سيدي إيفني.. عندما ينتقل الإحتجاج من المركز إلى الأطراف
من الطبيعي أن يقع الاهتمام داخليا وخارجيا بحقيقة التقارير عن وجود قتلى في المواجهات الدموية التي شهدتها مدينة سيدي ايفني المغربية بين القوات الامنية والمواطنين يوم السابع من يونيو الجاري.
لكن هذا الإهتمام لا يقلل من انعكاسات هذه المواجهات على الاستقرار في بلد تظل الانفجارات الاجتماعية فيه غير مستبعدة في ظل استفحال الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد كما في غيره من دول العالم الثالث اللانفطية.
وسيدي ايفني، تلك البلدة الصغيرة على ضفاف المحيط الاطلسي، أضحت منذ 7 يونيو عنوان المغرب الرئيسي ومحور اهتمام مواطنيه واهتمام العالم به، ليس لأن القوات الأمنية المغربية دخلت في مواجهات مع شبان عاطلين عن العمل “احتلوا” لأسبوع كامل ميناء المدينة، الشريان الحيوي لاقتصادها واقتصاد المناطق المحيطة بها، فمثل هذه المواجهات تحدث يوميا في المغرب وفي غيره من الدول المبتلاة بوباء البطالة، بل لأن هذه المواجهات والتقارير التي تناسلت من المدينة، تحدثت عن مواجهات دموية ووصفت ما حدث بـ “استباحة” القوات الامنية للبلدة وتعمل فيها على مدى ساعات طويلة كل ما يمكن ان يطلق عليه بـ “انتهاكات” لحقوق وحرية وكرامة الانسان.
الحكاية بدأت عادية، شبان غاضبون لأن وظائف شاغرة أعلن عنها لم تكن كافية فوجدوها فرصة للاحتجاج والتذكير بمطالب إصلاحات اجتماعية وترتيبات تنموية تهم المنطقة كان السكان تقدموا بها الى جهات حكومية قبل ثلاث سنوات إبان احتجاجات مشابهة وأضافوا لها مجانية الصحة وجودتها، والشغل، والتعويضات الاجتماعية لذوي الحقوق من عائلات ضحايا المرحلة الاستعمارية، وتسليم بطاقات الانعاش الوطني للعائلات الفقيرة، وبناء وحدات صناعية بالمنطقة لتوفير مناصب شغل للشباب، وبناء معهد التاهيل البحري ليستفيد منها المعتصمون وأمثالهم، وبناء معهد التاهيل المهني وتسليم الفاسيكو (اوراق البحر او الدفتر البحري) للشباب العاطلين ليتمكنو من العمل في مراكب الصيد وتعميم الميزان الالكتروني بالميناء والعمل الفوري به والتحقيق في الفساد السائد في الميناء ومنح رخص الصيد التقليدي للعاطلين، ومنح “كوطا” (أي نسبة محددة) من رخص الصيد الساحلي لأبناء المنطقة وتنفيذ المشاريع المدشنة على الورق في الزيارة الملكية (الواد الحار+الكهرباء+الطرق).
وحتى يسمع صوتهم، كان لا بد من الإمساك بالعصب الاقتصادي للمنطقة فحاصروا يوم 30 مايو الميناء ومنعوا دخول الشاحنات اليه والخروج منه، ودخلوا مع السلطات المحلية في مفاوضات شارك فيها فيما بعدُ وجهاء المدينة ونوابها في البرلمان دون أن تصل إلى نتيجة.
أحداث خطيرة.. وفرار.. وقمع شديد
أصوات متعددة كانت ترتفع.. أصوات المحتجين تطالب بإنصافهم وأصوات الفعاليات الاقتصادية تطالب بحل أزمتها التي تمثلت في مكوث ما يقارب من 100 شاحنة مُحمّلة بحوالي 800 طن من السمك بداخل الميناء. ويقول وزير الداخلية المغربي شكيب بن موسى إنها “تسببت في خسائر مادية هامة بلغت قيمتها حوالي 6 ملايين درهم وأضرار بيئية خطيرة، فضلا عن معاناة عمال وأطر الميناء وسائقي الشاحنات وصيادي السمك الصغار من آثار الحصار والعطالة التقنية التي وجدوا أنفسهم مرغمين علي تحمل تبعاتها دون أن يكون لهم يد في الموضوع”.
ويقول المسؤول المغربي “إن مدينة سيدي ايفني عاشت خلال ليلة 6 إلى 7 يونيو علي إيقاع أحداث خطيرة مست النظام العام وتمثلت في تنظيم مسيرات غير مرخصة طوال الليل تخللتها أعمال شغب، إذ تم إضرام النار في سيارة المصلحة التابعة لقائد مقاطعة، ورشق مقر الشرطة بالحجارة ووضعت الحواجز في عدد من الشوارع والممرات لعرقلة تدخل قوات الأمن، مع ترديد الدعوات للعصيان ومواجهة قوات الأمن”، مما اكره السلطة على التدخل.
من جهة أخرى، قالة تقرير لمنظمة أتاك – المغرب الأهلية إن طائرات مراقبة كانت تحوم فوق الميناء منذ يوم الخميس (5 يونيو) الذي سبق الإقتحام وأن المعتصمين كانوا مدركين لتدخل قوات الأمن فوضعوا مخططا يساعدهم على الإفلات نحو الجبال المحيطة.
فجر السبت (7 يونيو) كان أكثر من 4000 من قوات الأمن يدخلون المدينة من جهاتها الأربع بالاضافة إلى الجو ويصلون الى الميناء ليجدوا أن منظمي الاعتصام قد استطاعوا الإفلات، وحسب نفس التقرير الصادر عن “اتاك – المغرب”، فإن الذين بقوا في موقع الاعتصام هم مشردون قادمون من خارج المدينة، كانوا يجدون في الإعتصام مكانا للنوم والأكل.
وحسب شهود عيان وناشطين حقوقيين فإن القوات الامنية وبعد الانتهاء من الميناء (أي حوالي السابعة) هاجمت المدينة واقتحمت وداهمت المنازل. وفيما جابه المواطنون الهجوم لجأ الشباب إلى الجبال المجاورة بعد مطاردتهم، في حين مارست قوات الأمن القمع والانتهاك بما يشبه السبي في القرون الوسطى وتتحدث الشهادات التي نشرت في المنابر الاعلامية عن شتم وإهانات وضرب وتعذيب واغتصاب ومحاولات اغتصاب لرجال ونساء.
السلطات تنفي.. والأسئلة تتناسل
السلطات المغربية نفت هذه التقارير وأكد وزير الداخلية شكيب بن موسى أن “قوات الأمن لم تلجأ إلى استعمال الأسلحة النارية رغم ما تعرضت له من استفزازات ورغم إصابة عدد كبير من أفرادها خلال هذا التدخل، وأنه تم بالفعل استعمال القوة في بعض الأحيان من طرف رجال الأمن ضد فئة قليلة من الأشخاص كانوا عازمين علي مواجهتها وهو التصرف الذي تلجأ إليه قوات الأمن حتي في الدول العريقة في الديمقراطية وتفرضه ضرورة فرض احترام القانون وواجب الدفاع عن النفس أمام تهديد محتوم”.
وأفاد الوزير بأن القوات الأمنية “اضطرت لاقتحام بعض المنازل بعد لجوء عدد من المحرضين علي القيام بأعمال الشغب إلي المدينة والمرتفعات المجاورة، تعقبتهم قوات الأمن من أجل اعتقالهم وأنه بعد تناسل الإشاعات المغرضة والتي كانت وراءها جهات معينة من قبيل استعمال العنف المفرط من قبل قوات الأمن وسقوط قتلي وحدوث اغتصابات، شهدت مدينة سيدي إيفني يومي السبت (7 يونيو) والأحد (8 يونيو) تنظيم بعض المسيرات التي تم تفريقها حفاظا علي الوضعية الأمنية بالمدينة.
التوتر بالمدينة لا زال مهيمنا وسيدي ايفني تهيمن على المشهد السياسي المغربي والمنظمات الحقوقية التي نظمت قافلة للتضامن نحو سيدي ايفني، تنظم تجمعات ووقفات احتجاجية في مختلف المدن المغربية بالاضافة إلى عدد من المدن الاوروبية ومجلس النواب شكل لجنة تحقيق مع تداعيات لا أحد يملك تصورا إلى أين تؤدي ولكن الأسئلة لا زالت تتناسل حول ما جرى وضروراته خاصة وأن مواجهات دموية مماثلة عرفتها عدد من المدن والبلدات المغربية المهمشة خلال السنوات الماضية وشكلت نقاطا ومادة لتقارير تحدثت عن “تراجع في ميدان حقوق الانسان والعودة إلى سنوات الرصاص”.
عبد الحميد أمين، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان، يُعيد هذه المواجهات إلى المقاربة الأمنية التي تتبناها الدولة لحل مشاكل اجتماعية تعتبر حصيلة لتراكم أزمة اقتصادية واجتماعية في البلاد أدت إلى تهميش فئات واسعة من المواطنين ومناطق برمتها، وساهمت في انتشار البطالة وخاصة وسط حاملي الشهادات العليا، وهي فئة لها دور مهم في تأطير هذا النوع من الاحتجاجات. وعندما تجد السلطة السياسية نفسها أمام احتجاجات لاتقوى على الاستجابة إليها وتلبية المطالب الاجتماعية التي يرفعها حاملوها، تلتجئ إلى استعمال العنف.
تطور مجتمعي.. ونمو الإنتماءات المحلية
لقد كشفت مواجهات سيدي ايفني الدموية وغيرها من التحركات والصدامات عن ظواهر وأزمات متعددة في الحياة السياسية المغربية لعل أبرزها انتقال حركات الاحتجاج من المدينة الكبرى إلى المدينة النائية أو المهمشة.
فبعد أن سجل منذ عهد الحماية الفرنسية (1912 – 1956) وحتى بداية القرن الحالي احتضان مدن الدار البيضاء والرباط وفاس وطنجة ومراكش لحركات الاحتجاج الاجتماعي، لوحظ أن مدنا وبلدات لم تكن معروفة إلا على الصعيد المحلي قد احتلت العناوين البارزة في الحدث الاجتماعي المغربي مثل صفرو وداس بولمان وبني صميم وانفكو والآن سيدي ايفني وهو حدث لا يصنعه الا المواطنون أو الناشطون المحليين في منظمات أهلية.
ولعل ما شهدته بلدة الخميسات، الواقعة شمال شرق الرباط يوم الاحد 15 يونيو من أحداث حين حاصر المواطنون سيارة للقوات الأمنية اعتدى أفراد منها على مواطن ومنعوا السيارة من التحرك حتى حضور مسؤولين كبار إشارة واضحة على حدوث تطور مجتمعي باتجاه مبادرة المواطن بالتحرك دون انتظار ترتيبات جهات مركزية (حزب أو جمعية أو نقابة).
وكشفت المواجهات أيضا عن تراجع ملحوظ في دور الأحزاب السياسية والنقابات وتنامي الدور الذي تلعبه المنظمات الأهلية غير الحكومية والمحلية في تنظيم احتجاجات تكون في بعض الأحيان بدون علم كل هذه المؤسسات المنظمة التي كانت تقود المجتمع المغربي في النصف الثاني من القرن العشرين. وتخشى الاحزاب عموما مناقشة هذه الظاهرة وتسليط الأضواء عليها خوفا من كشف عجز أو خلل بنيوي وفكري أصابها ولا تريد الإعتراف به.
في السياق نفسه، كشفت هذه المواجهات، وارتباطا بما سبق، عن نمو الانتماء القبلي أو الجهوي والمناطقي، فبعد ما عرفته سيدي ايفني من احتجاجات، تحرك أبناء قبائل ايت باعمران في المغرب وخارجه وتحت يافطة الباعمرانيين نظموا وقفات احتجاجية وتظاهرات واعتصامات ووزعوا بيانات.
لقد كانت سيدي ايفني حتى السابع من يونيو 2008 بلدة هادئة على أبواب الصحراء تكتفي بما يدره عليها البحر من خيرات استردها المغرب من إسبانيا بعد 13 عاما من استقلاله ولا يذكرها المغاربة إلا درسا في قراءة التاريخ حين يريدون التأكيد على وحدة بلادهم كنموذج للتقسيم الذي تعرضت له بلادهم بداية القرن العشرين وكيفية استرداد وحدتها، لكن هذه البلدة قد تشكل في قادم الأيام نموذجا جديدا لدروس أخرى كثيرة في بلد تشقه تناقضات متفاقمة.
محمود معروف – الرباط
الرباط (رويترز) – قالت مصادر رسمية يوم الجمعة 13 يونيو 2008 إن السلطات المغربية قررت إحالة مدير قناة الجزيرة بالرباط وحقوقي مغربي الى القضاء بسبب ما اعتبرته نشر القناة “لأنباء زائفة” بعد بثها مزاعم سكان وحقوقيين عن سقوط قتلى في مظاهرات في بلدة سيدي افني الساحلية الاسبوع الماضي.
وقالت وكالة المغرب العربي الرسمية للأنباء ان الصحفي حسن الراشدي ورئيس فرع المركز المغربي لحقوق الانسان ابراهيم سبع الليل سيُلاحقان قضائيا طبقا لفصول قانون الصحافة المغربي.
وكانت الجزيرة نقلت عن مصادر حقوقية ومن موقع الحدث شهادات تفيد بسقوط قتلى في المظاهرات التي شهدتها المدينة يوم السبت الماضي في حين نفت الحكومة نفيا قاطعا سقوط قتلى.
وأعربت الحكومة عن غضبها وقالت ان الجزيرة بثت خبر سقوط القتلى “بالرغم من تلقيها تأكيدات الحكومة عن عدم سقوط قتلى”.
وقال حسن الراشدي لرويترز “أكثر من المتابعة القضائية تم إبلاغي بسحب الاعتماد”. ورفض التعليق على قرار المتابعة قائلا “صعب علي التعليق الآن لانني في وضعية متهم”.
وكان المئات من أفراد قوات الأمن المغربية تدخلوا فجر السبت الماضي لفك حصار شبان على ميناء البلدة الصغيرة المطلة على المحيط الاطلسي والواقعة على بعد 700 كيلومتر جنوب غربي العاصمة الرباط.
وكان الشبان يحتجون على الفقر والبطالة وما يعتبرونه تهميشا من جانب السلطات لمدينتهم.
وقالت السلطات ان الميناء بقي محاصرا منذ 30 مايو آيار مما عرض السمك المعبأ في الشاحنات للتلف.
واشتكى حقوقيون وسكان المدينة مما أسموه تدخلا “وحشيا” للسلطات لفض الاعتصام.
واستنكرت الجمعية المغربية لحقوق الانسان المستقلة الأسلوب “الهمجي” الذي استعمله رجال قوات الامن “ضد المواطنين والمواطنات في الشارع وفي بيوتهم وهم نيام.”
واضافت في بيان “تم استعمال الضرب المبرح بالعصي وكسر العظام والاغتصاب والتحرشات الجنسية والاهانات اللفظية وسرقة الممتلكات.”
وقال وزير الداخلية المغربي شكيب بنموسى يوم الاربعاء 11 يونيو أمام البرلمان “انه لم يبق أمام السلطات العمومية سوى تحمل مسؤوليتها لارجاع الامور الى حالتها الطبيعية…وذلك بعد فشل الحوار واقرار كل الوسطاء بأنه لا أمل في اقناع المحرضين بوضع حد لتصرفاتهم ومواجهة المخاطر البيئية التي أصبحت تهدد المدينة.”
وأعلن البرلمان المغربي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في هذه الاحداث بمبادرة من حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعارض.
وقال الحزب في بيان يوم الجمعة إنه قرر إيفاد ثمانية برلمانيين من الحزب الى المدينة يوم الاحد 15 يونيو.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 يزنيو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.