“مصر ليست وطنا نعيش فيه.. بل هي وطن يعيش فينا”
رغم استمرار المواجهات في ميدان التحرير بالقاهرة، يُتوقع أن تبدأ المرحلة الأولى من أوّل انتخابات برلمانية تشهدها مصر عقب ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حسني مبارك يوم الإثنيْن 28 نوفمبر 2011، في ظل أجواء شديدة التوتّر بعد الصدامات الخطيرة التي شهدتها مصر في الأيام الاخيرة.
انتخابات مجلس النواب التي يشارك فيها حوالي 50 مليون مصري من داخل البلاد ومن المقيمين خارجها (لأوّل مرة) سوف تتبعها انتخابات مجلس الشورى، ثم تليها في وقت لم يحدد بعد بشكل نهائي انتخابات رئاسية (قبل منتصف شهر يونيو 2012 حسب آخر تصريحات لرئيس المجلس العسكري الحاكم) من المفترض أن تخرج البلاد من المرحلة الإنتقالية الصعبة الحالية، وتعيد مقاليد السلطة إلى المدنيين بعد أن ظلت في قبضة المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ 11 فبراير من العام الجاري.
وقد توقّع بعض المراقبين والمحللين منذ فترة (أنظر الحوار الذي أجرته swissinfo.ch مع الخبير المصري نادر فرجاني) وقوع الأحداث الأخيرة بسبب المماطلة التي يبديها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بشأن تسليم مقاليد السلطة إلى حكومة مدنية، ورفضه تحديد موعد لإجراء انتخابات رئاسية في آجال قريبة ومعقولة، وعدم اتخاذه أي اجراءات ضد الذين تسببوا في مقتل المئات من المصريين خلال ثورة يناير 2011. وقد أطلق هذا التماطل شرارة انتفاضة متواصلة منذ الجمعة 18 نوفمبر وحتى موعد نشر هذا التقرير قُتِل خلالها 36 مصريا وأُصيب أكثر من 1250 فردا.
وفي حديث مع swissinfo.ch، أوضح أحمد حمودة، وهو خبير مترجم للمجموعة العربية بالمكتب الدولي لاتحاد البريد العالمي في برن أن “ما يسود هذه المرحلة من عدم إستقرار ومن مشاحنات سياسية هو نتيجة لسعي كل طرف لفرض وجهة نظره، وتحقيق أزيد ما يمكن من المكاسب على حساب المنافسين”.
أما عن وقوع هذه الأحداث قبل أيام معدودة من موعد إجراء الإنتخابات البرلمانية فيأتي بحسب نظره “للتعبير عن اعتراض المجتمع المصري وامتعاضه من قرار السلطات الانتقالية بالسماح لفلول النظام السابق بالمشاركة في الترشّح وفي الإقتراع، وهو ما من شأنه أن ينال من نزاهة وشفافية تلك الانتخابات”.
مشاركة المصريين بالخارج
رغم هذه الأجواء المتوتّرة التي ترافق الإستعدادت الحثيثة لإنتخابات، رحّب المصريون المقيمون في سويسرا ترحيبا شديدا بالقرار الذي صدر أخيرا عن اللجنة المشرفة على الإنتخابات والمشكلة من سلك القضاة والذي يسمح لأوّل مرة للمصريين المقيمين بالخارج بالمشاركة في موعد انتخابي وطني. وهو ترحيب تكرر على لسان العديد من المصريين الذين تحدثت إليهم swissinfo.ch.
يقول الدكتور إسماعيل أمين، أستاذ الفلسفة والدراسات الشرقية بجامعة زيورخ سابقا: “هذا القرار أنعش فينا روح المواطنة وأحيا فينا مصر من جديد، وشعرنا بأننا جزء من هذا الوطن الغالي، ومثلما يقول أحدهم، مصر ليست وطنا نعيش فيه، بل هو وطن يعيش فينا”.
شعور الإعتزاز هذا عبّرت عنه كذلك الدكتورة فوزية العشماوي، رئيسة قسم اللغة العربية والحضارة الإسلامية بجامعة جنيف حتى عهد قريب، والتي قالت في حديث إلى swissinfo.ch: “لقد استقبلت هذا القرار بسرور بالغ، هذا مطلب قديم، وقد ناضلت من أجله أجيال عديدة”. وتضيف السيدة العشماوي: “هذا القرار هو من بركات ثورة 25 يناير. فنحن لا نعتقد أن نظام حسني مبارك كان سيمنحنا هذا الحق، لأنه كان يعلم جيّدا أن المصريين المقيمين بالخارج أفراد يفهمون جيدا معنى الديمقراطية على أصولها، وأنهم في أغلبهم مثقفين ومتعلّمين وعارفين حقوقهم، واين توجد مصلحة البلاد، ولهذا كان يخشى من تأثيرهم”.
ولم يختلف عن ذلك رد فعل الدكتورة فوزية أسعد، الكاتبة والروائية المصرية المقيمة بجنيف، التي قالت إنها “سعيدة جدا بهذا القرار، رغم الصعوبات التقنية التي جابهتني خلال عملية التسجيل بموقع اللجنة المشرفة على الإنتخابات، ولم أجد من يقدّم لي المساعدة، فالموقع الإلكتروني المذكور لم يكن الوصول إليه متاحا دائما، وكان لابد من تكرار العملية مرات عديدة”.
مصاعب كثيرة تعرقل المشاركة
اتخاذ القرار بالسماح للمصريين بالخارج بالمشاركة في الإنتخابات المقبلة جاء متأخّرا جدا، ولم ترافقه جهود كافية لتذليل المصاعب التي فاجأت الساعين إلى الإستفادة منه.
المفاجأة الأولى، تمثلت في صعوبة التسجيل بقوائم الناخبين نظرا للإقبال الشديد على استخدام الموقع الإلكتروني المخصص لذلك. وقد طالع آلاف المصريين يومي الجمعة 18 والسبت 19 نوفمبر الجاري أي قبل فترة قصيرة من انتهاء آجال التسجيل العبارة التالية: “عفوا الموقع غير متاح… يُرجى الإنتظار قليلا، أو إعادة الزيارة بعد قليل”. ولاشك أن هذا ولّد خيبة لدى أعداد كبيرة منهم.
أمّا المفاجأة الثانية، فكانت غياب المعلومات الكافية عن الأفراد والقوائم المترشّحة، إذ كما تقول السيدة العشماوي: “انصبّ كل الإهتمام على طريقة إجراء الانتخابات، لكن السؤال الأهم يظل من سنختار، إذ جميع المرشحين يعتمدون على الدعاية المحلية، أما نحن في الخارج فلا نعرف أي شيء عنهم”. فليس هناك أي حملات انتخابية، ولا يعلم الناخبون حتى اليوم أيْن ستتم عملية الإنتخاب، ومن سيشرف عليها، وما هي الضمانات لنزاهتها.
ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحد، فالمرسوم الصادر بشأن مشاركة المصريين بالخارج في الإنتخابات ينص على ضرورة توفّر الناخب على بطاقة هوية وطنية مستخرجة قبل تاريخ 27 سبتمبر 2011، ولا يسمح للمستظهر بدلا عن ذلك بجواز السفر المشاركة في الإنتخابات، ويعود اعتماد القانون الإنتخابي لبطاقة الهوية الشخصية المصرية وليس جواز السفر لكون القوائم الانتخابية مقسمة طبقا لمحل الإقامة، وكل دائرة فيها أحزاب ومرشحون مختلفون، وبالتالي فإن الإستظهار ببطاقة الهوية الوطنية الشخصية يحدد مكان إقامة الناخب، ويسمح بتحديد من يحق له الإختيار من بينهم.
ومن المنتظر أن يحرم هذا الإجراء أيضا العديد من المصريين المقيمين في الخارج من الإدلاء بأصواتهم يوم الإنتخاب. وتقول السفارة المصرية في برن إنه لا يمكنها بأي حال تذليل هذه المصاعب، لأن واضع هذه القوانين هي الحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
تدابير مستعجلة وغير كافية
وللوقوف على الاستعدادات الجارية بشأن العملية الإنتخابية هنا في سويسرا، توجهت swissinfo.ch بالسؤال إلى سفارة جمهورية مصر العربية ببرن، بعد أن تأكّد عدم وجود أي جهة مصرية مستقلة مكلفة بالإشراف على هذه العملية، وتبيّن من خلال الحديث مع السيد عمر عبد الوارث، وزير مفوّض، ونائب رئيس البعثة المصرية في برن أنه “إلى حد يوم الجمعة 18 نوفمبر 2011، لم تتوضّح الآلية التي سوف تشرف على الانتخابات في الخارج” مضيفا بأن “الأمر ما يزال قيد الدرس بالقاهرة”.
كما أضاف هذا المسؤول المصري: “طلبت منا السلطات في القاهرة التعرّف على إمكانية الحصول على صناديق اقتراع، وقمنا بالإتصال ببلدية برن، وقد أبلغنا المسؤولون فيها بأنه بإمكانهم منحنا هذه الصناديق مقابل مبلغ 20 فرنك سويسري للصندوق الواحد يوميا”.
ولدى سؤاله عن المدة التي سوف تستغرقها العملية الانتخابية في سويسرا، وفي الخارج عموما، أضاف الدبلوماسي المصري: “لم تحدد اللجنة العليا للإنتخابات إلى حد الآن كم ستستغرق العملية الإنتخابية من يوم، وهل ستجري الإنتخابات في مقر السفارة أم في مكان آخر، وهل سيكون الإقتراع عبر المراسلات البريدية ام بالحضور إلى السفارة”.
أما التدابير المتعلّقة بضمان نزاهة الإقتراع، فقد تبيّن أيضا أنه لا يوجد أي مراقبين من المجتمع المدني المصري أو من المنظمات غير الحكومية أو من المراقبين الأجانب لكي يراقبوا عملية الإدلاء بالأصوات أو عمليات الفرز والتوقيع على المحاضر الإنتخابية، وهو ما يزيد في الغموض الذي يلف هذه العملية.
تباين التقييمات
يُرجع أحمد حمودة أوجُـه القصور هذه إلى “حداثة التجربة الديمقراطية في مصر، ولأن هذا البلد يخضع منذ 1952 إلى سيطرة العسكريين، وكانت مقدرات البلاد دائما في قبضة هؤلاء الجنرالات، إلى حين سقوط نظام مبارك، وبالتالي لا يمكن أن نتوقّع تجربة ديمقراطية مكتملة بين يوم وليلة”.
رغم ذلك يبدو حمودة متفائلا بالمستقبل، وهو يعتقد أن الإنتخابات القادمة سوف تمثل خطوة متقدمة على طريق إعادة زمام السلطة في مصر إلى المدنيين، ويضيف: “تمنحنا هذه الإنتخابات فرصة لكي نتبيّن على وجه صريح وواضح الوجوه الجديدة التي تتطلع إلى حكم مصر عن طريق البرلمان، وما مدى استعداد حزب الحرية والعدالة الممثل للإخوان المسلمين أو السلفيين أو المصريون الأحرار لتجسيد الممارسة الديمقراطية في مصر”.
في المقابل تبدو الدكتورة فوزية العشماوي حذرة ومتوجّسة مما ستسفر عنه الإنتخابات القادمة وتقول: “هناك أحزاب كثيرة جدا تأسست بعد الثورة، والمدة التي تفصلنا عن لحظة تأسيسها ليست كافية بالنسبة لهذه الأحزاب لكي تكون قد نظمت نفسها، والبعض منها لم يستطع إلى حد الآن التقدم بقوائم مرشحين، لذلك أعتقد أن البرلمان القادم لن يكون البرلمان الذي سوف يحقق أحلام المصريين أو أن يكون ممثلا لكل فئات الشعب المصري”.
هذا بالضبط ما يعتقده أيضا الدكتور إسماعيل أمين الذي لا يرى أن البرلمان القادم سوف يحقق تطلعات الشعب المصري، أو أهداف الثورة، لسبب بسيط هو أن “أحزاب الشباب الجديدة التي تكوّنت أخيرا لا يوجد لديها أي إمكانية للتعبير عن نفسها أو التعريف بمبادئها وبرامجها، وهكذا فالذين قاموا بالثورة لن يكون لهم وجود تحت قبة البرلمان”، على حد قوله.
إذا ما جرت الأمور كما هو مخطط له، يفترض أن تنطلق المرحلة الأولى من الإنتخابات البرلمانية في مصر، يوم الإثنيْن 28 نوفمبر 2011، في ظل أجواء شديدة التوتّر وأعمال عنف أدت إلى سقوط ما لا يقل عن 36 قتيل وإصابة حوالي 1250 شخص.
انتخابات مجلس النواب سوف تتبعها انتخابات مجلس الشورى، ثم تليها في وقت لاحق (لم يحدد بعدُ بصفة نهائية) انتخابات رئاسية من المفترض أن تؤدي إلى إنهاء المرحلة الإنتقالية التي تحكّم فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمقاليد السلطة منذ 11 فبراير 2011.
هذه بعض تفاصيل المسار الإنتخابي المرتقب:
عدد المقاعد المتنافس عليها:
28 نوفمبر 2011: بداية الإنتخابات البرلمانية التي تهدف إلى اختيار 498 عضوا في مجلس النواب (الغرفة السفلى). وتنتهي هذه المرحلة يوم 10 يناير 2012. كما يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتعيين 10 نواب إضافيين.
29 يناير – 11 مارس: انتخاب أعضاء مجلس الشورى المشكل من 270 عضوا. 90 عضوا منهم سوف يتم تعيينهم من طرف الرئيس المرتقب بعد اجراء الإنتخابات الرئاسية.
يوجد خلاف كبير بشأن الإنتخابات الرئاسية، في الوقت الذي يفضّل العسكريون تنظيم تلك الإنتخابات عقب إقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي عام بما يعني نهاية 2012 أو بداية 2013، فإن قادة الأحزاب والنخب السياسية المدنية تمارس ضغوطا وتقود احتجاجات من أجل أن تتم الإنتخابات الرئاسية مباشرة بعد الإنتهاء من الإنتخابات البرلمانية ويبدو أن الأمور تتجه اليوم إلى تنظيمها قبل موفى يونيو 2012.
سلطات البرلمان
ستكون المهمة الاولى للبرلمان الجديد اختيار 100 عضو من بين أفراده لتشكيل المجلس الدستوري (هيئة تأسيسية) الذي سيتكفّل بصياغة الدستور الجديد. ولن يشارك في هذا المجلس إلا الأعضاء المنتخبون في صفوف غرفتيْ البرلمان.
يتمتع البرلمان في العادة بسلطات تشريعية، إلا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيحافظ على “صلاحياته الرئاسية” إلى حين الإنتهاء من إقرار الدستور الجديد وانتخاب رئيس جديد للبلاد.
يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة كذلك بتعيين الحكومة، ولكن هذه المرة بالتشاور مع البرلمان.
الناخبون وطريقة الإقتراع
تعد مصر 50 مليون ناخب مسجلين في كشوفات الناخبين. ويحق لكل مصري بلغ الثامنة عشر من العمر من الرجال والنساء المشاركة في الإقتراع.
تجري الانتخابات على عدة مراحل (ثلاث مراحل بالنسبة للبرلمان)، ويشرف على مجريات الإنتخابات لجنة انتخابية مستقلة مشكلة من القضاة.
تتميز طريقة الإنتخابات المعتمدة بشيء من التعقيد: فثلثا أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 498 سوف يتم انتخابهم بالأغلبية النسبية استنادا على قوائم المرشحين التي تقدمها الأحزاب المشاركة في الإنتخابات، أو التكتلات والإئتلافات. وتمنح المقاعد بحسب عدد الاصوات التي تتحصل عليها كل قائمة حزبية في كل دائرة من الدوائر الإنتخابية البالغ عددها اجماليا 46 دائرة في كامل البلاد.
الثلث المتبقي من الأعضاء (166 عضوا)، سوف يفتح فيها المجال للمترشحين كأفراد سواء من أصحاب الإنتماءات السياسية أو المستقلين.
ويشترط في المترشحين بصفتهم الفردية أن يكون نصفهم على الأقل من المهنيين والنصف الآخر من العمال أو المزارعين .
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.