مصر في الطريق إلى “جمعة الزحف”.. فهل يتدخل الجيش لحسم الموقف؟
من "جمعة الغضب" إلى "أسبوع الصمود" إلى "جمعة الزحف" وبينها مظاهرات مليونية، تعيش مصر على وقْـع تطورات سريعة الحدوث، تبدو ملاحقتها أمرا مُـرهـقـا لكل الناس، وبالقطع، هي أكثر إرهاقا لصانعيها.
وحسب مراقبين، فإن “جمعة الزحف” المقرر لها يوم الخميس، هي الرد العملي على تصريحات عمر سليمان، نائب الرئيس، التي أشار فيها إلى وجود بديليْـن فقط: إما الحوار وإما الإنقلاب.
معنى الانقلاب
الحوار أمره معروف، أما الإنقلاب، فيبدو غامضا بعض الشيء. وحسب التفسير الذي قاله نائب الرئيس عمر سليمان، فهو العجلة في اتخاذ القرار وخطوات غير محسومة ومتعجلة، وبها المزيد من اللاعقلانية، وهو “ما لا نريد أن نصل إليه، حفاظا على مصر وما تحقق من مكتسبات وإنجازات”، وفقا لسليمان.
الإنقلاب بهذا المعنى، لا يقدم كثيرا. فالمدة الزمنية المتبيقة على نهاية فترة الرئاسة لحسني مبارك، لا تزيد عن سبعة أشهر من الآن، وستتطلب بدورها كثيرا من القرارات والتي يمكن أن توصف بأنها متعجلة أو ليست جيِّـدة الصنعة، ولذا، فكثيرون فهِـموا أن الإشارة إلى الإنقلاب، تعني سيطرة المؤسسة العسكرية على النظام السياسي بكل وضوح ودون مُـواراة، وهو ما فسّـره جزئيا الوزير أبو الغيط في حوار له مع قناة العربية الفضائية بقوله: “إن الجيش قد يتدخّـل لحماية الأمن القومي إذا ما حاول المغامرون انتزاع السلطة”.
من هُـم المغامرون .. وما هو الزحف؟
المغامرون بدورهم محل تفسيرات كثيرة، فهُـم إما الإخوان المسلمين أو الشباب الثائر في ميدان التحرير. والصنف الثاني، هو الأقرب إلى المعنى المراد، نظرا لانتشار الدّعوة بين صفوف المتظاهرين بأن الزحف المقرّر يوم الجمعة 11 فبراير، سيكون في اتجاه القصر الجمهوري، حيث يقطن الرئيس ويمارس صلاحياته الدستورية، وذلك من خمْـس مساجد كبرى ستشهد تجمّـعات كبيرة من المصلّـين والمحتجين، ثم تنطلق بعد أداء الصلاة إلى القصر الجمهوري.
هذا التصور لـ “جمعة الزحف”، يتم تداوله بين قادة الشباب في قلب الميدان، ولكنه ليس محل اتفاق بعدُ حتى كتابة هذا التقرير، إذ يقول البعض إن الشباب ليسوا طلاب سلطة في اللحظة الراهنة، وإنهم يريدون فقط إثبات وتجسيد قوّة دفع مناسبة، حتى لا يحدث التراجع عن أي مكتسبات تحققت بالفعل في الأسابيع الثلاثة الماضية.
وضمن القائلين بهذا الرأي، مَـن يعتبرون أن القِـوى المنظمة التي شاركت لاحقا في التظاهرات، تريد ركوب الموجة وتحقيق أجندتها الخاصة، وليس الأجندة التي يجمع عليها الشباب أنفسهم. باختصار، الوقت لم يحِـن بعد للزّحف الفِـعلي إلى قصر الرئاسة، بل فقط زحفا معنويا هائلا لإقناع الجيش بأن يُـقنِـع الرئيس مبارك بالتخلي علن السلطة، وبعدها سيكون لكل حادث حديث.
المخاطرة الكبرى
بالقطع، إن وصل المتظاهرون إلى القصر الجمهوري، سيكون ذلك مُـخاطرة كبرى، لأن رمزية القصر الرئاسي تعني أن الهدف هو الإستيلاء على الحُـكم عبْـر المسيرات الجماهيرية الحاشدة. وفي هذه الحالة وحسب تصريحات وزير الخارجية، لن يقف الجيش مكتوف الأيدي، بل سيتصرّف دفاعا عن الدستور ومنصب الرئيس وشاغله حتى اللحظة.
إن تصورنا مثل هذه المجابهة بين الجماهير الحاشدة وبين الجيش المنتشر في الشوارع فى كل محافظات مصر تقريبا، والذي يحمي المباني الحكومية الهامة، ومنها القصر الجمهوري، فنحن بالفعل أمام إنقلاب بكل المعاني، سوف يطيح بالدستور وبالحكومة والمؤسسات القائمة وسلطات الدولة. وسواء سيطر المتظاهرون أم سيْـطر الجيش، فعلينا أن ننتظر “البيان رقم واحد”.
وإن نجح الجيش في السيطرة على الوضع، وهذا هو الأرجح، سيكون إعلان الأحكام العُـرفية أمرا منطقيا، يتلُـوه تشكيل مجلس عسكري لحُـكم البلاد وبيان دستوري ينظم عمل الدولة في ظل العسكريين لفترة محدّدة، وبعدها تجري انتخابات وتنشأ مؤسسات وِفق منظومة جديدة يُـسطر فيها العسكريون. والشيء المثير هنا، أن الجيش قد يكون في مواجهة سافِـرة مع الشعب.
عزل مصر
سيطَـرة الجيش على السلطة بصورة سافرة، سيعني عزلا دوليا وإقليميا لمصر، بكل معنى الكلمة. فالاعتراف بالحُـكم العسكري الجديد والأحكام العُـرفية، سيكون متعذِّرا، سواء في الأمم المتحدة أو في المؤسسات الدولية والإقليمية الأخرى، كما أن الحصول على استثمارات أو مساعدات اقتصادية، سيصبح في خبر كان، ومساحة الحرية الإعلامية القائمة حاليا، والتي لا ترضي البعض من المصريين، ستصبح عُـملة نادرة. والمؤكد، أن الحياة الحزبية بكل ما فيها من سلبيات، ستكون معطلة تماما إلى أن ترى القيادة العسكرية ضرورة السماح بها بعد حين.
المهِـم، أن سيطرة العسكريين ستؤدي إلى تراجع كبير في مكانة مصر والمصريين، وستغلق الباب أمام أي تحول ديمقراطي حقيقي قريب وستمحي المكاسب المعنوية التي حققتها مصر مؤخرا بفعل ثورة شبابها، إلى خسائر صافية.
هكذا يفهم البعض التحذير من بديل الانقلاب الذي أطلقه ضمنا نائب الرئيس عمر سليمان في حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية أو الخاصة والحزبية. غير أن الصورة لا تبدو واضحة لكثيرين من مؤيدي استمرار البقاء في ميدان التحرير إلى حين تحقيق المطلب الرئيسي، وهو اختفاء الرئيس مبارك من السلطة والحُـكم، سواء معنويا أو ماديا.
الجائزة الكبرى
والزائر لميدان التحرير يُـدرك الوزن الكبير الذي يحتله شعار رحيل الرئيس فورا بين جموع المتظاهرين، باعتباره الجائزة الكبرى التي ينتظرونها ويعدونها البداية السعيدة لهيكلة الأوضاع المصرية رأسا على عقِـب، وستقود بالتالي، إلى نتائج وردية على كل شيء في البلاد، بداية من رغيف الخبز إلى توافر العمل وسيادة منطق الحرية وجذب الاستثمارات وصعود الاقتصاد.
كما يدرك أيضا أن رحيل الرئيس هو الشرط المُـسبق لدى المتظاهرين، قبل الدخول في أي تفاوض مع المؤسسة العسكرية على مستقبل البلاد والعِـباد لاحقا.
هذا التمسك بشرط الرحيل المُـسبق للرئيس، يعكس شعورا بالقوة على الأرض وثقة بالنفس لا حدود لها، ويعكس أيضا تفاؤلا بأن الشعب كله سيكون في الميدان وأن الجيش سيقبل راضِـخا هذا الشرط وأنه سيسلِّـم السلطة بكل يُـسر وسهولة وسيتخلى عن الرئيس مبارك.
الانضباط المؤسسي
والعارفون بالمستوى الاحترافي للمؤسسة العسكرية المصرية وانضباطها الداخلي وعزوفها عن الدخول في المعترك السياسي والولاء الكبير للقسم الرسمي بحماية الدستور والبلاد والولاء المباشر للقائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي هو رئيس الجمهورية، فإنهم يشكِّـكون في أن الجيش قد يتساهل في قضية وصول الحشود الشعبية إلى القصر الرئاسي وأنه سيسمح بالإستيلاء على السلطة لقِـوى سياسية منظمة أو غير منظمة.
ويشكِّـكون أيضا في أن الجيش قد يتحمل استمرار الاحتجاجات وانتشارها، كما هو حادث بالفعل في أكثر من محافظة ومدينة وقرية. وما التقارير غير المؤكدة التي تتحدث عن تبايُـن فى الرؤى بين نائب الرئيس وبين سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري إزاء التعامل مع المتظاهرين، إلا أحد مؤشرات بأن هناك قرار كبير يُعدّ له الجيش لإغلاق ملف التواجد في الشارع بدلا من البقاء في خطوط المواجهة الحقيقية ضد أعداء الوطن المعروفين.
لندن (رويترز) – قالت صحيفة تايمز البريطانية يوم الخميس 10 فبراير، إن العاهل السعودي الملك عبد الله قال للرئيس الأمريكي باراك أوباما إن بلاده ستدعم الرئيس المصري حسني مبارك إذا ما أوقفت الولايات المتحدة المساعدات التي تقدمها لمصر.
وذكرت الصحيفة نقلا عن مصدر كبير في الرياض قوله أن عبد الله أبلغ أوباما في مكالمة هاتفية يوم 29 يناير بأن لا يهين مبارك، الذي يتعرّض لضغط من محتجين مصريين يطالبون بتنحِّـيه عن السلطة على الفور.
وتذبذب موقف الإدارة الأمريكية بين تأييد الحكومة المصرية التي تساند واشنطن في محاربتها للتشدد الإسلامي ودعم المصريين الذين يحتجون منذ أسابيع للمطالبة بإسقاط مبارك ونظامه.
وترعى الولايات المتحدة تحالفها مع مصر منذ زمن طويل، وتمنح القاهرة مساعدات بمليارات الدولارات في إطار سعيها للتأثير في شؤون منطقة يكافح زعماؤها لاحتواء غضب شعوبهم.
ولم تصل الولايات المتحدة إلى حد مطالبة مبارك (82 عاما) بالتنحي على الفور. وكان الرئيس المصري قد قال الأسبوع الماضي إنه لن يرشح نفسه في انتخابات الرئاسة المقبلة، أي أنه سيبقى في السلطة حتى سبتمبر القادم.
وقال البيت الأبيض يوم 28 يناير، إن الولايات المتحدة ستراجع المساعدات التي تقدمها لمصر والتي تصل إلى 1.5 مليار دولار. وصرح مسؤولون في وقت لاحق بأنه لم يتقرر إجراء مراجعة من هذا النوع في الوقت الحالي.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 فبراير 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.