مهمة المقررة الخاصة لحقوق الإنسان في السودان مثار خلاف في جنيف
أشارت المقررة الخاصة حول وضع حقوق الإنسان في السودان السيدة سيما سمر في التقرير الذي قدمته يوم 16 سبتمبر أمام مجلس حقوق الإنسان الى استمرار الانتهاكات في السودان من قبل جميع الأطراف، مشددة على استمرار الإفلات من العقاب، وعمليات الاغتصاب.
ورغم إشادة المقررة الخاصة والعديد من الدول بتعاون السلطات السودانية مع آليات حقوق الإنسان إلا أن المجلس قد يشهد جدلا بين المجموعة الغربية من جهة والدول العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز من جهة أخرى بخصوص رغبة السودان في عدم تجديد مهمة المقرر الخاص.
بعد تمديد مهمتها لسنة إضافية، قدمت الأفغانية سيما سمر، المقررة الخاصة حول أوضاع حقوق الإنسان في السودان صباح الثلاثاء 16 سبتمبر تقريرها أمام مجلس حقوق الإنسان، وهو التقرير الذي حضر من أجله وفد سوداني يفوق السبعين شخصا ممثلين لمختلف الوزارات والمنظمات الأهلية.
ويستعرض التقرير المكون من أكثر من 90 صفحة آخر المستجدات على الساحة السودانية في مجال حقوق الإنسان خلال الستة أشهر الأولى من عام 2008 مع تركيز على أوضاع دارفور والهجمات التي قام بها المتمردون على أم درمان وأوضاع حماية حقوق الإنسان في المناطق الانتقالية.
وضع قاتم رغم اعتراف بتعاون السلطات
رغم إشادتها بالتعاون الذي أبدته السلطات السودانية أثناء زيارتها للبلد مرتين، وبالتحسن في تطبيق اتفاق السلام، وفي إدخال الإصلاحات على النظام القضائي في السودان باعتماد حوالي 50 مشروع قانون جديد، تطرقت المقررة الخاصة بالتفصيل إلى أن العديد من التوصيات التي تضمنتها تقاريرها السابقة بقيت بدون تطبيق.
ومن بين ما طالبت به السلطات السودانية “ضرورة إجراء تحقيقات حول ادعاءات ممارسة التعذيب، وضرورة تمكين كل المتهمين بما في ذلك المتهمين بأعمال إرهابية من حق التمتع بمحاكمة عادلة”.
كما أشارت المقررة الخاصة الى أنها تلقت العديد من الشهادات بخصوص المضايقات والرقابة التي تم فرضها على الصحافة”، وتطرقت إلى المواجهة المسلحة التي دارت في منطقة أبيي بين القوات السودانية وجيش تحرير الشعب السوداني.
وفيما يتعلق بالهجوم الذي تعرضت له مدينة أم درمان في 10 مايو الماضي من قبل منشقين عن حركة العدل والمساواة، وما تلاه من اعتقالات، عبرت المقررة الخاصة عن القلق بخصوص مصير حوالي 500 شخص لا يعرف مكان اعتقالهم وتم احتجاز معظمهم حسبما يبدو “بسبب الانتماء العرقي” (أي لأنهم من دارفور).
وفيما يتعلق بالوضع في إقليم دارفور، ترى المقررة الخاصة أنه “على الرغم من اتخاذ السلطات لبعض الإجراءات فإن الوضع في درافور لا يدعو الى المسرة”، محملة كلا من القوات النظامية والمنشقين مسؤولية الإخلال بحماية المدنيين في المناطق الواقعة تحت إشراف كل منها. ومن التجاوزات المرتكبة في هذا الإطار – وفقا لما توصلت به من شهادات – وما عاينته جزئيا أثناء زيارتها للمنطقة “عمليات القتل، والتعذيب، والحبس التعسفي”.
وقد عبرت المقررة الخاصة ومعها عدد من الدول الغربية، عن القلق بخصوص استمرار عملية الإفلات من العقاب، وتفاقم ظاهرة انعدام الأمن وتأثير ذلك على نشطاء حقوق الإنسان وعلى مقدمي الإغاثة الإنسانية.
كما أوردت مخاوف السكان من أن تكون قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور غير قادرة على حماية المدنيين.
تحسن تجاهله التقرير
رئيس الوفد السوداني ونائب وزير العدل عبد الدايم زمراوي، عدد الانجازات التي قام بها بلده في مجال حقوق الإنسان مبديا انتقاده لكون التقرير لم يستعرضها رغم إرسالها إلى السيدة سمر من طرف الجهات المعنية في الوقت المناسب.
ومن بين التحسينات التي تطرق إليها الوزير ما سجل في الانتخابات حيث تم تخصيص 25 مقعدا في البرلمان للسيدات و40% للقائمة النسبية لممثلي الأحزاب الصغيرة والجماعات الأقاليمية. وأشار نائب وزير العدل إلى تلقي قوات الأمن تدريبا في مجال احترام القانون الإنساني الدولي تطرق إلى “الجهود الحثيثة التي تجري حاليا لتكوين مفوضية مستقلة للانتخابات”.
ومن النقاط الإيجابية الأخرى، أشار ممثل السودان إلى “الخطوات الجادة التي خطتها السلطات للحد من العنف الجنسي في اقليم دارفور” وإلى الإجراءات المتخذة من أجل “إنجاح وتنفيذ البرنامج السويسري لرفع الكفاءات والتدريب في مجال حقوق الإنسان”.
ولدى استعراضه لبعض الخطوات العملية التي أقدمت عليها السلطات، تحدث ممثل السودان عن المعاملة التي لقيها الأطفال الجنود الذين اعتقلوا في أعقاب الهجوم الذي شنه متمردون على مدينة أم درمان وأكد “الإفراج عنهم وتسليمهم لعائلاتهم”.
الدعوة إلى إنهاء ولاية المقرر الخاص مثار جدل
الخطوات الإيجابية التي عددها ممثل السودان، رأى فيها المبرر الكافي لمطالبة بلاده “بوضع حد لمهمة المقرر الخاص حول حقوق الإنسان في السودان”، وهو المطلب الذي دعمته فيه كل من المجموعات الإفريقية والعربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجموعة دول عدم الانحياز، في مداخلات ممثليها عقب الاستماع للتقرير.
وبرر ممثل جمهورية السودان المطالبة بإنهاء ولاية المقرر الخاص بوجود “العديد من الآليات لمراقبة حقوق الإنسان في السودان، أي ما بين 80 و 100 من المراقبين لحقوق الإنسان المنتشرين في دارفور وغيرها من مدن السودان، وتقارير مكتب مفوضة حقوق الإنسان التي ترفع كل ثلاثة أو أربعة أشهر، وتقرير شامل كل ثلاثة اعوام. إضافة الى تقارير بعثة الأمم المتحدة في السودان وتقارير البعثة المشتركة بين الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي”.
وأوضح ممثل السودان أنه “بإنهاء المجلس لعمل المقرر الخاص في السودان سيقدم دافعا إضافيا للسودان للمضي قدما في ترقية حقوق الإنسان والمضي في طريق التحول الديمقراطي”.
الطلب السوداني لقي الدعم من ممثلي المجموعة الإفريقية والعربية ومجموعة دول عدم الانحياز ومجموعة الدول الإسلامية على غرار ممثل مصر الذي ترأس بلاده المجموعة الإفريقية والذي قال في مداخلته: “إن الأوضاع تحسنت كثيرا منذ بداية مهمة المقرر الخاص في عام 2005، وإن السودان بذل جهودا كبرى لضمان احترام حقوق الإنسان فوق أراضيه، وأن على المجموعة الدولية أن تشجعه في هذه الجهود”، منوها إلى أنه “يجب وضع لتكاثر آليات حقوق الإنسان في السودان التي تقوم بنفس العمل”.
في المقابل، ترى الدول الغربية وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي وسويسرا أيضا أن أوضاع حقوق الإنسان في السودان لا زالت تستدعي الإبقاء على مهمة المقرر الخاص.
وقد وضع الاتحاد الأوروبي الأصبع على نقطة حساسة، في شكل تساؤل موجه للمجلس وللمقررة الخاصة على لسان الممثل الفرنسي الذي قال: “كيف يمكن تدارك كون العديد من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في السودان لا تتعرض لتحقيقات، وأن العديد من مرتكبي الجرائم لا يُعرضون للمحاكمة؟.. وما هي الوسائل الكفيلة بجعل قوات حفظ السلام الأممية في دارفور قادرة على حماية المدنيين؟”.
وهي نفس النقطة التي ركز عليها ممثل بريطانيا معربا في تدخله عن “القلق بخصوص ثقافة الإفلات من العقاب السائدة في هذا البلد”. أما ممثل ألمانيا فتطرق للموضوع بصورة مباشرة حيث تساءل: “هل لقرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الرامي إلى محاكمة الرئيس السوداني عمر حسن البشير تأثير على تجديد ولاية المقررة الخاصة؟”.
يجدر التذكير بأن هذا الجدل يندرج في إطار سعي الدول النامية إلى إلغاء جميع ولايات المقررين الخاصين المكلفين بأوضاع حقوق الإنسان في الدول. وهو مقترح تعارضه الدول الغربية ومعها عدد من دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية.
ومن المتوقع أن يتم حسم هذا الموضوع في ختام الدورة الحالية لمجلس حقوق الإنسان عندما يُعرض موضوع تمديد ولاية المقرر الخاص المكلف بأوضاع حقوق الإنسان في السودان على التصويت. وكان المجلس قد شرع بالفعل في إلغاء هذه الولايات بعد إسقاط مهمة المقرر الخاص في كل من كوبا وروسيا البيضاء في بداية أشغاله في عام 2006.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
أشادت ممثلة سويسرا بالعمل الذي قامت به المقررة الخاصة المكلفة بأوضاع حقوق الإنسان في السودان السيدة سيما سمر، معتبرة أن “هذا العمل يكتسي أهمية حيوية بالنسبة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في السودان”.
وقد عبرت الممثلة السويسرية عن “قلق سويسرا لمواصلة انتهاك حقوق الإنسان في السودان” مقتبسة إشارة التقرير إلى “الحكم بالإعدام على 30 شخصا بالاعتماد على اعترافات تم انتزاعها عن طريق التعذيب أو المعاملة غير اللائقة، والذي أشار الى اعتقالات تعسفية تمت خلال عمليات من بينها الهجوم الذي تعرضت له أم درمان”، كما عبرت عن القلق “بخصوص عملية الرقابة والمضايقات التي تتعرض لها الصحافة”.
وعن الوضع في دارفور عبرت سويسرا عن “القلق من استمرار تدهور الأوضاع الأمنية وتكرار الهجمات الجوية ضد القرى والمنشآت المدنية، وتعاظم الهجمات ضد عمال الإغاثة”، مطالبة “بوضع حد للإفلات من العقاب بالنسبة لمن يرتكبون اعتداءات ضد مهام الأمم المتحدة أو ضد المدنيين ويرتبكون عمليات الاغتصاب والنهب”.
ومع أن سويسرا عبرت عن القلق بخصوص “تجنيد الأطفال في المجموعات المسلحة المتصارعة في السودان”، فإن ممثلتها في مجلس حقوق الإنسان “أشادت بالجهود المبذولة من قبل اللجنة الوطنية لنزع الأسلحة وتسريح الأطفال وإدماجهم في المجتمع”، كما نوهت بـ “جهود الحكومة السودانية في حملتها الرامية الى وضع حد لتجنيد الأطفال، والبرامج التي تقوم بها بالاشتراك مع منظمات مثل صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة من أجل إدماجهم في المجتمع”، كما أشارت الى النقاط الإيجابية التي عددها التقرير وذكر بها ممثل السودان مثل الإصلاحات القانونية.
ورغم كل ما سبق، تؤيد سويسرا – من أجل تطبيق جميع التوصيات – “عملية إبقاء ولاية المقرر الخاص المكلف بأوضاع حقوق الإنسان في السودان، لأن ذلك سيسمح بمواصلة التعاون مع السلطات السودانية من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.