نحو مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان في سويسرا
أجّـلت الحكومة السويسرية موعد إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، وقررت – بدلا عن ذلك - اعتماد حلٍّ انتقالي للتدليل على الفائدة المرجوة من هيكل من هذا القبيل. المجتمع المدني السويسري انتقد هذا القرار، رغم اعترافه بأن خُـطوة أولى قد تحقّـقت.
وعلى الرغم من أن المسألة مطروحة على الساحة منذ 2001، إلا أن سويسرا لم تُـنشئ إلى حد الآن مؤسسة وطنية تُـعنى بحقوق الإنسان. ومنذ حوالي 20 عاما، توصي الأمم المتحدة (التي تتحرك داخلها سويسرا بنشاط ملحوظ في مجال حقوق الإنسان) جميع أعضائها بإقامة هيكل من هذا القبيل، وهي توصية لقِـيت تجاوبا من طرف عدد كبير من الدول في الشمال أو الجنوب على حدّ السواء.
في غرّة يوليو 2009، أقدمت الحكومة الفدرالية – رغم كل التحفظات – على اتخاذ خطوة في هذا الاتجاه وفي لقاء مع الصحافة، أوضح السفير طوماس غريمينغر، منسِّـق المشروع، “سنُـنشِـئ مركز خِـبرة لحقوق الإنسان، يقوم على المؤهلات الموجودة ضمن الجامعات السويسرية. عمليا، سنطرح هذا المشروع على المنافسة، وعندها، ستتمكّـن الجامعات منفردة أو مجتمعة من تقديم عروضها”.
ولدى إشارته إلى إحدى الوظائف الرئيسية لمؤسسة من هذا القبيل، طِـبقا للمقاييس التي حددتها الأمم المتحدة، قال السفير غريمينغر “إن مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، يجب عليها أن تُـساعد على وضع التوصيات الصادرة عن الأجهزة المكلّـفة بمراقبة (تطبيق) مختلف المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، موضع التنفيذ على المستوى الوطني، لأن ما يُـفتقر إليه في معظم الأحيان، ليست الإرادة، بل الخِـبرة (أو الكفاءة)”.
هنا، لابد من الاعتراف بأن سويسرا تتوفّـر على طاقات هائلة وإمكانيات عريضة في كل ما يرتبط بالخِـبرة أو الكفاءة، بل إن جامعة زيورخ تستعدّ لتأسيس مركز خِـبرة خاص بحقوق الإنسان، فيما تنكبّ جامعة لوتسرن أيضا على نفس الملف.
في برن، يُـقدِّم معهد القانون، الذي يُـشرف عليه البروفيسور فالتر كايلين، استشارات وخِـبرات معترف بها على المستوى الدولي، كما أن جنيف معروفة بأكاديميتها للقانون الدولي الإنساني وللحقوق الإنسانية، رغم أن هذه المؤسسة تتحرّك أساسا على المستوى الدولي.
خمس سنوات للإقناع
يبدو السفير طوماس غريمينغر متفائلا، ويشدّد قائلا: “لدي أمل كبير في أن نتمكّـن خلال خمسة أعوام، وهي الفترة التي يتواصل فيها المشروع التجريبي، من إقامة الدليل على الفائدة من هذه المؤسسة للبرلمان وللحكومة، وأن تقوم سويسرا بإنشاء هيكل مُـطابِـق لمبادئ باريس، وهي مقاييس الأمم المتحدة التي تُـحدِّد إطار عمل مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان”.
هذا الأمل تُـشاطره مارتين برونشفيغ غراف، الرئيسة المشاركة لجمعية تدعم مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، لكنها لا تُـخفي خيبة أملها، حيث تقول: “بهذا القرار، تعترف الحكومة بوجود حاجة (إلى المؤسسة)، لكنها لا تعترف بفائدة مؤسسة مُـستقلة، كما حدّدتها مبادئ باريس”.
الأمين العام للفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية يذهب إلى أبعد من ذلك ويقول: “إنه حل وسط بمواصفات سويسرية خالصة. فمسألة حقوق الإنسان، إما أن تُـحال إلى هيئات جامعية أو تُـستخدم لتسجيل الحضور على الساحة الدولية، لكن عندما تُـصبح القضية أكثر حساسية ويتعلّـق الأمر بإجراء تقييم لمدى التوافق بين التعهدات الدولية لسويسرا وسياستها الخارجية، فإن الأمور تتعقّـد”، على حد تعبير دانييل بولومي.
هذه الانتقادات يتفهّـمها السفير طوماس غريمينغر، لكن جزئيا، ويقول: “إذا ما استندنا إلى مرجعية مبادئ باريس (وهي مقاييس الأمم المتحدة المحدِّدة لإطار مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان)، فلا زلنا بعيدين عنها. فهناك افتقار لأساس قانوني خاص بمؤسسة من هذا القبيل وللشروط الضامنة لاستقلاليتها التامة، لكن (قرار الحكومة) خُـطوة مهمّـة جدا باتجاه هذه المؤسسة”، مثلما يؤكد رئيس دائرة الأمن الإنساني بوزارة الخارجية السويسرية.
على صعيد آخر، أفاد جانّـي ماغاتسيني، منسِّـق وِحدة المؤسسات الوطنية ضمن المفوضية العليا لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، أنه أخذ عِـلما بالقرار السويسري وذكّـر بأن كلا من السيدة نافي بـيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان والسيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، يوصيان الدول بشدّة بإقرار هذه المؤسسة.
حساسية من الانتقادات
قد يتساءل المرء ما الذي يحُـولُ دون تمكّـن سويسرا من اتخاذ قرار سريع بإنشاء هذه المؤسسة الوطنية، وما هي الأسباب التي تكمُـن وراء تعثّـر هذا المشروع طيلة السنوات الماضية؟ السيدة مارتين برونشفيغ غراف تُـشير في معرض إجابتها على هذه التساؤلات إلى حجّـة سمعتها مرارا وتِـكرارا، وتقول: “هناك قناعة قوية في هذا البلد بأن سويسرا ليست لديها مشاكل كُـبرى في مجال حقوق الإنسان، وبالتالي، فإن مؤسسة من هذا القبيل ليست ضرورية، في حين أنها ستتيح لسويسرا إمكانية بلورة رؤية شاملة لحقوق الإنسان، في الوقت الذي تختلف فيه (حاليا) من كانتون إلى آخر”.
من جهته، يُـلفت طوماس غريمينغر النظر إلى سبب آخر لا يتّـسم بالكثير من الوجاهة، ويقول: “لقد شعرت بخِـشية غير مباشرة في الكثير من الأحيان من أن يوجِّـه مركز من هذا القبيل انتقادات شديدة جدا لسويسرا”.
في سياق متصل، تبدو الآراء موزّعة في صفوف عالم المال والأعمال، ويلاحِـظ طوماس غريمينغر أن “شركات مثل نوفارتيس أو إي بي بي، قالت لنا بأنه سيكون من المفيد وجود مركز خِـبرة من هذا القبيل في سويسرا، في حين أنها تُـضطرّ في الوقت الحاضر إلى الالتجاء إلى مؤسسات أجنبية”.
ويؤكّـد دانييل بولومي، الذي شارك في عملية الاستشارات التي سبِـقت إقرار المشروع، وجود هذا الاهتمام “لكن الأوساط الاقتصادية التي يتركّـز اهتمامها على سويسرا، أبدت معارضة صريحة لهذا المشروع”، على حد تعبيره.
في المقابل، لم يلاحِـظ المسؤول عن الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية تبايُـنا في وجهات النظر بين اليسار واليمين بخصوص هذا المشروع، وقال: “إجمالا، أبدت الأحزاب السياسية قدرا ضئيلا من الاهتمام بهذا المشروع”، لكن مارتين برونشفيغ غراف لا تتفق تماما مع هذا الانطباع وتذكِّـر بأن البرلمان “مدّد في مناسبتين على الأقل، معالجة المبادرة البرلمانية (مولّـر – هيمّـي)، التي تقدّم بها النائبان في عام 2001، وبهذه الصورة، عبّـر عن رغبته في إيجاد حلٍّ لهذا المشروع”.
يبقى السؤال: لماذا كُـلِّـفت وزارة الخارجية بالإشراف على مشروع من هذا القبيل، يتعلّـق بالسياسة الداخلية لسويسرا قبل كل شيء؟ يُـجيب السفير طوماس غريمينغر: “لقد طرحت على نفسي هذا السؤال العديد من المرات. فعلى إثر المبادرة البرلمانية (مولّـر – هيمّـي)، كلّـفت الحكومة الفدرالية وزارة الخارجية بإعداد مشروع، تلبية، حسب ما يبدو، لرغبة رئيس الكنفدرالية آنذاك جوزيف دايس، لكنه كان من المنطقي أيضا أن يتحمّـل وزير الشؤون الداخلية أو المكلّـف بالعدل، هذه المهمّـة”.
فريديريك بورنان – جنيف – swissinfo.ch
(ترجمه وعالجه كمال الضيف)
في العالم أجمع: توجد حوالي 100 مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم، ويتوفّـر جميع جيران سويسرا على هذه المؤسسة.
نفس المبادئ: رغم الاختلافات القائمة بين التوجهات الخاصة بهذه المؤسسة من بلد إلى آخر، إلا أن 66 منها تستجيب لمبادئ باريس، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993.
توصية: في توصية اعتُـمدت في عام 1997، شجّـعت اللجنة الوزارية التابعة لمجلس أوروبا بقوّة الدول الأعضاء، ومن بينها سويسرا، على إنشاء مثل هذه المؤسسات.
النهج البرلماني: يوم 10 ديسمبر 2001، تقدّمت النائبة فريني مولّـر – هينّـي بمبادرة برلمانية تدعو إلى إنشاء مؤسسة من هذا القبيل، وقد تزامنت خطوتها مع مذكِّـرة مماثلة من عُـضو مجلس الشيوخ أوغين دافيد.
دراسة: ردّا على مذكرة دافيد، كلّـفت وزارة الخارجية السويسرية إيريكا شلابّـي بإنجاز دراسة مستقلة، سمحت من جهة بتأكيد ضرورة إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، بالنسبة لسويسرا، وأجرت من جهة أخرى، تقييما لخِـيارات مؤسساتية متعدِّدة، أوضحت فيه إيجابياتها وسلبياتها.
مجموعة عمل: في يونيو 2007، شكّـلت وزارة الخارجية مجموعة عمل مـُشتركة بين الكنفدرالية والكانتونات، كُـلِّـفت بدراسة ضرورة إنشاء هيئة لحقوق الإنسان في سويسرا واستكشاف نماذج متعدِّدة لها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.