نشاطات تنموية سويسرية مكثفة في المغرب
قد يبدو مقر السفارة السويسرية في الرباط للمواطن المغربي مكانا متواضعا يقتصر على منح تأشيرات السفر إلى الكنفدرالية، والإشراف على المهام الدبلوماسية المعتادة. لكن نشاطات السفارة تفوق بكثير تلك الصورة النمطية، إذ تساهم في تمويل وتأطير مشاريع تنموية عدة، من حفاظ على المآثر التاريخية ومحاربة الأمية وحتى بناء حمام عمومي للفقراء..
في حي السفارات والوزارات الراقي والزاهي خلف صومعة حسان المطلة على وادي أبي رقراق في العاصمة المغربية الرباط، استضاف القائم بالأعمال السويسري السيد كلود بيكلار “سويس انفو” في مقر إقامته، للحديث عن نشاطات برن الدبلوماسية في الرباط.
لكن سرعان ما اتضح أن الجانب الدبلوماسي لا يمثل سوى جزء بسيط جدا من نشاطات السفارة، وأن العلاقات الثنائية بين برن والرباط تتجسد بالدرجة الأولى في جملة المشاريع التنموية والبيئية والثقافية التي تساهم برن في تمويلها وتأطيرها قبل تمرير المشعل لجمعيات أو هيئات محلية في مختلف أنحاء المغرب. لكن سياسة تمرير المشعل لا تعني تجاهل السفارة السويسرية بالكامل لمصير المشاريع التي رأت النور بفضلها.
وتنقسم المشاريع التنموية السويسرية في المملكة إلى ثلاث فئات: المشاريع الإقليمية الخاصة بمنطقة المغرب العربي التي تُدار انطلاقا من المغرب، والمشاريع المباشرة لدائرة التنمية والتعاون السويسرية، ثم المشاريع الصغيرة التي تشرف عليها السفارة في إطار القروض السنوية المرصودة لها من قبل وزارة الخارجية السويسرية. وهي توصف بـ”قروض صغيرة” بقيمة 100 ألف فرنك تُخصص للمساعدات الإنسانية والحكم الرشيد (الذي يصطلح عليه في المغرب “الحكامة الجيدة”).
إنقاذ قصبات وقصور وادي درعة
ومن أبرز المشاريع التي تم إنجازها بفضل هذه القروض الصغيرة خلال السنوات الأربع الماضية، إنشاء مدرسة قرب مدينة أغادير بهدف تقليص عدد الأطفال الأميين، وتأسيس أول مركز استقبال لأطفال الشوارع في فاس، وفتح مركز اندماج وتكوين مهني للأمهات العازبات في الدار البيضاء، ووضع الأسس للمرصد المغربي للسجون -الذي أكد السيد بيكلار أن الدور السويسري كان حيويا لخروجه إلى حيز الوجود، ونشر قصة مصورة بعنوان : “أنا مغربي صغير متسامح” باللغتين الفرنسية والعربية ستوزع في معظم المدارس المغربية.
وشدد القائم بالأعمال السويسري في الرباط خلال لقاءه بـ”سويس انفو” على أن المشاريع التي تُـوليها برن عناية كبيرة تتمثل في “كل عمل يدوم”. وفي هذا السياق، تحدث السيد بيكلار عن مشروع جرد المآثر التاريخية في وادي درعة جنوب المغرب الذي يشرف عليه بروفيسور من المعهد الفدرالي التقني العالي بلوزان، بالتعاون مع مركز “سيركا” بمدينة ورزازات، المعني بحماية وترميم وإعادة تأهيل التراث المعماري في المناطق الأطلسية وجنوبها.
هذا المشروع الذي يهدف إلى حماية قصبات وقصور وادي درعة استغرق سنوات طويلة وكلف ما لا يقل عن نصف مليون فرنك سويسري. وسيختتم بتنظيم حلقة دراسية دولية للترويج لمجهودات برن في الحفاظ على ذلك التراث الذي كان معرضا للاندثار “لأنه لا يشكل أولوية بالنسبة للمغرب الذي يتخبط في مشاكل أخرى”، على حد تعبير السيد بيكلار.
ترسيخ مفهوم الحفاظ على البيئة
ومن النشاطات التي شغلت السفارة السويسرية في الرباط بناء حمام عمومي للسيدات في حي فقير قرب المدينة القديمة في فاس. وبروح مرحة وابتسامة خجولة ارتسمت على ملامحه طيلة حديثه مع “سويس انفو”، أضاف السيد بيكلار: “نحن ندرس أيضا إمكانية استفادة الرجال أيضا من الحمام في ساعات مختلفة!”.
وتتمثل أهمية المشروع من الناحية التنموية والبيئية في إشراف السفارة على عمليات البناء على الطريقة التقليدية المغربية، وبالتالي خلق فرص عمل لليد العاملة المحلية. من ناحية أخرى، رسخ المشروع مبدأ المحافظة على البيئة، إذ سيعمل جزء من الحمام العمومي بالطاقة الشمسية لتزويده بالماء الساخن، وذلك تفاديا لقطع الأشجار وحرق الخشب، والتي تظل الأسلوب التقليدي لعمل كافة الحمامات العمومية منذ عقود طويلة في المغرب.
في إطار مساعي الحفاظ على البيئة، تتعاون السفارة السويسرية أيضا مع “إندا المغرب العربي” في الرباط. وهي فرع منظمة “إندا” غير الحكومية التي يوجد مقرها الرئيسي بالعاصمة السنغالية داكار والتي لا توظف أكثر من 50. وقد تعمدت السفارة التعاون مع منظمة صغيرة الحجم بعد تأكدها من التزامها، ووقعت مؤخرا، بعد فترة وصفها السيد بيكلار بـ”الخطوبة”، اتفاقا بقيمة مليون ومائتي مليون فرنك من أجل تحسين إطار البيئة في المدن والإدارة المستديمة للموارد الطبيعية في المغرب.
وعن تطور مفهوم الحفاظ على البيئة في المغرب، أعرب السيد بيكلار عن اعتقاده أن عملية التوعية بطيئة قائلا: “مازال يجب القيام بالكثير، عندما نتجول نرى أنها لا تمثل الأولوية بالنسبة للناس. إنني زرت أماكن رائعة مثل إيفران، وآسف لذلك الاعتداء على الطبيعة. كل هؤلاء الناس الذين يرمون الأكياس البلاستيكية، وأقول أحيانا، يكفي إعطاءهم 5 فرنكات سويسرية في الأسبوع لتشغيلهم. لكن هنالك أولويات أخرى، وهذا صحيح”.
وأضاف السيد بيكلار في هذا الصدد: “لا يجب أن ننسى أن هنالك العديد من الأميين وهذا ما يفرمل جهود البلاد، ونحن نحارب أيضا على هذا المستوى”.
تواصل بين جبال الألب ورمال الجنوب
ورغم إمكانياتها المحدودة، تحرص السفارة السويسرية في برن على دعم التظاهرات الثقافية، وتشجيع مشاركة الفنانين والموسيقيين السويسريين في المهرجانات المغربية. وقد حصل لرمال الجنوب المغربية استضافة فرق فلكلورية من جبال الألب السويسرية. وتعتزم السفارة تجديد الدعوة للعازفين السويسريين العام القادم.
ومن المشاريع الثقافية التي وُضعت بعد على جدول أعمال السفارة السويسرية العام القادم، المشاركة في مهرجان الصويرة، ومهرجان الموسيقى الشعبية بمرزوغة وورزازات ومراكش، ومعرض الكتاب بالدار البيضاء. وتعتزم السفارة المشاركة بقصص مصورة وأشرطة في مهرجان تطوان الشمالية. كما تأمل السفارة تقديم معرض “ما وراء الحدود” حول الهجرة الذي يشرف عليه فرع منظمة الثقافة السويسرية “بروهلفيسيا” في القاهرة. ويود السيد بيكلار أن يتجول هذا المعرض الذي ترجم أيضا إلى العربية، في كافة أرجاء المغرب.
لائحة المشاريع والمساعدات التنموية السويسرية في المغرب لازالت طويلة.. وقد يبدو ذلك مفاجئا خاصة عندما نعلم أن المغرب ليس من أولويات دائرة التنمية والتعاون السويسرية التابعة لوزارة الخارجية، نظرا لتجاوز دخل الفرد في المملكة المعدل المحدد من قبل الدائرة.
إصلاح بخات – سويس انفو – الرباط
حسب معطيات 31 ديسمبر 2003:
يعيش في المغرب 862 سويسريا، منهم 404 جنسيتهم سويسرية فقط، و458 حاصلون على الجنسيتين السويسرية والمغربية.
معظم السويسريين القاطنين بالمغرب ينحدرون من سويسرا الروماندية المتحدثة بالفرنسية، بحكم سهولة تأقلمهم مع المجتمع المغربي الذي يتحدث الفرنسية أيضا.
لا يندرج ضمن الإحصائيات الرسمية للسفارة السويسرية في الرباط السويسريون المقيمون في المغرب بصفة غير قانونية.
تعد السفارة أكثر من 269 ملف زواج في السنة للمغاربة الذين يتزوجون في سويسرا.
ترصد السفارة عبر وزارة الخارجية منحة أو منحتين في السنة لمغاربة لأجل مواصلة دراساتهم العليا في سويسرا، من أصل 22 منحة تمنحها الكنفدرالية لافريقيا.
يقبع في سجون المغرب 4 مواطنين سويسريين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.