“هذا ليس اختراقا استراتيجيّا كبيرا.. بل مُناورة دبلوماسية كبرى”
هذه، ببساطة، قد تكون الخلاصة التي يُمكن أن يخرج بها المُحلِّلون من اتِّفاق وزيريْ الخارجية الأمريكي كيري والروسي لافروف على عقد مؤتمر دولي لحلّ الأزمة السورية، وفقاً لبيان جنيف.
فهذا الإتفاق هو خريطة طريق للتسوية السورية، كما قال كيري، لكنه في الوقت نفسه، ليس مجرد كتابة على الماء، بل هو يستهدِف خِدمة أهداف دبلوماسية محدّدة. لكن هنا تكمُن المفارقة الكبرى: إذ أن هذه الأهداف برمّتها تتعلّق بالمصالح الأمريكية والروسية، وليس بمصائر الشعب السوري.
فالرئيس أوباما كان يتعرّض منذ فترة إلى ضغوط هائلة في الداخل الأمريكي لحمله على التدخّل في سوريا، بحجّة أن الفشل في مواجهة أسلحة دمار شامل على نحوٍ صغير في ذلك البلد، سيجعل الفشل محتّماً في وقت لاحق، على النحو النووي الإيراني الكبير، وهذا ما سيضرب كل مِصداقية الخطوط الحُمر الأمريكية في العالم بأسْره، بما في ذلك حتى في منطقة آسيا – الباسيفيك بين حلفاء أمريكا الآسيويين.
المنقذ الوحيد له من هذا المأزق، كان الرئيس الروسي بوتين، إن هو تخلّى عن بشار الأسد وعقد الخناصر معه لإيجاد حلّ سياسي يعتمد على “القوة الثالثة” في سوريا. وهذا البحث عن “المنقذ”، كان واضحاً، ليس فقط في المكالمة الهاتفية بين الرجلين قبل أسبوعين، التي بدا فيها أن أوباما يستجدي بوتين ليغيِّـر موقفه، بل أيضاً بما قاله المسؤولون الأمريكيون من أن توجُّه أوباما لتسليح المعارضة لن يتِم، في حال اتُّـخذ قرار نهائي في هذا الشأن، قبل أسابيع.
هذه المؤشرات كشفت أن أوباما يريد استخدام عملية تسليح المعارضة، كورقة للضغط على بوتين، عشية محادثات كيري – لافروف، وأيضاً عشِية قمّته مع بوتين في يونيو المقبل. فهل حصل على ما يريد عبْر زيارة كيري إلى موسكو؟
موسكو (رويترز) – اتفقت روسيا والولايات المتحدة يوم الثلاثاء 7 مايو 2013 على عقد مؤتمر دولي ربما بنهاية هذا الشهر في مسعى لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا ومنع إراقة الدماء من أن تؤدي إلى تفكك البلاد. وأعلن الاتفاق كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري بعد محادثات في موسكو على الرغم من خلافاتهما حول سوريا وقالا إنه يجب دعوة حكومة دمشق والمعارضة المسلحة التي تحاربها للمشاركة. والهدف من المؤتمر هو إحياء اتفاق تم التوصل إليه في جنيف في يونيو 2012 على تشكيل حكومة انتقالية في سوريا ولم يوضع موضع التنفيذ لأنه لم يحسم مسألة مصير الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال كيري في مؤتمر صحفي مشترك مع لافروف: “البديل هو المزيد من العنف. البديل هو اقتراب سوريا بشكل أكبر من هاوية إن لم يكن السقوط في هاوية الفوضى”. وأضاف كيري الذي أجرى محادثات في وقت سابق مع الرئيس فلاديمير بوتين في الكرملين “البديل هو تصاعد الأزمة الإنسانية. البديل ربما يكون تفكك سوريا.”
وسقط ما يزيد على 70 ألف قتيل بعد أكثر من عامين على أعمال العنف في سوريا منذ أن بدأت انتفاضة ضد الأسد وحكومته. وروسيا حليف قوي للأسد وحالت دون فرض مزيد من العقوبات ضد سوريا في الأمم المتحدة وتزود حكومتها بالأسلحة. لكن لافروف قال: “إن موسكو ليست قلقة على مصير أفراد” في إشارة إلى الأسد. وأضاف قائلا “المهمة الآن هي إقناع الحكومة وكل جماعات المعارضة… بالجلوس إلى طاولة التفاوض”.
وقال كيري إن المؤتمر يجب أن يُعقد “في أسرع وقت ممكن عمليا نرجو ان يكون في نهاية الشهر”. ولم يذكر أي من الوزيرين أين سيعقد المؤتمر. ورغم أن الولايات المتحدة قالت إن أي حكومة انتقالية في سوريا يجب ألا تضم الأسد قال كيري إن القرار بشأن من سيشارك فيها يجب أن يترك للسوريين.
وقال لافروف إن الهدف هو “إقناع الحكومة والمعارضة… بتطبيق كامل لإعلان جنيف” بشأن تشكيل حكومة انتقالية. لكن روسيا والولايات المتحدة أوضحتا أنه جرى تكثيف جهود السلام بسبب المخاوف المتزايدة من أن العنف قد يتجاوز حدود سوريا. ووجهت إسرائيل ضربات جوية لأهداف حول دمشق يوم الأحد 5 مايو الجاري.
وقال كيري: “هناك تصعيد متزايد من الدول التي ترغب في السعي من أجل حل سلمي بديلا عن الفوضي التي تؤدي إلى انهيار البلد.” وأضاف أن مصير مشروع قانون أمريكي يدعو الولايات المتحدة إلى تسليح مقاتلين بالمعارضة السورية سيعتمد على أي أدلة بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية وكذلك التقدم نحو التوصل إلى حل سياسي. وقال “سيعتمد الكثير على ما يحدث على مدى الأسابيع القليلة القادمة وكذلك ما سيحدث مع ذلك التشريع”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 مايو 2013).
أين التسوية؟
يبدو أن الأمر كذلك. فالدعوة إلى مؤتمر دولي “سريع” حول سوريا، سيُخفِّـف الضغوط إلى حدٍّ كبير عن واشنطن، وسيعطي الانطباع بأن سياسة أوباما الحذِرة والمُتأنِّية، بدأت تُـؤتي أكلها. كما أن تصريح لافروف بأن موسكو “لا تهتم بمصير الأشخاص، بل بمصير الشعب السوري”، يعطي هو أيضاً موسكو (وواشنطن) حيِّزاً أكبر من القدرة على المناورة الدبلوماسية، من دون أن يعني ذلك فِعلياً التخلّي نهائياً عن الرئيس السوري الأسد (أو بالأحرى عن ورقة الأسد).
أما التسوية السورية نفسها، فهي ستجلس على الأرجُح في غرفة انتظار طويل، إذ يجب أن يوافق النظام السوري أولاً، على الجلوس مع قوى المعارضة في المؤتمر الدولي العتيد، كما يجب أن توافق قوى المعارضة المُبَعثَـرة، المسلّحة وغير المسلحة، على الجلوس إلى طاولة واحدة مع النظام.
والأهم، أنه يجب تذليل العقَبة الكُبرى المُتمثّلة في التفسيرات المُتناقضة بين واشنطن وموسكو لبنود اتفاق جنيف، المتعلِّقة بالحكومة الانتقالية في سوريا. فواشنطن تقول إن الأسد يجب أن لا يكون جزءاً من هذه المرحلة، فيما موسكو ترفُض ذلك وتدعو إلى أن يكون الرئيس السوري طرفاً رئيسيا فيها.
وفوق هذا وذاك، ليس ثمّة تمهيد أمني وسياسي البتّة لهذا المؤتمر الدولي. فالحرب واسعة النطاق، ومعها المجازر، مستمرة وإلى تصاعد. والوسيط الدولي – العربي الأخضر الإبراهيمي، الذي كان يُمكن أن يلعب دور الجِسر بين الأطراف السورية المتناحِرة، بات جزءاً من المشكلة، بدل أن يكون جزءاً من الحلّ، وهو يترنّح منذ فترة على شفير الاستقالة. فكيف يمكن، والحالة هذه، أن يكون المؤتمر الدولي مثمرا؟
بانتظار القمة
كل هذه المُعطيات تعني أمراً واحدا: موافقة موسكو على المؤتمر الدولي، كانت مجرّد هدية من بوتين إلى أوباما لمساعدته على وقْف الضغوط عليه للتدخّل في سوريا. وعلى رغم أن هذه الهدية قد لا تكون مجانية، إلا أن هدفها الأول، هو فرملة انزلاق واشنطن التّدريجي نحو العمل العسكري في سوريا.
وهذا الهدف الأول، ربما يكون هو الحصيلة النهائية للجُهد الدبلوماسي الأمريكي الرّاهن، إلا بالطبع إذا ما توصّلت قمّة بوتين – أوباما الشهر المقبل، إلى اتفاقات دولية شاملة نِسبياً تحصل بموجبها موسكو على بعض الثمار في مجالات أمنية أو جيوسياسية في منطقة الاتحاد السوفييتي السابق أو اقتصادية في منظمة التجارة العالمية، إذ حينها قد يكون بوتين في وارد بيع جلد الأسد، كما باع عام 2009 جلد خامئني، حين أبرم مع أوباما اتفاقية “إعادة تنظيم” (Reset) العلاقات الروسية – الأمريكية على أسُس جديدة. وحينها، قد تنفتِح أبواب التسوية السورية على مِصراعيْها. كل الأنظار إذن، إلى قمة بوتين – أوباما في يونيو.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.