هل تجاوزت الإنتخابات النيابية في الأردن “الصورة الكارثية” للإقتراع السابق؟
إذا كان غِـياب جماعة الإخوان المسلمين، التيار الأكثر حضوراً ونفوذاً في المشهد السياسي، قد نزع الدّسم السياسي من الانتخابات النيابية الأردنية، التي جرت يوم الثلاثاء 9 نوفمبر، إلاّ أنّ غيابهم أيضاً، كان له الحضور البارز في نتائج الانتخابات وقراءة دلالاتها، في قياس مدى نفوذهم وتأثيرهم على الشارع، بخاصة في نسبة التصويت والاقتراع.
من هذه الزاوية تحديداً، دخلت الحكومة الأردنية الإنتخابات الحالية وقد وضع “مطبخ القرار” أمامه تحدِّييْـن رئيسيين. الأول، الخروج بشهادة داخلية وخارجية على نزاهة الانتخابات، لمحْـو الصورة الكارثية التي رسمتها الإنتخابات النيابية السابقة. أمّا الثاني، فهو الوصول إلى نسبة اقتراع معقولة تمنَـح الانتخابات شرعية سياسية وتحجّم من حجْـم التيار الإسلامي أمام الرأي العام، الداخلي والخارجي.
التحدّي الثالث، الذي تنبّـه له “مطبخ القرار” متأخّراً، هو أحداث العُـنف الاجتماعي والتوترات، التي يمكن أن تُـصاحب الانتخابات، في ظل قانون انتِـخاب يقوم على تعزيز النزوعات العشائرية والنَّـعرات الاجتماعية، على حِـساب الاعتبارات الحزبية والسياسية التي تراجَـعت إلى درجة الإضْـمِـحلال في الانتخابات الحالية.. فهل نجحت الحكومة الأردنية في اجتِـياز الامتحانات الثلاثة؟
اختبار النزاهة: التدخّل النَّـاعم بدلاً من الخشِـن!
التقارير الدولية التي بدأت تظهر تباعا في اليومين الماضيين، كانت تشيد بمِـصداقية الانتخابات وبتحسّن صورة الأردن في العالم وبتغيير الانطباع عن الانتخابات السابقة، وهي الملاحظة التي أكّـدها تقرير المعهد الجمهوري الأمريكي، الذي وقّـع عليه عدد من الخبراء الأجانب المعروفين، وكذلك حال تقارير لمنظمات مدنية دولية أخرى.
وبالرغم من أنّ الحكومة بدأت تلَـوّح بهذه الشهادات في وجْـه المعارضة السياسية، إلاّ أنّ الجميع ينتظِـر تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان، وهي مؤسسة شِـبه رسمية، لكنه يحظى بمصداقية واحترام كبيريْـن، وقد شكّـل تقريره حكم الإدانة على انتخابات عام 2007 وأحرج الحكومة حينها بصورة كبيرة، إذ ما يزال يذكر المراقبون كيْـف خرج السفير الأمريكي السابق في عمان ليشيد بانتخابات 2007 بعد ساعات قليلة من إغلاق مكاتب الإقتراع، قبل أن تتبيّن وزارة الخارجية الأمريكية (وفق مصدر دبلوماسي مُـطَّـلع) بعد أسبوع بأنّ ما جاء في تقرير سفيرها معاكس تماماً للواقع.
ومع أنّ الحكم الدقيق على نزاهة الانتخابات يتطلّـب مزيداً من الوقت، إلاّ أنّ قيادات معارِضة ومقاطِـعة للانتخابات، تقرّ في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، بأنّ الانتخابات الحالية لم تشهد تزويراً وتدخّـلاً خشناً ومباشراً كما حصل في المرّة السابقة، لكن القيادات نفسها تتساءل باستنكار: لماذا تتدخّل الحكومة الآن بعد مقاطعة الإسلاميين، فيما أن أغلبية المرشحين ليسوا محسوبين على خطّ المعارضة؟!
مع ذلك الإقرار بمحدودية التدخل المباشر للحكومة، وفقاً لأغلب المراقبين، إلا أنّ هنالك مَـن يرى أنّ الحكومة استعانت هذه المرة بـ “التدخل الناعم” من خلال تصميم قانون “الدوائر الإفتراضية”، الذي يتيح لها التحكّـم في مُخرجات الانتخابات بصورة غيْـر مباشرة، ومن خلال التعاطي مع المرشّـحين أنفسهم وتقديم الدعم اللُّـوجستي والنصائح لهم في الدوائر التي يمكن اختيارها للنجاح فيها، وهي بالضرورة جدلية تنطبِـق على نِـسبة محدودة من المرشحين، تزعم أوساط معارضة أنّ الدولة كانت حريصة على نجاحهم لاعتبارات مختلفة.
ما يسجَّـل للحكومة بوضوح في الانتخابات الحالية، أنّها فتحت الباب مشرّعاً للمراقبة الخارجية والداخلية، ودعت المنظمات المدنية والدبلوماسية الدولية إلى متابعة الانتخابات ومشاهدتها ورصدها، بالإضافة إلى التعاون مع منظمات المجتمع المدني المحلِّـي، وهو ما يسجّـل لها كـ “حالة استثنائية” في العالم العربي، تعكس قدراً كبيراً من الثقة بالنفس والنية لإجراء انتخابات نظيفة.
نسبة الاقتراع: لُـعبة الأرقام بين الحكومة والمعارضة
التحدي الثاني أمام الحكومة، تمثّل في نسبة الاقتراع، وقد أعلن وزير الداخلية أنّها وصلت إلى 53%، وهي نِـسبة تتجاوز النصف وتقِـلُّ بنسبة قليلة عن الانتخابات المُـزوَّرة السابقة.
حِـرص الحكومة على نسبة الاقتراع، متولّـد من الهواجِـس الكبيرة التي نبَـعت من قرار جماعة الإخوان المسلمين بمقاطعة الإنتخابات، في وقت كانت هنالك العديد من المؤسسات والهيئات الوطنية تُـعلن عزْمها المقاطعة، كالجمعية الوطنية للمتقاعِـدين العسكريين والمعلِّـمين (قبل أن يتراجعوا)، وعدد من الأحزاب والفعاليات الشعبية الأخرى.
نجحت الحكومة في الحدّ من صعود تيار المقاطعة قبل الانتخابات، بحلحلة الأزمات مع المعلمين والإعلام الالكتروني، لكنها فشلت في إقناع الإسلاميين بالرّجوع عن قرارهم والمشاركة في الانتخابات الحالية، ممّـا جعل من تحدّي نسبة المشاركة، قضية مُـقلِـقة للحكومة، بخاصة في المدن الكبرى التي تشهد عادةً نسبة متدنِـية من الاقتراع.
بالرغم من هذا الرقم المُـقنع لنسبة المشاركة، فقد شكّك رئيس القسم السياسي بجماعة الإخوان المسلمين، د. رحيل غرايبة في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch بالنسبة التي أعلنتها الحكومة، وعزا ذلك إلى التلاعب بأرقام المُـصوِّتين مقارنة بالمسجَّـلين، وعقد مقارنات متعدّدة بين أعداد المصوّتين في العاصمة عمان وحدها في هذه الانتخابات والانتخابات السابقة، ما يكشف عن تراجُـع كبير في أعداد المصوِّتين ونسبة التصويت، بما يصِـل إلى ثُـلثَـيْ النسبة، أي قرابة 20% فقط في العاصمة عمان.
أهمية نسبة الاقتراع والتصويت بالنسبة للحكومة، تنعكس في شرعية الانتخابات وتمثيلها أكبَـر قدْر من المواطنين ونجاح الحكومة في دفع المواطن للمشاركة السياسية، فيما لو فشلت الحكومة في تحقيق هذه النسبة، فإنّ ذلك سيكون دليلاً لتيار المقاطعة على وجود أزمة سياسية كبيرة. في المقابل، فإنّ حِـرص جماعة الإخوان على إثبات ضعف ومحدودية الإقبال على الاقتراع، هو للتأكيد على حضور الجماعة السياسي ونفوذها في المجتمع، وتحديداً في المدن الكبرى، فيما يعني ارتفاع نسبة التصويت، أنّ تأثير الجماعة هو في انحِـسار خلال السنوات الأخيرة.
عزوف الأردنيين من أصل فلسطيني
بعيداً عن لُـعبة الأرقام ومعركة ميزان القِـوى بين الحكومة والإسلاميين، فإنّ الملاحظة الأبرز، هي عُـزوف الأردنيين من أصْـل فلسطيني عن التصويت في الانتخابات الحالية، والذين تبلغ نسبتهم أقل من النصف بقليل من عدد المواطنين، إذ تقدّر مؤشرات أولية أن نسبة اقتراعهم كانت بين 10-15% فقط من مجموع عدد المصوِّتين، وهي نسبة تعكس اختلالاً ملحوظاً في المعادلة السياسية الداخلية وأزمة سياسية كامنة.
يفسّر فهد الخيطان، المحلل السياسي الأردني الأبرز، هذه الملاحظة بمناقشة التحليلات المتداولة، لكنه يرفض إحالة ذلك إلى “شعور الفلسطينيين بالعُـزلة السياسية وعدم شعورهم المواطنة، فلا يجِـدون أنفسهم شركاء في الوطن”، وعلى النَّـقيض من ذلك، فإنّه يرى أنّ نسبة الاقتراع الفلسطيني المنخفضة “ليست بالظاهرة الجديدة، وهي حالة متكرّرة مع الانتخابات السابقة، إذ تبلغ نِـسبة التصويت في العادة نصف الأردنيين من أصول أردنية”.
وبرأي الخيطان، فإنّ ضعف نِـسبة الاقتراع الفلسطيني تعكس “أنّ الفلسطينيين في الأردن ما يزالون يشعرون بأنهم لاجِـئون وما يزالون متمسِّـكين بحقّ العودة وبعدم القُـدرة على التخلِّـي عن حقوقهم في فلسطين، وهو تعبير عن فشل مشاريع التوطين في الأردن وغيرها، في نزع الإنتماء السياسي الأساسي للفلسطينيين، فهو تعبير كِـفاحي وليس انعِـزالي”.
مشهد العنف الانتخابي.. تنامي الأزمة المجتمعِـية
التحدّي الثالث، وهو حوادث العنف المجتمعي أعدّت له الحكومة خطَّـة أمنية مُـحكمة، وبالرغم من أنّها نجحت بالتعامل مع كافة أحداث العنف والإحتكاكات والتوترات الاجتماعية بأقل الخسائر (وفاة شاب وعشرات الإصابات في مناطق مختلفة)، إلاّ أنّ الظاهرة الملْـفِـتة والمُـرعبة لكثير من المراقبين، هو المنسوب الإستثنائي غير الطبيعي للعنف في يوم الانتخابات منذ ساعات الصباح الباكر، وبروز أنواع جديدة منه أقرب إلى البلطجة من محاولة دهْـس بعض المرشحين وإطلاق النار على ناخبين مُـعيَّـنين ومحاولة اقتِـحام غُـرف الاقتراع، وهي ظواهِـر غير مسبوقة.
التفسير الرسمي الأوّلي لهذه الحوادث، يتمثّل في أنّها “حالة طبيعية” في ظلِّ أجواء اجتماعية متوتِّـرة ومحتقِـنة تشهدها البلاد منذ شهور طويلة، ناجمة عن التحولات الاقتصادية وانهيار الطبقة الوسطى وبروز ظاهرة الاستقواء على الدولة وتنامي الهويات الفرعية والعشائرية على حساب الوطنية. ففي مثل هذه الظروف، فإنّ ما حدث.. “أقل بكثير من المتوقَّـع”!؟
ومع أنّ هذه الذريعة قد تبدو للوهلة الأولى منطِـقية، إلا أنّ الاعتراض عليها بأنّ قانون الانتخاب كان يُـفترض أن يأتي في الاتِّـجاه المعاكِـس للتخفيف من حدّة هذه الأزمات والتوترات ولإعادة تدشين الحياة السياسية والحزبية والنهوض بدوْر مجلس النواب بعد التراجع الكبير، الذي أصاب صورته لدى الرأي العام.
لكن ما حصل في الواقع، هو العكس تماماً، إذ قدّمت الحكومة قانون انتخاب يُـعزِّز من الإنتماءات الأولية والاجتماعية ويُضعف من فُـرص تخليق حياة حزبية في البرلمان، مما يجذر ظاهرة العُـنف، التي تعكس نمواً لهويات فرعية جديدة وضعفاً في قيمة المواطنة ودولة القانون.
البرلمان القادم.. ليس نقلة نوعية
اهتمام الحكومة يبدو مُـنصبّـا على نيل شهادة دولية وداخلية، بانتخابات فيها قدر كبير من النزاهة والشفافية، وهو على الأغلب ما ستحصل عليه، مع أيضاً نسبة اقتراع وتصويت معقولة، وهو ما أخذته على الأقل في لعبة الأرقام والنِّـسب، تلك نقاط تسجّل لصالح الحكومة الحالية مقارنة بالإنتخابات الماضية.
لكن هذا المستوى من القراءة يقف عند حدود السطح السياسي ولا يتجاوز إلى تحليل المؤشرات الخطرة والمقلقة التي أفصح عنها المشهد الانتخابي الحالي: أولاً، نسبة تصويت محدودة جداً من الأردنيين من أصول فلسطينية، في المقابل مشاركة فيها قدر كبير من العنف والتوتر وبروز الهويات الفرعية لدى الأردنيين من أصول أردنية، بالتوازي مع تراجع كبير في مستوى الخطاب السياسي المتداول وغياب البرامج الحزبية وصعود النواب غير المؤهلين سياسياً لهذه المهمة الخطرة، الذين وصلوا بفضل روابط اجتماعية وعشائرية..
ما هو مؤكّد بعد هذا المولد الأردني الكبير، أنّنا أمام حقيقة مُرّة تتمثل في أنّ أغلبية المراقبين لا تتوقع تغيُّـراً نوعياً في أداء البرلمان المقبل، ما يعزِّز الصورة السلبية عن هذه المؤسسة الدستورية المهمّـة، وأنّنا ما زلنا نسير في خط مستقيم، تتدهور فيه القِـيم الوطنية والسياسية وقد عكستها بوضوح رداءة المشهد السياسي.
عمان – يرى محللون سياسيون أن قرار الإسلاميين مقاطعة الانتخابات التشريعية التي جرت في الأردن يوم 9 نوفمبر، يعني أنهم يستعدون لمعارضة «خشنة» قد تجتاز بعض الخطوط الحُـمر، ما يمكن أن يؤدّي في نهاية المطاف إلى زعزعة الأجواء في البلاد.
ودعِـي حوالي 2،5 مليون شخص للتوجه إلى صناديق الاقتراع في محافظات الأردن الـ 12 لاختيار أعضاء مجلسهم النيابي السادس عشر. وشارك في الانتخابات نحو 763 مرشحا، بينهم 134 سيدة، يتنافسون على 120 مقعدا. وأغلب المرشحين موالون للدولة وينتمون إلى العشائر الكبرى، بالإضافة إلى مستقلين ورجال أعمال مع وجود معارضة مبعثرة.
ويقول مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي «هناك تيار مهِـم أغلبه من حمائم سابقين داخل الحركة الإسلامية يتحدثون عن معارضة خشنة، يجب أن تدشنها الحركة بالنظام السياسي في المرحلة المقبلة، ويقترحون اجتياز بعض الخطوط الحمر في مواقفها السياسية».
وأضاف “إنْ صل ذلك، فإننا سنكون أمام عهد جديد من العلاقة بين الحركة والنظام، قد تفتح المجال أمام العناصر الأكثر تطرّفا من أجل أن تبرز منطقها وتُـسوِّق خطابها وتشرع في تنفيذ أنــماطها الخاصة من المعارضة للنظام».
من جهته، اعتبر مسؤول أردني سابق أنه «إذا ما استمر الإسلاميون في قرار مقاطعة الانتخابات التشريعية ورفعوا من حدة نبرتهم، فإن ذلك قد يؤدّي إلى عمل في الخفاء قد يؤدّي في نهاية المطاف إلى زعزعة الأجواء في البلاد»، لكن وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام والاتصال علي العايد قال إنه «ليس قلقا من سيناريو كهذا»، مضيفا «نحن نحترم حرية التعبير، لكن هذه الحرية يجب أن تبقى في إطار احترام القانون».
من جانبه، اعتبر مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية نواف التل، أن سبب مقاطعة الإسلاميين هو «خلافات داخلية» داخل الحركة.
من جانبه، يرى خبير شؤون الجماعات الإسلامية ياسر زعاترة أن الإسلاميين في الأردن قد «يختارون العمل الشعبي والبحث عن أطر ونضالات سلمية شعبية لتعبئة الفراغ الناجم عن الغياب عن مؤسسة البرلمان».
(المصدر: نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتصرف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.