس دستورية وقانونية، لأنها تعكِس مواد واضحة في الدستور، مثل المواد 46 و50 و55، والتي تؤكد جميعها على أن السيادة للشعب، وعلى حق التظاهر السلمي وحرية الرأي والتعبير، وبما يعطي حجية قانونية ودستورية لعملية جمع التوقيعات والإعتداد بنتيجتها.
نذير العنف والتكفير
هذا الجدل حول الأبعاد الدستورية لحركة “تمرّد” ونتائج جمْع توقيعات، تزيد عن خمسة عشر مليون توقيع، يُعدّ “الأخفّ ضررا”، مقارنة بالجدل المُتصاعد حول احتمالات استِخدام العنف. وفي هذه الأيام، يُصعق المرء من كمّ التهديدات التي يقول بها رموز التيار الإسلامي المناصرين للرئيس مرسى وجماعة الإخوان، والتي يتوعّدون فيها المتظاهرين المعارضين للرئيس، بالعنف والدّماء وتحمّل مسؤولية عدم العودة سالمين إلى بيوتهم، وبمعنى آخر قتل المعارضين بدم بارِد.
ناهيك عن فتاوى التكفير للمعارضين والدّعاء عليهم بالموت والخراب والدمار (وكأنهم من غيْر المصريين ومن غيْر المؤمنين)، وهو ما حدث بالفعل في حضرة الرئيس مرسي في مؤتمر نظمه الإسلاميون لنُصرة الشعب السوري، حيث قام أحد الشيوخ بلعن معارضي الرئيس والدعاء عليهم بالموت، في حين أمّن الحضور على هذا الدعاء بالتهليل. ومنهم مَن قال إن “مَن يرشّ الرئيس بالماء، سيقوم برشّه بالدماء”، ومنهم مَن قال إن الدماء بعد 30 يونيو، ستكون ” للرّكب”، وهي المقولة التي تنذر بمواجهات وصِدامات شعبية واسعة النِّطاق، أو بالأحرى تنذر بحرب أهلية بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه.
تهديد الإسلاميين بحرب أهلية بعد النجاح الباهر في تقسيم المجتمع إلى فُسْطاطين، “مؤمن” له حق السيادة والهيْمنة، و”غيرُ مؤمن” يستحِق الموت، امتزج أيضا بالتلويح بالإستعانة بقوّة عسكرية ومسلّحة ومدرّبة جيدا على الكرّ والفرّ، وهي حركة حماس، جنبا إلى جنب أعضاء الميليشيات الإسلامية، سواء في سيناء أو من هم في المدن المصرية المختلفة، وذلك من أجل إجهاض المظاهرات الشعبية المُرتقبة، فضلا عن التهديد بأن أي رئيس سيأتي بعد مرسي، لن يكون مُحصّنا من الإنتقام والقِتال.
ويلفت النظر هنا أن وفدا من حركة حماس شارك فيه كل من خالد مشعل وإسماعيل هنية وقياديون آخرون زاروا القاهرة، دون علم الأجهزة الرسمية، ودخلوا البلاد بواسطة الرئاسة ودون المرور على إدارة الجوازات، ولم يعرف موضوعات النقاش والبحث الذي دار بين هذا الوفد والمسؤولين في الرئاسة المصرية ورموز إخوانية وإسلامية من جانب آخر. الأمر الذي أسهم في زيادة المخاوف الشعبية من أن تتورّط حماس بالفعل في قتال الشعب المصري.
أين الجيش؟ وأين الشرطة؟
وبينما تتصاعد تلك التّهديدات لغرض تخويف الراغبين في المشاركة في مظاهرات 30 يونيو، ومنعهم من النّزول إلى الشوارع والميادين للمُطالبة برحيل الرئيس عبْر انتخابات رئاسية مبكّرة، يركز أنصار حركة تمرّد على الطابع السلمي للمظاهرات والإحتجاجات المُرتقبة. وما بين التهديد والوعيد من جانب، والإصرار على السلمية من جانب آخر، تثار الأسئلة حول موقِف الشرطة والجيش من التطوّرات المنتظرة.
في ألأثناء، لا تخفي رموز مدنية عديدة رغبتها الشديدة في نزول الجيش والعودة إلى إدارة البلاد لفترة محدودة، يتم التخلّص فيها من حُكم الإخوان وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، بعد أن يتم وضع دستور جديد، وِفق آليات أكثر تمثيلا للتنوع السياسي والإجتماعي في المجتمع.
بيد أن فكرة عوْدة الجيش ليُدير مقاليد البلاد، ولو لفترة محدودة، ليست محلّ إجماع مدني، إذ يتوجس كثيرون من هذا الإحتمال، ويروْن أن نزول الجيش، لابد أن يقف عند حدود حِماية المنشآت والشعب، ومنع الإقتتال الأهلي وضبط الوضع الأمني، على أن يترك الحُكم لمجلس رئاسي تشكله رموز المعارضة المدنية، أو لرئيس المحكمة الدستورية العليا، والذي عليه أن يُدير عملية سياسية لفترة محدّدة، تُجرى خلالها الإنتخابات وِفق المعايير الدولية.
وحتى هذا الطرح ليس محلّ إجماع بين القوى المدنية الرافضة لحُكم مرسي والإخوان. الأمر الذي يُثير إشكالية البديل لحُكم الإخوان ومدى جاهزيته لحُكم البلاد بعد مواجهة شعبية ضَروس تتجمّع مؤشراتها في الأفق القريب جدا.
رسائل الجيش
أما قيادة الجيش، فقد أرسلت عدّة رسائل، قِوامُها أن دورها هو حماية الشعب وموارده والإستعداد للإستجابة لنِدائه، والإستعداد التامّ لأية احتمالات بمُواجهات شعبية، دون التورّط في الإقتتال الأهلي بأيّ شكل كان. والأهَـم هو الإستعداد العالي لضبط الوضع الأمني في سيناء ومنع أي تسلل من جانب الفلسطينيين عبْر الأنفاق إلى الداخل، وحماية المنشآت العامة، خاصة السجون وأقسام البوليس وتأمينها، بما يحُول دون الهجوم عليها، كما حدث في 28 و29 يناير 2011.
وفي هذا السياق، يبدو رفض قيادة القوات المسلحة استقبال خالد مشعل، زعيم حركة حماس حين زار القاهرة قبل أربعة أيام، ذي دلالة مهمّة، ومما يتردد إعلاميا أن الجيش المصري بعث بتحذير شديد لحركة حماس المُسيْطرة على قِطاع غزة، بأن أي تسلل فلسطيني عبْر الأنفاق، سيُواجَه بكل قوة وحسْم.
وتبدو أهمية هذه التحذيرات في ضوء التهديدات التي تصدر عن بعض رموز التيار الإسلامي المتشدد، والتي أشارت صراحة إلى إمكانية الإستعانة بمقاتلي حركة حماس، باعتبارها فرعا لجماعة الإخوان، لوأد أي حركة شعبية مصرية تستهدِف رحيل الرئيس مرسي عبر الإنتخابات المبكّرة أو غيرها.
أما الشرطة، فهي فى مأزق كبير وتتعدّد الخيارات أمامها، إما الإنسحاب والانهيار، كما حدث في 28 يناير 2011، أو الوقوف بحِيادية بين صِنفين من المتظاهرين، أم التورّط بحماية الإخوان ومقارّهم، أو التعامل بمِهنِية مع مَن يتجاوزون حقوق المواطنة والتِزام القانون، أم حماية المتظاهرين السِّلميين.
والواضح، أن التيار الغالب في الشرطة، يميل إلى حماية المُتظاهرين السِّلميين وعدم التورّط في حماية الحزب الحاكم، وفي الوقت نفسه، مواجهة خُطط مُحتملة للهجوم على السّجون وأقسام البوليس والمنشآت العامة الحيوية.
وبينما تزيد الحِيرة عند المسؤولين ممّا قد يحدث، ينتظر الكثير من المصريين إنفراجة كُبرى بعد 30 يونيو، فالبعض، وهُـم الغالبية، يراها نهاية لحُكم الإخوان، والبعض الآخر، وهم نسبة أقل بكثير، تتصورها بداية للتمكّن التام والقضاء على المعارضة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.