ملتقى عربي ودولي في دمشق يجدد التأكيد على حق العودة للفلسطينيين
الحشود التي تجمّـعت في الملتقى العربي والدولي لحق العودة، وتحت شعار "العودة حق"، في قصر المؤتمرات في دمشق يومي 23 و24 نوفمبر، قدمت من أكثر من 60 دولة في العالم لتعلن تأييدها لحقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، لكن الأسئلة التي كانت تُـطرح في ردهات المؤتمر، لم يسعفها الحظ في الوصول إلى منبره أو الوثائق التي صدرت عنه.
حسب المنظمين، وهم أكثر من 20 مؤسسة وجمعية ونقابة عربية، فإن مَـن شارك في هذا المؤتمر أكثر من 3 آلاف شخصية، عربية وعالمية، من رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد إلى النائب في مجلس العموم البريطاني جورج غالاوي. أما الحضور الإيراني، فلم يكن يقتصر فقط على الوفد الكبير، بل وأساسا في الكثافة الإعلامية والدّعائية، وكأن رغبة دفينة تريد أن تعطي للمؤتمر “سمة” إيرانية ما.
فلسطينيا، رغم أن الحضور حمل العديد من الأسماء وأكثر من عشرة تنظيمات فلسطينية، فإن ما كان لافتا، هو الحضور المكثّـف لحركة حماس والغياب الواضح لحركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية.
أهداف المؤتمر
فقد تمثّـلت الحركة، التي تدير قطاع غزّة منذ منتصف يونيو 2007 وتقود صراعا ساخنا مع السلطة الفلسطينية في رام الله، بوفد ضمّ العشرات من القادمين من المناطق الفلسطينية أو مناطق الشّتات السياسي والاجتماعي الفلسطيني، في العالم العربي أو أوروبا.
اللجنة التحضيرية للمؤتمر حدّدت له أهدافا، تمثلت في “المساهمة في ترسيخ حقّ العودة، كأحد الثوابت في فلسطين والأمّـة، ورفض أي مساومة أو مقايَـضة عليه، بما في ذلك رفض مشاريع توطين الفلسطينيين أو الوطن البديل، واعتبار تطبيق حق العودة هو الردّ الطبيعي على هذه الفكرة بحشد كل الجهات والفعاليات والقِـوى الفلسطينية والعربية، الإسلامية والمسيحية، الإقليمية والدولية، العاملة من أجل حقّ العودة أو المتعاطفة معه في تظاهرة عالمية، وتوفير المؤسسات والآليات والوسائل اللازمة لذلك، وتحقيق إجماع عالمي على ضرورة تطبيق هذا الحق، في إطار تحقيق العدالة والقانون الدولي.
يُضاف إلى ذلك مقاومة السياسات والبرامج الصهيونية، الدّاعية إلى تهجير وترحيل الفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني، بما فيها التركيز على جرائم التطهير العرقي التي ارتُـكبت على مدى عقود ضدّ الشعب الفلسطيني وتأييد حقِّـه في اتخاذ كافة الإجراءات والخُـطوات لاستعادة حقوقهم المكرّسة دولياً، ومنها حقّ العودة واستنباط خطاب عالمي مستنير، قادر على توسيع دائرة المتعاطفين مع القضية الفلسطينية ومحاصرة المشروع الصهيوني الاستيطاني الاستعماري العنصري التوسعي، بإبراز الجوانب الأخلاقية والقانونية والاجتماعية والإنسانية المرتبطة بحقّ العودة.
المسألة المركزية للقضية الفلسطينية
وإذا كانت هذه الأهداف المُـعلنة، التي حدّدها المؤتمر لنفسه لا تدخل في إطار الصراعات السياسية بين حركَـتيْ فتح وحماس، التي تعرفها الساحة الفلسطينية منذ عدة سنوات، وتفجّـرت دما بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، فإن الخطاب المُـهيمن في المؤتمر كان يُـوشي بحاضنيه الحقيقيين (حماس وإيران) أو على الأقل أنهم استطاعوا أن يُـهيمنوا عليه، والبُـعد السياسي الذي يطمحون إليه من جهة، والابتعاد عن الأسئلة المُـحرجة، التي يطرحها عقد مثل هذا المؤتمر والمشاركين فيه.
ولقد شكّـل حق العودة، المسألة المركزية للقضية الفلسطينية، كون الدولة العبرية أقيمت عام 1948 على أنقاض دولة أخرى (فلسطين)، كانت قبل هذا التاريخ موضوعة تحت الانتداب البريطاني بقرار من الأمم المتحدة وأنتجت مأساة إنسانية بطرد مئات الألوف من البشر (يقدّر عددهم الآن بحوالي 7 ملايين نسمة) وتشريدهم في بقاع الدّنيا، خاصة في الدول والأراضي المحيطة (الضفة الغربية وقطاع غزة، والأردن، وسوريا، ولبنان، ومصر والعراق)، ولم يدر في خلد من عملوا على إقامة الدولة العبرية، أن هذه الملايين المشرّدة ستظل مرتبطة بالأرض التي عاش عليها الآباء والأجداد.
كانت الشرعية الدولية، التي اعتبرت الدستور المنظم للعلاقات الإنسانية وضمانة الشعوب لنيل حقوقها، قد أكدت يوم 11 ديسمبر 1948 في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، على حق الفلسطينيين الذين خرجوا من دِيارهم بالعودة إليها والتّـعويض عمّـا لحِـقهم من ضرر، بسبب هذا الخروج.
وحين تقدّمت إسرائيل بطلب عضويتها للمنظمة الدولية، اشترط مجلس الأمن عليها تنفيذ القرار، وسجّـلت إسرائيل التزامها، لكنها تركت للزّمن أن يتكفّـل بعدم تنفيذه ليُـصبح التنفيذ فيما بعد مُـرتبطا بوجود إسرائيل وما يشكله من خطر على مصيرها.
تراجع حق العودة إلى الخلف
ورغم مرور ستين عاما على صدور القرار، فإنه لا زال (نظريا على الأقل)، يشكِّـل الضمانة القانونية للفلسطينيين بممارسة حقّ العودة. ولقد صادقت منظمات الأمم المتحدة 165 مرّة على القرار بالإجماع، باستثناء إسرائيل. وفي الوقت نفسه، فإن الطموح بتسوية سياسية للقضية الفلسطينية، جعل هذا الحقّ يتراجع للخلْـف ويتوارى رُويدا رُويدا، ليصبح ملفّا غير قابل للفتح مرة أخرى.
ولقد عرفت الحركة السياسية منذ اتفاقية أوسلو عام 1993، التي أجلت مسألة اللاجئين إلى مفاوضات المرحلة النهائية، أفكارا عديدة لتسوية مسألة اللاّجئين، تتمحور حول التأكيد القانوني لحق العودة وعدم تنفيذه، مثل “وثيقة جنيف” أو ما عُـرف بوثيقة عبد ربه ـ بيلين، التي تتضمن عودة رمزية بأعداد قليلة أو في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 بإعادة اللاجئين، الذين ولِـدوا في فلسطين، دون أن يمنح هذا الحق لأبنائهم وعائلاتهم.
وإذا كان طرح مثل هذه المشاريع والأفكار يعتبر فلسطينيا خطا أحمر وخيانة وطنية في العشريات التي سبقت التوصل إلى اتفاقية أوسلو، فإنه بات – بعد أوسلو – من غير المستغرب الإعلان عن مثل هذه الأفكار (سري نسيبة، المسؤول في وقت سابق عن ملف القدس)، وذهب أصحابها، دون الإعلان عن ذلك، إلى طرح احتمال مُـقايضة قيام الدولة الفلسطينية بالتّـنازل عن حقّ العودة للاجئين.
تناقض صارخ
المؤتمر الذي عقد في دمشق كان ردّا على هذه الأفكار وأصحابها، لكن المشاركين فيه والحاضنون له كانوا يُـدركون التناقض الصارخ بين ما يطرحونه من أفكار وما يتبنّـونه من أيديولوجيات. فالمشاركون، فلسطينيا، يُـعلنون رفضهم الاعتراف بإسرائيل ويدعون لإزالتها، ككيان سياسي، كون هذا الكيان باطل، في حين أن القرار الأممي ينصّ على عودة اللاجئين إلى إسرائيل لذلك حرصت الخِـطابات التي ألقيت في المؤتمر (لتلافي الإحراج) على الربط بين حق العودة والمقاومة.
وعلى هامش مؤتمر دمشق، الذي عقد تحت شعار “العودة حق”، كانت الناشطة الأوروبية لورين بورث تتحرك، حامِـلة في حقيبتها مشروع “الوها فلسطين” لكسر الحواجز، ولـمّ يشمل العائلات الفلسطينية بعد نجاح مشروعها الأول “حملة غزة الحرّة” لفكّ الحصار عن قطاع غزة، والمشروع الجديد يقوم على أساس فتح خطٍّ بحري تجاري مباشر لنقل الركّـاب والبضائع بين قطاع غزة وجزيرة قبرص، وهو مشروع يهدف، ليس فقط إلى فكّ الحصار، لكن أيضا إلى إحراج إسرائيل في زمن هيمنة الديمقراطية وحقوق الإنسان، على الخطاب العالمي.
وقد أثار حضور هذه الناشطة وغيرها، سؤالا مُـحرجا على المخطّـطين والحاضنين لهذه التظاهرة، وعن الجدوى من انعقادها بالمكان الذي اختاروه (دمشق) لهذه النوعية من المدعوين (عرب ومسلمين)، وعدم عقده في مدينة أوروبية.
فالعرب والمسلمون ليسوا هُـم المعنيّون بمثل هذا المؤتمر، بل المفترض أن يتم التوجه إلى الرأي العام الأوروبي والأمريكي، الذي احتضن الحركة الصهيونية حتى الآن، وشكّل الركن الأساسي لقيام الدولة العبرية واستمرارها، خصوصا وأن الحسّ الإنساني الأوروبي، يجعله لا يصدق أن هناك فعلا أناس غادروا ديارهم مُـكرهين وتحت تهديد السلاح، ولا يُسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، والأكيد أن التواصل الإعلامي والثقافي والدبلوماسي، يمكن أن يخترق الحواجز المتعددة التي لا زالت تفرضها إسرائيل على الغرب عموما.
محمود معروف ـ دمشق
الضفة الغربية: 754263 لاجئ
غزة: 1059584 لاجئ
لبنان: 416608 لاجئ
سوريا: 456983 لاجئ
الأردن: 1054161 لاجئ
الأردن، خارج الضفة: 741326 لاجئ
الأردن، مخيمات غزة سابقا: 135216 لاجئ
إجمالي عدد اللاجئين المسجلين لدى الوكالة: 4618141 لاجئ
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.