هل تُـصلح إستراتيجية أوباما ما أفسده بوش في أفغانستان؟
طرحنا السؤال على الدكتور أنتوني كوردسمان، الخبير العسكري والإستراتيجي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، فقال مع أن الرئيس أوباما استغرق وقتاً أطوَل من اللاّزم لطرح هذه الإستراتيجية، فإنه يجب عدم التسرّع في الحُـكم على بنود إستراتيجيته الجديدة في أفغانستان.
فالعِـبرة ستكون بالتّـنفيذ وما يُـمكن أن تحققه من نتائج، ولكن يتعيّـن أن نُـدرك أن الرئيس أوباما يتفهّـم كمّ الأخطاء التي وقع فيها الرئيس بوش في كل مستوى من مستويات إدارة الحرب في أفغانستان، ويُـقِـر بجسامة التّـرِكة الخطيرة التي خلّـفها له سلفه في البيت الأبيض، خاصة زيادة نُـفوذ تنظيم القاعدة وسيْـطرة عناصِـر طالبان على أكثر من نِـصف أفغانستان، فيما بين 2005 و2009. وقال الدكتور كوردسمان: “لقد اضطر الرئيس أوباما إلى أن يبدَأ من الصِّـفر في تخطيط هذه الإستراتيجية لكي يُـمكنه التّـعامل مع الإخفاق الذي وصلت إليه المهمّـة الأمريكية في أفغانستان وباكستان بعد ثمانية أعوام، ولذلك، رأيناه يضغط على حكومتَـيْ أفغانستان وباكستان من أجل التحرّك الفعّـال لتحقيق الأهداف المتّـفق عليها، ورأيناه يستجيب لطلب الجنرال ماكريستال، قائد القوات الأمريكية بزيادة حجْـم القوات الأمريكية، ورأيناه أيضا يشدِّد على أهمية التّـكامل بين عمليات التنمية الاقتصادية والمجهود الحرْبي، مع تأكيده على ضرورة تعاوُن القوات المتحالِـفة، لأن الهدف واحِـد وهو القضاء على تنظيم القاعدة والحيلُـولة دون عوْدة طالبان إلى أفغانستان”.
غير أن الخبير العسكري والإستراتيجي أخذ على الطّـرح الذي قدّمه الرئيس أوباما لإستراتيجيته في أفغانستان، الإغراق في التبسيط، حيث اختزل الرئيس ولأسباب سياسية، الخطر الذي من أجله يتعيّـن تصعيد الحرب في أفغانستان، بل وباكستان، في تهديد تنظيم القاعدة وحُـلفائها في حركة طالبان، بل وأمعن في تضخيم خطَـر المتطرِّفين الذين يُـمكن أن يُـسيطروا على أسلحة باكستان النووية، وأخفق في القيام بطرْح جدّي لضرورة تحقيق نوع من الاستقرار الإقليمي أو التعامل مع حقيقة أن التطرّف الإسلامي في المنطقة، بل وعلى المستوى الدولي، سيظلّ عاملا مُـستداما، بِـغضِّ النظر عمّـا يُـمكن تحقيقه من نجاح في أفغانستان وباكستان.
ومع ذلك، يرى الدكتور كوردسمان أن الإستراتيجية الجديدة للرئيس أوباما أخذت البُـعد الإستراتيجي، الرّامي إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي في الاعتبار، وإن لم تناقشه، وظهر ذلك جليا في الدّعوة إلى شراكة عريضة وطويلة الأمد بين الولايات المتحدة وكل من أفغانستان وباكستان، إدراكا من أوباما لوُجود مصالِـح استراتيجية أمريكية فيما يمكن أن تقوم به الدّولتان معا، سواء في هزيمة القاعدة وطالبان أو فيما يتعلّـق بتوفير الاستقرار في تلك المِـنطقة من العالم.
حسم مشكلة نقص الموارد
ويرى الدكتور كوردسمان أن بوش أخفَـق بشكل خطير في تخطيط الموارِد اللاّزمة لإدارة الحرْب في أفغانستان وضرب مثالا على ذلك، بأن حجم الإنفاق الأمريكي على الحرب في أفغانستان خلال عام 2005، كان بحدود عشرين ألف مليون دولار، بينما طلب الرئيس أوباما تخصيص ما يصِـل إلى مائة ألف مليون دولار في ميزانية عام 2010 للحرب في أفغانستان، بالإضافة إلى مُـساعدات إضافية سيتِ،م تقديمها لباكستان.
ونبّـه كوردسمان إلى أن الزيادة الكبيرة في حجم القوات التي سيتِـم إضافتها للقوات الأمريكية في أفغانستان، ستنهي سياسة الزيادات الدورية البسيطة التي اتّـبعتها إدارة بوش، وسترفع عدد القوات الأمريكية إلى قُـرابة مائة ألف وستُـغيِّـر من نوعيتها، حيث سينضَـم إلى تلك القوات خُـبراء في الشؤون المدنية وخُـبراء في التّـدريب لمساعدة أفغانستان على تطوير قُـدراتها استعداداً لنقْـل يتّـسم بالمسؤولية للمهَـامّ التي تقوم بها حاليا قوات أمريكية.
وأشار الخبير العسكري والإستراتيجي إلى تغيير آخر في طبيعة الانتِـشار العسكري الأمريكي وِفقا للإستراتيجية الجديدة: “سيتم تمركُـز مُـعظم القوات الإضافية الجديدة في جنوبي أفغانستان وشرقها، حيث توجد أقوى معاقِـل حركة طالبان، كما طلب الرئيس أوباما من الدول المشاركة في قوات حفظ السلام، زيادة حجْـم قواتها بما يتراوَح بين سبعة وثمانية آلاف جندي، للمساهمة في إبعاد حركة طالبان عن وسط وشمال أفغانستان، مما سيَـفي بما طلبه الجنرال ماكريستال، وهو 40000 جندي إضافي يُـمكن أن يكون لهم تأثير هائِـل في تغيير الوضْـع الحالي الذي زاد فيه نُـفوذ طالبان في أنحاء أفغانستان”.
وفيما تعتزِم إدارة الرئيس أوباما زيادة عدد الخُـبراء المدنيين العاملين في أفغانستان من ثلاث مائة في بداية العام الحالي إلى قُـرابة الألف في أوائل العام القادم، مع تزايد حجم المساعدات المدنية الأمريكية لأفغانستان بهدف الدخول في شراكة مع الحكومة الأفغانية في تعزيز مؤسّـسات الدولة والحُـكم المحلي وتأهيل الاقتصاد الأفغاني بشكل يشجِّـع الشعب على المساعدة في التغلّـب على دُعاة العنف، يرى الدكتور كوردسمان أن وزارة الخارجية الأمريكية لم تظهر بعد قُـدرة واضحة على تنفيذ هذا الشقّ من إستراتيجية أوباما في أفغانستان، حيث لا توجد لديها حتى الآن قُـدرات واضحة على تخطيط وتنسيق جُـهود المساعدات في مجالِ حُـكم القانون وتطوير الشرطة ومؤسسات الحُـكم، بل وحتى المساعدات الاقتصادية على الصّـعيد المحلي.
ويخلِّـص كوردسمان من ذلك، إلى أن هناك مخاطِـر تحيق بتصوّر الرئيس إمكانية نقل المسؤوليات إلى السّـلطات الأفغانية بدءً من يوليو عام 2011، ولذلك، فإن المسؤولين في إدارة أوباما أعرَبوا في تصريحات غيْـر منسوبة لمسؤول بعيْـنه، أن الرئيس قصَـد بتحديد المدّة أن يضغط على الحكومتيْـن، الأفغانية والباكستانية، للإسراع في تنفيذ المطلوب منهما، ولكنه ترك لنفسه حرية الحركة وِفقا لمعدّل الإنجاز.
المخاطر الأفغانية في تنفيذ الإستراتيجية
ويعتقِـد الدكتور كوردسمان أن الخطر الأول الذي يتهدّد تطبيق الإستراتيجية الجديدة على الجانب الأفغاني، يعود إلى إرث سوءِ إدارة الحرب في عهد الرئيس بوش، حيث أنه لم يوفِّـر الاعتمادات الكافية لتدريب وتشكيل قُـوات الأمن القومي الأفغانية، حتى عام 2007، ممّـا خلق وضْـعا صعبا، حيث أن هذه القوات أقَـلّ استعدادا بكثير، ممّـا يأمل فيه الكثيرون، ولكن الرئيس أوباما لم يعُـد يحلم بمُـضاعفة قوات الأمن الأفغانية، وإنما بتوفير أكبر قَـدر من الكفاءة، بحيث يتِـم التركيز على النوعية وليس على العدد، وبالقَـدر الذي تظهر به الوزارات الأفغانية المعنِـية بتلك القوات مدى التِـزامها بالأهداف الموضوعة لكلّ عام على حِـدَة.
كما أن تجهيز قوات الشرطة الأفغانية لا زال بعيدا بعدّة سنوات عن مُـستويات الفعالية المطلوبة ويعيق انتِـشار الفساد في أفغانستان من قُـدرات الشرطة، خاصة مع عدم تّـوفر المحاكِـم التي تُـساند حُـكم القانون بتوفير العدالة ومرافق السّـجون التي تُـؤوي الخارجين على القانون. كذلك، فإن قوات الجيش الأفغاني ليست لها اليَـد العُـليا، إلا في إقليم واحد من 34 إقليما في أفغانستان، وهو إقليم كابُـل العاصمة.
أما الخطَـر الثاني الذي يرى الدكتور كوردسمان أنه يُـهدِّد تنفيذ الإستراتيجية في أفغانستان، فهو مدى أهلية أفغانستان لتكُـون شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة على المدى البعيد، في ظلّ تفشّـي الفساد في البلاد، ممّـا سيحتاج تدخُّـلا أمريكيا على المستوي المحلّـي لكبْـح جِـماح الفساد بمُـكافأة المسؤولين المُـلتزمين بالنّـزاهة وتخطّـي المُـرتشين واستِـبعاد الوُسطاء والمُـقاولين.
ويتوقّـع كوردسمان أن يأتي الخطر الثالث من باكستان، ليس من احتمال وُصول الأسلحة الذرية الباكستانية إلى أيْـدي عناصر تنظيم القاعدة، كما حاول الرئيس تضخيم الأمر، وإنما من بقاء باكستان شِـبه حليف متردِّد يتعيّـن الضّـغط عليه باستمرار للعمل على تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية، وهو أمر يُـمكن أن يجعل من باكستان دولة غير مستقرّة، لا يُـمكنها القِـيام بدور الشّـريك الإستراتيجي.
أما الخطر الرّابع في حِـسابات وتقييم الخبير العسكري والإستراتيجي أنتوني كوردسمان، فهو تأخير عملية المُـصالحة الوطنية في أفغانستان بانتظار مَـن ستكون له الغَـلبة، ولذلك، يرى كوردسمان أن خُـطى المصالحة التي دعا الرئيس أوباما في إستراتيجيته الجديدة إلى الإسراع بها، بما في ذلك السّـعي لمنحِ العفْـو عن المُـقاتلين الذين يتخلّـون عن مساندة طالبان، سيمكن تحقيقها إذا نجحت إستراتيجية التصعيد من أجل تقليص نفوذ طالبان وتوفير الفُـرصة للمقاتلين غير العقائِـديين بالعُـدول عن ارتباطهم بحركة طالبان.
أما القيادات العُـليا المنتمِـية إلى طالبن أو إلى القاعدة، فلا جدوى من وضْـع أيِّ آمال عليهم، لأن رُسُـوخ عقيدة القِـتال فيهم، ستجعل من المستحيل تغيير توجّـهاتِـهم.
محمد ماضي – واشنطن – swissinfo.ch
بروكسل (رويترز) – يبدأ وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي اجتماعا يوم الخميس 3 ديسمبر في بروكسل، ستمارس فيه واشنطن ضغوطا على حلفائها لزيادة حجم القوات والأموال التي يساهمون بها لمواكبة الزيادة في عدد القوات الأمريكية في أفغانستان التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الثلاثاء.
وسارع زعماء أوروبا يوم الأربعاء الى تقديم دعم شفهي لإستراتيجية أوباما الجديدة التي تتضمن إرسال قوات إضافية قوامها 30 ألف جندي لأفغانستان للتصدي لتمرد طالبان المتصاعد، لكنهم كانوا أقل إقداما في مواكبة تأييدهم الشفهي بتعهد ملزم بالدفع بقوات جديدة الى حملة عسكرية مشكوك في نتائجها يتنامى العداء لها في الداخل بسبب ارتفاع تكاليفها.
وأعلن اندرس فو راسموسن، الامين العام للحلف بعد أن أعلن الرئيس الامريكي عن خطته أن المشاركة غير الامريكية في المهمة التي يقودها الحلف في افغانستان ستصل الى خمسة آلاف جندي إضافي على الاقل، وربما بضعة آلاف أخرى وهو ما يقل عن زيادة حجمها عشرة آلاف جندي ومدرب كان مسؤولو وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) يسعون للحصول عليها. وأقر راسموسن بأن هذا العدد سيشمل قوات أرسلت العام الماضي لتعزيز القوات الغربية وقت الانتخابات الافغانية. وقال مسؤولو الحلف ان 1500 من بين الخمسة الاف جندي الذين أشار اليهم راسموسن كانوا ضمن التعزيزات التي أرسلت بالفعل قبل الانتخابات وكان مقررا سحبها.
وأشار مسؤولو الحلف إلى ان هولندا تعتزم سحب قوات مقاتلة قوامها 2100 جندي عام 2010 وان كندا تعتزم ايضا سحب قوات قتالية قوامها 2800 جندي عام 2011 . وصرح مسؤولون أمريكيون بأن واشنطن تسعى الآن لان يرسل الحلف 7000 جندي لمواكبة الزيادة الأمريكية المقررة.
وقال مسؤول أمريكي كبير مشيرا الى خطط الانسحاب الكندية والهولندية “هذا هو وقت التفكير في كيفية تحسين أدائنا وكيف نفعل أكثر لا وقت التفكير في كيف نفعل أقل.”
وقال ريتشارد هولبروك المبعوث الأمريكي الخاص لافغانستان وباكستان للصحفيين يوم الاربعاء، انه يأمل استمرار الدعم الهولندي.
وذكر مسؤولون من الحلف أن الدول التي أعلنت خططا لإرسال مزيد من القوات تشمل بريطانيا 500 جندي وجورجيا 900 جندي وبولندا 600 جندي وسلوفاكيا 250 جنديا.
وحث راسموسن الحلفاء على إتباع خطى أوباما وقال “من المهم أن لا يرى الامر باعتباره عملية أمريكية خالصة.” وقال انه يأمل أن تدرس الدول التي تعتزم سحب قواتها المقاتلة ومنها كندا وهولندا أهمية ان تظل البعثة في اطار جهود الحلف وليس الولايات المتحدة وحدها. وجاءت الاستجابة أكثر حذرا من دول أخرى.
وأبدت ألمانيا استعدادها للمشاركة أكثر في تدريب الشرطة الافغانية، لكنها قالت انها لن تستطيع التعهد بارسال مزيد من القوات قبل مراجعة استراتيجيتها اوائل العام القادم.
وكانت فرنسا قد اعلنت يوم الاثنين 30 نوفمبر، انها لن ترسل قوات إضافية الى أفغانستان لكن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رد على خطاب الرئيس الأمريكي بالتعهد بالنظر في تدريب قوات الجيش الأفغاني. وصرح ساركوزي بأنه سيراجع موقفه بعد اجتماعات الحلف في بروكسل وبعد مؤتمر ترعاه الامم المتحدة يعقد في لندن يوم 28 يناير المقبل.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 ديسمبر 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.