ممدوح الولي: “الإصلاح الفِـعلي للمؤسسات الصحفية في مصر لم يبدأ بعدُ!”
كشف الإعلامي ممدوح الولي، أول نقيب للصحفيين المصريين بعد ثورة 25 يناير، عن أن الإصلاح الفعلي للمؤسسات الصحفية المصرية، الحكومية والخاصة، لم يبدأ بعدُ، وما زال الطريق طويلاً.
مشيرا إلى أن التغيير الذي حدَث في المؤسسات الصحفية حتى اليوم، هو تغيير جُـزئي لا يعبِّـر عن طموح الصحفيين في مصر الجديدة، بعد الثورة التي أطاحت بالنظام الفاسد.
وقال الولي، الخبير الاقتصادي ونائب رئيس تحرير الأهرام في حديث خاص لـ swissinfo.ch: “المجلس الحالي أمامه عدّة مشكلات، أبرزها العجز المالي وتدنّي أجور الصحفيين والمدينة السكنية للصحفيين وتدنّي معاشات الصحفيين”، مشيرا إلى أن “أولويات مجلس النقابة الجديد، تدبير سُـيولة سريعة من أجْـل الوفاء بالمطالب اليومي والحاجة لتدريب وتأهيل الصحفيين وتقديم حلول سريعة للمشاكل الطارئة… وقد شكَّـلت 9 مجموعات عمل لإنجاز هذه الملفات”.
وأضاف الولي، هناك 8 قوانين تحتاج للتعديل، 4 منها تحتاج إلى تعديل شامل وجِـذري، وهي قانون النقابة الحالي وقانون التمغة الصحفية وقانون الضبطية القضائية وقانون إتاحة المعلومات، وهناك 4 قوانين أخرى تحتاج للتعديل فقط، وهي: قانون الصحافة وقانون تشكيل مجالس إدارات الصحف والمواد الخاصة بحبْـس الصحفيين في قانون العقوبات، إضافة إلى قانون العمل”. مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:
swissinfo.ch: هل تغيَّـر الإعلام الرسمي في مصر بعد ثورة 25 يناير؟ وما تقْـييمك للإعلام الخاص، فيما أخفق وفيما نجح؟
ممدوح الولي: القارئ العادي لا يشعُـر بالتغيير في الإعلام الرسمي، المقروء والمسموع والمرئي، و هذا هو المؤشر الواقعي للتغيير، إحساس المواطن العادي. وكل ما يشعر به المواطن اليوم، بعد الثورة، أنه تمّ استبدال مبارك بالمشير، وهذا يرجع إلى أن التغيير الذي تمّ على مستوى القيادات في المؤسسات الصحفية، هو تغير جزئي ناقص، فما زال الصف الثاني والثالث من القيادات محلك سِـر. فنفس العقليات القديمة كما هي، وما زالت معايير الولاء تسُـود على معايير الخِـبرة والكفاءة.
أما الإعلام الخاص، فقد كانت تحكُـمه نفس المعايير، التي كانت تحكُـم الإعلام الحكومي. فقد كان صفْـوَت الشريف (رئيس المجلس الأعلى للصحافة)، يرفُـض أن يمنح أي صحيفة خاصة ترخيص مُـزاولة المِـهنة، إلا إذا كان رئيس التحرير على هواه، فضلاً عن أن هناك مُـصادرة لبعض الأعداد من بعض الصحف، إضافة إلى ظهور الرقيب العسكري وإحالة بعض الصحفيين للتحقيق أمام النيابة العسكرية ومُـداهمة بعض مقار القنوات الفضائية ورفض الترخيص للبعض الآخر، كل هذه رسائل من المجلس العسكري أو الحكومة لوسائل الإعلام الخاص، بِـعدم تخطي الحدود، وإلا..!!
وما هي ضمانات حرية الصحافة التي ما زالت مفقودة؟ وبشكل عام.. أين الخلل في الصحافة المصرية اليوم؟
ممدوح الولي: الضمانات لها شكلان، شكلٌ قانوني وآخر علمي. أما القانوني، فيلزمه تشريع نصوص قانونية. فنحن بحاجة إلى تعديل النصوص القديمة الموجودة في قانون الصحافة، مثل المواد التي تجيز حبْـس الصحفي والموجودة في قانون الجنايات، مطلوب تعديلها. كما نحتاج إلى تشريع يُـتيح حرية إصدار الصحف، ونحتاج مع هذا الدعم للحرية، أجورا عادلةً تحققُ معيشةً كريمة للصحفي وتحميه من الخضوع لسلطة رجال الأعمال وتُـعزِّز من الاستقلالية المالية للصحفي. هذه كلها شروط ما زالت مطلوبة.
أما عن الخلل في الصحافة المصرية، فقد بدأ باختيار القيادات في الصحف القومية. فعندما يُختار صحفيٌ ذو خلفية ثقافية، ليُـعين رئيسا لتحرير المؤسسة أو رئيسا لمجلس إدارتها، فهو مؤشرٌ جيد، لكن المشكلة أنه يكون في الغالب فاقِـدا للجوانب الأخرى، مثل الخِـبرات الإدارية والاقتصادية. فنادرا ما تجِـد صحفيًا، ذو خلفيةٍ اقتصادية يرأسُ مؤسسةً صحفية، رغم أننا في وقت تحوّلت فيه المؤسسات الصحفية والعمل الصحفي إلى صناعة واقتصاد واستثمار.
فمؤسسات صحفية مثل: روزاليوسف والكواكب والنجوم وآخر ساعة ومجلة الإذاعة والتليفزيون وغيرها كثير، ليست لديها سُـيولة مادية تكفي لتغطية المصروفات، ومن ثَـمّ، فإنها تلجَـأ إلى بيع الأصول التابعة للمؤسسة، لتغطية هذا العجْـز الناتج عن نقص الأرباح وضعف الإعلانات. كما أن معظم المؤسسات الصحفية لا تكشف عن ميزانياتها وحقيقة أوضاعها المالية، رغم أن القانون يلزمها بذلك، غير أنه مع غياب الشفافية ونقص المعلومات، فإنها لا تفعل، ورغم أنني أحد قيادات مؤسسة الأهرام، فأنا لا أعرف على وجه الدقّـة، هل الأهرام تربح أم تخسر؟!
وما هي أبرز الظواهر السلبية بالنسبة للصحافة في عهد مبارك؟ وهل اختفت هذه الظواهر بعد الثورة؟
ممدوح الولي: أجيبك على هذا السؤال بأنْ أضرِب لك مثالاً، وهو أن المسؤولين عن الصحافة الاقتصادية، كانوا في عهد مبارك يتعمّـدون نشر واقع غيْـر حقيقي يُخَدِّرون به الشعب، وللأسف الشديد، ما زال هذا الأسلوب موجودا بعد الثورة، نفس الأنماط والشرائح والعقبات الاجتماعية. ويبدو هذا أيضا عند معالجة الصحفيين لمشكلة مُـزمنة، هي سكان العشوائيات، فالرقم المُعلَـن الرسمي لتِـعدادهم 18 مليون نسمة، لكن هذا الإحصاء قديم ولم يُحَدَّثْ منذ 5 سنوات، كما أنه خاص بسكان المدن دون الريف.
أيضًا هناك مشكلة إهمال المؤسسات الصحفية عمومًا، والحكومية على وجه الخصوص، تدريب وتأهيل الصحفيين، وتبقى مهمّـة تطوير الذات مشكلة فردية ترجع إلى كل صحفي، مع غياب الاتجاه للتخصص الحقيقي والدقيق، الذي لم يبدأ بعدُ. فالمطلوب من كل المؤسسات الصحفية، الاهتمام بالتدريب والتكوين الفعلي للصحفيين وإعدادهم لتحمُّـل المسؤولية. ودعْـني أصارحك بأن الإصلاح الفِـعلي في المؤسسات الصحفية بمصر، لم يبدأ بعدُ.
ما هي أبرز العقبات أو الملفات الشائكة في نقابة الصحفيين التي تستعدّون لمواجهتها؟
ممدوح الولي: أحسنْـت، فِـعلاً هي عقبات وليست ملفّات، أبرزها العجْـز المالي، وحتى تتَّـضح الصورة، فإن النقابة لها خمسة موارد هي: حصيلة التمغة الصحفية ونسبة 1% على إعلانات الصحف وحصيلة إيجارات 500 كشك، تملِـكها النقابة لبيع الصحف، وإيجارات قاعات ومسرح النقابة واشتراكات أعضاء النقابة، كل هذه الموارد الخمس أدخلت لخزينة النقابة في العام الماضي، مليون جنيه مصري فقط، في حين أن إجمالي المصروفات في نفس العام بلغ 8.5 مليون جنية، بالطبع غير إعانة وزارة الإعلام. كما أن هناك 3 ملفات وهي: المعاشات والأنشِـطة والعلاج، يتوقع أن تحقق عجزا قدره 4 مليون جنيه. إذن، الفجوة بين الإيرادات والمصروفات في النقابة، هي أول وأكبر عقبة.
هناك أيضًا عقبة “أجور الصحفيين”: فهل يُـقل أن هناك صحفيين تتراوح رواتبهم بين 200 إلى 300 جنيها في الشهر (أي ما يعادل 35 – 50 دولارا أمريكيا)!!. وهناك عقبة “المدينة السكنية”، حيث سحب المجلس السابق مبلغ 6 مليون جنيه من أرصدتها ووضعها في أرض النادي الاجتماعي، التي كانت ستضيع على النقابة، والمشكلة الآن، كيف ندبِّـر مبلغ 6 مليون جنيه لنسدِّدها لمشروع المدينة السكنية، حتى يأخذ دوره. وهناك عقبة “معاشات الصحفيين”، حيث يصل معاش الصحفي إلى 400 جنيها فقط شهريا، وفي حالات كثيرة يكون هناك ورَثة يتقاسمون هذا المبلغ الضئيل!
وما هي أولويات مجلس النقابة الجديد في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد؟
ممدوح الولي: نحاول تدبير سُـيولة سريعة من أجل الوفاء بالمطالب اليومية، مثل: دفع شيكات الإعانات ودفع أجور العمال والتزمات ودفْـع النفقات الاعتيادية. ومطلوب تحسين الأداء الخدَمي في النقابة، من حيث (السرعة/ المعاملة الكريمة/…). وهناك الحاجة لتدريب وتأهيل الصحفيين، وهناك تكدّس المشاكل الطارئة، التي تَـرِد للنقابة من مؤسسات صحفية متعدّدة.
ولمواجهة هذه المشكلات، شكلت 9 مجموعات عمل، تتكون من الصحفيين المتخصِّصين، ومعهم بعض الزملاء من الصحفيين المتطوِّعين لمعاونتهم، مجموعة للمعاشات ومجموعة للتدريب ومجموعة قانونية و… إلخ، وذلك للتحرّك بشكل مُـتوازٍ، حتى لا نهتَـم بمشكلة على حساب أخرى.
وما هي أبرز القوانين التي سيطلبها المجلس من الأحزاب الفائزة في انتخابات مجلس الشعب القادم؟
ممدوح الولي: هناك 8 قوانين تحتاج للتعديل، منها 4 قوانين تحتاج لتعديل شامل (جذري). أولها، قانون النقابة الحالي والصادر في عام 1970، والذي يشترط لدخول أي عضو للنقابة أن يكون عضوا في الاتحاد الاشتراكي (تمّ إلغاءه منذ عام 1981)!! وثانيها، قانون التمغة الصحفية. فالقانون القديم يتحدّث عن قروش قليلة، لا تسدّ احتياجات النقابة. وثالثها، قانون الضبطية القضائية للتفتيش على المؤسسات الصحفية، والذي يقوم به حاليا المجلس الأعلى للصحافة، ونريد أن نعيد هذا الاختصاص للنقابة. ورابعها، قانون إتاحة المعلومات.
وهناك 4 قوانين أخرى تحتاج للتعديل فقط، وهي: قانون الصحافة وقانون تشكيل مجالس إدارات الصحف، لنجعل عدد الأعضاء بالانتخاب أكثر من المعيّـنين. وقانون العقوبات، وخاصة المواد الخاصة بحبْـس الصحفيين، فضلا عن قانون العمل، الذي لا يعترف بنقابة الصحفيين، بينما يعترف بنقابة العاملين بالصحافة والإعلام.
ما أبرز ملامح خطّـة النقابة في مجال تدريب وتكوين وتأهيل الصحفيين؟ وما موقِـفكم من موضوع إحالة الصحفيين إلى المحاكم العسكرية؟
ممدوح الولي: هناك اتِّـجاه لتأسيس معهد يختص بتدريب وتأهيل الصحفيين ليقوم بهذا الدور المهِـم، حفاظًا على المهنة ورفعا لكفاءة الصحفي وتعزيز الاتجاه نحو التخصص الدّقيق. وقد بدأنا بالفعل أولى الدّورات التدريبية بعقد دورات تدريبية لتأهيل الصحفيين، لتغطية الانتخابات التشريعية المُـقبلة، مع التركيز على كيفية حماية الصحفي خلال مباشرة عمله، وتغطية الانتخابات التي غالبا ما تتّـسم بالصخب والفوضى والانفلات الأمني.
أما بخصوص موضوع إحالة الصحفيين إلى المحاكم العسكرية، فقد رفضنا هذا الأمر بشكل حاسم وكرّرنا هذا مرارا وتكرارا، وقانون الصحافة واضح، في أن النقابة هي الجِـهة الوحيدة التي لها صلاحية محاسَـبة أبنائها، ومن هذا المنبر، فإنني أناشِـد أي شخص أو هيئة لديْـها شكوى من أي صحفي، أن تلجأ للنقابة أولاً، لتتَّـخذ الإجراءات اللاّزمة، لمحاسبة ومعاقبة الصحفي. فإذا لم يتِـم ذلك، فلتلجأ إلى لقضاء كما تشاء.
يوجد في النقابة جدول يشمل أسماء الصحفيين، وتلحق به الجداول الفرعية الآتية:
أ ـ جدول الصحفيين المشتغلين.
ب ـ جدول الصحفيين غير المشتغلين.
ج ـ جدول الصحفيين المنتسبين.
د ـ جدول الصحفيين تحت التمرين
يشترط لقيد الصحفي في جدول النقابة والجداول الفرعية:
أ ـ أن يكون صحفيا محترفا غير مالك لصحيفة أو وكالة أنباء تعمل في جمهورية مصر العربية أو شريك في ملكيتها أو مسهم في رأس مالها.
ب ـ أن يكون من مواطني جمهورية مصر العربية.
ج ـ أن يكون حسن السمعة لم يسبق الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو تقرر شطب اسمه من الجدول لأسباب ماسة بالشرف أو الأمانة.
د ـ أن يكون حاصلا عن مؤهل دراسي عال.
تتكون الموارد النقدية للنقابة مما يأتي:
أ ـ رسم القيد في جداول النقابة.
ب ـ الاشتراكات السنوية للأعضاء وفوائد الاشتراكات المتأخرة.
ج ـ حصيلة رسول الدمغة الصحفية.
د ـ إيرادات النقابة من أكشاك بيع الصحف المقصور حق استغلالها على النقابة.
هـ ـ عائد استثمار أموال النقابة
و ـ الإعانات والتبرعات والهبات.
ز ـ أي موارد أخرى.
على كل صحفي أن يؤدى قبل قيد اسمه في الجدول رسوم القيد المقررة للجدول الذي يريد قيد اسمه فيه، وتكون رسوم القيد كما يلي:
10 جنيه للقيد في جدول تحت التمرين
20 جنيه للقيد في جدول المشتغلين
10 جنيه للقيد في جدول المنتسبين
يشكل مجلس النقابة من النقيب واثني عشر عضوا ممن لهم حق حضور الجمعية العمومية، نصفهم على الأقل ممن لم تتجاوز مدة قيدهم في جدول المشتغلين خمسة عشر عاما. ويشترط فيمن يرشح نفسه لمركز النقيب أو عضوية مجلس النقابة أن يكون عضوا عاملا في الاتحاد الاشتراكي العربي (ألغي منذ عام 1981) وأن يكون قد مضى على قيده في الجدول عشر سنوات على الأقل ولم تصدر ضده أحكام تأديبية خلال الثلاث سنوات السابقة.
مدة العضوية بمجلس النقابة أربع سنوات، وتنتهي كل سنتين عضوية نصف أعضاء المجلس، ويقترع بعد نهاية السنة الثانية بين الأعضاء لإنهاء عضوية ستة منهم. ومدة عضوية النقيب سنتان ولا يجوز انتخابه أكثر من مرتين متواليتين. وتكون العضوية في مجلس النقابة بلا أجر أو مكافأة.
يؤدي الصحفي الذي قيد اسمه في الجدول أمام مجلس النقابة قبل مزاولته المهنية اليمين الآتية: (أقسم بالله العظيم أن أصون مصلحة الوطن وأؤدي رسالتي بالشرف والأمانة والنزاهة وأن أن أحافظ على سر المهنة وأن أحترم آدابها وأراعى تقاليدها).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.