نحو مزيد دعم وسائل الإعلام لمواجهة الثورة الرقمية؟
قد تتحول الخدمات الصحفية في وقت ليس بالبعيد إلى "مجرد منتج متخصص"، وفقاً لسيناريو متشائم وضعته اللجنة الفدرالية لوسائل الإعلام في ورقة أعدتها عن مستقبل الإعلام في سويسرا. وتقترح اللجنة منع حدوث هذا السيناريو الأسوأ على المشهد الإعلامي في الكنفدرالية، من خلال تعزيز تمويل الدولة لوسائل الإعلام. وينبغي أن تستفيد منصات الانترنت أيضاً من هذا الدعم.
هذا المقال هو جزء من # Dear Democracy المنصة التي تخصصها swissinfo.ch للديمقراطية المباشرة والمسائل المرتبطة بها.
في غضون عشر سنوات أو خمس عشرة سنة، قد تختفي الخدمات الصحافية، التي لا تزال شائعة اليوم، من الصحف السويسرية. وقد يؤثر ذلك على تغطية إعلامية متوازنة لحُجج المؤيدين والمعارضين لمبادرة شعبية كما قد يؤثر على التعليقات عن نتيجة التصويت أو على التحقيقات المتعلقة على سبيل المثال بالتناقضات الموجودة في قضية شراء طائرات مقاتلة جديدة لسلاح الجو السويسري.
بحسب السيناريو المتشائم للجنة الفدرالية لوسائل الإعلام، ستُسحب الصحافة المكتوبة من النشر. أما السبب في ذلك فيتمثل في أنَّ الإيرادات المتأتية من بيع إعلانات الإشهار والإشتراكات لا تتوقف عن التراجع، وبالتالي فهي لن تعود قادرة على تمويل وسائل الإعلام المكتوبة.
اللجنة الفدرالية لوسائل الإعلامرابط خارجي
في نهاية شهر أكتوبر 2017، عرضت اللجنة ورئيسها أوتفريد جارين ورقة عن “مستقبل النظام السويسري للإعلام والاتصال: التوجهات والسيناريوهات والتوصيات”. وقد رسم المؤلفون في ثلاث سيناريوهات، تصميماً لما قد يؤول إليه المشهد الإعلامي السويسري بعد 10 أو 15 سنة. كما أنهم سعوا في الوقت نفسه، إلى رسم الخطوط العريضة للتمويل الحكومي لوسائل الإعلام في عصر الرقمنة.
أُسّست اللجنة الفدرالية لوسائل الإعلام في عام 2012 من قبل الحكومة السويسرية بسبب الإضطراب في المشهد الإعلامي السويسري. وتتألف هذه اللجنة من خبراء من خارج الإدارة ومن متخصصين في قطاع الإعلام حيث يقومون بمراقبة وتحليل التطورات، ويُصدرون توصيات وينصحون الأوساط السياسية.
السيناريو الأسوأ ليس مُستبعدا
فيما يلي السيناريوهات الثلاثة لما يُمكن أن يكون عليه المشهد السويسري لوسائل الإعلام والإتصالات بعد فترة تتراوح ما بين 10 إلى 15 سنة، وفقاً للجنة الفدرالية لوسائل الإعلام.
ـ في السيناريو المُتفائل لما يُسمى “التطور”، تستفيد الصحافة من الرقمنة وتحافظ على أهميتها. وبالتأكيد يفقد الناشرون التقليديون أهميتهم، إلا أنَّ المستخدمين لا زالوا يُطالبون بمحتويات إخبارية يكتبها صحفيون.
ـ في سيناريو “الإستبدال” الواقعي، يتم استكمال الخدمات الصحفية أو استبدالها جزئياً بعروض بديلة. ويُمكن أن تكون هذه العروض عبارة عن منصات على شبكة الإنترنت، ومدونات “مواقع الكترونية”، وأنواع من صحافة المواطنة أو حتى أخبار شبه مبرمجة. وقد انقرضت المبادئ الأساسية للصحافة وصار من الصعب تشكيل رأي مستقل.
ـ في سيناريو “الإفقار” المذكور آنفاً، تفقد الصحافة جزءا كبيراً من أهميتها الإجتماعية والسياسية. ويتم استبدالها بعروض خالية من الطموح الصحفي. فالأخبار المستقلة لم تعد متوفرة سوى في بعض الأسواق ولكن بأسعار مرتفعة جداً.
في السياق، تشير اللجنة بشكل صريح إلى أنه لا يُمكن استبعاد أيٍ من هذه السيناريوهات. وتعتبر أنَّ أكثرها تشاؤماً غير “مرغوب فيه لسير العمل في سويسرا” لأنها تعتقد أن أي عرض إعلامي متنوع هو “ضروري للديمقراطية ولا غنى عنه لتماسك” البلد.
نقلة نوعية أيضاً في الترويج لوسائل الإعلام
تقترح اللجنة وضع إطار مؤسساتي تلعب فيه الدولة دوراً قوياً. ويمكن القيام بذلك من خلال إنشاء هيئة تنظيمية أو مؤسسة. وستكون هذه الهيئة مستقلة عن الدولة.، كما ستقوم بوضع معايير دنيا للجودة. والمعايير هي: الميثاق الصحفي والتحريري، معدات التحرير ونظام التحرير الأساسي والبنية التحتية الصحفية واحترام معايير الجودة.
تبعا لذلك، سيتم منح خطوات الدعم لمن يستوفون هذه الشروط. وعلاوة على ذلك، سيكون هناك ابتكاران مهمان. فمن ناحية، يُمكن للدولة أن تمنح مساعدات مباشرة، الأمر الذي لا تستطيع فعله حالياً لعدم توفر قاعدة قانونية تسمح بذلك. ومن ناحية أخرى، ستستفيد منها وسائل الإعلام الرقمية أيضاً، سواء كانت منصات على شبكة الإنترنت أو شركات ناشئة في مجال الإنترنت.
علامة تجارية للجودة
اللجنة اقترحت المزيد من الإبتكارات، ومن بينها منح شهادة أو علامة تجارية للجودة. وهكذا، تسمح هذه العلامة بمعرفة المحتويات الصحفية التي تفي بالحد الأدنى من معايير الجودة وتميّزها عن العروض البديلة مثل المدونات أو استراتيجيات التسويق الرقمي (تسويق المحتوى، والإعلانات المحلية، والمحتوى الذي يحمل علامة تجارية …إلخ)
من جهة أخرى، تفكر اللجنة أيضاً بإطلاق منصة تُديرها الدولة ويستطيع العاملون في القطاع الخاص نشر محتوياتهم عليها. وفي الوقت الحاضر، تتم دراسة اقتراح مماثل في السويد في إطار قانون المساعدة الصحفية الجديد الذي يدخل حيز التنفيذ خلال العام الجاري (2018).
في السياق، ينبغي أيضاً في المستقبل، الإعتراف بالمنصات الإجتماعية مثل فيسبوك وتويتر كموزعين لخدمات إعلامية. وفي هذا الصدد، تعتبر اللجنة أنَّ وضع قوانين دولية أمر مهم للغاية لكي يتحمل هؤلاء اللاعبون العالميون مزيداً من المسؤوليات الإجتماعية.
الحكومة مستعدة لمزيد من المسؤولية
منذ فترة، تتعالى الأصوات التي تطالب بزيادة المساعدات الحكومية لوسائل الإعلام من أجل المساهمة في تخفيف التحولات الهيكلية السريعة الناجمة عن الرقمنة. ولا تأتي هذه الأصوات فقط من الجهات النقابية كالجمعية المهنية للصحفيين السويسريين “أمبرسوم” Impressum.
ويُمكن للحكومة السويسرية نفسها أن تتخيل توجيه وسائل الاعلام عبر الانترنت ووكالة الأنباء السويسرية (ATS – SDA) بشكل مباشر. وقد كشفت الحكومة الفدرالية عن ذلك في الربيع الماضي في ردٍ خطيٍ لها على إغلاق مجلة “ليبدو L’Hebdo”، الأسبوعية الناطقة بالفرنسية وعلى التسريحات العديدة التي طالت العاملين في صحيفة “لوتون” اليومية (تصدر بالفرنسية في لوزان).
بالمقابل، تعارض جمعية الإعلام السويسري بشكل قاطع أي توسيع في التمويل الحكومي لوسائل الإعلام. حيث تعتقد أنَّ هذا من شأنه “خلق تبعيات جديدة”.
الرسوم في عام 2016
ارتفعت عائدات رسوم الإستقبال للبرامج الإذاعية والنلفزيونية في سويسرا ووصلت في عام 2016 إلى 1,3 مليار فرنك.
ذهب القسم الأكبر من هذه العائدات، أي 1,24 مليار فرنك، إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، في حين خُصّص مبلغ 67,5 مليون لوسائل الإعلام الخاصة. وتستفيد 34 إذاعة محلية وتلفزيون إقليمي من هذا التقسيم.
بالنسبة للقنوات التلفزيونية الإقليمية، تغطي المبالغ المتأتية من الرسوم ما بين 29 إلى 64% من ميزانياتها. أما بالنسبة إلى الإذاعات المحلية، فتتراوح هذه النسبة ما بين 23 و 48%.
في حال وافق الشعب السويسري على مبادرة “لا بيلاغ” No Billag، الداعية إلى إلغاء تام لرسوم الإذاعة والتلفزيون فسوف تتأثر 34 محطة إرسال خاصة أيضاً. ويقول أندريه مويش، رئيس جمعية التلفزيونات الإقليمية السويسريةرابط خارجي: “بدون هذه الرسوم، من المستحيل افتتاح قناة تلفزيونية إقليمية في سويسرا”.
حوالي 1200 صحيفة مستفيدة
في الوقت الحاضر، يتم تنفيذ الدعم الحكومي وغير المباشر المقدم للصحافة عبر الممارسات التالية: تخفيض معدل ضريبة القيمة المضافة إلى 2,5% بدلاً من 8%، وتخفيف الرسوم البريدية لتوزيع الصحف، إضافة إلى وضع قيود إعلانية على هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SRG-SSR).
من أجل ضمان توزيع الصحف عن طريق البريد بسعر منخفض، تقوم الكنفدرالية بتقديم منحة تبلغ قيمتها 50 مليون فرنك سنوياً. وفي عام 2017، خُصِّصَ مبلغ 30 مليون فرنك لـ 142 صحيفة إقليمية أو محلية توزع كمية تتراوح ما بين 1000 و40000 نسخة. ويُمثل الرسم البريدي التفضيلي هنا 25 سنتاً لكل نسخة. عدا عن ذلك، يذهب عشرون مليون فرنك إلى 1046 صحيفة ومجلة تُخَصِّصُها المنظمات والجمعيات والمؤسسات لأعضائها. ويقدم البريد هنا تخفيضاً بقيمة 16 سنتاً لكل نسخة.
هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية والديمقراطية المباشرة
تحتل المؤسسة السويسرية للإذاعة والتلفزيون موقعاً خاصاً. فهي جمعية خاصة مُكلَّفة بإنجاز وكالة استحقاقات مُحدَّدة من قبل الدولة. وعليها تقديم برامج إذاعية وتلفزيونية عالية الجودة في المناطق اللغوية الأربعة في سويسرا. وتعتبر الحكومة والبرلمان أن هذه الخدمة العامة مهمة لتلاحم البلاد ولسير الديمقراطية، ولا سيما الإقتراعات الفدرالية التي تنظم مبدئيا أربع مرات في السنة.
يأتي التمويل الرئيسي لهذه الخدمة العامة من رسوم الإستقبال التي يجب على جميع الأسر المقيمة في سويسرا أن تدفعها. وقد قررت الحكومة الفدرالية مؤخراً تخفيض قيمة هذه الرسوم السنوية من 451 حاليا إلى 365 فرنك (اعتباراً من 1 يناير 2019). وحتى الآن، كان يتم تحصيل هذه الرسوم من قبل شركة “بيلاغ” (Billag) الخاصة، إلا أنه مع حلول عام 2019، فسوف تقوم شركة “سيراف” (Serafe) بهذه المهمة.
وقد أطلق منتقدو نظام التمويل هذا مبادرة شعبية تحت عنوان “لا بيلاغ” (No Billag) يريدون من خلالها منع الكنفدرالية من فرض رسوم لتمويل أي شكل من أشكال المضامين الصحفية. وسوف يتم التصويت على اعتماد أو رفض هذه المادة الدستورية الجديدة بتاريخ 4 مارس 2018.
swissinfo.ch هي إحدى الوحدات التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.