وهَـل هُـناك فعلا مصالحة عربية؟
كثير من المُـراقبين للوضْـع العربي، أصابتهم الدّهشة حين سمعوا أن لِـقاء مصالحة على هامِـش قمّـة الكويت الاقتصادية، قد عُقد بالفعل بعد الجلسة الافتتاحية، بناءً على دعْـوة من ملك السعودية عبد الله، شارك فيها قادة خمسة دول عربية، يمثِّـلون فيما بينهم مِـحوَريْـن رئيسييْـن في النظام العربي، لكل مِـنهما فكره السياسي وأداؤه، الذي يتجاوز الخلاف حول المبادرة العربية للسلام وسُـبل الخروج من أزمة الحرب الإسرائيلية على غزّة.
مَـردّ المُـفاجأة، أن ما شهده العالم العربي خلال الشهور الماضية ووصل إلى ذِروته في الأسابيع الثلاثة التي شهدت تعرض قطاع غزة المحتل إلى هجوم عسكري شرس من طرف الجيش الإسرائيلي، من تلاسُـن وتخْـوين وانتقادات وحَـملات إعلامية واتِّـهامات بالغة الحدّة، لاسيما بحقّ مصر، هو من النوْع الذي لا يمكن لمجرّد جلسة غذاء أن تتجاوزه أو تقلبه رأسا على عقب، خاصة أن أحدا لم يسمَـع أن هذه المأدبة قد تضمّـنت نوعا من العِـتاب المُـتبادل أو المُـصارحة أو المُـناقشة الهادئة، لما جرى في السابق، وما يجب أن يجري في قادم الأيام.
صفحة جديدة
كان الرئيس مبارك في خطابه الذي ألقاه في افتتاح القمة الإقتصادية، قد كشف عن رُؤيته بشأن الخِـلافات العربية، بكونها بين أشقّـاء وبأنها لا تستعصى على الحلّ، شريطة أن تكون هناك جُـهود مُـخلصة وعزيمة صادقة، وانحياز للهوية العربية ومنع الاختراق الخارجي والانحياز إلى أهداف واحدة، وداعيا إلى عدم تقسيم العرب إلى مُـعسكرين، ممانعين في جانب، ومعتدلين في جانب آخر، وكذلك فعل الملك عبد الله، عاهل السعودية، حين قدّم نقْـدا ذاتِـيّا لكل الحكّـام العرب، لأنهم سمحوا بالانقسام، داعيا إلى التّـسامح مع ما كان، وتجاوُز الخلافات وبدء صفحة جديدة في العلاقات العربية.
وهكذا جرى لقاء المصالحة، ولكن التوتّـر والاضطراب في العلاقات العربية ظلّ باقيا، حسب عمرو موسى، الذي طالب العرب بالدّعاء حتى لا يحدُث لا ما يُـحْمد عُـقباه، وظلّـت معه الحاجة إلى تحرّكات مُـستقبلية، تُـبنى على هذا اللقاء، شرط الإخلاص وانفتاح القلوب والعقول معا، وهو ما لم تتّـضح أبعاده بعدُ.
اضطراب عربي
جزء من الاضطراب والتوتّـر، بانت معالمه حين اخُتِـلف على مضمون البيان الذي صدر لاحقا عن قمّـة الكويت بشأن الحرب التي تعرض لها قطاع غزّة وكيفية التعاطي مع المصالحة الفلسطينية وقضية إعمار ما دمّـرته آلة الحرب الإسرائيلية الرهيبة.
فقطر وسوريا أرادَتا تضمِـين البيان، فقْـرة عن مقرّرات اجتماع الدوحة، الذي انعقد يوم 16 يناير الجاري، والذي شارك فيه الرئيس الإيراني وخالد مشعل، بصفته زعيما لحماس، وهي المقرّرات التي تُـسقِـط المبادرة العربية للسلام وتنادي بخِـيار المقاومة، كخِـيار وحِـيد لتحرير الأرض العربية المحتلّـة، ولا تعترف بالسلطة الوطنية، فضلا عن رغبة سوريا في عدم الإشارة إلى أي شيء يتعلّـق بدَور مصر في المصالحة الفلسطينية أو وقف إطلاق النار في غزّة، وطلب إضافة فقرة تدعَـم دور سوريا في إجراء المُـصالحة الفلسطينية، وهي أمور رفضتها بالمقابل كلّ من مصر والسعودية والكويت.
نتائج كبيسة
كانت معركة بيان قمّـة الكويت تجسيدا للخلافات المعروفة من جهة، ومُـحاولة لتغيير مسار توافقات عربية، تمّ التوصّـل إليها بشقّ الأنفس قبل سنوات، تغييرا جذريا، فقط لمجرّد – ما اعتُبر من طرف البعض – رغبة دولَـتين في المناورة السياسية، إقليميا ودوليا، ودون تشاور مع باقي الأطراف العربية.
وكان الحلّ بسيطا، وهو عدم قول أي شيء يخُـصّ القضايا الأساسية، التي ظلّـت محلّ الاختلاف، وبما يعني أن الأمور هي على حالها، وأن الخلافات العربية هي الأساس وأن المصالحة أو ما وصفت، كذلك ليس سوى ومْـضة ضوء بلا أثَـر.
نتائج مثل هذا الموقف، ليست بسيطة، فصدور البيان على هذا النّـحو يعني أن دعْـم غزّة عربيا، لن يمُـر بسهولة وسيُـواجه صعوبات لا حُـدود لها، وأن هناك تشكيكا ضمنيا بالسلطة الوطنية الفلسطينية وأن المناداة بوجود رعاية عربية وبدور لأمانة الجامعة العربية في المصالحة الفلسطينية، تعني انقلابا على ما اتّـخذه مجلس وزراء الخارجية العرب من قبل، حين أيَّـد الوزراء دورَ مصر في هذا الصدد. ومن هنا، جاءت غصّـة كبيرة لدى القاهرة.
الأكثر من ذلك، فإن البيان قد أعطى مؤشِّـرا سلْـبيا ومبكّـرا على ما يُـمكن أن يحدُث في القمّـة العربية في قطر نهاية شهر مارس المقبل، فإذا استمرّ الوضع على هذا الحال، فالأرجُـح أن تكون قمّـة قطر خُـطوة نحو المجهول، عربيا وفلسطينيا، لاسيما في ضوء المؤشِّـرات الرّاهنة على عدم قابلية حُـدوث مصالحة فلسطينية في المدى المنظور.
تضارب المصالح والأدوار
هنا، يرى كثيرون أن تضارب المصالِـح والأدوار بين الدول العربية، بات حقيقة تستعصي على الحلّ عبر لحظة عِـناق عابرة، وأن الانقسام موجُـود بالفعل، ومن ثمّ، فإن هذه المصالحة تواجِـه اختبارا قويا لكي تتحوّل من مجرّد شِـعار إلى فِـعل والتزام، يؤدّيان إلى تغيير قواعِـد اللّـعبة التي سادت المشهد العربي في العامين الأخيرين، ولخّـصَـته عِـبارات من قبيل عرب المُـقاومة وعرب التواطُـؤ وعرب العرب وعرب فارس، ومُـعتدلين أقرب إلى الخِـيانة القومية أو هُـم كذلك بالفعل، ومُـمانعين ذوي التزام قومي ناصِـع، وإن كانوا يستغلّـون فلسطين ومُـعاناة شعبها لحسابات ضيِّـقة، وبين متمسِّـكين بالمبادرة العربية كخِـيار إستراتيجي، وبين مَـن يروْنَـها خِـيارا قد مات، فِـعلا وقولا، ولم يعُـد له وجود، وأن البديل هو المقاومة لا شيء غيرها، دون أن يوضح أحد ما هي الأفُـق السياسية والعملية لهذا الخِـيار.
أبعد من مجرّد تشكيك
وقد يرى البعض أن هذا يمثل نوعا من التّـشكيك – والحقّ أنه كذلك – لأسباب عدّة، أبرزها أن حالة اللاثقة الموجودة بين القيادات العربية، باتت مُـغلَّـفة بطموحات سياسية عريضة وتدخّـلات أطراف خارجية، يستعين بها هذا الطرف أو ذاك حين الحاجة في مواجهة أشقَّـائه العرب الآخرين.
وثانيا، أن أزمة الحرب الإسرائيلية على غزّة، أبرزت إن هناك توظيفا للقضِـية الفلسطينية من بعض الفاعلين العرب لأهداف لا علاقة لها بالقضية نفسها، بل باستعداداتهم للتّـعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة أوباما.
وثالثا، أن النظام العربي بات مُـخترقا من جهات عدّة وبصورة لم يعُـد فيها الانتماء العروبي بآفاقه القومية، عاملا أو أساسا متّـفق عليه بين أعضاء النظام أنفسهم، ولذا، أصبح عادِيا أن يحدُث الصِّـدام والمُـواجهة بين الأفق القومي والأفق الإسلامي، وبما يخلِـط الأمور بين حلّ عربي وحلّ إسلامي، يستدعي أدوار الجِـوار غير العرب، لكي يكونوا لاعبين أساسيين في الشأن العربي العام.
رابعا، غياب الخطوط الواضِـحة بين المصالح العربية الجماعية، التي يُـفترض أنها لا خِلاف عليها، وبين المصالح القُـطرية لهذا الطرف أو ذاك، وبحيث أصبح عادِيا أن تدّعي دولة ما أن مصالحها الذاتية هي نفسها مصالِـح النظام العربي ككل، وأن تدّعي أن رُؤيتها هي الرُّؤية القومية الحقّ، وأن تحرّكها له دوافِـع قومية، لم تعُـد موجودة عند أطراف أخرى، ومن هنا، يأتي التّـخوين القومي.
خامسا، سطوة بعض الأدوات الإعلامية الفضائية ونجاحِـها في تشكيل جُـزء كبير من الرأي العام العربي في اتِّـجاهات تضرب في الصّـميم الحدّ الأدنى من التّـضامن العربي والعمل العربي المُـشترك، فضلا عن تركيزها على غِـياب شرعِـية الحكومات والنُّـظم، باعتبارها تُـخالف الاتِّـجاهات المتأجِّـجة للرأي العام، محبّـذة بذلك، الخُـروج على النِّـظام العام.
استمرار هذه العوامِـل وغيرها، لا تضع وحسب جُـهود المصالحة على المِـحكّ، بل أيضا مصير النظام العربي نفسه.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
بيروت (رويترز) – أضافت الانقسامات بين الدول العربية بشأن الحرب في غزة تحديا جديدا للاستقرار السياسي الهش في لبنان مع اقتراب البلاد من انتخابات تجرى هذا العام.
وعكست المواقف المتضاربة للدول العربية وهو ما أكده دعمها للفصائل الفلسطينية المتشاحنة خلافات الفصائل في لبنان والتي غذت الازمة السياسية طوال السنوات الاخيرة.
ويبدو أن خلافات العرب التي عمقها الصراع في غزة سترفع الحرارة السياسية في لبنان حيث تتنافس تحالفات مدعومة من دول اقليمية متنافرة على مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية التي تجرى في السابع من يونيو حزيران.
وقالت روزانا بومنصف المعلقة في جريدة “النهار” اللبنانية لرويترز “أنا مازلت أخشى على لبنان… غزة ولبنان كانا ومازالا ساحة لترجمة هذا الصراع العربي”.
وتمتع لبنان بثمانية شهور من الاستقرار النسبي بفضل اتفاق تم التوصل اليه بوساطة قطرية نزع فتيل الصراع العميق بين الائتلاف الذي تدعمه السعودية وكتلة منافسة تدعمها سوريا وايران. ودفع الصراع في ذروته لبنان الى شفا حرب أهلية جديدة.
وتحولت التوترات بين اللبنانيين التي غذاها اختلافات الدول العربية بشأن كيفية التعامل دبلوماسيا مع أزمة غزة بسرعة الى عراك سياسي داخلي حول ما اذا كان يجب على لبنان المشاركة في تجمع عقد لزعماء عرب في قطر الاسبوع الماضي.
وتراجع الرئيس اللبناني ميشال سليمان عن قرار مبدئي بعدم الذهاب الى قمة الدوحة وذلك في ما يبدو تحت ضغط من حلفاء سوريا في لبنان وبينهم حزب الله القوي الذي تدعمه ايران.
وسعت السعودية الى تضييق الخلافات مع سوريا وقطر في القمة التي عقدت في الكويت هذا الاسبوع. لكن يبدو أن مفاتحاتها العلنية حققت تقدما بسيطا.
ولقيت قمة قطر التي حضرها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس معارضة من مصر والسعودية حليفتي الولايات المتحدة اللتين تفضلان التعامل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وحضرت قمة الدولة سوريا وايران وكلتاهما تدعمان حماس.
وقالت جريدة “الأخبار” المؤيدة لحزب الله ان القرار الاول لسليمان بشأن التجمع في قطر أظهر انحيازه لتحالف “14 آذار” المناهض لسوريا والذي يقوده سعد الحريري السياسي المدعوم من السعودية. وقالت الصحيفة إن سليمان “يهدد التوافق الداخلي”.
وكان هذا أول انتقاد جاد يوجه لسليمان منذ انتخابه “كمرشح توافقي” في مايو 2008 في اطار اتفاق الدوحة الذي أدى الى تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان.
وبقي الزعماء اللبنانيون ملتزمون باتفاق الدوحة علانية. لكن مع عدم حل أي من الاسباب الجذرية للصراع السياسي يقول بعض المراقبين ان هناك حاجة لتفاهم جديد من أجل تجنب المزيد من الازمات في فترة ما بعد الانتخابات لدى تشكل حكومة جديدة.
وتتضمن مناطق النزاع في لبنان دور ميليشيات حزب الله الحليف الاستراتيجي لايران وهو ما وصفته جريدة “الانوار” في افتتاحيتها بانه “حقل ألغام عربي”. ويمثل الجناح العسكري لحزب الله وهو أقوى من الجيش اللبناني مصدر قلق رئيسي بين معارضي الجماعة الشيعية في لبنان.
وبالمثل من المرجح أن تفرض المحكمة الدولية التي تنظر قضية اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري عام 2005 نفسها على الاجندة السياسية مجددا لدى انعقاد المحكمة في لاهاي في الاول من مارس اذار.
وأعرب حلفاء سوريا في لبنان عن مخاوفهم من أن المحكمة قد تستخدم سياسيا ضدهم وضد دمشق. ويتهم الحريري الابن دمشق بتنسيق عملية الاغتيال.
ومع ارتفاع سقف الرهان بالنسبة للفصائل المتناحرة في لبنان وحلفائهم الاقليميين قال دبلوماسي في بيروت ان الجانبين سيحاولان الفوز في الانتخابات البرلمانية “بأي وسيلة”. وأضاف الدبلوماسي أن الخلافات العربية بشأن حرب غزة “عامل اضافي يضغط على الوضع في لبنان”.
ويقول سياسيون ان اللاعبين الاقليميين ضخوا بالفعل كميات غير مسبوقة من الأموال في لبنان للإنفاق على الحملات الانتخابية لحلفائهم المحليين.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 يناير 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.