هل يتغيَّر النظام الإيراني “سِـلما” في عام 2014؟
هل سيشهَـد العام الجديد، 2014، إبرام "الصّفقة الكبرى" التي طال الحديث عنها طيلة سنوات بين إيران وأمريكا؟ البعض يعتقد ذلك. وهُـم هنا يُـشيرون إلى أنه ثمّة حقيقة كادت تغيب في خِضَم الضجيج الهائل، الذي رافق الصفقة النووية الإيرانية - الغربية في أواخر العام المنصرم: إيران بدأت بالفعل رحلتها نحو الغورباتشوفية. إنها لم تصل إليها بعدُ، لكنها تحث الخُطى نحوها. وهذا، إضافة إلى المحادثات السرية الأمريكية - الإيرانية، والإسرائيلية - الإيرانية، قد يجعل من الصّفقة الكبرى أمراً قابلاً للتحقق.
للتذكير: الغورباتشوفية كانت المرحلة الإنتقالية المُؤلمة، التي شهدت تحوّل الاتحاد السوفييتي إلى دولة روسية “عادية” (أي غيْر ثورية وغيْر مراجعة)، تجهد لمغادرة مَلكُوت الأيديولوجيا إلى مملكة النظام الرأسمالي العالمي.
الرئيس حسن روحاني، هو الآن مشروع غورباتشوف الإيراني، لكنه ليس وحده، معه مرشد الثورة خامنئي، الذي قرّر هو الآخر أن الوقت حان للمصالحة مع “الشيطان الأكبر”، وهذا لسببين: الأول، أن العقوبات الدولية، ومعها سياسات الرئيس أحمدي نجاد الإقتصادية الشعبوية والأكلاف الباهظة للسياسة الخارجية الإيرانية في سوريا وبقية المنطقة، دفعت الاقتصاد الإيراني إلى شفير الهاوية، ما هدّد بإشعال ثورة اجتماعية – سياسية كُبرى، إذا ما استمر حبْل البِطالة والتضخّم والرّكود على الغارب.
والثاني، أنه حدث بالفعل تغيّـر حقيقي في عهْد إدارة أوباما في التوجّهات الأمريكية في الشرق الأوسط: من التورّط المباشر لأمريكا في صراعات المنطقة كقوّة إقليمية عُظمى، مثلها مثل أي قوة إقليمية أخرى، كما كان الأمر منذ عهد الرئيس كارتر وما بعده، إلى إعادة التَّموْضع الإستراتيجي، بهدف التركيز على الوضع الداخلي الأمريكي ومنطقة آسيا – الباسيفيك.
هذان العاملان تقاطعا بشكل نادِر في التاريخ، ودفعا خامنئي إلى “تجرُّع سمّ” الدّعوة، إلى وقف إطلاق النار مع الشيطان الأكبر، تماماً كما تجرّع قبله الإمام الخميني سمّ قَبول وقْف إطلاق النار مع عراق – صدّام حسين.
لكن، هل تنجح الغورباتشوفية في شقّ طريقها في إيران، عبْر انتقال النظام إلى عملية إصلاحات اقتصادية وسياسية داخلية، بدل استنزاف الموارد في السياسة الخارجية؟
شروط النجاح
ثمّة أمور كثيرة يجِب أن تحدُث هنا، قبْل أن ترى الغورباتشوفية الإيرانية النّور، أبرزها “استِسلام” غلاة الحرس الثوري وباقي المتشدِّدين الأيديولوجيين لفِكرة تحوّل إيران إلى دولة “عادية”، تقبل كل شروط العوْلمة الأمريكية ومستلزماتها، وهذا يعني في الواقع، تغيير النظام الإيراني بالتّدريج عبْر الطُّـرق السِّلمية الناعمة، لا بوسائل الحرب الصّلبة.
وجنباً إلى جنب مع هذا الإستسلام، سيكون على الملالي، بالتدريج أيضاً، تقبّـل الفكرة بأن ما يُمكن أن يقبل به الأمريكيون من نفوذ إيراني في الشرق الأوسط، يجب أن يكون مقنّناً للغاية ويأخذ في الإعتبار الحِصص الكبرى للقِوى الإقليمية الأساسية الأخرى، كإسرائيل والسعودية وتركيا وإلى حدٍّ ما مصر، ناهيك بالطبع عن الحصّة الكبرى الأمريكية.
أمريكا – أوباما تبدو مستعدّة لإسقاط شعار تغيير النظام الإيراني بقوّة العقوبات الإقتصادية والحِصار الدبلوماسي والتّهديد بالتدخّل العسكري. لكن سيكون على إيران – خامنئي أن تكتفي بهذا القدْر من التنازلات الأمريكية وتعمل على تغيير نظامها بنفسها في الداخل والخارج.
في الداخل: عبْر منْح الأولوية للبِناء الإقتصادي الداخلي، وِفق قوانين منظمة التجارة العالمية و”إجماع واشنطن”. وفي الخارج: من خلال التخلّي عن الطموحات الإمبراطورية الفارسية، التي أثبتت تجارب العقود الثلاثة الماضية، أنها لم تؤدِّ سوى إلى استنزاف الموارد الإيرانية المحدودة (موازنة أجهزة الإستخبارات الأمريكية تفوق كل موازنة الحكومة الإيرانية، أي نحو 75 مليار دولار)، وإلى التمدّد الإستراتيجي الإيراني الزائد.
وبالمناسبة، هذا بالتحديد ما فعلته دولة كبرى كالصّين، حين قبلت الشرط الأمريكي الرئيسي لإدماجها في النظام الرأسمالي العالمي، وهو التركيز على الشأن الاقتصادي وتناسي النفوذ الإقليمي والدولي.
والآن، جاء الدور على إيران، وعليها أن تختار وسريعا. فالمُهلة المحدّدة لها لتحقيق التغيير في نهجها الخارجي، وليس فقط النووي، لا تتجاوز الأشهر الستّة، كما توضّح بجلاء مواقِف إسرائيل ومعها حليفها الأكبر الكونغرس. فهل ستكون طهران قادِرة على تحقيق إجماع قومي على بدء رحلة تنازلات لا تنتهي للولايات المتحدة، كي تغادِر سِجن الحِصار والعقوبات؟
وداعاً للأيديولوجيا؟
هذا هو السؤال الأهَم الذي يجب أن يُجيب عليه الداخل الإيراني خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة. فلكي تنجح العلاقات الثنائية الإيرانية – الأمريكية وربّما تتحوّل أيضاً إلى حِلف جديد بين الطرفيْن، يجب أن تقبل طهران بوجود إسرائيل كأمر واقِع وتتوقّف عن استخدام حزب الله كورقة ضغْط عسكرية على هذه الأخيرة.
كما يجب عليها أن تبدأ رحلة التخلّي عن الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابل بروز نظام جديد يتضمّن الإعتراف بـ “مصالح” إسرائيل والسعودية وتركيا في بلاد الشام، إلى جانب مصالحها. وأخيراً، سيتعيّن عليها أن تقبَل إعادة النظر في وضعية النظام العراقي الرّاهن، بما يكفل أيضاً مصالح السعودية وتركيا (وإسرائيل في شمال العراق).
كل هذه، ستكون خطوات لا مهرب منها لإنجاح “الصّفقة الكبرى” مع الشيطان الأكبر، بعد ستة أشهر أو سنة من الآن، علاوة على نجاح المفاوضات النووية. وكلٌّ من هذه الخُطوات، تعني أمراً واحداً: خلْع إيران رِدائها الأيديولوجي، كما فعلت روسيا حين تخلّت عن صبغتها الأيديولوجية الشيوعية، وكما فعلت الصين حين أسقطت الماوية لصالح الدنغية (نسبة إلى الرئيس الصيني الراحل دينغ شياو بينغ)، وبدء العمل على تغيير نظامها بنفسها، كي تكون “جديرة” بالدخول إلى نادي النظام الرأسمالي العالمي.
هذا قد يكون المضمون الحقيقي للصّفقة النووية الإيرانية – الغربية، أما الباقي، فتفاصيل، على رغم كل الصّرخات المُدوِّيَة عن كوندومينيوم (حُكم مشترك) إيراني – أمريكي زاحف في المنطقة. وهذا بالتّحديد ما فهمته حسبما يبدو مؤسسة أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية، التي عارضت كلياً موقِف نتانياهو الرّافض للصّفقة النووية، واعتبرت هذه الأخيرة “خطوة إيجابية ومُفيدة”.
في مقبل الأيام من عام 2014 سيتعيّن مراقبة كيف (أو هل) ستقوم إيران بهذه النقلة الصّعبة والمَريرة، وبأية تكاليف؟ وهل ستكون قادرة على الحِفاظ على تماسُكها الداخلي، أم تؤدّي الصراعات حول شروط “الشيطان الأكبر” إلى تصدُّع النظام من داخله أو حتى ربما إلى تصدّع إيران نفسها (كما حدث في الإتحاد السوفييتي) تحت وطْأة ضغوط الخيارات التاريخية الصعبة.
واشنطن (رويترز) – أصدر البيت الأبيض يوم الخميس 16 يناير 2014 مُلخصا عن الإتفاق الذي تم التوصل إليه بين الدول الست الكبرى وإيران لتقليص برنامجها النووي وذلك استجابة لدعوات من الكونغرس الأمريكي وجماعات أخرى تطالب بمزيد من الشفافية بشأن تفاصيل الإتفاق. وتنفي إيران أنها تريد استخدام البرنامج في نهاية الأمر لإنتاج سلاح نووي لكنها وافقت على تقليصه بعد أن فرض عليها المجتمع الدولي عقوبات مالية ونفطية صارمة.
ويشمل الإتفاق المرحلي الذي تبلغ مدته ستة أشهر تخفيفا جزئيا للعقوبات مع استمرار المحادثات للتوصل إلى اتفاق أوسع نطاقا وأطول أمدا.
وسمح البيت الأبيض للكونغرس بالإطلاع على النص الكامل للتوجيهات الفنية للوكالة الدولية للطاقة الذرية لكنه أصدر ملخصا مُفصّلا يقع في أربع صفحات للإتفاق لمن يُريد الإطلاع عليه.
وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض للصحفيين “تفضل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تظل بعض جوانب التفاهمات الفنية سرية.”
وأطلعت ويندي شيرمان كبيرة المفاوضين المختصين بشؤون إيران في وزارة الخارجية الأمريكية المُشرعين على الإتفاق يوم الخميس 16 يناير. وانسحب بعضهم من الإجتماع قائلا إن ذلك زاد من مخاوفهم بشأن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة وخمس قوى عالمية بدلا من أن يهدئها.
وقال لينزي غراهام، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ساوث كارولينا للصحفيين “أشعر بانزعاج أكبر وأكبر من أي وقت مضى بعد هذه الإفادة”. وغراهام منتقد مستمر لمبادرات السياسية الخارجية التي تتخذها إدارة الرئيس باراك أوباما وشارك في وضع مشروع قانون عارضته الإدارة لفرض عقوبات جديدة على إيران إذا ما انسحبت من المفاوضات.
ووافقت إيران على وقف تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 20 بالمائة بحلول يوم الإثنين 20 يناير 2014 وأن تبدأ في تخفيف نصف ما لديها من اليورانيوم المُخصّب بهذه الدرجة من النقاء.
وعلى مدى الأشهر الستة المقبلة ستتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مجموعة من القيود الأخرى على أعمال التخصيب واستخدام أجهزة الطرد المركزي. ويفيد الملخص أنه لا يسمح لإيران ببدء تشغيل مفاعل اراك أو تزويده بالوقود.
وفي نهاية فترة الستة أشهر يتعين أن توافق إيران على “خفض الحجم المسموح بتخزينه من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء خمسة بالمائة”.
وسيزور مفتشو الوكالة موقعي التخصيب في نطنز وفوردو يوميا ويشمل ذلك زيارات معلن عنها وأخرى مفاجئة. وسيزور المفتشون مفاعل أراك مرة كل شهر على الأقل بعد أن كانوا يزورونه مرة كل ثلاثة اشهر أو أكثر حتى الآن.
وأضاف الملخص أن إيران وافقت على تقديم معلومات عن تصميم مفاعل اراك والسماح بدخول منشآت أخرى مرتبطة به. وتابع أن عمليات التفتيش الإضافية “ستُمكن المجتمع الدولي من رصد أي انحراف أو اختلاف في المواد باتجاه برنامج سري في وقت أسرع.”
وسيشكل الإتحاد الأوروبي وإيران والقوى الست المشاركة في الاتفاق لجنة خبراء مشتركة للعمل مع الوكالة على تنفيذ الإتفاق وبحث أي قضايا قد تثار. وستعقد المجموعة اجتماعا كل شهر.
واشتمل الملخص كذلك على تفاصيل عن توقيتات تخفيف العقوبات.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 17 يناير 2014)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.