نحو “معركة جديدة” بين المغرب وجبهة البوليساريو
بعد طول انتظار، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره الجديد، ذي الصلة بنزاع الصحراء الغربية، ليمنح أطرافه - بعد أن أنهكتهم معركة صدروه - "استراحة مُحارب" يشحذ خلالها كل من المغرب وجبهة البوليساريو سلاحه أو أسلحته، تمهيدا لخوض معركة جديدة في حرب لا يبدو أنها ستضع أوزارها في وقت قريب.
ومع أن المعارك الدائرة في سياق نزاع الصحراء الغربية، أصبحت “دبلوماسية” الطابع منذ عام 1991، إلا أنها ظلت مُكلفة ومُنهِكة ومؤجّجة للتوتّر، الذي يهدّد أحيانا بتوسيع دائرته عبر استقطابات إقليمية ودولية، رغم أن الأطراف المباشرة للنزاع والجهات المعنيّة به تشكو في كل مناسبة من إطالة أمده دون وجود أفق منظور للتوصل إلى تسوية ما.
“استراحة المحارب” هذه المرة، تتجسد في القرار رقم 2152 الصادر في نيويورك يوم 29 أبريل 2014. ومع أنها ليست “الإستراحة” الأولى التي يمنحها مجلس الأمن الدولي للمغرب وجبهة البوليساريو، لكنها تختلف عن سابقاتها التي كانت تتمثل عادة في مُهلة طويلة تمتد لسنة كاملة، حيث يدعو القرار الأممي الجديد الطرفين إلى خوض “معركة جديدة” خلال الأسابيع القادمة، من أجل تحقيق أو استبعاد آلية دولية لمراقبة حقوق الإنسان في المنطقة المتنازع عليها وفي مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف جنوب غرب الجزائر.
حرارة المعركة
هذه المعركة التي انطلقت مبكرا اتّسمت بالحدّة خلال الأسابيع التي سبقت صدور القرار. فقد بدأت حرارتها في الظهور مع تسريب المسودّات الأولى لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة التي وُزعت على الدول الأعضاء في مجلس الأمن، كي تعتمده أرضية للقرار.
المسودات الأولية كانت تحمل – من وجهة نظر الرباط – انحيازا واضحا لمواقف جبهة البوليساريو، من خلال اعتبار النزاع ضمن خانة “تصفية استعمار” والدعوة إلى إنشاء “آلية دولية لمراقبة حقوق الإنسان” بالصحراء ومخيمات تندوف، وآلية أخرى لمراقبة استغلال الثروات الطبيعية بالمنطقة المتنازَع عليها.
ومع أن المغرب لم يُعلن رسميا عن الإجراءات التي قد يُقدم على اتخاذها إذا ما أصرّ الأمين العام على تقريره بالمسودة الرسمية، إلا أن الملك محمد السادس شدد في اتصال هاتفي أجراه مع بان كي مون على “ضرورة الإحتفاظ على معايير التفاوض كما تم تحديدها من طرف مجلس الأمن، وصون الإطار والمحدّدات الحالية لانخراط منظمة الأمم المتحدة”.
تبعا لذلك، عاشت أروقة الأمم المتحدة مشاحنات بين أعضائها، دامت أياما، والتهديد باستخدام حق الفيتو لم يغب عن تلك المشاحنات، إلى أن تم التوصل الى تفاهمات صاغتها الولايات المتحدة، ليصدر المجلس قراره رقم 2152، على غرار القرارات السابقة، بالتمديد لقوات الأمم المتحدة المنتشرة بالصحراء والمعروفة بـ “المينورسو”، حتى نهاية أبريل 2015 مع زيادة عدد أفرادها بـ 15 فردا، وتأكيد مواقفه بالنسبة لعملية السلام الصحراوي بالتذكير بقراراته السابقة ذات الصلة، والوصول بالعملية إلى حق تقرير المصير للصحراويين، بالتفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة.
الأمم المتحدة (رويترز) – مدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مهمة حفظ السلام في الصحراء الغربية عاما آخر يوم الثلاثاء 29 أبريل 2014، وحث جميع الأطراف على احترام حقوق الإنسان، لكنه لم يطلب من المنظمة الدولية مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان وهو ما كانت تطالب به منظمات حقوقية.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمنظمات المدافعة عن حقوق الانسان، إلى أن تراقب البعثة الدولية في الصحراء الغربية انتهاكات حقوق الإنسان وتقدم تقارير بشأنها، لكن المغرب الذي تدعمه فرنسا، يرفض هذه الفكرة.
وأكد القرار الذي أقره المجلس بالإجماع يوم الثلاثاء 29 أبريل على “أهمية تحسين وضع حقوق الانسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف (في الجزائر)، ويشجع الأطراف على العمل مع المجتمع الدولي لتطوير وتنفيذ إجراءات مستقلة وجادة لضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان.”
وجدد بان في وقت سابق هذا الشهر، دعوته إلى مراقبة دائمة لحقوق الانسان في الصحراء الغربية وحذر من الاستغلال غير العادل للموارد الطبيعية بالمنطقة. لكن القرار الذي صاغته الولايات المتحدة وقال دبلوماسيون إنه خضع لمناقشة مضنية مع المغرب، تجاهل دعوة بان.
واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان ومقرها نيويورك، فرنسا بمساعدة المغرب على تجاوز الضغوط الدولية لمنح البعثة الدولية في الصحراء الغربية مهام حقوقية.
وكتب فيليب بولوبيون، مدير قسم الأمم المتحدة في هيومن رايتس ووتش على تويتر مخاطبا المبعوث الفرنسي جيرار أرو “الحقيقة هي أن فرنسا مكنت لسنوات للحساسية المغربية غير البناءة تجاه المراقبة الحقوقية من جانب الأمم المتحدة.” ورفض أرو المزاعم ورد قائلا على تويتر أيضا “المغرب قادر على الدفاع عن مصالحه والولايات المتحدة قادرة على تقديم اقتراحات عندما تريد. لا حاجة لفرنسا.”
ونفى أرو مرارا التهديد باستخدام فرنسا لحق النقض لعرقلة آلية حقوقية للأمم المتحدة بخصوص الصحراء الغربية، لكن دبلوماسيين بالمجلس أبلغا رويترز في وقت سابق هذا الشهر أنهما يعتقدان أن باريس ستكون مستعدة لاستخدام هذا الحق دعما للمغرب. ويقول مسؤولون فرنسيون إنهم لا يعارضون المراقبة الحقوقية، لكنهم يحتجون بأن إدخال هذا التغيير على مهمة البعثة الدولية سيؤدي إلى طردها.
وقال عمر هلال، سفير المغرب الجديد لدى الأمم المتحدة للصحفيين: “إن تقرير بان الأخير بشأن الصحراء الغربية يُعرّض للخطر مستقبل البعثة الدولية”. وأضاف أنه “لا حاجة لأي آلية لمراقبة حقوق الإنسان”.
ورحب ممثل جبهة بوليساريو – التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية – لدى الأمم المتحدة أحمد بخاري بتعبير مجلس الأمن عن دعمه لحل سياسي للصراع في الصحراء الغربية، لكنه قال: “إن جبهة بوليساريو تشير بأسف إلى أن بعثة حفظ السلام الدولية هي مهمة حفظ السلام الوحيدة التابعة للأمم المتحدة التي شُكلت منذ 1978 دون تفويض بمراقبة وضع حقوق الإنسان على الأرض ورفع تقارير بشأنه”، لكن هلال قال: “إن بعثات دولية أخرى لا تراقب حقوق الانسان”.
ويشكل تجديد تفويض مهمة حفظ السلام معركة سنوية في مجلس الأمن بين فرنسا التي تدافع عن موقف المغرب، وبين عدة دول إفريقية وجبهة بوليساريو. والجزائر أيضا داعم قوي للجبهة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 أبريل 2014)
ارتياح مغربي رغم “المُقاربات المنحازة”..
على غرار قرارته السابقة، ترك مجلس الأمن لكل طرف من أطراف النزاع الصحراوي، إمكانية الإختيار من سلة قراره الجديد الثمرة التي يشتهي، وأن يترك الباقي متجاهلا وجوده. فالسلة متنوعة وأصنافها كثيرة، وجهزت لكل طرف “نصرا” يُقنعه باستمرار التمسّك بالسلام، الذي تقوم على رعايته المنظمة الأممية، لذلك رحبت به أطراف النزاع، وقدم كل منها القرار باعتباره “انتصارا” له.
المغرب، الذي أعرب عن ارتياحه للقرار، حسب بلاغ صادر عن وزارة الخارجية، أخذ منه تأكيد المجلس “بشكل قويّ ومن دون أي لُبس” على نهج المفاوضات للوصول إلى حل متفاهَم عليه، مع التأكيد على وجاهة الحل الذي اقترحته الرباط بمنح الصحراويين حُكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، وأخذه “بشكل جليّ مسافة إزاء التوصيات الخطيرة والتلميحات المستفزة والمقاربات المنحازة والخيارات الخطيرة، التي تضمنها التقرير الأخير للأمانة العامة للأمم المتحدة”.
بلاغ وزارة الخارجية المغربية أبرز أيضا الإشارات التي وردت في القرار للجزائر، معتبرا أنها “تأكيد على دورها في النزاع”، حيث يُسائِلها (القرار) الإنخراط بشكل بنّاء ومباشر في مسلسل البحث على الحلّ السياسي، ومسؤولياتها بخصوص الوضعية الإنسانية داخل مخيّمات تندوف، ويحثُّها على إحصاء اللاجئين في تلك المخيمات ودعوتها إلى تعزيز التعاون الإقليمي.
من جهة أخرى، سجّل المغرب إبراز القرار وتنويهه بمبادراته في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان، واعتبر ذلك إقرارا بوجاهة المقاربة المتّبعة من قِبله في إطار مسلسل الإصلاحات في جميع أنحاء البلاد “بما في ذلك الأقاليم الجنوبية” من المملكة.
من قضية وطنية مغربية إلى “قضية تصفية استعمار”
جبهة البوليساريو أخذت من سلّة القرار حصّتها ورحّبت به، كما سجّلت في بيان صادر عن أمانتها العامة إجماع مجلس الأمن الدولي على “حق الصحراويين في تقرير المصير وضرورة العناية بحقوق الإنسان”، وعلى “رفض حالة الجمود التي يُعاني منها مسار حلّ النزاع” في الصحراء الغربية.
الباحث المغربي ميلود بلقاضي يرى في القرار مكاسب أخرى للجبهة، من خلال إخراج الجزائر من أطراف النزاع التي حدّدها المغرب وجبهة البوليساريو ويضعهما في كفّة متساوية، رغم التنازلات المتعددة والمبادرات الشُّجاعة التي يطرحها المغرب، كما تجاهل القرار مشروع الحُكم الذاتي كإطار تفاوضي وعاد بالنزاع إلى مبدإ تقرير المصير ومطالبته “بعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية، إتباع نهج صارم إزاء نشر عمليات حِفظ السلام وإدارة الموارد إدارة فعّالة، وتأكيد القرار قلق مجلس الأمن إزاء حالات انتهاك الإتفاقات القائمة، وهو “يقصد بكيفية مباشِرة، المغرب أكثر من جبهة البوليساريو”، حسب بلقاضي.
من جهة أخرى، اعتبر الدكتور بلقاضي أن القرار “أعاد التوازن” إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذي انحاز فيه بشكل واضح إلى جانب البوليساريو، ولم يُطالب وضْع آليات جديدة لمراقبة حقوق الإنسان، من خلال توسيع صلاحيات “المينورسو”، مثلما كانت ترغب في ذلك الجزائر والبوليساريو (اللتان سعتا إلى توسيعها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء)، وعدم الدعوة إلى إحداث آليات خاصة تُشرف عليها الأمم المتحدة، لوقف “نهب الموارد الطبيعية بالصحراء”، وهو ما يمسّ بالسيادة المغربية لتتحوّل معها قضية الصحراء من قضية وطنية مغربية إلى “قضية تصفية استعمار”.
يُمكن القول أن عدم تحقيق مطامح جبهة البوليساريو، رغم الضغوط التي مُورست وتحرّكات الهيئات والمنظمات الدولية الدّاعمة لها، ورغم ما ورد في مسودّة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن آلية دولية لمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء ومخيمات تندوف، كان إنجازا مغربيا، وذكّر بإنجاز مُشابه حقّقته الرباط السَّنة الماضية، حين أبطلت مشروعا تقدّمت به الولايات المتحدة، تضمن التنصيص على نفس هذه الآلية.
مع ذلك، يبقى إنجازا مؤقتا، ويظل رهينا بالأسابيع القادمة وبقدرة المغرب على إبطال كل الأوراق التي يُمكن أن تستخدم ضده في ميدان حقوق الإنسان، وأيضا قدرته التفاوضية حول البرهنة على أن بإمكان آلياته الوطنية الحالية مُراقبة حقوق الإنسان بالصحراء، إذ أنه من المقرر أن تبدأ مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، لوضع آليات مراقبة حقوق الإنسان.
للتذكير، جاء في القرار 2152 أن مجلس الأمن يؤكد على “أهمية تحسين حالة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف، ويشجع الطرفين على العمل مع المجتمع الدولي على وضع وتنفيذ تدابير تتسم بالإستقلالية والمصداقية لكفالة الإحترام التام لحقوق الإنسان، مع مراعاة كل منهما لما عليه من التزامات بموجب القانون الدولي، وإذ يشجّع الطرفين على مواصلة جهود كل منهما من أجل تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف للاجئين، بما في ذلك حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات”.
“معركة الآلية”
رغم إثناء المغرب على المجلس ودوره، لا زال متخوِّفا من دفع بعض الأطراف الدولية (بمن فيها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوثه الشخصي كريستوفر روس) نحو إنشاء آلية دولية لمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء، بدلا من آلياته الوطنية (المجلس الوطني لحقوق الإنسان)، لذلك طالب السفير المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال بضرورة حِياد المنظمة الدولية في البحث عن الحل وقال: “إننا نطالب الأمانة العامة للأمم المتحدة بالتحلّي بالحياد والمهنية، وأن تظل على نفس المسافة مع جميع الأطراف”.
من الواضح أن “معركة الآلية” لن تقل شراسة عن المعركة التي رافقت صدور القرار 2152، لأن محورها كان مراقبة حقوق الإنسان وآليتها، ذلك أن عدم إقرار مجلس الأمن لمقترح الأمين العام بشأن الآلية الدولية، لا يعني بالضرورة أن المغرب خرج سالما منها، كما لا يعني أيضا أن جبهة البوليساريو ستحقق ما تصبو إليه بإخضاع مراقبة حقوق الإنسان للأمم المتحدة.
منذ وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في عام 1991 واستبعاد العودة للمواجهات المسلحة بين الطرفين، بات نزاع الصحراء معركة سياسية ودبلوماسية وإعلامية، تمحورت منذ عدة سنوات حول حقوق الإنسان، فيما يسعى كل طرف إلى كسب الحرب ورقة تلو الأخرى.
المؤكد هو أن المفاوضات القادمة حول آلية مراقبة حقوق الإنسان، ستتحول إلى معركة يُحاول كل طرف فيها، إما الخروج بأقل الخسائر المُمكنة أو تحقيق بعض المكاسب التي تعزز موقفه، تمهيدا أو انتظارا لمعركة لاحقة في مسلسل طال أكثر من اللزوم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.