2008: حصاد فلسطيني مُـرّ
مع نهاية عام 2008، يكون الفلسطينيون قد قضّـوا أكثر من عام في ظلّ انقسام غير مسبوق، في الوقت الذي لا تلوح في الأفق أي أمال بتجاوزه، بل إن كافة المؤشرات تنبـئ بسنة عجفاء أخرى.
ومع انقضاء الأيام الأخيرة من العام الجاري، كانت قيادتا الفلسطينيين، في غزة ورام الله، تتبادلان اتِّـهامات وصلت إلى حد الشتائم العلنية، لاسيما وصْـف مشير المصري، النائب عن حماس في غزة، الرئيس محمود عباس بأنه “رئيس عِـصابة”.
عباس أيضا، كال الاتهامات إلى حماس، عندما وصف الحركة الإسلامية وهو في ثياب الإحرام بمكة بـ “القرامطة”، بسبب منعهم حجيج غزة من التوجّـه إلى السعودية، وزاد على ذلك بقوله أن “إسرائيل لم تقُـم بمثل هذا الإجراء”.
الاتهامات المتبادلة كانت حصيلة عام كامِـل من التجاذبات بين حماس، التي أحكمت سيطرتها على قطاع غزة منذ “انقلابها العسكري” صيف العام الماضي، وبين حركة فتح والرئاسة الفلسطينية المتمركزة في الضفة الغربية.
موجة التحريض القاسية تجدّدت إثر فشل الجهود التي قادتها مصر على مدى الأشهر الأخيرة في ترتيب الحوار الفلسطيني الوطني، الذي انتظره الجميع. وفشل اللِّـقاء قبل بدايته في أوائل شهر نوفمبر الماضي مع إعلان حماس أنها لن تحضره بحجّـة استمرار السلطة الفلسطينية في اعتقال عناصرها ومؤيديها في الضفة الغربية.
وكانت محاولات إنجاح الحوار قد تراجعت بعد فشل حوار صنعاء في اليمن ربيع العام الجاري. اختلف الطرفان في اليمن قبل أن يجف الحِـبر الذي كتب به “إعلان صنعاء” حول عزم الطرفين استئناف اتصالاتهما.
وإن تعدّدت التأويلات في تفسير جوهر وماهية الخلافات التي تُبقي الطرفين خارج مرمى احتمالات المصالحة، فإن ثمة أمرا واحدا راح يتكرّس مع كل يوم ينقضي من العام، ألا وهو ذلك الشرخ الذي لم تشهده الساحة الفلسطينية مثيلا له من قبل.
في رام الله، مركز الضفة الغربية، واصلت حكومة تصريف الأعمال برئاسة سلام فياض عملها ومعها الرئاسة الفلسطينية وحركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية. وفي غزة، لم تغادر حكومة إسماعيل هنية المُـقالة مقرها، وتمسك كل طرف “بالشرعية”.
وعلى الأرض، انقسم الجمهور إلى قِـسمين، وواصلت إسرائيل حصارها لقطاع غزة، بالرغم من اتفاق التّهدئة الذي عقدته مع حماس بوساطة مصرية ومباركة عربية ودولية وإقليمية.
فشل عام
وبالرغم من مواصلة المانحين الدوليين دعمهم المالي للسلطة الفلسطينية، وتسديد مستحقات الرواتب المتأخرة جمعيها (بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية)، والأمل الذي أثاره مؤتمر أنابوليس لدفع العملية السِّلمية، فإن الآمال راحت تتلاشى من جديد.
ولم يعد ممكنا الحديث عن قيام دولة فلسطينية قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش قبل مُوفى العام الحالي. فقد انتهى العام، وها هو بوش يغادر البيت الأبيض دون أي إشارة إلى إمكانية تحقيق انفراج في العملية السلمية.
ولم تفلح محالاوت حكومة فياض، التي وفّـرت نحو 200 مليون دولار للمشاريع المختلفة في الضفة الغربية واستمرّت في دفع رواتب الموظفين في قطاع غزة (نحو 77 ألفا)، في التغطية على الحصار الشامل، الذي يضرب القطاع منذ سنوات.
وفي الوقت الذي شدّدت فيه إسرائيل حصارها على قطاع غزة، فإن الضفة الغربية لم تكُـن في حال أفضل، إذ تواصل الاستيطان ومصادرة الأراضي وعمليات الاعتقال والاغتيالات دون توقف، إضافة إلى هجمات المستوطنين ضدّ السكّان ومُـمتلكاتهم.
واعتبر غسان الخطيب، نائب رئيس جامعة بيرزيت، في حديث لسويس انفو أن الفلسطينيين عاشوا عام 2008 أسوأ حالاتهم منذ النّـكبة عام 1948 (عند قيام إسرائيل)، مشيرا إلى أنه لا يمكن توقع سوى المزيد من التّـدهور للعام المقبل.
وقال الخطيب، وهو وزير سابق وعضو المكتب السياسي لحزب الشعب (الشيوعي سابقا) “إنه عام يمضي غير مأسوف عليه، لم نشهد هكذا أوضاع منذ النّكبة عام 1948 والاحتلال عام 1967”.
وأضاف “لقد تكرّس الانقسام وفشلت جهود العملية السلمية وتصاعد الاستيطان، لقد كانت سنة سيِّـئة جدا بكل المقاييس، لكن الانقسام يظل الأسوأ، وأخشى أن تتضاعف درجات السوء في السنة القادمة”.
وإذ يغادر الفلسطينيون عامهم الحالي بهذه الطريقة القاسية والمؤلمة، فإنهم يدخلون عامهم الجديد وقد اثقلوا بكل الأسباب التي لا تدع مجالا للتفاؤل في العام الجديد.
ويلوح في الأفق موعد التاسع من يناير الذي بات موضِـع خلاف جديد بين حماس وفتح حول تفسير موعد انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس. وقد أعلنت حماس مِـرارا على لسان أكثر من مسؤول، أنها لن تجدّد للرئيس عباس ولن تعتبره رئيسا بعد هذا التاريخ.
وتقول حركة فتح إن ولاية الرئيس تنتهي مع انتهاء ولاية المجلس التشريعي في يناير 2010 وليس في 2009، حسب ما نصّ عليه قانون الانتخابات. وقد تحوّلت المسألة إلى أداة جديدة للتحريض من قِـبل الطرفين.
احتمالات الانتخابات
وفي محاولة جديدة للخروج من الأزمة ودفع الأمور إلى الأمام، أعلن عباس أنه سيدعو إلى انتخابات تشريعية ورئاسية، معتبرا أن المخرج الوحيد في مثل هذا الحال، يكون باللجوء والعودة إلى الشعب.
لكن حماس غير معنية حاليا في الذّهاب إلى انتخابات، وهي تؤكد أن ثمة حكومة ومجلسا تشريعيا مُـنتخبان، وأن الأمور تحتاج إلى حوار شامل وكامل يتناول جميع الأمور، بما في ذلك تشكيل حكومة تعد للانتخابات والبحث في إصلاح منظمة التحرير والأجهزة الأمنية والبرنامج السياسي.
لكن الشيطان ما زال يسكن هذه التفاصيل، وهي التفاصيل ذاتها التي لم يتمكّـن عباس ولا حماس من معالجتها في حواراتهما التي سبقت يوم سيطرة حماس على قطاع غزة في صيف عام 2007.
وفي ذات الوقت، سيكون من العسير إجراء انتخابات في الضفة الغربية دون غزة أو حتى دون الاتفاق مع حماس حول هذا الموضوع، مع الإشارة إلى أن حماس تريد أن تبحث جميع المواضيع دُفعة واحدة.
وقال النائب عن حماس في المجلس التشريعي، أيمن دراغمة في حديث لسويس انفو “للأسف، لازالت أسباب التوتر قائمة، والمطلوب من الطرفين تلطيف الأجواء قبل الدّخول في حِـوار شامل”.
ويشير دراغمة إلى جملة من الخُـطوات التي ترغب حماس في رؤية عباس والسلطة الفلسطينية القِـيام بها من أجل الدخول في الحوار. وتعتبر عملية إطلاق سراح معتقلي حماس لدى السلطة وتصويب أوضاع جمعياتها ومؤسساتها (التي أغلقتها السلطة) في الضفة الغربية، أولى هذه المطالب، لكن السلطة الفلسطينية، وعلى لسان عباس، تنفي أن يكون لديها أي معتقلين سياسيين، في حين تقول حماس إن الرقم يصل إلى نحو 400 معتقل.
ثمّـة أسباب عديدة يمكن أن تفسِّـر انحسار فُـرص خروج الفلسطينيين من مأزقهم الحالي، لاسيما ذلك التناقض الكبير بين برنامجي حماس، التي لم تتردّد في كشف ولائها الحقيقي للإخوان المسلمين على الملأ، وبين حركة فتح العِـلمانية، التي تعيش حالة انقسام داخلي أيضا.
لا زالت هناك إسرائيل، التي تمنع عملية السلام من التقدّم وتمنح كل الأسباب للإبقاء على حصار غزّة وإقصائها عن الضفة الغربية.
هشام عبدالله – رام الله
القدس (رويترز) – سيكون تركيز إسرائيل استراتيجيا عام 2009 على خطط إيران النووية وسوريا، وبدرجة أقل على لبنان، وهي الساحات التي قد يؤدي تولي ادارة اوباما المسؤولية في واشنطن الى بعض التغييرات في التكتيكات بصددها، لكن المخاطر على المدى الاقرب في العام القادم بالنسبة للاسرائيليين والفلسطينيين، توجد أقرب كثيرا الى الديار، إذ ليس من الممكن أن يتزايد القتال بين الاسرائيليين والفلسطينيين فحسب، بل حيث تصاعدت المخاطر بوقوع أعمال عنف داخلية في كل معسكر.
ويقول محللون إن الخلافات الايديولوجية العميقة على الجانبين، تمثل خطرا اكبر كثيرا بنشوب صراع عنيف وأشاروا الى الشكوك المحيطة باجراء انتخابات اسرائيلية في فبراير الى جانب الشكوك بشأن السياسات الامريكية الجديدة.
وبالنسبة للفلسطينيين، تظل معظم أعمال العنف المحتملة مركزة على الانقسام الداخلي بين حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي تهيمن على قطاع غزة وحركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس المدعومة من الغرب، والتي تسيطر على الضفة الغربية التي تحتلها اسرائيل.
ومن المرجح أن ينتخب الاسرائيليون – الذين يشعرون بالارتباك او العداء تجاه المفاوضات القائمة على التنازل عن أراض محتلة لاقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع دولة يهودية – رئيس الوزراء الاسبق بنيامين نتانياهو، وهو من الصقور في الانتخابات التي ستجرى في 10 فبراير، مما يعني الغاء رؤية واشنطن الحالية للسلام.
وقال نيكولاس بيلهام من المجموعة الدولية لمعالجة الازمات “احتمالات المصالحة لم تبد اكثر قتامة من قبل… في المجتمعين الاسرائيلي والفلسطيني هناك شعور بأزمة في القيادة فيما يتصل بالافتقار الى الاشخاص الذين يستطيعون مواجهة المعارضة الداخلية لتحقيق تسوية قائمة على اقامة دولتين”.
اما اسرائيل، التي يفترض أنها تمتلك ترسانة من الاسلحة النووية، فترفض تأكيد ايران أن برنامجها النووي ليس محاولة لانتاج أسلحة لتهديد الدولة اليهودية. ويريد الزعماء الاسرائيليون من باراك اوباما أن يواصل ممارسة الضغط على طهران، كما يسعون الى اجراء محادثات سلام مع سوريا ويأملون في مزيد من الانخراط الامريكي في استراتيجية لاضعاف علاقات دمشق مع ايران ودعمها لحزب الله اللبناني وحركة حماس، لكن فيما يخص المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين، فان الجمود الدبلوماسي يزيد من خطر نشوب صراع مفتوح.
ويشير الكثير من المحللين الى غزة، التي هي قنبلة موقوتة، حيث يتبادل مقاتلو حركة حماس والقوات الاسرائيلية اطلاق النيران عبر حدودها، على الرغم من التهدئة التي أعلنت قبل ستة أشهر والتي انتهت رسميا يوم الجمعة 29 ديسمبر.
وليست اسرائيل في عجلة من أمرها لغزو القطاع الساحلي الفقير، لكن المزاج سيتغير بسرعة اذا ألحق الفلسطينيون خسائر بشرية كبيرة بصاروخ بدائي الصنع من غزة يسقط على مدرسة او اي تجمع كبير اخر.
وقال الميجر – جنرال عاموس يادلين، رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية ان من شأن هجوم من هذا النوع أن “يدمر التهدئة ويؤدي الى تصعيد”.
ومن الممكن أن تؤدي الخسائر المترتبة على شن هجوم على غزة الى استئناف حركة حماس للتفجيرات الانتحارية في اسرائيل، لكن من الممكن ايضا أن يكون لهذا أثر على الضفة الغربية، حيث يتهم الموالون لحماس ادارة عباس بالانحياز الى اسرائيل ضدهم. وقال مشير المصري، المسؤول في حركة حماس بقطاع غزة، انه اذا اندلعت انتفاضة في الضفة الغربية، فستكون ضد الاجهزة الامنية التابعة للسلطة الفلسطينية والمتواطئة مع المحتل الصهيوني.
ومن المستبعد أن يتخلى عباس – المدين للمانحين الدوليين الذين يدعمون قوات الامن التابعة له – عن المقاربة مع اسرائيل، ناهيك عن اختيار قتالها رغم احباطه من عدم احراز تقدم نحو ابرام اتفاق لاقامة دولة فلسطينية. لكن من الممكن أن تتزايد الضغوط على عباس لتغيير مساره اذا تحولت مجموعة كبيرة من الاعتداءات قام بها مستوطنون يهود في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين في الاونة الاخيرة الى حوادث مميتة خاصة بالنظر الى الاراء التي تقول ان اسرائيل تتعامل مع متطرفيها بتهاون شديد.
ويقول مايكل اورين، المؤرخ العسكري بمركز شاليم في القدس ان اسرائيل ستضطر الى مواجهة المستوطنين المتطرفين اذا أصبحت قواتها ضحية لعنفهم، وأضاف “المجتمع الاسرائيلي متقلب… اذا قتل جندي سينهار دعم الاسرائيليين للمستوطنين حتى بين هؤلاء الذين يحملون لهم نوايا طيبة”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 ديسمبر 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.