هواجـس تركية متصاعدة من احتمالات “لبننة” الأوضاع في سوريا
للمرة الأولى، يعترف وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، أن سوريا بموقعها الجغرافي - السياسي، هي البلد الأهَـمّ في الشرق الأوسط، سواء لعملية السلام أو لغير ذلك من المسائل.
وما كان لمهندس السياسة الخارجية التركية، والذي وضع بلاده في موقع لم تكُـن عليْـه من قبل في الخارطة الدولية، سواء إيجابا أو سلبا، أن يُـدلي بهذا الموقف، لو لم تنتقل حركة الإحتجاجات العربية إلى سوريا المجاورة وتظهر جوانب أخرى من الصورة، التي أُريد أن تطبع بها الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا، من أنها ضد الإستبداد والفساد في الداخل، وأنها ثورات شعبية تريد العدالة والحرية.
لُـعبة “بُـوكر” مكشوفة!
الأزمة السورية كشفت عن جوانب أخرى، اضطرت كلّ القوى إلى أن تتعرّى من ثيابها وتكشف أوراقها وتضعها على الطاولة في لُـعبة “بُـوكِـر” مكشوفة لا تغطي أي ورقة.
من الدول التي كشفت أوراقها باكرا وقبل فوات الأوان من الوضع في سوريا، كانت تركيا، وهو ما عرّض الدبلوماسية التركية إلى حرج عدم وصول الخُـطط والمبادرات إلى نهاياتها ومواجهتها طريقا مسدودا غالب الأحيان.
وإذا كان مفهوما للمراقبين أن تسعى الولايات المتحدة وفرنسا وبعض دول الغرب وبعض العرب، ولاسيما في دُول الخليج، لتصويب بنادقها على النظام في سوريا، وهُـم البعيدون عن الجغرافيا السورية، فإن ما لم يكن مبرَّرا ومفهوما بنظر البعض أن تُـسارع أنقرة إلى قطع دروب التّـفاهم مع النظام في دمشق، في لحظة بدا واضحا فيها أن عملية المطالبة بالإصلاح ليست سوى جانب صغير من عوامل الأزمة وصورتها.
وفي الوقت نفسه، بدا واضحا للغاية، أن المسألة هي صِـراع مع سوريا من جهة، وصراع إقليمي ودولي على سوريا وموقعها وكلّ ما تُـمثله من خيارات سياسية وتقاطُـعات كثيرة.
الرِّهان التركي
في هذا الإطار، بان عُـقم ومحدودية النظرة القائلة بأن الصراع داخل سوريا مذهَـبي بين نظام “علوي” ومعارضة “سُـنّية”، وهو ما حاول الخطاب التركي على امتِـداد مراحل الأزمة تسويقه، قبل أن يتراجع عنه ويُـغيِّـبه لاحقا من مصطلحاته. ذلك أن الدعم الروسي والصيني والبرازيلي وجنوب إفريقيا والهند – إلى حد ما – للنظام القائم في سوريا، لم يكُـن سوى لأسباب تتعلّـق بمصالح هذه الدول وتوازنات النظام الإقليمي والدولي.
سقط الرِّهان التركي منذ البداية على سقوط سريع للنظام، ينقل التيار الإسلامي إلى السلطة ويضعف مِـحوَر “الممانعة والمقاومة”، ولاسيما النفوذ الإيراني، وتاليا، الشيعي في المنطقة. وكان لفشل هذا الرِّهان وقْـع الصَّـدمة غيْـر الإيجابية على سياسات أنقرة، إذ بدلا أن تعتبر من هذا الفشل وتدرك عُـمق التعقيدات في الوضع السوري وتُـعيد النظر بسياساتها، خصوصا وقد بدا أن دمشق كانت مستعدّة لكي تفسح مجالا لأنقرة لتبقى لاعبا إيجابيا في الأزمة، فضَّـلت تركيا اتِّـباع سياسة “الهروب إلى الأمام” والإنتقال من تصعيد إلى تصعيد، علَّ “كثرة الضّرب تفكّ اللِّحام”، كما يقول المثل.
وفي حين كانت واشنطن براغماتية كعادتها ومستعدّة للتصعيد، إذا تطلَّـب الأمر، وللتراجع عند الضرورة، لم تكن العقلية التركية مستعدّة لمثل هذه الواقعية في التعاطي مع الموقف المتحرك، ربَّما لقِـلة خِـبرة تركيا في شؤون المنطقة التي كانت خارجها على امتداد العقود الماضية، رغم أن داود اوغلو يفتخِـر بأن لتركيا أقوى استخبارات في المنطقة، لكن اتضح أن الإستخبارات وحدها لا تكفي لفهم ما يجري.
انقلاب في الصورة
لقد عملت تركيا، وهي تطالب النظام والرئيس السوري نفسه بالإصلاح إلى تنظيم المعارضة السياسية لنظام بشار الأسد، ولكنها كانت انتقائية. فقد استبعدت معارضي الداخل والأكراد وعملت على تأمين المأوى والتدريب والتسليح للمنشقِّـين عن الجيش السوري واستجررت قضية اللاجئين، بفتح معسكرات لهم قبل أن ينزح أي مواطن، مشجِّـعة إياهم على النزوح. وبذلك، كانت تركيا تتحوّل شيئا فشيئا إلى طرف في النزاعات الداخلية لسوريا نفسها، ولعل هذا كان من أكبر أخطائها، وهو ما لم تفعله أي دولة أخرى بعيدة، فكيف لأنقرة أن تفعل ذلك، وهي الوحيدة المحاذية جغرافيا لسوريا من بين القوى المعادية للنظام السوري؟
لقد انقلبت الصورة التي حاولت تركيا أن تُـرسِّـخها مكنذ سنوات، أي “صفر مشكلات”، لتحلّ محلَّـها سياسة “صِفر” مشكلات، أي سياسة كلها مشكلات. وانقلبت الصورة، حتى في العلاقات التركية – الأمريكية، وبدلا من أن تكون واشنطن هي التي تمارس ضغْـطا على أنقرة لثنْـيِـها عن هذا الموقف أو ذاك أو دفعها إلى هذا الموقف أو ذاك، كانت تركيا في شخص داود أوغلو تُـمارس هذا الدور وتحاول أن تُـقنع إدارة الرئيس اوباما بأهمية دعْـم جيش سوريا الحُـرة وإقامة مناطق عازلة ومَـمرّات إنسانية، بل تجديد محاولة إقامة تكتُّـل دولي عسكري لشنِّ حرب على سوريا.
“مصنع لإنتاج الأفكار”
لقد تحوّلت تركيا إلى “مصنع لإنتاج الأفكار”، على غِـرار مراكز إنتاج الفكر في الغرب وغيْـر الغرب. فهي التي اقترحت إرسال مراقبين عرب إلى سوريا وفرض عقوبات اقتصادية والتوجّـه إلى الأمم المتحدة، لاستصدار قرار منها بعد عائق الفيتو، الروسي والصيني في مجلس الأمن، والتوجّه إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف وإلى عقد مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس، الذي لم يكُـن سوى مدخلا لاستكماله في إسطنبول لاحقا (قبل موفى شهر مارس الجاري).
وبعد فشل إسقاط النظام عبْـر كلّ هذه الصِّـيغ، كان الإنكِباب التركي على اللعب بمكوِّنات المجتمع السوري ومحاولة فكّ الرباط المسيحي والعلوي والدرزي عن النظام، بالتخطيط لإقامة مؤتمر في إسطنبول لممثلي الأقليات السورية، ومنهم الأكراد، كذلك، لعقد مؤتمر لمُمثلي الطوائف المسيحية في المنطقة في إسطنبول. ولقد كان داود اوغلو صريحا عندما قال: “إذا انسَـدَّت كلّ الطُّـرق لإسقاط النظام، فيجب البحث من جديد عن طريق آخر لعزل النظام في سوريا وإسقاطه”.
“كل شيء أو لا شيء”
في الوقت الراهن، يُـخيف تركيا سيناريوهان: بقاء النظام أو انتشار الفوضى، إذ أن أنقرة اتبعت سياسة “كل شيء أو لا شيء”، وهذا ليس من الفِـطنة بشيء.
لكن المحللين الأتراك بدأوا يتوجَّـسون من إمكانية الذهاب إلى السيناريو الثاني وما يسمّى بـ “لبننة سوريا”، وهنا ستكون تركيا أمام احتمال نشوء كيانيْـن على حدودها: علوي جنوبيّ الاسكندرون وكردي على الحدود الجنوبية من تركيا، وكِـلا النزعتيْـن (العلوية والكردية)، تقف الحكومة التركية منهما في الداخل التركي موقِـفا عدائيا.
فكيف إذا ظهر احتمال الدولتين، العلوية والكردية، وما ستعكسه من سلبيات كثيرة على وحدة تركيا، جغرافيا أو اجتماعيا؟ خصوصا أن علويي الاسكندرون تظاهروا للمرّة الأولى بالآلاف في مدينة انطاكية التركية، رافعين صور الرئيس الأسد والأعلام السورية في رسالة تحذيرية غيْـر مسبوقة إلى ما ينتظر تركيا من أخطار، في حال استمرار سياساتها الحالية.
عودة إلى الواقعية؟
لا شك أن تركيا ستكون من أكبر الرّابحين في حال سقوط النظام، لكنها قد تكون الخاسر الأكبر في حال بقائه بشكل أو بآخر. ومن الواضح، أن سقوط النظام لا زال خطّا أحمر لروسيا والصين وإيران وآخرين، لألف سبب وسبب. كما أن واشنطن، تُـدرك أن لاندفاعها ضد روسيا والصين، حدودا في مكان ما، ومن الواضح أن سوريا أحد هذه الأماكن، التي لا تحتمل التَّـفريط بها من القوتيْـن المذكورتين.
وبدلا من استمرار سياسة “ابتِكار” الصِّـيغ والأفكار الهادفة إلى عدم إراحة النظام السوري، يرى مراقبون أنه ربما كان الأفضل لأنقرة أن تتخلّى عن سياسات المكابَـرة والمغامرة، التي ثبت فشلها، وأن تحتفظ في المقابل، ببعض المكاسب بالعوْدة إلى سياسات الواقعية.
فهل تفعل ذلك، ولو متأخِّـرة؟ سؤال قد لن تتأخر الإجابة عنه طويلا.
باريس (رويترز) – قال برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري يوم الخميس 1 مارس إن المعارضة السورية شكلت مجلسا عسكريا للاشراف على المعارضة المسلحة داخل البلاد وتنظيمها تحت قيادة موحدة.
وقال في مؤتمر صحفي في باريس ان جميع القوى المسلحة في سوريا اتفقت على تشكيل المجلس العسكري وانه سيكون بمثابة وزارة للدفاع.
وانتقد بعض السوريين المجلس الوطني لعدم دعمه الصريح للمعارضة المسلحة للرئيس بشار الاسد والتي يقودها الجيش السوري الحر الذي يضم منشقين عن القوات المسلحة ومدنيين لجأوا الى حمل السلاح.
وبدا في بعض الاحيان أن المجلس الوطني والجيش الحر على خلاف استراتيجي اذ احجم المجلس في باديء الامر عن تبني الرد المسلح الذي يتبناه الجيش الحر على الحملات التي تشنها القوات الحكومية.
ولم يرد تعليق فوري من الجيش السوري الحر.
وأفاد بيان أصدره المجلس الوطني أن المجلس العسكري تشكل بسبب التطورات السريعة على الارض والحاجة لتعزيز قدرات الجيش السوري الحر.
وقال غليون ان الحركة المطالبة بالديمقراطية التي بدأت قبل عام احتفظت بسلميتها على مدى شهور لكن نتيجة لعنف الرد الحكومي تعين عليها تشكيل مجلس عسكري.
ويدعو غليون وهو اكاديمي بارز للديمقراطية في سوريا منذ سبعينات القرن الماضي في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد والد بشار. لكن بعد اراقة الدماء على مدى شهور والجدل الدائر داخل صفوف المعارضة واجه تشكيكا في قدرته على قيادة الحركة.
ويوم الاحد 26 فبراير 2012، شكل عشرون (20) على الاقل من الأعضاء البارزين في المجلس الوطني المؤلف من 270 عضوا منظمة منشقة باسم “المجموعة الوطنية السورية”. وشكوا من أن المجلس الوطني فشل في تحقيق نتائج مرضية أو الاستماع لمطالب معارضين داخل سوريا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 مارس 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.