نعم.. التحول الديموقراطي ممكن في العالم العربي!
أمام مساعي الولايات المتحدة لإحداث تغييرات في الممارسة السياسية العربية، يواصل بعض الحكام العرب تخويف واشنطن من أن الديمقراطية ستأتي بالإسلاميين إلى الحكم.
سويس إنفو التقت داعية التحول الديمقراطي، وعالم الاجتماع السياسي الدكتور سعد الدين إبراهيم في واشنطن في حوار حول هذا الموضوع.
نبّـه الدكتور سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومدير مركز ابن خلدون للتنمية، إلى ضرورة التصدي لمثل تلك الحجج وقال “لقد اعتاد الحكام العرب منذ 50 عاما على تأجيل التحول نحو الديمقراطية، وقدموا لشعوبهم قائمة منوعة من الأعذار والمبررات منها الانتظار لحين تحقيق التحرر الوطني أو النمو الاقتصادي السريع أو الوحدة العربية، أو حتى يتم تحرير فلسطين إلى غير ذلك من الوعود الزائفة، والتي لم يتحقق أي منها بعد مرور 50 عاما عليها. كما لم تنعم الشعوب العربية طوال هذه الفترة بالديمقراطية، رغم رياح التغيير والتحول نحو الديمقراطية التي أسقطت دكتاتوريات الحكم الشمولي في رومانيا وغيرها من دول الكتلة الشرقية”.
وتطرق الدكتور سعد الدين إبراهيم في حديثه إلى الرد على الادعاءات التي يروج لها بعض الحكام العرب بأن الإسلام لا يتماشى مع الديمقراطية، وأن الدول العربية ليست مستعدة بعد للتحول نحو الديمقراطية. وقال الدكتور سعد الدين إبراهيم، إنه سبق استخدام حجج مثيلة في بداية القرن العشرين مفادها أن الشعب الألماني والثقافة الألمانية ليست مواتية للأفكار الديمقراطية، وتم استخدام نفس المنطق مع شعوب أخرى كالشعب الياباني والشعوب المنحدرة من أصل سلافي، ومنها الشعب الروسي.
كما سبق الترويج في مرحلة ما لفكرة أن تقاليد وثقافة أتباع المذهب الكاثوليكي لا تسمح بالتحول نحو الديمقراطية، بل حاول بعض العنصريين الترويج لمنطق يستند إلى فكرة أن المنحدرين من أصل آنغلوساكسوني هم فقط المؤهلون للتحول الديمقراطي.
مزاعم سمجة وزائفة!
واستخدم الدكتور سعد الدين إبراهيم تاريخ التحول الديمقراطي خلال الثلاثين عاما الماضية لدحض هذه المزاعم، وأوضح أن الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي التي بدأت في عام 1974 بتحول البرتغال إلى نظام ديمقراطي بعد عقود من الدكتاتورية المستندة، إلى حجة أن الشعب البرتغالي ليس مستعدا لمتطلبات الديمقراطية، ثم بتحول إسبانيا إلى نظام ديمقراطي بعد وفاة الدكتاتور فرانكو، ثم انتهاء حكم العسكر في اليونان وبعدها سقطت نظم شمولية في أمريكا اللاتينية وجنوب وشرق آسيا.
وانتقلت رياح التغيير الديمقراطي إلى دول أوروبا الشرقية واستفادت منها حتى الدول الواقعة جنوب الصحراء الإفريقية، بحيث أنه بحلول عام 2002 تنامى عدد الدول الديمقراطية في العالم من 38 دولة فقط في عام 1974 إلى 103، وأظهرت تلك الموجة من التحول نحو الديمقراطية بشمولها شعوبا تنتمي لثقافات مختلفة وأجناس متباينة ومذاهب دينية عديدة، وأثبتت للجميع أن الديمقراطية ليست حكرا على أحد ولا يستطيع أحد إدعاء أنها صالحة فقط لثقافة معينة أو لأتباع دين معين دون غيره.
وأضاف سعد الدين إبراهيم، أنه إذا توفرت الرغبة في التحول نحو الديمقراطية، فإن من الممكن تطبيقها في مجتمعات مختلفة في ثقافتها وأديانها، حتى وإن انطوت على بعض الفوضى والارتباك في مراحلها الأولى، حيث يمكن أن يواجه الناس بعض الصعوبات في التأقلم مع متطلبات ومقتضيات التحول الديمقراطي وما يستوجبه من قيم جديدة.
ونفى الدكتور سعد الدين إبراهيم وجود تناقض بين الفقه الإسلامي والديمقراطية وقال، إن المتعصبين في أي دين هم أعداء الديمقراطية، وأن الإسلام ولد ديمقراطيا بنصه على وجوب المشورة وتأكيده على المساواة، ونبه إلى أن أحد أعضاء مركز ابن خلدون، هو السيد جمال البنا، الأخ الأصغر للإمام حسن البنا، مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر، وأنه يتصدى لتوضيح عدم وجود تناقض بين الإسلام والديمقراطية من خلال عدد من المؤلفات التي تترجم إلى اللغة الإنجليزية، وكان آخرها بعنوان “نحو فكر إسلامي جديد”، حشد فيه أدلة كثيرة من القرآن والسنة على أن الإسلام متفق تماما مع الديمقراطية من خلال الشورى والمشاركة الكاملة في عملية صنع القرار، وهو ما تم العمل به إسلاميا حتى العهد الأموي، حين أرسى الأمويون تقاليد توريث الحكم وغطت تجاربهم على الأصول الأولى للشورى والمشاركة السياسية في الإسلام.
وسرعان ما تم تهميش الفكر الإصلاحي الإسلامي، إما عن طريق حكام حالوا دون وصول آرائهم المتنورة إلى الشعوب، أو عن طريق علو أصوات المتشددين والمتعصبين في تفسير الفقه الإسلامي فيما يتعلق بالشورى والديمقراطية.
ونبه الدكتور سعد الدين إبراهيم على ضرورة قيام مجتمع المسلمين في دول الغرب وأمريكا الشمالية ويصل تعدادهم إلى أكثر من ثلاثين مليونا بالاندماج الكامل في المجتمعات التي يعيشون فيها، وضرورة إتقان اللغات السائدة في تلك المجتمعات للحصول على وظائف لائقة والتمتع بمكانة اجتماعية ملائمة، وكذلك المشاركة النشطة في العمل السياسي والتحلي بالقدرة الفكرية والمنهجية على نقل الصورة الصحيحة عن الإسلام للمواطنين في مجتمعات دول الغرب لسد الفجوة المصطنعة القائمة حاليا بين الإسلام والغرب.
دور المثقفين العرب
ويرى الدكتور سعد الدين إبراهيم أن على المثقفين العرب أن يقودوا حركة التحول نحو الديمقراطية بعد أن أوضح تقرير التنمية البشرية في العالم العربي لعام 2000 الذي أعدته نخبة من خيرة الخبراء والمثقفين العرب وأصدرته الأمم المتحدة، مدى قصور العالم العربي ككل عن بلوغ ما وصلت إليه باقي التجمعات الإقليمية الأخرى من تنمية وتقدم، بالرغم مما تتمتع به المنطقة العربية من ثروات بترولية وبشرية هائلة وتراث تاريخي حافل بالإنجازات في الماضي.
وقال الدكتور سعد الدين إبراهيم إن ذلك القصور يرجع إلى ثلاثة أوجه للعجز في العالم العربي:
أولا، القصور في احترام الحريات وتراجع حركة التحول نحو الديمقراطية.
ثانيا، التفاوت بين حقوق وإنجازات المرأة والرجل، وعدم المساواة بينهما.
ثالثا، القصور في تطوير التعليم وعدم اللحاق بالتقدم العلمي والتكنولوجي.
ودعا الدكتور سعد الدين إبراهيم إلى الكفاح من أجل تحقيق التحول الديمقراطي في العالم العربي من أجل الوفاء بتطلعات الشعوب العربية للتنمية والكرامة الإنسانية، وكذلك من أجل خلق مناخ موات للسلام وتسوية الصراعات بالطرق السلمية.
وقال “إن على كل مواطن عربي، وخاصة المثقفين، ألا ينخدعوا بالمبررات التي يسوقها الحكام العرب للتسويف وتأجيل عملية التحول الديمقراطي بحجة أن الظروف غير مهيأة”. وأضاف “إن الشعوب العربية تتطلع إلى التحول الديمقراطي، وهي قادرة بشيء من الإعداد على خوض الممارسة الديمقراطية والتمتع بمزايا المجتمعات الديمقراطية”.
وركز الدكتور سعد الدين إبراهيم على تفنيد الحجج الأخرى القائلة بأن الشعوب العربية ليست جاهزة للتحول الديمقراطي، فقال إن تاريخ الممارسة الديمقراطية في مصر يعود إلى عام 1866 عندما أدخل الخديوي إسماعيل في إطار جهوده للتحديث نوعا من الديمقراطية لم يرق بطبيعة الحال إلى مستوى الممارسة الديمقراطية في بريطانيا، ولكنه انطوى على وضع دستور لمصر وإقامة نظام برلماني استمر لمدة 16 عاما.
في التاريخ تجارب وعِـبر!
وشرح الدكتور سعد الدين إبراهيم كيف أن حداثة عهد المصريين بالديمقراطية آنذاك دفعت الخديوي إسماعيل لتكليف شريف باشا بمهمة تهيئة أعضاء البرلمان المصري المنتخبين حديثا لتلك المرحلة، فأبلغ النواب بأنه في الديمقراطيات العريقة في أوروبا تخصص مقاعد الجانب الأيمن من البرلمان للموالين للحكومة، بينما يجلس معارضو الحكومة في الجانب الأيسر. فسارع الأعضاء الجالسون في اليسار إلى التحرك فورا إلى الجانب الأيمن من قاعة البرلمان قائلين “معاذ الله أن نكون معارضين للحكومة أو معارضين لأفندينا الخديوي”. وكان رد شريف باشا “إن معارضة الحكومة لا تعني بالضرورة عدم الإخلاص لها أو للبلاد أو الحاكم”.
وقدم الدكتور سعد الدين إبراهيم دليلا عمليا من تلك التجربة الرائدة للديمقراطية في مصر على أن النواب المنتخبين، سرعان ما أظهروا قدرتهم على استيعاب تجربة التحول الديمقراطي في أواخر القرن التاسع عشر. فبعد عشرة أعوام فقط من مجرد التردد للجلوس في مقاعد المعارضة داخل البرلمان، كانوا أول من عارضوا اقتراح الخديوي رفع الضرائب على الشعب المصري لتوفير موارد إضافية للتعامل مع الديون الخارجية التي أغرق فيها مصر.
وقال الدكتور سعد الدين إبراهيم، إن الشعب المصري عاد فأثبت أنه مؤهل للتحول الديمقراطي، حينما بلغت نسبة مشاركة الناخبين المصريين في الانتخابات التي أعقبت دستور عام 1923 85%. وحتى مع ارتفاع مستوى الأمية، تميز الناخبون المصريون بقدر كبير من الوعي السياسي الذي سمح لهم بالتمييز وتحديد من يمثل مصالحهم.
وفيما بين الحربين العالميتين، حينما سادت مصر قيم ليبرالية متسامحة، تمكن مرشحون أقباط من الفوز بدوائر انتخابية لا يوجد فيها ناخبون مسيحيون. وساق الدكتور سعد الدين إبراهيم مثالا حديثا على استعداد الناخبين المصريين للمشاركة في أي انتخابات يشعرون بنزاهتها فقال، إن الدليل على ذلك هو الإقبال المنقطع النظير في مصر على انتخابات الأندية الرياضية والنقابات المهنية، والتي تصل نسبة المشاركة فيها إلى 90%.
لا خوف من الإسلاميين
وردا على سؤال لسويس إنفو حول ما عبر عنه مسؤولون أمريكيون من مخاوف من أن أي انتخابات يتم إجراؤها في الدول العربية، وخاصة في مصر، يمكن أن تسفر عن وصول الإسلاميين إلى الحكم وتكون الانتخابات التي أوصلتهم إلى الحكم آخر انتخابات تشهدها البلاد، لأنهم بطبيعتهم غير ديمقراطيين، قال الدكتور سعد الدين إبراهيم “إن تلك المخاوف لا تستند إلى أساس، ولم يسفر انفتاح النظم السياسية في كل من الأردن والمغرب عن تلك النتيجة”.
ففي الأردن فاز الإسلاميون في أول انتخابات ديمقراطية بأكبر كتلة في البرلمان، ولكن تركيزهم على أمور ضئيلة الشأن والأهمية مثل فرض ارتداء الحجاب على النساء الأردنيات في مواقع العمل الحكومية، ومنع الرجال من قص شعر السيدات في صالونات الحلاقة، أجج مشاعر الشعب الأردني ضدهم فخسروا نصف ما حققوه من انتصار في الانتخابات التالية. وواصل الأردنيون إجراء انتخاباتهم بشكل دوري، ولم يمنع فوز الإسلاميين بأكبر كتلة انتخابية في الانتخابات الأولى، تقدم المسيرة الديمقراطية في الأردن.
كما أوضح من خلال استعراضه لتجربة الانتخابات في المغرب أن من وصل إلى منصب رئيس الوزراء عن طريق صناديق الانتخابات كان زعيما للمعارضة المغربية يعيش في الخارج. وحتى عندما وصل الإسلاميون في حزب العدالة والتنمية في تركيا إلى سدة الحكم عن طريق الانتخابات، اتسمت سياسة الحكومة التركية الجديدة بالاعتدال والمسؤولية، وهو دليل آخر على أن الإسلام ليس معاديا للديمقراطية، وإنما المتطرفون والمتعصبون والشموليون هم أعداء الديمقراطية.
وأوضح الدكتور سعد الدين إبراهيم أن البعض في دول الغرب يحذر من تكرار تجربة الجزائر، كما لو كان الإسلاميون هم المسؤولون عما حدث هناك. فحقيقة الأمر، هي أن الإسلاميين حرموا من جني ثمار فوزهم في المرحلة الأولى من الانتخابات بتدخل الجيش، للحيلولة دون انتخابات المرحلة الثانية.
ونبه إلى أنه لو كان الغرب يساند التحول الديمقراطي، فيجب أن يكون موقفه متسقا، بحيث ينبغي احترام نتائج الديمقراطية إذا أفرزت وصول أي قوة سياسية إلى الحكم بشرط أن تكون الانتخابات نزيهة ومفتوحة وحرة أمام الجميع.
وخلص الدكتور سعد الدين إبراهيم إلى أن الطريق نحو الديمقراطية يحتاج في البداية إلى إرساء قواعد للقيم الليبرالية واحترام حرية التعبير وحقوق الإنسان، وسيادة القانون وصياغة دستور جديد، وبعد تلك المرحلة يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف قضائي مستقل.
وحتى إذا أدت الانتخابات إلى وصول المرشح الخطأ إلى الحكم، فعلى الأقل تتيح الممارسة الديمقراطية للشعوب الفرصة لانتخاب غيره في الانتخابات التالية بعكس الأنظمة الدكتاتورية التي ترزح تحت نيرها الشعوب، ولا يكون بوسعها الخلاص منها وتؤدي ممارساتها ومغامراتها إلى مصائب للبلاد مثلما جلبت دكتاتورية صدام حسين على العراق الغني بثرواته وموارده البشرية أن يعاني شعبه من البؤس والحرمان والخراب والاحتلال الأجنبي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.