موريتانيا بين جدل سياسي لا ينقطع.. وصراع متعدد الأبعاد مع الإرهاب
كان العام المُـنصرم في موريتانيا حافِـلا بالأحداث والتطوّرات، التي شكّـلت في بعض جوانبها امتِـدادا للنَّـسق السياسي الذي عرفته البلاد في السنتين الماضيتين، فيما بدا بعضها الآخر كمُـنعطَـفات في المسيرة السياسية والاقتصادية والأمنية للبلد.
فقد اتَّـسمت هذه السنة بتوجُّـه سياسي مُـثير للجدل اعتمده النظام، ويصِـفه أنصاره بالإصلاحي المناوِئ للفساد، في حين يقول خصومه إنه ارتِـجالي تُـحركه الأمزجة والزبونية وتصفية الحسابات الضيقة.
واتَّـخذ مسار الأحداث، مُـنعطَـفات تعدّدت بتعدُّد الاهتمامات، بين محاربة الإرهاب ومشاريع التنمية والحِـراك السياسي داخل البلد. وفي كل تلك المجالات، يتحرّك آسن مِـياه قديمة نحْـو ما تعتَـبِـره الأغلبية الحاكمة طريقا مستقيما، طالَـما انحرفت عنه البلاد طيلة العقود الخمس الماضية. ويقول المعارضون، إنه سحْـب لبقايا بلد مُـنهك بالفساد والانقلاب والاضطرابات السياسية، نحو حافة المجهول والضياع.
محاربة الإرهاب.. حوار ورصاص
فعلى مُـستوى محاربة الإرهاب، الذي بات يشكِّـل التهديد الأمني الأكبر في المنطقة، عمدت السلطات خلال العام المُـنقضي إلى اعتماد إستراتجية، قِـوامها يَـد ممدودة للحوار وأخرى على الزّناد، تنتقل من خنادق الدِّفاع إلى جبهات الهجوم. وقد حظيت تلك الإستراتيجية ببَـحْـبوحة كبيرة داخِـل خضَـمّ الجدل الإعلامي والسياسي الدائِـر في البلد بين الفرقاء.
فقد عمد النظام إلى تنظيم سلسلة ندوات ومؤتمرات أخذت عنوانين مُـتباينة لموضوع واحد، هو محاربة الإرهاب والتطرّف. وقد تراوحت تلك العناوين بين: الوسطية والاعتدال والغلو والتطرّف والإرهاب والأمن، وصدرت عنها توصِـيات وإعلانات صبَّـت كلها في التوجّـه الذي تسعى الحكومة لاعتماده نهْـجا في محاربة الظاهرة، وهو الحوار مع السُّـجناء أملا في إقناعهم بالتخلّـي عن السلاح، وفتح باب التّـوبة أمام الرّاغبين في ترْك معسكرات الصحراء والعوْدة إلى حُـضن الوطن، والضرب بيَـد من حديد وبصرامة مُـفرطة مَـن يصِـر على موقفه.
وتفادِيا للدخول في مواجهة مع التنظيمات والمجموعات الجهادية العالمية، عمد النظام إلى التّـرويج لدعاية إعلامية تقوم على أنه لا يحارب القاعدة وليس في مواجهةٍ معها، وإنما يحارب مجموعات من المسلّـحين وقُـطّـاع الطُّـرق وتجّـار المخدرات، الذين يتدثرون بإسم القاعدة والتديُّـن.
وبدأ في سجن نواكشوط المركزي، حوار شارك فيه مُـعظم السجناء السلفيِّـين، أدّى إلى الإفراج عن عشرات منهم أعلنوا نُـبذهم للعنف ورفضهم حمل السلاح ضدّ الدولة والمجتمع، وشرع القضاء في محاكمة مَـن لم يشمَـلهم العفو، وصدرت أحكام بالإعدام على مُـدانين بقتْـل سياح فرنسيين وعناصر من الشرطة الموريتانية وتنفيذ عمليات على الأراضي الموريتانية أو التخطيط لها، كما صدرت أحكام بالسِّـجن لفترات طويلة في حقّ آخرين أدِينوا بالانتماء لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي والتخطيط لتنفيذ هجمات على الأراضي الموريتانية.
كما صادق البرلمان الموريتاني على نُـسخة معدّلة من قانون محاربة الإرهاب، أتاحت للسلطات إسْـقاط المتابعة والعفْـو عمَّـن يتوب من عناصر التنظيم أو يتعاون مع السلطات، لكن القانون أثار جدلا واسعا بين الحكومة والمعارضة، بسبب توسُّـعه في السماح للشرطة وقُـضاة النيابة في التنصُّـت على مكالمات ومراسلات الأشخاص المُـشتبه فيهم.
وعلى جبهات القتال، شرعت الحكومة الموريتانية بالتّـنسيق مع الحكومة المالية ـ كما يقول الرسميون ـ في التوغُّـل إلى أعماق الصحراء المالية لمُـلاحقة عناصر التنظيم في معاقِـلهم، فقتلت عددا منهم ومجموعات من مهرِّبي المخدِّرات، واعتقلت آخرين، وكانت أبرز تلك العمليات التي نفِّـذت ضدّ تنظيم القاعدة، الهجوم الذي نفَّـذته وِحدة من الجيش الموريتاني بدعْـم فرنسي في يوليو الماضي واستهدف، كما تقول فرنسا، تحرير الرهنية الفرنسي ميشيل جرمانو، وأسفر عن مقتل سبعة عناصر من تنظيم القاعدة، لكنه فشل في تحرير الرّهينة الفرنسية، الذي أعدمه التنظيم لاحِـقا ردّا على الهجوم، ثم رد التنظيم بتنفيذ هجوم انتحاري بسيارة مفخَّـخة ضد مقر قيادة الجيش في شرق البلاد خلال شهر أغسطس الماضي، وقد أسفر الهجوم عن إصابة ثلاثة جنود بجراح ومقتَـل منفِّـذه.
وفي شهر سبتمبر، عبَـرت قوات موريتانية الحدود وتوغَّـلت من جديد في عُـمق الأراضي المالية، ودخلت في معارك مع مجموعات من عناصِـر التنظيم، أسفرت عن سقوط قتْـلى في الجانبيْـن، وقد استخدم الجيش الموريتاني لأول مرة طائرات لقصْـف مواقع التنظيم.
عودة المُـمـوِّلين
وعلى صعيد التنمية، حقَّـقت الحكومة الموريتانية ما اعتبرته انتِـصارا كبيرا، حين استطاعت جمْـع المموِّلين على طاولة حِـوار في بروكسل، وخرجت منها بتعهُّـدات من المانحين، تجاوزت 3,2 مليار دولار أمريكي، جاء أغلبها من الصناديق العربية. كما شهدت السنة المُـنصرمة تدشين مشروع مائي عِـملاق، يُـعرف باسم مشروع آفطوط الساحلي، في شهر نوفمبر الماضي، وهو مشروع سيضمَـن تزويد جميع أحياء العاصمة نواكشوط بالمياه الصالحة للشُّـرب من نهر السنغال، على بُـعد أزيد من 200 كلم جنوبا، فضلا عن إطلاق مشاريع أخرى تتعلّـق بالصحة والتعليم والبنى التحتية وغيرها.
وعلى الصعيد السياسي اتَّـسم الوضع في موريتانيا باستمرار التَّـجاذُب بين الفرقاء السياسيين في البلد، رغم تهدِئة في نبْـرة الخطاب، جاء أغلبها من قِـوى المعارضة، التي مضَـت بعض أوساطها إلى تجاوز عُـقدة الانتخابات الرئاسية الماضية، وأعلنت اعترافها رسميا بشرعية انتخاب الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، كما فعل حزب تكتل القوى الديمقراطية، الذي يقوده زعيم المعارضة الديمقراطية أحمد ولد داداه، والذي دافع عن قراره بالقول: إن الأمر يتعلّـق باستحقاقات سياسية وطنية، لا علاقة لها بالموقف السياسي لحزبه من النظام، مؤكِّـدا تمسُّـكه بموقِـفه المعارض، بينما رحلت أطراف أخرى من أقصى المعارضة إلى خندق المُـوالاة، كما فعل حزب “عادل”، الذي كان يحكُـم البلاد قبل أن يُـطيح الرئيس الحالي ولد عبد العزيز بحكومته في انقلاب عسكري سنة 2008، وكذلك فعل “صار إبراهيم”، الزعيم القومي الزِّنجي والمرشّـح السابق للانتخابات الرئاسية.
ويكيليكس يكشف المستور
وجاءت تسريبات موقع ويكيلكيس لوثائق أمريكية تتعلّـق بالأوضاع في موريتانيا، لتُـؤجِّـج الوضع السياسي، وتنكَـأ خلافات كان البعض يظُـن أنها أنهِـيت بتسويات سياسية، ومن أبرز ما حرّك الساحة في تلك التسريبات، وثيقة تكشِـف أن عُـضو مجلس الشيوخ الموريتاني “يوسف سيلا” سعى لدى الأمريكيين والإسرائيليين للحصول على السلاح، بُـغية تشكيل مليشيات ذات طابع عِـرقي، بهدف اغتيال الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وقد تمّ كشف الوثيقة بعد أشهر من انسِـحاب السناتور المعني من المعارضة والتِـحاقه بالمعسكر الدّاعم لولد عبد العزيز.
كما كشفت وثيقة أخرى أن محمد ولد مولود، زعيم حزب اتحاد قوى التقدم المعارض، طلب من الأمريكيين مساعدة جبهة المعارضة في تنفيذ مخطط انقلابي، يهدِف إلى الإطاحة بالجنرال ولد عبد العزيز ومحاولة تحريض قائد الجيش والشخصية الثانية في المجلس العسكري الحاكم حينها محمد ولد الغزواني، للإنقلاب عليه.
وفي أول ردِّ فعل على تلك الوثائق، قال ولد عبد العزيز، إنه يحمل مضامينها على محمَـل الجدّ، وأنه اكتشف فِـعلا أن حياته كانت في خطر، وهو ما اعتبره المراقبون رسالة قوية موجَّـهة للمعنيين بتلك الوثائق.
حوار حاضر غائب
وعلى مسار التَّـهدئة، فاجأ رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير، الذي يمثل قُـطب المعارضة الراديكالية للرئيس الحالي ولد عبد العزيز، الساحة السياسية، بخطاب ألقاه في افتتاح الدورة البرلمانية في يناير الماضي، دعا فيه إلى الحوار وتجاوُز الخلافات ووضْـع المصالح العُـليا للبلد فوق كلّ اعتبار، لكن ولد بلخير، وبمؤازرة من حزبيْ تكتل القوى الديمقراطية واتحاد قوى التقدم، وضع شرطا للحوار مع النظام، وهو العودة إلى اتفاقَـي دكار 2009 الذي أنهى أزمة ما بعد انقلاب 2008، الأمر الذي يرفضه النظام الحاكم، حيث سبق للرئيس ولد عبد العزيز أن صرّح بأن اتفاق دكار تمّ لإنهاء أزمة سياسية، وانقضى مفعوله بتنظيم الانتخابات الرئاسية التي أشرفت عليها حكومة وِحدة وطنية، أسندت حقائب الداخلية والمالية والإعلام فيها إلى المعارضة، فضلا عن رئاسة اللجنة المستقِـلة للانتخابات، وقال ولد عبد العزيز، إن الحوار بين المعارضة والأغلبية، يجب أن ينطلِـق مِـن وضع ما بعد الانتخابات، وهو وجود هيئات دستورية منتَـخَـبة يعترف بها الجميع.
ويتّـهم ولد عبد العزيز خصومه بأنهم أول من تنصَّـل من اتفاقية دكار، حين رفضوا الاعتراف بفوزه في الانتخابات الرئاسية التي أشرفت على إعلانها حكومة ولجنة مستقلة، كانوا ممثلين فيها بقوة. وأضاف “كيف يتمسَّـكون باتفاق دكار وهُـم أول من نقَـضه، وكيف لنا أن نحاور مَـن يرفض الاعتراف بشرعية المؤسسات المنتخبة”، بينما تقول المعارضة، إن اتفاقية دكار تنُـصّ على مواصلة الحوار بعد الانتخابات، لتحديد مواقف مُـشتركة من تسيير البلد ومن بعض القضايا الكبرى، وهو ما يرفضه ولد عبد العزيز.
الحكومة: تعديلان وسجين واحد
وقد شهد عام 2010 تعديليْـن جزئِـييْـن في الحكومة، تمسك فيهما مولاي ولد محمد الأغظف برئاسة الوزراء، وكان التعديل الأول في مارس الماضي، وقد شمل سبع حقائب وزارية هي: العدل والإعلام والمالية والنفط والشغل والشؤون الإفريقية والبيئة، ثم جاء التعديل الثاني في ديسمبر الماضي، وشمل حقائب المالية والنقل والشؤون الإفريقية والتعليم.
وكان من أبرز أحداث العام المُـنصرم، اعتقال وزير حقوق الإنسان محمد الأمين ولد الداده، وهو أحد أبرز مسانِـدي الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، بتهمة الفساد المالي، وكان ولد الداده الذي يقود “حركة ضمير ومقاومة” اليسارية الراديكالية في طليعة مؤيِّدي الانقلاب الذي قاده ولد عبد العزيز في أغسطس عام 2008، وظلّ يشغل منصب الوزير المكلّف بحقوق الإنسان لمدة سنتين، إلى أن تمّـت إقالته في أغسطس الماضي واعتُـقِـل بعد ذلك بأسابيع، حيث وجَّـه له النائب العام تُـهم اختلاس وتبديد المال العام.
اتهم تجمع القوى الديمقراطية، أبرز أحزاب المعارضة الموريتانية بزعامة أحمد ولد داداه، يوم الجمعة 26 نوفمبر 2010، نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بإدارة شؤون البلاد بطريقة “مُـرتجلة”.
وجاء في البيان، الذي صدر في الذكرى الخمسين لاستقلال موريتانيا، التي تُـصادف يوم الأحد 28 نوفمبر، أن “تجمع القوى الديمقراطية ينتقد بشدة الارتجال والإدارة المتفردة للدولة، والتي تتمثل في مركزية مُـبالَـغا فيها في اتِّـخاذ القرار”.
وأكد الحزب المعارض أن هذا الارتجال “فاقم الفوضى في الإدارة والركود الاقتصادي والتضخم المتسارع، الذي يؤثر على القُـدرة الشرائية للمواطنين، ولاسيما الأكثر فقرا منهم”.
وانتقد تجمع القوى الديمقراطية أيضا “الشلل في الأجهزة العامة” و”عدم الشفافية” في إدارة الشؤون العامة. وأوضح أن “موريتانيا انتقلت، بحسب منظمة الشفافية الدولية، من المرتبة 84 في 2006 إلى المرتبة 143 في 2010″، في التصنيف الذي يشمل 178 بلدا على صعيد انتشار الفساد في الإدارة والطبقة السياسية.
وذكر بأنه “في مواجهة هذه الأخطار التي تهدِّد أسس الأمة، اختار تجمع القوى الديمقراطية في سبتمبر، أن يعترف بانتخاب الجنرال السابق محمد ولد عبد العزيز في يوليو 2009، مؤكِّـدا أنه “اختار بذلك تهدئة الأجواء السياسية” ليُـعطي “الحوار” بين مختلف الفرقاء السياسيين، “فرصة كاملة”.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 26 نوفمبر 2010)
شكل العسكريون الماليون والموريتانيون لأول مرة دوريات مشتركة في صحراء شمال مالي، لتشديد مكافحة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، الذي ينشط في تلك المناطق، على ما أفاد يوم السبت 6 نوفمبر 2010، مراسل فرانس برس.
وانضم مئات العسكريين الماليين المسلّـحين في عرباتهم إلى القوات الموريتانية، التي وصلت الأسبوع الماضي إلى مسافة ثمانين كلم شمال تومبوكتو (شمال مالي).
وصرّح عسكري موريتاني لفرانس برس، وهو يصافح زميلا ماليا في دلالة على الصداقة بينهما، “انظروا إننا أشقاء وهدفنا واحد، وهو ضمان أمن شعبيْـنا وعدم ترك المجال أمام الإرهابيين ومنع منظمتهم من شن أي هجوم”.
من جانبه، قال الضابط المالي “اليوم، نحن في صحراء مالي، وغدا سنكون سوِيا في صحراء موريتانيا، سنتمكَّـن سويا من مكافحة انعدام الأمن، إن مشاكل مالي، هي مشاكل موريتانيا والعكس صحيح”.
وأفادت مصادر في الجيشيْـن لفرانس برس، أن هذه الدوريات المشتركة، وهي الأولى بين الجيشين، ستتواصل “طالما اقتضى الأمر”. ولاحظ مراسل فرانس برس مئات الآليات العسكرية وبعضها مجهز برشاشات ثقيلة، تسير في تلك المنطقة.
وقد شنّ الجيش الموريتاني عمليات عسكرية في شمال مالي في يوليو وسبتمبر للتصدّي لهجمات تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي على أراضيه.
وقد عقد قادة أركان جيوش مالي وموريتانيا والجزائر والنيجر نهاية شهر سبتمبر اجتماعا في تامنراست (أقصى جنوب الجزائر)، حيث مقر القيادة المشتركة، وقرروا تعزيز مكافحة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، الذي تنشط وحَـداته في الصحراء الممتدة في البلدان الأربعة.
وانعقد الاجتماع بعد خطف خمسة رهائن أجانب (خمسة فرنسيين وملغاشي وتوغولي) في النيجر منتصف سبتمبر ونقلهم إلى شمال شرق مالي، حيث ما زالوا محتجزين.
(المصدر: الوكالة الفرنسية للأنباء بتاريخ 6 نوفمبر 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.