مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل سيختلِـف التعامل الأمريكي مع الإنتفاضة السورية؟

على غرار وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس (في صورة التقطت لهما يوم الأحد 27 مارس 2011)، تواجه إدارة الرئيس أوباما حيْـرة في التعامل مع دمشق إذا اختار بشار الأسد سلوك طريق القمع. Keystone

فيما يتشكّـك البعض في العالم العربي في حقيقة أن شابّـا تونسيا بسيطا مثل بوعزيزي، تمكّـن من إطلاق شرارة الصَّـحوة العربية، التي امتدّت من المُـحيط إلى الخليج ويتصورون أن يَـدا خفية اخترَق بها العِـملاق الأمريكي جِـدار الخوف العربي، لإحياء نظرية الفوضى الخلاّقة في المنطقة وفرض تحوّل ديمقراطي يُـمكن بعده إعادة رسم "الشرق الأوسط الجديد"..

.. يشكِّـل التردّد الأمريكي في مساندة الانتفاضة الشعبية السورية – تذكيرا لمن وقع تحت تأثير نظرية المُـؤامرة التي يفسِّـر بها الحكام العرب زلزال الصّـحوة العربية – بأن الولايات المتحدة فوجِـئت بهذه الانتفاضات العربية التي لم تكُـن بالتأكيد صناعة أمريكية.

ويرى الدكتور شبلي تلحمي، أستاذ دراسات السلام والتنمية بجامعة ميريلاند، أن الولايات المتحدة وقفت عاجِـزة عن التنبُّـؤ باحتِـمال اندلاع موجة الانتفاضات الشعبية العربية وفوجِـئت بشرارتها الأولى في تونس، ثم ارتبَـكت في ردِّ فعلها على الثورة الشعبية المصرية، بين تفضيل المصالح القومية الأمريكية التي ارتكزت منذ السبعينيات على تحويل مصر إلى مِـحور ارتكاز لتنفيذ مصالحها الأمنية وخِـدمة أهداف إسرائيل في ملف السلام، من خلال الاستثمار الأمريكي منذ الثمانينيات في نظام قمعي، مثل نظام حسني مبارك، ثم سُـرعان ما أفاقت على حقيقة أنها لا تستطيع هندسة النتائج السياسية لتلك الصحوة وتعلّـمت بعد تردّدها في التعامل مع الانتفاضة الشعبية المصرية، أن تتعامل مع كل انتفاضة عربية على حِـدة، بحسب اختلاف قوة الدّفع نحو التغيير وواقع كل دولة عربية وما يُـمكن أن يتمخَّـض عنه الحِـراك الشعبي فيها من نتائج بالنسبة للمصالح القومية الأمريكية.

المشهد السوري بعيون أمريكية

ومع أن مارك تونر، المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية سخر من عجْـز الرئيس بشار الأسد عن فهْـم ضرورة التحرّك بسُـرعة لتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تطالب بها المسيرات الشعبية في أنحاء سوريا منذ 15 مارس الماضي وتركيز خطابه المُـنتظر على توجيه الاتهامات لأصابع خارجية تستهدِف استقرار سوريا، ورغم تعهُّـد الولايات المتحدة بإدانة أي قمْـع أو عنف من السلطات السورية للمتظاهرين السِّـلميين، فإن واشنطن لم ولن تتحدّث عن ضرورة تغيير النظام أو المطالبة بتنحّـي الرئيس السوري، حتى لو استخدم العُـنف ضد شعبه.

فإدارة الرئيس أوباما لا زالت ترى أنه من الأفضل للمصالح القومية الأمريكية تشجيع النظام السوري على تغيير سُـلوكه وانتهاج طريق الإصلاح، لأنها ترى في تغيير النظام قفْـزا إلى المجهول الذي يُـمكن أن يأتي بما لا تشتهي الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي لقاء لـ swissinfo.ch مع إدوارد جيريجيان، السفير الأمريكي السابق لدى سوريا والمساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، شرح أسباب التعامل الأمريكي المتحفّـظ مع الانتفاضة الشعبية السورية: “تخشى الولايات المتحدة من خطَـر تردّي الوضْـع في سوريا إلى حالة من الفوضى، نظرا لأن المجتمع السوري يتألّـف من خليط من المسلمين السُـنة والشيعة والعلويين، الذين رغم كوْنهم أقلية، استأثروا بمُـعظم السلطة والمال، وهناك أيضا الدروز والأكراد وخليط آخر من الأقليات المسيحية المُـختلفة ويمكن أن يؤدّي سقوط النظام الحاكم إلى صِـراع طائفي، لا يقتصر على سوريا فقط، بل يمكن أن يشيع موجات من الكراهية والعنف الطائفي وعدم التسامح في دول المنطقة بشكل يخلق كابوسا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.

ويرى السفير جيريجيان أن الولايات المتحدة تفضِّـل أن يقود الرئيس الأسد بنفسه عملية تحوّل ديمقراطي، من خلال تنفيذ سريع لوعود الإصلاح التي طرحها في الماضي والاستجابة إلى مطالب الانتفاضة الشعبية، بدلا من ترتيب المظاهرات المسانِـدة له واتِّـهام جهات خارجية بتحريض الشعب على الثورة والاكتفاء بتغيير الحكومة، عِـوضا عن تطبيق إصلاحات تلبِّـي مطالب الشعب وقال: “الموقف في سوريا خطير في ضوء الإصرار الشعبي على مواصلة الانتفاضة من أجل تحقيق الإصلاحات المطلوبة. وتنتظر الولايات المتحدة لترى هل سيردّ النظام السوري على المظاهرات الحاشِـدة بالشروع الفوري في الإصلاح أم سيُـواصل استخدام أجهزته الأمنية في القمْـع أم سيلجأ إلى شكل من أشكال النموذج الليبي في ردْع الانتفاضة الشعبية باستخدام القوة العارمة للجيش السوري في مواجهة متظاهرين سلميين”.

أوراق الضغط على الأسد

ومع أن الرئيس بشار الأسد، الذي أصرّ في البداية على أن لدى سوريا مَـناعة إزاء رياح التغيير التي تجتاح العالم العربي بقوله، أن سوريا ليست مصر وليست تونس، فإنه عاد ليؤكِّـد أن التحوّلات في المنطقة العربية سوف تترك تداعِـياتها على كل دول المنطقة، بما في ذلك سوريا. ومع ذلك، لوَّح الأسَـد بأن الإصلاح يأخذ وقتا ولا يتم بسبب الضغط الشعبي، مما يجعل المناشدة الأمريكية له بالاستجابة لمطالب شعبه تذهب أدراج الرياح، وتجد إدارة أوباما نفسها في حيْـرة إزاء ما الذي يُـمكن أن تفعله إذا اختار الأسد طريق القمع.

سألنا الدكتور روبرت هنتر، السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي عن الخيارات الأمريكية في تلك الحالة فقال: “من الواضح أنه لن يكون بوسْـع الولايات المتحدة استخدام قوّتها العسكرية ضد النظام السوري، حتى إذا لجأ الأسد إلى القمع الوحشي للمتظاهرين السوريين، كما أنه ليست هناك نداءات دولية بالتصدّي لمثل ذلك القمْـع يمكن أن تمهِّـد لقرار من مجلس الأمن. وحتى لو توفَّـر ذلك الضغط، فلن يمكن مثلا استخدام أسلوب فرْض حظر جوّي على سوريا، لأن قوات الأمن السورية لا تستخدم الطائرات في قمْـعها للمتظاهرين، وبالتالي، ستجد إدارة الرئيس أوباما نفسها عاجِـزة بشكل متزايد عن ممارسة ضغط فعّـال على النظام السوري”.

ولا يتوقّـع السفير هنتر أن يحْـذُو الجيش السوري حذْو القوات المسلحة في تونس أو في مصر بالتخلّـي عن مساندة النظام والوقوف إلى جانب الانتفاضة الشعبية، كما يرى أن الولايات المتحدة لن تطالب بتغيير النظام في سوريا، لأنها تخشى من أن يكون البديل حَـربا أهلية أو نظاما أكثر تطرّفا أو أكثر تأييدا لحزب الله وحركة حماس وأكثر اقترابا من إيران.

ويخلِّـص السفير هنتر إلى أن الولايات المتحدة تُـدرك أيضا دور سوريا الهام في تقرير توجّـه المنطقة نحو الحرب ونحو السلام، ولذلك ترغب في الحفاظ على حالة من الاستقرار في سوريا. فنظام الأسد، رغم سلوكه الذي لا تحبِّـذه واشنطن، يبدو أسهَـل في التنبُّـؤ بما سيقدُم عليه في المنطقة من المجهول الذي يُـمكن أن يُـسفِـر عنه سقوط النظام، وخلق فراغ سياسي في البلاد وما يمكن أن يأتي به المستقبل بالنسبة للاستقرار في المنطقة، خاصة في ظلّ عدم وجود معاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل ووضع سوريا الجغرافي، الذي يجعل لها نفوذا في الدول التي تشاركها الحدود، خاصة لبنان والعراق، وكلها أمور تحدّ من قُـدرة صنَّـاع القرار في الولايات المتحدة على انتِـهاج النَّـمط الذي تمّ استخدامه مع الانتفاضتيْـن الشعبيتيْـن في تونس ثم في مصر..

دعت الإدارة الأمريكية الخميس 31 مارس رعاياها إلى مغادرة سوريا التي تشهد احتجاجات واسعة منذ أسبوعين وعشية دعوة المحتجين إلى تظاهرات جديدة الجمعة. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في مذكرة أنها “تحذر الرعايا الأمريكيين من إمكانية حصول اضطرابات سياسية ومدنية في سوريا”.

وأضافت “نشجع المواطنين الأمريكيين على تأجيل أي سفر غير ضروري. ننصح المواطنين الأمريكيين الموجودين حاليا في سوريا بالتفكير في مغادرة البلاد”. ودُعي الأمريكيون إلى تجنب السفر إلى اللاذقية ودرعا، حيث سقط قتلى في المواجهات.

وقالت وزارة الخارجية إن “مساعي السوريين لأن يحمِّـلوا جهات خارجية مسؤولية الاضطرابات الحالية، يهدد بتأجيج المشاعر المعادية للأجانب. قد يواجه المواطنون الأمريكيون في حال توقيفهم اتهامات بالحض على العنف أو التجسس”. ولاحظت الوزارة أن سوريا تتأخر في العادة “أياما، لا بل أسابيع” قبل إبلاغ الولايات المتحدة بتوقيف رعاياها.

وأعلنت الخارجية الأمريكية الثلاثاء، توقيف ثلاثة أمريكيين قبل أيام في دمشق، أفرج لاحقا عن واحد منهم. وأكدت وسائل الإعلام السورية الرسمية الأحد 27 مارس توقيف أمريكي، قالت إنه حرض على تنظيم احتجاجات ضد السلطات.

وأعلنت السلطات السورية الخميس أولى الإجراءات المتوقعة لتهدئة حركة الاحتجاج غير المسبوقة في البلاد، عبْـر تشكيل لجان حول قانون الطوارئ وقتلى درعا واللاذقية، في حين دعا المحتجون إلى تظاهرات الجمعة 1 أبريل.

وجاء في بيان غير موقع نشر على شبكة الفيسبوك للتواصل الاجتماعي “موعدنا الجمعة: من كل المنازل وأماكن الصلاة وكل مواطن وكل رجل حُـر يجب أن يتوجه إلى الساحات من أجل سوريا حرة”.

من جهة أخرى صرح الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز الخميس 30 مارس أنه بعد “الاعتداء الإمبريالي” الدولي على ليبيا، يتم الإعداد لعمل مشابه ضد سوريا.

وفي خطاب ألقاه في كوشابامبا ببوليفيا، قال تشافيز “إنه اعتداء إمبريالي ضد الشعب الليبي والآن يتم الإعداد لاعتداء ضد شعوب أخرى، ضد الشعب السوري في انتهاك لجميع المعايير الأخلاقية والسياسية والقانون الدولي”.

وأقام تشافيز الذي دافع خلال الأيام الماضية عن الرئيس السوري بشار الأسد، مقارنة بين السيناريو في سوريا وفي ليبيا، حيث التدخل الأجنبي جاء بدافع “السيطرة على ثروة ليبيا، النفط الليبي، كما يريدون ثروات بوليفيا وفنزويلا”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية  الفرنسية أ. ف. ب بتاريخ 1 أبريل 2011)

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية