مياه النيل ومصر.. مسألة “حياة أو مَـوت”!
دعا خُـبراء مصريون متخصِّـصون في السياسة والقانون الدولي والعلاقات الدولية وشؤون البرلمان، الحكومةَ المصريةَ إلى التّـعامل مع ملف أزمة نهْـر النيل على أنها "مسألة حياة أو موت" و"قضية أمْـن قومي"، مع تفويت الفُـرصة على أولئك الذين يخطِّـطون لتأجيج الصِّـراع وإشعال نار الخلاف وتأليب دول المنبَـع بحوض النيل، ضدّ دول المصبّ، وبخاصة مصر، مطالبين بدراسة "إعلان دول المنبَـع عن نيَّـتها توقيع اتِّـفاقية إطارية في 15 مايو 2010، بمعزل عن مصر والسودان، وتقدير الموضوع بحجْـمه الطبيعي "دون تهوين أو تهْـويل".
واعتبر الخبراء في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch أن “هناك العديد من الخِـيارات المتاحة أمام مصر للتعامل مع الأزمة، أولها: “التفاوض أو ما يُـسمّـى بالخيار الدبلوماسي. وثانيها: التحكيم الدولي أو ما يُـسمّـى بالخيار القانوني. وثالثها: تقدير حاجة مصر الشديدة للمياه، حيث يبلغ عدد سكّـانها 80 مليون نسمة، وتمثل مِـياه النيل 85% من احتياجاتها من المياه، وهو ما يُـمكن تسميته بالخِـيار الإنساني. ورابعها: “التهَـوّر والرّدود العنيفة أو ما يُـسمى بخِـيار الحرب أو الخِـيار العسكري”.
وكانت بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا، قد اتفقت في 13 أبريل الماضي على اتِّـفاق إطار جديد حول “الاستِـخدام المُـنصِـف لنهْـر النيل”، لكن مصر والسودان – أكبر المُـستهلكين لمياه النهر – رفضتا الاتِّـفاق واشترطت مصر عدم المساس بحِـصَّـتها التاريخية في مياه نهْـر النيل والنص في الاتفاق الجديد على حقّ مصر في رفْـض إقامة أية مشروعات على النيل، من شأنها الإضرار بحصة مصر. وحذّر محمد علام، وزير الموارد المائية المصري دول حوْض النيل من توقيع الاتفاق.
ويُـشار إلى أن اتفاقية عام 1929، التي مثَّـلت القِـوى الاستعمارية البريطانية في إفريقيا في أحد جانبيها، تمنح مصر 55.5 مليار متر مكعّـب سنويا، وهي أكبَـر حصّـة من المياه المتدفّـقة في النهر وتبلغ 84 مليار مترا مكعبا، كما تمنحها حقّ الاعتراض (الفيتو) على إقامة سُـدود وغيْـر ذلك من المشروعات المائية في دُول المنبَـع، التي تضمّ ستّـاً من أفقَـر دول العالم.
وتغذِّي مياه النيل، قطاع الزراعة في مصر والذي يعمل به نحو ثُـلث إجمالي الوظائف ولا يمكن أن تعتمد مصر – عكس دول المنبع – على الأمطار، لكونها تعتمد على 87% من احتياجاتها المائية من نهر النيل.
وفي محاولة للوقوف على حقيقة الأزمة، والسيناريوهات المحتملة لتطورها، رصدت swissinfo.ch عددًا من الأسئلة مثل: ما حقيقة الموقِـف القانوني لمصر في ضوء حقوق مصر التاريخية في مياه النيل؟ وأين الخلَـل في الأداء المصري لملفّ مياه النيل.. رغم أهمِـيته القُـصوى واعتباره مسألة حياة أو مَـوت وقضية أمن قومي؟ وما هي المخاطِـر المتوقَّـعة، في ظل التّـهديدات التي تطلقها دُول المنبع؟ وأخيرا، ما هي الخيارات المُـحتملة؟ وطرحتها على كلٍّ من المفكّـر والسياسي المصري الدكتور محمد جمال حشمت، مسؤول الملف الإفريقي بنقابة الأطباء والدكتور السيد مصطفى أبو الخير، خبير القانون الدولي والعلاقات الدولية والكاتب والمحلِّـل السياسي محمد جمال عرفة، المتخصِّص في الشؤون الإفريقية والنائب البرلماني الدكتور حمدي حسن، المتحدث باسم الكُـتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري.
55.5 مليار متر مكعب + الفيتو!!
في البداية، يُـرجِّـع الكاتِـب والمحلل السياسي جمال عرفة القصّـة كلها إلى اتفاقية عام 1929، التي أبرمتها بريطانيا باسم مُـستعمراتها في شرق إفريقيا مع مصر، وقد حدّدت (أولا) نصيب مصر من مياه النيل بـ 55.5 مليار مترٍ مكعَـبٍ، وألزمت (ثانيًا) دول منابِـع النيل وبُـحيْـرة فيكتوريا، بعدم القيام بأي مشاريع مِـياه بدون موافقة مصر ومنحت (ثالثًا) مصر حقّ النقض “الفيتو” على أيّ مشروع تنفِّـذه دول أعالي النيل على النهر، من شأنه التأثير على كميات المياه التي تصِـل إلى مصر، باعتبارها دولة المصبّ.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، قال عرفة، المتخصص في الشؤون الإفريقية: “الجديد في الموضوع، أن دول المنبَـع الإفريقية – التي تنبع مياه النيل من أراضيها وتصبّ في مصر والسودان – بدأت تُـطالب منذ عام 2004 بحقِّـها في إقامة مشاريع سُـدود وجُـسور على مسار النيل، بدعوى توليد الكهرباء والزراعة الدائمة، بدل الزراعة المَـوسِـمية، وتطالب بتوقيع اتِّـفاق إطار جديد بخلاف اتفاق عام 1929، بدعوى أنّ مَـن وقّـع الاتفاق، هي بريطانيا التي كانت تحتلّ أوغندا وإثيوبيا وباقي دول منابِـع النيل، وظهر أن وراء هذه التحرّكات الإفريقية أصابع أمريكية وصهيونية للضغط على كل من مصر والسودان.
وأوضح عرفة أن إثيوبيا كانت قد بدأت تشْـييد قُـرابة 10 سُـدود، بعضها تُـموِّله الصين وإسرائيل، ووصل الأمر إلى حدّ قول وزير الثروة المائية التنزاني أن بلاده ستمدّ أنابيب بحوالي 170 كيلومترا من بحيرة فيكتوريا، لتوصيلها إلى حوالي 24 قرية وأجزاء واسعة في الشمال الغربي لبلاده، التي تتعرّض لأزمة مياه وجفاف، وأنها لا تعترف باتِّـفاقية مياه النيل، التي تعطي الحق لمصر، أن توافق أو لا توافِـق على أي مشروع على النيل.
واختتم المحلِّـل السياسيي جمال عرفة بقوله: “موقِـف مصر قانوني، وهناك اتِّـفاقيات دولية لا يجُـوز خرْقها، خُـصوصا أنه لا توجد اتفاقيات دولية تتعارض مع ما تُـطالب به مصر من حقِّـها في أن يصِـل الماء لها، لأنه شريان الحياة وبدونه تعطش مصر”.
الموقف القانوني لمصر!
ومن ناحيته، أوضح الدكتور السيد أبو الخير أنه “طبقا للقانون الدولي، فإن حقوق مصر ثابِـتة بالعديد من الاتِّـفاقيات الدولية، خاصة قانون الأنهار الدولية، الذي يحمي كافة حقوق مصر في حصَّـتها ويدعم موقِـفها القانوني، فضلا عن مبدإ قُـدسية الحدود المُـورثة عن الاستِـعمار أو ما يُـطلق عليه (مبدأ أوتي بوسيتيديس جوريس في القانون الدولي) Juris Uti Possidetis ويطلق عليه الفِـقه الدولي العربي (مبدأ قدسية الحدود المورثة عن الاستِـعمار)، أي ثبات الوضع الذي كان قبل الاستِـقلال، ومنها الموارد المائية”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، قال أبو الخير، الخبير في القانون الدولي: “هذا فضلا عن أن استِـقرار هذا الوضع لمدّة طويلة، يجعلها بمثابة قاعِـدة قانونية لا يجوز مخالفتها، فضلا عن جعلها قاعدة عامة، طِـبقا لقانون المعاهدات الذي عَـرّف القاعدة الآمرة في القانون الدولي في المادة (53) على أنها: (القاعدة المقبولة والمُـعترف بها من قِـبل المجتمع الدولي ككل، على أنها القاعدة التي لا يجوز الإخلال بها والتي لا يُـمكن تعديلها، إلا بقاعدة لاحِـقة من القواعد العامة للقانون الدولي لها)”، مشيرا إلى أن “القاعدة الآمرة في القانون الدولي، لا يجوز الاتِّـفاق على مخالفتها”.
وأضاف أبو الخير: “كما نصّـت المادة (35) من قانون المعاهدات على الآتي: (ينشأ التِـزام على الدولة الغيْـر من نصّ في المعاهدة، إذا قصد الأطراف فيها أن يكون هذا النصّ وسيلة لإنشاء الالتزام وقبلت الدولة الغيْـر ذلك صراحة وكتابة)، معتبرًا أن “هذا ما حدث في الاتفاقيات المذكورة لاحقًا ولم تعترِض أيٌّ من دول حوض النيل على أي من الاتفاقيات السابقة، مما يعني قبولها بكل ما ورد في هذه الاتفاقيات”.
مُـتّـفقا مع أبو الخير، بيّـن الدكتور جمال حِـشمت أن “الموقف المصرى من الناحية القانونية لا بأس به، لأنه يُـقرِّر حقّ دول المصبّ منذ عشرات السنين، لكن الموقف القانونى لمصر كانت تدعمه في الماضي مواقِـف أخرى، سياسية وثقافية وتعليمية وتنموية، تخلّـت عنها الحكومات المصرية خلال الثلاثين عاما الأخيرة، ومِـن ثمَّ لم يبقَ اليوم سوى الحقّ التاريخى لمصر في مياه النيل كدولة مصبّ”!
أيْـن الخلل في الأداء المصري؟
ويُـلخِّـص الدكتور حمدي حسن الخلل الذي أصاب الأداء المصري لملف مياه النيل – رغم أهميته القُـصوى واعتباره مسألة حياة أو موْت وقضية أمْـن قومي – في أن “مشكلة الحكومة المصرية في إدارة ملف على هذه الدرجة من الأهمية، مثل علاقتها بدول حوْض النيل، دون اهتمام، مع ترك الملعب خاليا في الساحة الإفريقية والانسحاب منها، ممّـا قدّم الفرصة على طَـبَـق من فضّـة لإسرائيل لتلعب مُـنفردة!
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، يقول حسن، المتحدث الإعلامي للكُـتلة البرلمانية للإخوان في مجلس الشعب: “كانت لمصر علاقات قوية مع مُـعظم الدول الإفريقية، وكان أهمّ ما يميِّـزها: الدّور الذي لعِـبه الأزهر الشريف وعلماءه وجامعته في استِـقدام وتعليم الطلاّب الأفارقة من غالِـب دول القارة، من خلال فتْـح باب البعثات للطلاّب لتعلّـم العلوم الشرعية والتفقُّـه في الدِّين، إضافة إلى المساعدات التقنية التي كانت تقدِّمها مصر للدول الإفريقية”.
متفقًا مع حسن، أوضح حِـشمت أن الخلل في الموقِـف المصري، هو غِـياب مصر فى ضوء غياب الإستراتيجية المناسبة للاهتمام بمياه النيل والدّور الإفريقي عموما، وذلك لانشِـغالها بقضايا إقليمية انتُـدِب للقيام بها من قِـبل النظام الدولي الأمريكي الصهيوني، وفي ظل محاولات عديدة لإبعاد مصر عن التّـواصل مع إفريقيا أو حتى مع السودان. ومن المعلوم أن السُّـدود التي أقامها الكِـيان الصهيونى في أوغندا منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، كانت معلومة وتابعتها لِـجان الإغاثة المصرية، التى وفَـدت من نقابة الأطباء، ولكن الأمر لم يشغل الحكومة المصرية حتى اكتمَـل بناؤها وظهر صوتهم العالي.
ومن جهته، أكّـد عرفه أنه لا يمكن إعفاء سياسة مصر الخارجية من خطإ تركِـها الأزمة تتفاقم طِـوال هذه السنوات، رغم أنها أزمة تتعلّـق بوجود الدولة وكِـيانها. فقد ارتبطت سياسة مصر الخارجية على مَـرِّ العصور، بمُـعطيات جيوستراتيجية أملتها عوامل جغرافية وتاريخية اتَّـسمت بثبات نِـسبي، أبرزها اعتماد مصر – شبه الكامل – على مياه نهر النيل، الذي ينبع من خارج أراضيها ويجري داخل دول عدّة قبْـل أن يصل إلى حدودها الجنوبية، ومِـن ثمّ اعتبار المساس بحصّـة مصر من مياه النيل، خطّ أحمر، وكذا تحوّل حدودها الشمالية الشرقية (جهة سيناء) لبوابة لغزْو مصر، فأصبح أحد أهداف السياسة المصرية هو حماية هذه الجَـبهة بكل السُّـبل، واعتبار قضيَّـتيْ المياه والأمن، قضايا إستراتيجية لا جِـدال أو خلاف حولها، أيا كانت الأنظِـمة الحاكمة، لأن القضية قضية وجود وحياة، لا توجُّـهات أو خلافات.
وكان من الطبيعي وِفق هذه الحقائق، أن تشكل منطقة حوْض النيل، منطقة أمْـن ومجال حَـيوي لمصر، حيث كانت مصر تسعى لتقديم خدمات لدول أعالي النيل واستثمارات تُـعوِّضها عن المطالبة بإيقاف العمل باتفاقيات المياه، ولكن ما حدث في السنوات الماضية، هو أن مصر انكفأت داخليا وتقوقعت بفِـعل الضغوط الأمريكية التي كبّـلتها منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، فانسحبت ليس فقط من المناطق الحيوية التي تهُـم أمنها القومي، مثل السودان أو فلسطين، وإنما من إفريقيا كلّـها تقريبًا، وباتت الروابط معها ضعيفة، برغم أن هذه الدول بدأت تتَـملْـمل منذ عدّة سنوات وتطالب بمنْـع مصر والسودان من الحُـصول على حصتهما الحالية من المياه. والحقيقة، أنها ليست مسؤولية مصرية فقط، وإنما عربية أدّت لتغلْـغُـل صهيوني في إفريقيا يضُـر المصالح العربية هناك ويحاصِـر العالم العربي من الجنوب.
المخاطر المُـحتملة!!
وردّا على سؤال حوْل: ما يُـمكن أن تقوم به مصر في حال تنفيذ دُول المنبع لتهديدهم بتوقيع اتفاقية إطار جديدة، دون مصر والسودان في 15 مايو 2010، قال حسن: “أيا كان الأمر، وقَّـعوا على اتفاقية إطار أم لم يوقِّـعوا، فإن توقيع الاتفاق بدون مصر، هو بمثابة إعلان الحرب على مصر، وذلك لأن مصر تحصُـل على 85% من احتياجاتها من المياه من نهر النيل، رافضا “استِـخدام مصر للحلّ العسكري في كل مراحله، بدءً من التلويح بالتّـهديد وانتهاءً بإعلان الحرب، مُـرورًا بكل الوسائل، بما فيها المناورات العسكرية”. ومستغربا “أنه في الوقت الذي توفِّـر فيه مصر الأمن لإسرائيل على الحدود مع غزّة، بل وتنظر إلى الفلسطينين في غزة على أنهم التّـهديد الحقيقي لأمن مصر، فإن إسرائيل تتلاعَـب بأمْـن مصر القومي من خلال استِـعداء دول المنبع على حوض النيل ضد مصر”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، لخَّـص حِـشمت أهم المخاطر المُـحتملة في ظل التهديدات التي تطلقها دول المنبع في: “الضغوط التي تُـمارَس على النظام المصري، لتقديم مزيد من التّـنازلات في قضايا إقليمية وعالمية، وخلق حالة من الضّـعف والهلَـع لدى المصريين، بحُـكم السيطرة على مصادر المياه الرئيسية للبلاد واحتمالات التورّط في حروب حقيقية للدِّفاع عن حقوقنا المشروعة”.
متفقا مع حِـشمت، يضيف عرفة “المخاطر المتوقّـعة تتلخّـص في أن تَـمضي هذه الدول غيْـر عابئة بالرفض المصري، في إقامة سدود ومشاريع على النيل تؤدِّي لنقصِ موارد المياه القادمة لمصر والسودان.. ويزيد هذا الأمر خطرا أن فيضان النيل هذا العام كان ضعيفا، وهناك توقّـعات بأن يستمرّ ضعفه في السنوات المقبلة أيضا، في حين تحتاج مصر للمزيد من المِـياه بأكثر من حصّـتها الحالية (55.5 مليار متر مكعب)، التي ترفض دول أعالي النيل حتى أن تحصُـل عليها.
ويُـشير عرفة إلى أن “كل هذا يرفَـع من درجات الخطر بصورة كبيرة. وقد تضطر مصر للدّخول في حروب مع هذه الدول وتدمير أيّ مشاريع تبنيها على النيل تضُـر أمْـن مصر المائي، ولو أن هناك شكوك في وقوع هذه الحرب بسبب تغيُّـر الأوضاع الدولية والتحالفات الأمريكية مع دول أعالي النيل، خصوصا أثيوبيا، التي حاربت بالوكالة عن أمريكا في حرب الصومال الأخيرة”، مختتمًا بقوله: “المخاطِـر الأخرى، أن يؤدّي التناوُش المستمِـر والعداء، إلى مزيد من التّـمكين للدولة العِـبرية في إفريقيا ومنابع النيل، حيث توجد حاليا بالفعل، وتبني مشروعات زراعية وسُـدود تؤثِّـر على حصّـة مصر والسودان، ما سيضُـر الأمن القومي المصري بصورة خطيرة”.
الحلول المُـقترحة!!
ويُـلفت حِـشمت الانتباه إلى أن “الحلول المُـقترحة الأصيلة، وقتها يتقلّـص، لكن لابدّ من اهتمام إستراتيجي بقضية النيل واهتمام بالغ بالتوجّـه ناحية الدول الإفريقية بخُـطَـط تنموية وسياسات اقتصادية وتجارية، لأنها بلاد واعِـدة لم نُـفلِـح في تسويق أنفُـسنا إليهم، بعد أن كُـنّـا مصدرهم الرئيسي في التعاون الإفريقي، وهو وضع يشهد به المهتمّـون بالشأن الإفريقي أو الدبلوماسيون أصحاب الخِـبرة في هذا الشأن”.
ويضيف حسن إلى مقترحات حشمت، أن “خِـرِّيجي الأزهر من الأفارقة في دول المنبع السّـبع، هم ورقة مهمّـة يمكِـن استِـخدامها وتفعيلها في نزْع فتيل الأزمة وتهدئة حالة الغضَـب، إضافة إلى إمكانية استِـثمار الجُـهود التي بذَلتْـها وتبذُلها لِـجان الإغاثة الإنسانية والطبية التابعة للجمعية الشرعية بمصر ونقابة الأطباء المصريين واتحاد الأطباء العرب على مدى السنوات العشرين الماضية لعدد كبير من الدول الإفريقية، وخاصة تلك التي تعرّضت للمَـجاعات أو الأزمات”.
وحول دور الكُـتلة البرلمانية للإخوان داخل مجلس الشعب في حل الأزمة، قال حسن: “تقدّمنا للمجلس بورقة عمَـل، تتضمَّـن العديد من المُـقترحات والآليات، غير أن نُـواب الأغلبية كالعادة، لم يهتمّـوا بالأمر ولم يُعيروه اهتماما ولم يتفاعلوا معه”.
ويُـشير عرفة إلى أن “أولى الخُـطوات المقترحة لحل الأزمة، هي المُـصارحة ووضْـع كل الحقائق على مائدة الحوار، ما تفعله دول منابِـع النيل وما يُـمكن أن تفعله وما تستطيع أن تقدِّمه مصر والسودان من حلول أو يقوموا به من ردٍّ عسكري أو غير عسكري، في ضوء الصّـراحة المُـطلَـقة حوْل التدخّـلات الأجنبِـية عمومًا، والصهيونية خصوصًا في دول منابِـع النيل؛ خاصة أن الأمر لم يعُـد سِـرّا، وهناك مُـعدّات وحفارات لشركات إسرائيلية تعمَـل بالفعل في إثيوبيا”.
ثاني الخطوات: اعتبار أمْـن دول حوْض النيل كُـتلة واحدة ووضع أسُـس لهذا الأمن، تقوم على تكافُـل وتكامُـل دول المنابِـع والمصب على تلبِـية احتياجات بعضها البعض والتكامل بين بعضها البعض في توفير المياه أو الكهرباء، وتبادل السِّـلع والبضائع والأغذية وحماية أمنها المُـشترك.
وهناك خُـطط مصرية في هذا الصدد وُضعت، لكنها لم تُـكتَـمل بسبب عدَم توافُـر مناخ الثِّـقة بين البلدان مثل: فكرة استفادة دول الحوض بجُـزء من الفواقد المائية للتّـساقط المطري على حوض النيل وإنشاء صندوق لتمويل المشروعات يلحق بالبنك الإفريقي للتنمية بصورة مؤقّـتة، فضلا عن مساعدة مصر لدول أعالي النيل في بناء السدود، كما يجري حاليا، بشرط عدم حجْـزها المياه واستفادة دُول الحوْض منها.
ثالث الخطوات: إعطاء ملف المياه أولوية قصوى لدى حكومات حوض النيل وتناوله عبْـر المستويات العُـليا الأمنية والإستراتجية، وليس فقط على مستوى وزراء أو مسؤولي المياه”.
والخطوة الرابعة: يكون هناك اتِّـفاق على عدم تدويل أزمة حوْض النيل واعتبارها شأنا إفريقيا خاصا بدول النيل العشرة، بما يمنع أساليب التدخّـل الغربية والصهيونية وتحريضها وتأليبها الدول على بعضها البعض. ولهذا، فمن الضروري تحكيم العقل وعدم الاندِفاع في التهديدات والسعْـي لتعظيم (دبلوماسية المياه) لا (عصا المياه)”، على حد رأي جمال عرفة.
القاهرة – همام سرحان – swissinfo.ch
– نهر النيل: نهر النيل الذي جاء اسمه من كلمة “نيليوس” اليونانية، وتعني وادي النهر، هو أطول أنهار العالم. ويمتدّ النيل 5584 كيلومترًا من بُـحيرة فيكتوريا إلى البحر المتوسط ويغطِّـي مساحة ثلاثة ملايين و349 ألف كيلومتر مربع على الأقل، ويبلغ متوسط تدفّـق مياهِـه حوالي 300 مليون متر مكعّـب يوميًا.
المصادر: يجري النيل الأبيض شمالا من بحيرة فيكتوريا في كينيا، وهي أكبر بُـحيرات إفريقيا، ويمُـر عبْـر أوغندا إلى السودان، حيث يلتقي بالنيل الأزرَق عند الخرطوم ويواصل النهر بعد ذلك جَـريَـانه شمالا باتِّـجاه مصر.
معدّل سقوط الأمطار على الحوض: يبلغ المتوسط السنوي لسقوط الأمطار على حوض النيل حوالي 650 مليمترًا، أي حوالي 10% من المتوسط بالنسبة لوادي الرّاين في أوروبا. ويمثل سوء إدارة المياه مشكلة في الحوض أيضا، حيث يُـضيِّـع 30% في المتوسط من كِـمية الأمطار على المِـنطقة، قبل أن يمكن استخدامها بصورة مُـنتجة. وتحصل مصر على 87% من حاجاتها المائية من النهر، حيث يكاد ينعدِم سقوط الأمطار عليها ما عدا على امتداد ساحل البحر المتوسط وبعض مناطق شِـبه جزيرة سيناء.
دول حوض النيل: دول حوض النيل العشر هي: بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإريتريا وإثيوبيا وكينيا والسودان ورواندا وتنزانيا وأوغندا. وتسقط الأمطار بمعدّل كبير، نسبيا، على بوروندي الجبلية وأوغندا وتنزانيا إلى جانب جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، التي توجد بها أيضا موارد مياه وافرة. ولا يقع من أراضي كينيا شِـبه القاحلة داخل الحوض، سوى عشرها، لكن يعيش على مياه النيل 40% من سكان كينيا.
وتسقط الأمطار بمعدّل مرتفع على إثيوبيا وإريتريا، لكنها أمطار موْسِـمية في العادة وتستمر أربعة أشهر من العام فقط. وتُـساهم إريتريا بقدْر صغير في المياه الجارية بنهر النيل، وهي الوحيدة من الدول العشر غير العُـضو في مبادرة حوْض النيل، وهو برنامج يرعاه البنك الدولي أنشئ للمساعدة في إدارة مياه النيل.
خصائص الحوض: يتدفّـق نهر النيل عبْـر ست من أفقَـر دول العالم ويعيش في حوضه حوالي 300 مليون نسمة، أغلبهم في مناطق ريفية. ويضم الحوض – أيضا – بعضا من أكبر مدن إفريقيا، مثل: دار السلام وكمبالا ونيروبي وأديس أبابا والخرطوم والقاهرة. وتسهم القاهرة وحدها بحوالي 10% على الأقل من العدد الإجمالي لسكان حوْض النيل.
النمو السكاني: يزيد النمُـو السكاني الضغْـط على موارد المياه ويفرض طلبا أكثر إلحاحا لإدارة أفضل ومراجعة لكيفية تخصيص حِـصص مياه النيل، لكن نظرا لتنوّع الاحتياجات الاقتصادية والعِـرقية والاجتماعية في المنطقة، يشير المحلِّـلون إلى أن اتِّـخاذ مثل هذا القرار، سيكون صعبا.
الاستخدامات: تختصّ الزراعة بحوالي 80% على الأقل من كل استهلاك المياه في الحوض. ويدعو الخبراء لاستخدام أفضل وأكثر تكاملا لموارد المياه، ويقولون إن كثيرا من الدول كانت بطِـيئة في تبنِّـي تِـقَـنيات ريّ محسنة. وما تزال الطريقة الأكثر شيوعا، الري بالغمر، التي ثبت عدم كفاءتها وإهدارها للمياة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 أبريل 2010)
• د. مفيد شهاب، وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية في مصر: “إن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل مسألة حياة أو موت وإن مصر لن تتهاوَن بشأنها”.
• د. محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والريّ المصري: “إن مصر لن توقِّـع على أي اتفاق لا يقرّر بوضوح ويعترف بحقوقها التاريخية”.
• د. أسامة الغزالي حرب، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية: “إن مصر في حاجة إلى انتِـهاج سياسات أكثر شمولا تهتم بالعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية”.
• شريف الموسى، خبير السياسات المائية بالجامعة الأمريكية في مصر: “فقَـدَت مصر الكثير من تأثيرها في إفريقيا وبدّدت الكثير من أوراقها”.
• صفوت عبد الدايم، أمين عام المجلس العربي للمياه: “حتى إذا وقّـعت هذه الدول اتِّـفاقية إطارية بدون مصر، فإن آثارها لن تصمُـد.. كيف يُـمكن لدول المنبَـع وقْـف تدفق المياه؟!”.
• فهمي هويدي، المفكِّـر والكاتِـب الصحفي: “مصر لم تتصرّف حتى الآن باعتبارها جزءً من إفريقيا وأعطت انطِـباعا بأنها ضيف عليها ومضطر إليها، وذلك وضْـع يحتاج إلى تصحيح، بحيث تنضَـم الهُـوية الإفريقية إلى مُـفردات الهُـوية الأخرى للإقليم، المصرية والعربية والإسلامية والمتوسطية.. إلخ”.
• د. عمر محمد علي، خبير المياه وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم: “يجب على مصر والسودان عدَم استِـعداء دول المنبَـع، لأنها تمتلك المنابِـع، كما أن الأخيرة لا تستطيع، عمَـليا، التحكّـم في حِـصص مصر والسودان، سواء بسبب العوامل الطبيعية أو حتى العوامل السياسية”.
• حلمي شعراوى، مدير مركز البحوث العربية والإفريقية: “يجب أن يكون هناك جُـهد مصري دائم للمشروعات التنموية في جنوب السودان، ومشروع جونجلي سيكون حلا أساسيا بالنسبة لمصر، لأنه سيوفِّـر ما بين 2 و4 مليارات متر مكعّـب من المياه”.
• لواء نبيل لوقا بباوي، عضو مجلس الشورى المصري: “المياه خطّ أمْـن قومي، وإذا تعرّضت حصّـتنا للتخفيض، فإننا سنُـقيم الدنيا ولن نُـقعِـدها ولا نقبَـل النقاش فيها. وإذا أصرّت دول المنبَـع على تقليص نصيب مصر، سنلجأ للمحافل الدوليه، وإذا لم نوفَّـق، فإن القوانين الدولية تُـتيح لنا الحرب، ولو وصل بنا الأمر إلى أن ندك دولاً بالقنابل لحماية أطفالنا ونسائنا من العطش، فلن نتأخّـر”.
• د. محمود أبوزيد، وزير الريّ المصري السابق: “يجب التصدّي للمؤامرات الإسرائيلية التي تحاك في إفريقيا بدعم أمريكي. فهناك مَـن يريد الضّـغط على مصر عبْـر هذا العصب الحساس”.
• د. عبد الأحد جمال الدين، النائب بالبرلمان المصري: “مصر لن تقف مكْـتوفة الأيْـدي لحماية شعبها، وكل الخِـيارات مطروحة إذا ما وجدنا أنفسنا نواجِـه العطَـش”.
• لواء عبد الفتاح عمر، وكيل لجنة الأمن القومي في البرلمان المصري: “أحذِّر أية دولة، مهْـما كان حجْـمها، من استخدام ملف المياه في الضغط على مصر. فمصر يقِـظة لما يجري ولن تقف تتفرّج على ما يحاك ضدّها من مؤامرات، بعضها يحاك في تل أبيب”.
• د. حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والخبير في الشأن الإفريقي: “مصر مُـصرّة على التمسّـك بحقِّـها التاريخي في مياه النيل بموجب الاتفاقية المائية التي أبْـرِمت في ظلّ الاستعمار البريطاني عام 1929، وأخطر ما في الموقف الحالي، أنه وللمرّة الأولى تقِـف مصر والسودان في جانب وجميع دول حوض النيل في جانب آخر”.
• د. أحمد يوسف القرعي، الخبير بمؤسسة الأهرام: “إسرائيل تقِـف وراء إشعال الموقف بحوْض النيل، نظرا لِـما لها من أطماع في الحصول على نصيب من مياه النهر، تستفيد به في زراعة صحراء النَّـقب، ومصر تعِـي هذه الأهداف الإسرائيلية وترفضها بشكل قاطع”.
• د. محمد مورو، الكاتب الصحفي المصري: “إذا كان الصِّـراع على البترول قد شكّـل مساحة كبيرة من معادلات وأحداث المنطقة منذ عقود كثيرة وحتى الآن، فإن الصراع على المياه يُـمكن أن يكون أشدّ حدّة، ذلك أن المياه في التحليل النهائي، أهَـمّ من البترول وأغلى، فهو سِـر الحياة”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.