مفاوضات عسيرة تنتظر بنكيران لتشكيل الحكومة المغربية
لن ينتظر عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية، طويلا ليُعلن حكومته الثانية، لكن إلى أن ينطلِق الدخان الأبيض من مدخنة مقرّ رئاسة الحكومة، الموجود في حرم القصر الملكي بالرباط، سيكون أمام زعيم حزب العدالة والتنمية، مفاوضات عسيرة مع مختلف مكوِّنات هذه الحكومة، بما فيها حزبه.
وذهاب بنكيران نحو حكومته الثانية كان قرارا إراديا أو اختيارا، إذ جاء بعد انسحاب الحزب الثاني بالحكومة، حزب الاستقلال، الذي أفقدها أغلبيتها البرلمانية. وكان على بنكيران أن يختار بين حكومة أقلية أو انتخابات تشريعية مبكّرة أو ترميم أغلبيته، بإلحاق حزب يتوفّر على مقاعد تكمل للحكومة أغلبيتها، وكان الخيار الأخير هو اختيار بنكيران، لأنه أقل كلفة، ماديا وسياسيا للبلاد ولحِزبه، وستُعيد الانتخابات نفس الخارطة السياسية، مع تغييرات طفيفة بأعداد المقاعد التي سيحصل عليها كل حزب.
إلا أن اختيار الترميم مُكلف أيضا لبنكيران وحزبه وللحزب المؤهل لهذا الترميم، لأنه يتطلّب تنازلات ويحفّز لطموحات حزبية وشخصية، وهي عنوان الصعوبات التي سيواجهها بنكيران في مفاوضته خلال الأيام القادمة.
كانت الأغلبية البرلمانية لحكومة بنكيران الأولى تتكوّن من 220 مقعدا برلمانيا (عدد مقاعد مجلس النواب 395 مقعدا)، أي 22 مقعدا إضافيا للأغلبية المطلوبة، ويتقاسم هذه المقاعد، حزب العدالة والتنمية (ذات المرجعية الإسلامية والحزب الرئيسي بالحكومة 107 مقاعد) وحزب الاستقلال (60 مقعدا) والحركة الشعبية (45 مقعدا) وحزب التقدّم والاشتراكية (18 مقعدا). وبخروج حزب الاستقلال، بحث بنكيران عن حزب بالمعارضة يتوفّر على أكثر من 38 مقعدا، وهم التجمع الوطني للأحرار (54 مقعدا)، وحزب الأصالة والمعاصرة (42 مقعدا) ، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (40 مقعدا).
خصومة سياسية
خلق التدافع الانتخابي والسياسي خلال الـ 18 شهرا من حكومة بنكيران بين أحزاب المعارضة هذه، (كل على حدا) مع بنكيران وحزبه، خصومة سياسية تستبعد للوهلة الأولى وجود أي منها داخل حكومته وتحت قيادته، لكنها السياسة بالمغرب. والخلافات السياسية في هذا البلد، الذي يعتبِر نفسه مرّ بسلام من عاصفة الربيع العربي، تذوب بسرعة مُلفته ودون أن تترك أي أثر أمام استحقاق حكومي.
عند إعلانه عن بدء مشاوراته، حرِص عبد الإله بنكيران على التأكيد أن مشاوراته ستشمل كل الأحزاب الممثلة بالبرلمان، واستضاف على مائدة إفطاره الرمضاني يوم الاثنين (22 يوليو)، صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، ويوم الثلاثاء (23 يوليو) مصطفى البكوري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، ويوم الاربعاء إدريس لشكر، الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وعرض عليهم رُؤيته للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد وأزمته مع حزب الاستقلال.
رغم ذلك، فإذا كان من الصعب تصور أي من حزب الأصالة والمعاصرة، أو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إن كان لحسابات سياسية أو حزبية أو ما يمكن أن يطلق عليه أيديولوجية، وطبيعة الحرب التي شنّت بينهم من قبل 2012، مشاركا في حكومة العدالة والتنمية، فإنه كان مُلفتا أن خصومة التجمّع الوطني للأحرار اقتصرت على رئيسه صلاح الدّين مزوار، رغم أن التجمع كان خلال حملة انتخابات نوفمبر 2011، يعتبر نفسه المنافِس الرئيسي لحزب العدالة والتنمية على زعامة الأغلبية، وشكّل تحالفا ضمّ أحزابا من اليمين واليسار والوسط، أطلق عليه اسم G8.
وبعد تشكيل الحكومة، فتح المقربون منها ضد مزوار ما عرف بملف لكريمات، وهو ملف تبادل المِنح المالية بين مزوار حين كان وزيرا للمالية 2007-2011 مع خازن المملكة نور الدين بن سودة، ولوحظ أن التجمع نآى بنفسه عن هذه المعركة.
الرباط (رويترز) – قالت مصادر رسمية مساء يوم الإثنين 22 يوليو 2013، إن العاهل المغربي قبل استقالة خمسة من وزرائه كانوا قد قدّموها إلى رئيس الحكومة المغربية أوائل هذا الشهر، إحتجاجا بحسب ما أعلنوه، على سياسة رئيس الحكومة الإسلامي في المجال المالي خاصة.
وقال بلاغ للديوان الملكي إن العاهل المغربي محمد السادس الذي تبقى له الكلمة الحاسمة في قبول الإستقالات أو رفضها “توصل من طرف رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران بالاستقالات التي قدمتها مجموعة من الوزراء الأعضاء بحزب الاستقلال، حيث أعطى الملك موافقته عليها.”
وكان خمسة من وزراء حزب الإستقلال، ثاني أكبر حزب في الإئتلاف الحكومي، قد قدموا استقالاتهم في التاسع من يوليو الحالي إلى رئيس الحكومة المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي، في حين رفض سادس تقديم إستقالته وقال الحزب إنه سيَتّخذ إجراءات تأديبية في حقه.
وبقبول الإستقالات من طرف الملك، سيكون على رئيس الحكومة أن يبحث عن حليف جديد في الائتلاف أو يدعو إلى انتخابات مبكرة. ويرجِّح محللون الخيار الأول. وفي هذه الحالة، سيكون حزب العدالة والتنمية أمام معارضة قوية.
وانتقد حزب الإستقلال سياسة الحكومة في المجال المالي، خاصة في ظل تدهور الإقتصاد المغربي متأثرا بالأزمة المالية في منطقة اليورو. وقال الحزب إن انسحابه يأتي احتجاجا على خفض الدعم ومسائل أخرى من شأنها الإضرار بالفقراء.
وجاء حزب الاستقلال في المرتبة الثانية بعد حزب العدالة والتنمية الذي فاز بالانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2011 عقِب اعتماد دستور جديد في إجراء اقترحه الملك محمد السادس، حتى يتفادى المغرب موجة احتجاجات الربيع العربي.
وتسعى الحكومة الى تفادي تدهور مستوى المعيشة الذي من شأنه أن يؤجّج الإحتجاجات في الشوارع. لكنها بحاجة إلى خفض الدعم مع سعيها جاهِدة إلى مواجهة الأزمة الاقتصادية وأزمة ديون منطقة اليورو، الشريك التجاري الرئيسي للمغرب.
وظهرت حركة إحتجاجية جديدة، أطلقت على نفسها “تمرّد” المغربية، أسْوة بحركة تمرّد المصرية التي دعت إلى الإحتجاج في مصر في 30 من يونيو الماضي وأسفرت إحتجاجاتها عن إسقاط الرئيس محمد مرسي.
وتقول “تمرّد المغربية”، التي خرجت من رحِم موقع التواصل الإجتماعي “فايسبوك”، إنها ستنزل إلى الشارع المغربي في 17 من أغسطس المقبل وهدفها الإحتجاج على غلاء المعيشة وإسقاط رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 يوليو 2013).
ترتيبات شكلية.. لكنها ضرورية
منذ قرار حزب الاستقلال الانسحاب من الأغلبية واستقالة وزرائه من الحكومة في مايو الماضي وحتى إعلان القصر الملكي الأسبوع الماضي قبول هذه الاستقالة، والإشارات بعدم إجراء انتخابات سابقة لأوانها أو الإبقاء على حكومة أقلية، والأنظار تتوجّه إلى التجمع ليلتحِق بحكومة بنكيران الثانية ويُرمّم أغلبيتها البرلمانية، والاتصالات، وإن كانت غير علنية أو رسمية، انطلقت ولم تنقطع، ولم (يخيب) بنكيران ومزوار التوقّعات، وكان لقاؤهما يوم الاثنين الماضي، إيذانا بالترتيبات لهذا الالتحاق.
وإذا كانت هناك ترتيبات شكلية لكن ضرورية بعودة كل حزب إلى هيئاته التقريرية لاتخاذ قراره النهائي، فإن استحقاقات قرار التِحاق التجمّع ستكون صعبة على بنكيران وحزبه، وأيضا على مزوار وتجمّعه وعلى الحكومة وأطرافها، وأقلها صعوبة هي المطالب السياسية للتجمّع، حيث يطالب بمراجعة البرنامج الحكومي وأولوياتها والقيام بإجراءات مستعجلة لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تمر منها، وخصوصا الشق المرتبط بالمعيش اليومي للمواطنين، والأكثر صعوبة، هي إعادة هندسة الحكومة أو إعادة هيكلتها.
وعادة، الهيكلة وطموحات الأحزاب والأشخاص، تحُول دون إشراك الاتحاد الدستوري بالحكومة. فإذا كانت مقاعده الـ 24 ليست كافية لترميم الأغلبية الحكومية، فإن إبداءه التعاون مع بنكيران، حمل معه إمكانية إلتِحاقه كمُكافأة له، لكن بقية الأحزاب تشدّدت أثناء التشاور فيما بينها برفض ذلك، لأنه سيقلِّص فرصها بزيادة حقائبها.
مزايدات سياسية
الاستاذ الجامعي والمحلل السياسي الحسان بوقنطار يقول إن إعادة الهيكلة أو الهندسة، تعني تعويض وزراء حزب الاستقلال وإعادة توزيع الحقائب الحكومية على الأحزاب المشاركة بالائتلاف الحكومي، وهي توزيعة لن تشبه توزيعة، فكل حزب سيحاول أن يحافظ على ما يعتبره مكسَبا ويُحاول أيضا إضافة مكاسب أخرى.
مطلب إعادة الهيكلة لم يُطرح رسميا إلا في اجتماع الأمانة العامة للحركة الشعبية، لكنه مطروح في أوساط مختلف الأحزاب المشاركة بالائتلاف الحكومي والتجمع الذي سيلتحق به.
ومن المؤكد أن التجمع الوطني للأحرار، حسب أوساط الحزب، لن يكتفي بتعويض حزب الاستقلال، وتولّي حقائبه ومنصب رئاسة مجلس النواب التي تُعتَبر جزءا من تقاسُم المناصب بين أحزاب الائتلاف الحكومي.
وكان حزب الاستقلال يتولّى، بالإضافة إلى رئاسة مجلس النواب، ست حقائب وزارية (حقيبة المالية والاقتصاد، حقيبة التربية الوطنية، حقيبة الصناعة التقليدية، حقيبة المعادن، حقيبة الجالية المغربية بالخارج وحقيبة نائب وزير الخارجية)، وفيما لا زال كريم غلاب يترأس مجلس النواب، فإن محمد الوفا، وزير التربية الوطنية، رفض الالتزام بقرار حزبه وتقديم استقالته.
وإذا ما تمّت تسوية وضعية الوفا باستبعاده من حكومة بنكيران الثانية أو الاحتفاظ به مكافأة له على عدم الالتزام بقرار الاستقالة، وذلك سيكون على الأرجح على حساب حقيبة من حقائب حزب العدالة والتنمية الـ 13، فإن عادة الهيكلة أو هندسة الحكومة، تفتح الباب أمام المزايدة بين الأحزاب المشاركة بالحكومة.
وقال الدكتور الحسان بوقنطار لـ swissinfo.ch إن إعادة توزيع الحقائب ستفتح الباب أمام المزايدات السياسية، وهو أمر مشروع لأن أصوات متعدّدة داخل الائتلاف الحكومي، تريد أن تعيد التفاوض حول حصّتها من الحقائب، إن كان لتحقيق مكاسب حزبية أو لإرضاء أشخاص بصفوفها، تطمح للاستوزار أو للحفاظ على مواقعها الحكومية، بل إن أحد أسباب انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة، كان رفض رئيسها عبد الإله بنكيران مطلب حميد شباط، زعيم حزب الاستقلال، إجراء تعديل حكومي لزيادة حقائب الحزب وإلحاق شخصيات حزبية بديلة عن الشخصيات التي تتولّى حقائب باسم الحزب.
لكن الطموحات الحزبية والشخصية، والتنافس داخل الاحزاب نفسها لن يحُول دون إعلان بنكيران حكومته الآنية خلال الأسبوعين القادمين. فالإرادة السياسية تريد ذلك والأوضاع في البلاد الاقتصادية والاجتماعية لم تعُد تتحمّل المزيد من الوقت الضائع، رغم أن هذه الطموحات تبقى المحرّك الأول والأساسي للمشاركة بالحكومة، أية حكومة بالمغرب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.