“نماذج المحاكاة” بالجامعات المصرية.. فرصة لـ”التأهيل” أم لـ “البيزنس”؟
للعام الثاني على التوالي، طرحت عدة جامعات مصرية حكومية وخاصة، منها القاهرة وعين شمس وأسيوط و6 أكتوبر "نماذج المحاكاة"، وهو مشروع تدريبي للطلاب على تقليد نماذج لعدة مؤسسات وطنية (مثل المحليات ومجلس الوزراء ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية)، وأخرى عربية وإقليمية مثل "جامعة الدول العربية"، وثالثة دولية مثل "الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وبشكل عام، تعقد تلك النماذج تحت إشراف أساتذة بالجامعات، بمشاركة ودعم من وزارتي الشباب والرياضة، والشؤون الاجتماعية. وفيما يعتبرها البعض من أساتذة الجامعة والطلبة فرصة جيدة لتدريب وتأهيل الأجيال الجديدة على الممارسة السياسية والمشاركة في الحياة العامة، يرى فيها آخرون نوعا من “الشو الإعلامي”، فضلاً عن كونها مجرد “سبوبة” و”بيزنس” لا تحقق الأهداف المرجوة منها.
نماذج مفيدة
الخبير الأكاديمي الدكتور علاء عبد الحفيظ، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوطرابط خارجي، أوضح لـ swissinfo.ch أن نماذج المحاكاة “مفيدة للطلاب، لأنهم يعيشون تجربة عملية لواقع عمل المؤسسات، وما يجري فيها من مفاوضات، بخصوص قضايا مختلفة، وتوازنات القوى فيها، وكيفية التأثير عليها من الداخل والخارج”، وأشار إلى أنه “يجري اختيار قضايا مهمة لمصر والدول العربية لتكون محور المناقشة” في الموضوعات التي تركز عليها تلك النماذج.
وقال “عبد الحفيظ”، لـ”swissinfo.ch”: “إلى جانب النماذج الخاصة بالمؤسسات السياسية (الأمم المتحدة/ الكونجرس الأمريكي/ الاتحاد الأوروبي/ الرئاسة المصرية/ مجلس الوزراء المصري/ البرلمان)، فإن هناك نماذج محاكاة لمؤسسات اقتصادية مثل البورصة، حيث أتقن الطلاب المشاركون في النموذج الذي نظمته كلية التجارة بجامعة أسيوط، آليات العمل في البورصة، وتمت الإستعانة بمتخصصين في هذا المجال تدريب الطلاب، وهو ما ساعدهم على فهم كيفية العمل بالبورصة، وقد يُحفّز بعضهم للعمل في هذا المجال عقب تخرجه.
وردًا على سؤال: هل تابعت بنفسك إحدى هذه النماذج، بوصفك أستاذًا ورئيسًا لقسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط؟؛ أجاب قائلاً: “نعم، تابعتُ نموذج الإتحاد الأوروبي، الذي تم تنفيذه في جامعة أسيوط، وسُمِحَ لطلاب من تخصصات متعددة بالمشاركة فيه، وشارك أعضاءُ بهيئة التدريس في تدريب الطلاب، وتعريفهم بآليات العمل بالاتحاد الأوروبي، وكان أداء الطلاب متميزًا، حتى أن سفير الإتحاد الأوروبي في مصر، الذي حضر الحفل الختامي لفعاليات النموذج، صرح بأنه “شعر بعد حضوره إحدى الجلسات أنه يحضر جلسة فعلية للإتحاد الأوروبي”.
أقرب لـ “المسرحيات السوداء”؟
في معرض التعليق على الموضوع، أكد الخبير الأكاديمي الدكتور رضا هلال، مدرس العلوم السياسية بالمعهد العالي للعلوم الإقتصادية والسياسية بجامعة 6 أكتوبررابط خارجي أن هذه التجربة “ساهمت في إثارة اهتمام الطلاب بموضوعات الدراسة، وأزال منها بعض الصعوبات، وقرّبها للواقع”. إلا أنه استدرك ، في تصريحات خاصة لـ “swissinfo.ch” قائلاً: “لكن للأسف لم يتم الإستفادة من هذه النماذج، بالشكل المطلوب، وذلك لعدة أسباب؛ منها: أن هذه النماذج تنطلق من المثالية، أي ما يجب أن يكون، ولاتقيس أو تقترب من مشكلات الواقع بشكل مباشر، علاوة على رفض الأجهزة التنفيذية التي يتم محاكاة نماذجها المشاركة، أو دعوة فريق العمل المشارك في هذه النماذج لتنفيذها على أرض النموذج الواقعية”.
وتابع قائلا: “لذلك ظلت هذه النماذج أقرب للمسرحيات السوداء، التي تتناول شيئا من الواقع، علاوة على ماسبق فإن المشاركة في هذه النماذج لاتعطى أصحابها أية ميزة دراسية؛ درجات إضافية مثلاً في المادة ذات الصلة بموضوع النموذج، وأيضًا لا توجد ميزة مرتبطة بالعمل في مؤسسات النموذج، مثل: جامعة الدول العربية أو مجلس النواب، وتبقى ميزتها الوحيدة أنها نشاط طلابى، يُنفّس فيه الطلاب عن بعض طاقاتهم الكبيرة، التي لم يتم استغلالها حتى الآن بالشكل الأمثل”.
المزيد
التدريب على مُمارسة السياسة من خلال تقمّص الأدوار
نماذج المحاكاة والأهداف الجوهرية
في المقابل، أعرب الدكتور صلاح البندارى، أستاذ العلوم السياسية المساعد، بجامعة بورسعيد عن اعتقاده بأن “هذه النماذج، التي تتم في بعض الجامعات المصرية، تُعدّ نشاطاً نوعياً وتثقيفياً هاماً جداً لأبنائنا الطلاب، إلى جانب الدراسة النظرية، حيث تتم فيها عملية محاكاة لما يحدث على أرض الواقع، داخل عدد من المؤسسات والمجالس، سواءً على المستوى الدولي (الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوربي أو مجلس حقوق الإنسان… إلخ)، أو على المستوى الإقليمي (جامعة الدول العربية)، أو على المستوى المحلي (الرئاسة أو مجلس الوزراء أو البرلمان… إلخ).
وأضاف البنداري في تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”، أنه قد تحقق مجموعة من الأهداف الهامة من بينها: “نشر الوعى والثقافة بين شباب الجامعات بطبيعة عمل وأدوار تلك المؤسسات، وصقل شخصيات الطلاب وتدريبهم على خوض التجربة السياسية والدبلوماسية، وتعلم مهارات الحوار والإقناع، ونشر ثقافة المشاركة في نفوس الطلاب والشباب، ودراسة الأزمات القائمة، واتباع مناهج عملية سليمة لإيجاد حلول لها”.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية المساعد أن هذه النماذج “تفيد في دراسة الشؤون الخارجية، والإلمام بطبيعة وآليات عمل المؤسسات الإقليمية والدولية، فضلاً عن دراسة التجارب الناجحة في دول العالم، ومحاولة الإستفادة منها في النهوض بالأوضاع الحالية للوطن”؛ مشيرًا إلى أن “تلك التجارب أظهرت القدرات العالية التي يتمتع بها شبابُنا وخاصة طلاب الجامعات، سواء بالإلتزام العالي، أو الأداء المتميز، والقدرات التفاعلية والدبلوماسية، التي ظهرت بوضوح أثناء تنفيذ تلك البرامج”.
أخيرا، رجّح البنداري أن يكون لهذه الأنشطة “قدر كبير من التأثير، في جوانب عدة مستقبلية، لعل أبرزها وأهمها خلق الكوادر الشابة، المؤهلة والمدربة، والقادرة على إدارة العمل داخل تلك المؤسسات، انطلاقاً من خبرات فعلية بالشؤون الدولية والإقليمية والمحلية، وهو ما نفتقده بدرجة واضحة، في هذه المرحلة”، على حد قوله.
فرصة للتوعية والتحفيز والتأهيل
من جهته؛ أوضح علاء الدين يوسف، الطالب بالسنة الرابعة بقسم الإقتصاد، بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة، أن مشروع “حكام الغد”، يتضمن هذا العام ثلاثة نماذج محاكاة، وهي: المحليات ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، وأنه نشاط طلابي لمحاكاة مؤسسات فعلية قائمة على أرض الواقع؛ مشيرًا إلى أن “لدينا مشرفين أكاديميين، منهم الدكتورة أميرة تواضروس، المشرف الأكاديمي على النموذج”.
وقال “يوسف”، رئيس اللجنة الأكاديمية لنموذج “حكام الغد”، لـ”swissinfo.ch”: “هذه هي السنة الثانية على التوالي للمشروع، حيث اقتصر العام الأول على محاكاة نموذجي: المحليات، ومجلس الوزراء فقط، بينما أضيف لهما هذا العام نموذج ثالث وهو “رئاسة الجمهورية”، وقد كنت في العام الماضي عضوًا باللجنة الأكاديمية لنموذج “حكام الغد”، وهذا العام تم اختياري رئيسًا للجنة الأكاديمية.
وأضاف، أن “الهدف من الفكرة رفع الوعي السياسي لدى الطلاب، بطبيعة عمل الحكومة، والوزارات المختلفة، وكيفية التواصل الذي يتم فيما بينها، كما تستهدف الفكرة تحفيز الطلاب وتأهيلهم للترشح للمجالس المحلية، عقب التخرج في الجامعة”؛ مشيرًا إلى أن المشروع يتم بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، ووزارة التضامن الاجتماعي، إضافة إلى بعض مؤسسات المجتمع المدني”.
وعن الرعاية المادية لنموذج “حكام الغد”؛ أوضح “يوسف”، أن هناك إنفاق ذاتي من الطلاب المشاركين في النموذج، كما تشارك وزارتا الشباب والرياضة والشؤون الإجتماعية في التكلفة المادية اللازمة للنموذج، بالإضافة إلى الدعم المقدم من الجامعة، إضافة إلى مؤسسة “ماعت” للسلام والتنمية وحقوق الإنسانرابط خارجي، كراع ثقافي وتوعوي، مضيفًا أن عدد الطلاب المشاركين في اللجنة المنظمة للنموذج يتراوح بين 80- 100 طالب، فيما شارك في النموذج بعض الطلاب من كليتي الآداب والحقوق بجامعة القاهرة، وعضو واحد من كلية الآداب بجامعة عين شمس.
جوانب نظرية “مفيدة للغاية”
وفي تعليقه على فكرة نماذج المحاكاة التي انتشرت بالجامعات المصرية، ذهب شريف أشرف مسعد، الطالب في السنة الرابعة، بقسم الاقتصاد، بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة رابط خارجيإلى أن هذه النماذج “منها المفيد، ومنها غير المفيد، وقد حضرتُ نموذج “الأمم المتحدة”، واستمتعتُ كثيرًا بالجزء العملي من هذا النموذج، والذي كان شيقًا للغاية”، حسب رأيه.
وقال “مسعد”؛ لـ”swissinfo.ch”: “حضرت هذا العام فعاليات نموذج “مجلس النواب”، وقد كان الجانب النظري للنموذج مفيدًا جدًا، لأنه تضمن قدرًا كبيرًا من المعلومات العامة عن النظام البرلماني المصري، والأدوات البرلمانية التي يستخدمها النواب، حيث كان كل طالب مشارك في النموذج يمثل أحد النواب، كما أدى الطلاب أدوار: رئيس مجلس النواب، ووكيلي المجلس، ورؤساء أبرز اللجان، وكان من بينهم نواب عن المحافظات المختلفة.
“سبوبة” و”بيزينس” و”شو إعلامي”؟
على العكس من ذلك، اعترض طالب آخر، يُتابع دراسته بالسنة الثالثة في قسم العلوم السياسية، بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة، على هذه النماذج، رغم اقتناعه بأن فكرتها جيدة، حيث اعتبر أنها “مجرد “سبوبة” و”بيزنس”، حيث يدفع بعض الرعاة، من الشركات الكبرى الأموال أو تقدم الوجبات للجنة المنظمة، مقابل منحها فرصة لعمل دعاية لمنتجاتها بين الطلاب، وفي حفلات النموذج”.
كما اعتبرها نوعا من “الشو” الإعلامي، وذكر مثالاً على ذلك الحفل الافتتاحي للنموذج، الذي أقيم في أحد فنادق الخمس نجوم بالقاهرة، وتكلف 100 ألف جنيه، دفعتها وزارة الشباب والرياضة، كما نظمت اللجنة المنظمة للنموذج رحلة للطلاب المشاركين، إلى مدينة شرم الشيخ السياحية، باشتراك 400 جنيه للطالب، في حين أن هذه الرحلات مقدمة مجانًا لطلاب الكلية من طرف وزارة الشباب والرياضة.
وأشار الطالب الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن الأساتذة “يشجعون الطلاب على المشاركة في هذه النماذج، دون أن يكون لهم دور ملموس، حيث لا تزيد مشاركتهم عن الإشراف الشكلي بالاسم، دون المشاركة العملية حتى ولو بإعداد المواد النظرية أو تولي شرح الجوانب النظرية لنماذج المحاكاة، وهو ما يعني في النهاية أن طالبًا يشرح لطالب، فيما تشارك بعض الشخصيات العامة والمسؤولين، من المحافظين أو رجال الأعمال، في الجلسة الإفتتاحية فقط”، كما قال.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.