مواقف القِـوى الثورية من المشهد الرّاهن في مصر.. مُتباينة
بعيدا عن "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الإنقلاب"، الذي يضمّ في صفوفه 12 حزبا وتكتلاً، أغلبها مرجِعيته إسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، التي تقول الحكومة إنها "إرهابية"، يُوجد في مصر عدد كبير من الحركات والإئتلافات والقِوى الثورية، التي ترفض الحُـكم العسكري وتسعى لتغيير الوضع القائم، لا من أجل عودة الرئيس المعزول محمد مرسي، وإنما في محاولة "لاستعادة مَسار ثورة 25 يناير 2011".
وفي محاولة لفهْـم تحليل هذه القِوى للمشهد الراهن والبحث في إمكانية اتحاد الثوار لاستعادة الثورة ومعرفة رُؤيتهم، للخروج من المأزق الراهن، واحتمالات دعْمها مرشحا معينا في سباق الرئاسة المُحتمَل انطلاقه قريبا، والشروط الواجب توافرها في هذا المرشح، التقت swissinfo.ch في القاهرة عددا من رموز وممثِّـلي هذه القِوى.. فكان هذا التقرير.
الفارق بين “التحالف” و”الثوار”
في البداية، يقول محمد القصاص، عضو “التيار المصري”: “نحن ننظر للتّحالف على أنه تكتُّـل للقِوى الإسلامية، لأنه يقوم على فِكرة واحدة، مُـؤداها (عودة مرسي للحُكم)، وهذه فِكرة غير موجودة لدى القِوى الثورية، التي تنضوي تحت مسمّى (جبهة الثوار) أو (تحالف طريق الثورة)” الذي يضمّ في صفوفه حركات “6 أبريل” و”شباب من أجل العدالة الثورية” و”مقاومة”، وغيرها، مؤكدا أن “هذه القِوى ترفُض الوضع الحالي وتصرّفات السلطة القائمة، وترفض عودة نِظام مبارك وترفض الحُكم العسكري للبلاد، كما ترفُض فِكرة عودة مرسي إلى السلطة”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، أعتبر القصاص، العضو في جبهة “ثوار” أن الوضع الحالي “شديد الخطورة” وأضاف “هناك أمران وقعا مؤخرا، أشبه بطعنتيْن مسمومتيْن للديمقراطية، التي طالما حلم بها ثوار يناير، ألا وهما: قرار الرئيس المؤقّت (المستشار عدلي منصور) بتقديم الإنتخابات الرئاسية على البرلمانية (على خِلاف ما تمّ إعلانه في خارطة الطريق في 3 يوليو 2013)، وبيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي فتح الباب واسعا أمام السيسي للترشّح للرئاسة”.
من جهته، يُشير الناشط السياسي عبد العزيز طاحون إلى أن “ما يحدُث بمصر، حلقة في مسلسل صِراع المشروعات العالمية (الغربي – الشيعي – السُنِّي)، وقد تلاقَت مصالِح المشروع الغربي مع فئات ومؤسّسات داخل الدولة في الإطاحة بحُكم الإخوان، وإن اختلفت الأهداف”، معتبرا أن “الإخوان لم يُحسِنوا إدارة شؤون الدولة كما ينبغي، وِفقا لمتطلَّـبات المرحلة، وأرادوا الإنتِقال من حالة “الضعيف التّابع” إلى “القويّ المُتغلِّب”، دون المرور بمرحلة “الضعيف الآمن”، على حد قوله.
وبحسب طاحون، فقد “ينجح الانقلاب، نظرا لطبيعة الشعب المصري، الذي يتملِكه الخوف الشديد من المُستقبل، ويبحث دائما عن حماية وقيادة تُعطيه الإحْساس بالأمان. فهو شعبٌ يتمنّى الحاكم القوي العادِل، فإن لم يجده، ذهب إلى القوي الظالم، حتى يشعر معه بالأمان، ولو على حساب حقوقه وطموحاته! وقد ينجح (هذا الأخير) إذا ما استطاع تحسين الوضع الإقتصادي ومستوى دخول البُسطاء”.
اتحاد الثوار و”استعادة الثورة”
في الأثناء، يُجيب طاحون عن تساؤلات البعض حول إمكانية اتحاد الثوار مجددا لاستعادة ثورة 25 يناير ويذهب في تصريحاته لـ swissinfo.ch، إلى أن “تعريف الثوار يحتاج إلى إعادة الصِياغة، خاصة بعدما انقلَب على العملية الديمقراطية عددٌ ممّن حملوا الصِّفة الثورية. كما يجب إعادة صياغة معايير إطلاق الصِّفة الثورية على الحركات والإئتلافات والأشخاص، على أساس مبادِئ وقِـيم تحكم المجتمع، دون النظر للخلافات بين الفصائل، وهنا يُمكن أن يخرج من دائرة الثوار كل مَن كفر بمبادِئ الثورة وانحاز إلى قِيم الإنقلاب الشريرة”، حسب رأيه.
في الوقت نفسه، يعتقد الناشط السياسي عبد العزيز طاحون أن “الصفّ الثوري سيشهَد دخول فئات جديدة، لم تُعرف من قبْل، مثل: كُتلة الطلاب وبعضا من الكُتَـل الإسلامية، التي كانت عازفة عن الممارسات السياسية، بعد مراجعات فِقْـهِـية. وقد رأينا بعضا منهم في الإعتصامات، مثل جماعة التبليغ والدّعوة وبعضا من السلفيِّـين، وأنه لا يجب التعويل كثيرا على توحّد القِوى الثورية، التي تشكَّـلت عقِـب ثورة 25 يناير، لأن المعركة قوية وشديدة، ولن يصمُد فيها إلاّ القليل وستصبح الكثير منها عِبْءً على الثورة والثوار، وسيتِم التخلّص منها، إما بنبذها أو بسلوكياتها، التي ستجعلها أدوات تجميل وديكور في يد الإنقلاب، وما نموذج أحزاب الكنبة أيام مبارك، مِـنّا ببعيد”.
من جانبه، يعتبِر القصاص أن “أغلب الثوار متَّحِدون وأن الأزمة التي تواجِههم (تتمثل في) أن الثوار التابعين لفصيل الإسلام السياسي، يعملون لمَصالِحهم الشخصية، من أجْل عوْدة الشرعية، والتي تعْني بمنظورهم (عودة الرئيس المعزول والدستور المُبْطَل والبرلمان المُنْحلّ)”، مشيرا إلى أن “القِوى الثورية، عدا هذا الفصيل، متّحدة وتتعاون معًا وتُـنسِّق في الفعاليات المختلفة، تحت إطار جبهة “ثوار” وأهدافها واضحة، وهي: رفض الحُكم العسكري والمطالبة بتحقيق أهداف ثورة 25 يناير، مع رفض القمْع الذي يتعرّض له المصريون”.
ومن ناحيته، يؤكِّد سيد أمين، مُنسِّق حركة “قوميّون وناصريّون ضدّ المؤامرة” ومقرر الإعلام في حركة “صحفيون ضدّ الانقلاب”، أنه “لا يزال من المُمكن أن تتوحَّد جميع الفصائل والقِوى والحركات الثورية، شريطة التخلّص من عُـقدة الـ “أنا”، والسَّعْي لامتِلاك وسائل إعلامية ناجِعة، تعبِّر عنهم وتكشِف أباطيل وحِيَل الإعلام الرّسمي والخاص، الذي يدعم الحُكم العسكري ويُغرِّد لصالِحه ليلَ نهار، دون مُـراعاةٍ لِمصلحة الوطن”.
محمد القصاص، عضو في جبهة “ثوار”
أهداف جبهة “ثوار” واضحة وهي: رفض الحُكم العسكري والمطالبة بتحقيق أهداف ثورة 25 يناير مع رفض القمْع الذي يتعرّض له المصريون
ثلاثة سيناريوهات
طاحون أكّــد أيضا أنه “لن يكون هناك حلٌّ جِذريّ للمشكلة في المدى القريب، لأن الصِّراع عميق”، وأوضح أن “هناك بعض النِّقاط التي يُمكن أن تقود للحلّ، وهي أن القوتيْن العظيمتين هما: الجيش (كقوة عسكرية) والإخوان (كقوة شعبية)، وأن ثقافة المؤسسة العسكرية قائمة على عدم القَبول بفِكرة الخُضوع للمدنيِّين، وأن الإخوان لديهم قُدرة عالِية على التنظيم والعمل تحت الضغط”، معتبرا أنه “لابدّ من تدخُّـل أطراف دولية بشكل قوي”.
في الأثناء، يرى عبد العزيز طاحون أن “القوة الشعبية للإخوان والتيار الإسلامي والصفّ الثوري الجديد، تتزايد، وخصوصا من فئة الشباب وبالأخصّ طلاّب الجامعات، كما أن قوّة الداعمين للإنقلاب، تنحصر بشكل كبير في النساء وكِـبار السِّن، وعليه، فإن الحديث عن الحسْم لأحد الطرفيْن غيْر وارِد (النهاية الصِّفرية للمعركة)، ويبقى التنازُل من طرف لآخر لإيجاد مساحة مشتركة، يُمكن التوافق حولها”، مشيرا إلى أن “مِن أفضل ما قرّره الإخوان: عدم ترْك الميادين والعوْدة للبيوت وحفاظهم على السِّلمية، وهو ما سيكون له أثر كبير في استمرارهم كطرف في المباراة”، حسب قوله.
ثالث السيناريوهات المُحتملة يتمثل في “(التنازُل المحدود) أو مبادرة الإخوان، وتتضمّن حسب رأي طاحون “إطلاق مبادرة مِن بعض الدول، بقيادة تركيا وقطر ودول إفريقية، تراجع الجميع للخلْف خُطوات لالْتِقاط الأنفاس، القبول برئيس عسكري، رئيس وزراء إخواني أو إسلامي، الوزارات السيادية في يَد العسكر، عدَم خوْض الإخوان الإنتخابات الرِّئاسية لمدة محدّدة، منافسة محدودة للإخوان في الإنتخابات البرلمانية، مع تدخّل دول غربية لإنجاح المبادرة وإرغام العسكر على القبول بها”.
وفي السياق نفسه، يتنبَّـأ طاحون بثلاثة سيناريوهات، أولها: “(مِنحة السلطان) أو المصالحة الفِعلية بعد (الإنتهاء من) خارِطة الطريق، وتشمل: تصعيد رئيس جمهورية عسكري (السيسي أو غيره)، إطلاق مبادرة كُبرى للمصالحة والحِوار من قِبل الرئيس الجديد، دفع دِيَّـة للشهداء واسترضاء ذويهم، الإفراج عن جميع المُعتقلين وتسوية القضايا، تشكيل حكومة على رأسها شخصية توافُقية، إعطاء بعض الوزارات الخدمية لجماعة الإخوان، بعد الإعتراف بها بشروط يُتَّـفَق عليها، مع الإبقاء على الوزارات السيادِية بيَـد العسكر”.
وثانيها: “سيناريو (وكأن هناك مصالحة) أو المُصالحة الإعلامية، وهو السيناريو الأسوأ، ويتضمّن: تصعيد رئيس عسكري، توزيع بعض الحقائب الوزارية على القِوى الثورية القديمة المتوافِقة مع العسكر (التيار الشعبي – مصر القوية – 6 أبريل)، زيادة القيود على الإخوان ومحاولة تصفيتهم، بعد عزْلهم عن النسيج المُجتمعي، وانتقال جُزء كبير من الحركة الثورية إلى المقاومة المُسلّحة”.
لا يُوجد حلّ في الأفُـق القريب!
في سياق مختلف، يقول القصاص: “للأسف، لا يوجد حلٌّ في الأفُـق القريب، وأولى خطوات الحل البعيد المَدى: أن يبتعِد الجيش عن السياسة، ليبقى مُحايِدا، ثم إجراء إصلاح اقتصادي حقيقي، والمُضيّ في استِكمال خطوات تحقيق الديمقراطية، كخُطوة على طريق إيجاد حياة سياسية حقيقية”، ويضيف: “أقول هذا وأنا أعلَم أن جزءا كبيرا منه نظري، وأننا سنُواجه مُعاناة كبيرة لإعادة الوعْي للشارع والشعب، لكي يخرُج مرّة أخرى رافضا هذه الممارسات ومُطالبا بعودة المسار الصحيح لثورة يناير”.
من جهته، أقـرّ سيد أمين، مقرر الإعلام في حركة “صحفيون ضدّ الانقلاب”، في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، بأن “قدرة التحالُف على حشْد الشارع، كشفَت عن ضخامة الأعداد التي يُعبِّـر عنها، والتي تفُوق كل القِوى الثورية مُجتمِعة، وعلى الثوار أن يصِلوا لصيغة مُعتبَرة وحلٍّ ناجِـعٍ، يحفَظ للتحالُف هَـيْبته، ويَـصُون التضحيات التي قدّمها، من خلال استعادة الرئيس المُنتخب، ثم الدّعوة لانتخابات رئاسية جديدة وإسقاط القرارات والقوانين والدساتير التي تمّ إقرارها مِن قِبَل الإنقِلاب، بعدها، يتِم تعديل دستور 2012 والدّعوة لانتخابات برلمانية.. هذا ما سيَصُون البلاد وينقذ الثورة ويُحقِّق أهدافها”، على حد قوله.
المزيد
“تِكرارُ سيناريو الجزائر في مصر أصبح احتمالا مُمكنا”
مواقف متباينة بشأن دعم مرشحي الرئاسة
وفيما يخصّ دعم قوى الثورة لمرشّحٍ رِئاسي، يرى طاحون، أنها “مسألة مُستبعَدة”، لأنها تنطَوي على العديد من المُشكلات، منها أن “المشاركة في حد ذاتها، تُعتَبر اعترافا بخارطة الطريق، التي سبق أن رفضها الصف الثوري الجديد” كما أن “الإنتخابات ستكون أشبَه بحفلةٍ لتنْصيب مرشّح العسكر للحُكم، وأنها ستفقد، حال مشاركتها، التأييد الشعبي المتزايد”، مشيرا إلى أن “بعض القِوى الثورية القديمة ستُشارك، بل وستؤيِّـد العسكر (نموذج حزب الكنبة)”، حسب زعمه.
على العكس من ذلك، يؤكِّد القصاص أن دعم قوى الثورة لمرشّحٍ رِئاسي ما “أمرٌ واردُ”، ويضيف أن “قِوى الثورة لن تقِف موقِف المُتفرِّج، وسيكون لها موقف واضح، حيث ستسعى لتوحيد صفوفها وإيجاد مرشّح قوي، فإن لم يتسَـنَّ لها ذلك، فستكشِف أيّ مرشّح لا يعمَل لأجندة وطنية وستدعم أحد المرشّحين، شريطة أن يكون مدنيا، مؤمنًا بأهداف ثورة يناير (عيش/ حرية/ عدالة اجتماعية/ كرامة إنسانية)، بغَضِّ النظر عن كونه إسلاميا أو ليبراليا”، مشدِّدا على أن “الموقِف الذي لا يمكن المساومة عليه، هو رفض أيّ مرشح له خلفِية عسكرية (شفيق، عنان، السيسي، وغيرهم)”.
وبين هذه الرُّؤية وتلك، يبدو سيد أمين مُغرّدا خارج السّرب، إذ يعتقد أن “المجلس العسكري يُخطِّط لتوليه رئيسا مدنيا، ليس له ظهير شعبي، يُستَخْدم كواجهة فقط لحُكمِهم، ولعلّ رفض مُرسي، صاحب الظهير الشعبي لهذا العرض “الدنية”، كان سببا رئيسيا في الإنقِلاب عليه”، مُرجِّحا أن يكون هذا الرئيس المُحتمل “عمرو موسي أو حمدين صباحي، لما يتميّزا به من تآكل حادٍّ في الأنصار”، بل يتكهن في هذا السياق أن “يُعلن العسكر، قبلها أو بعدها عن مَقتل السيسي وإلْـصاق التُّهمة بالإخوان للتخلّص منهم إلى الأبد”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.