“سُـحب الأزمة السوداء تلوح في الأفق”
تبدو انابوليس وباريس وكأنهما بعيدتان كل البعد، سياسيا ومعنويا عن القدس الغربية، حيث مكان انعقاد المفاوضات الفلسطينة الإسرائيلية، كما هو بُـعدهما الجغرافي حيث عُـقد المؤتمران الدوليان الأخيران حول السلام الإسرائيلي الفلسطيني العتيد.
ولم تكَـد تمض أيام على هاتين التظاهرتين الكبيرتين لإطلاق المفاوضات النهائية وتجنيد الدّعم المالي اللاّزم لدعم العملية السلمية المتعثرة منذ عقود، حتى عادت سُـحب الأزمة السوداء تلوح في الأفق.
لم يستطع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، المؤيد الكبير للمفاوضات، إلا أن يطلب من وفدِه المشارك في المفاوضات أن يحصر المحادثات في مسألة الحصول على إجابة من إسرائيل حول استئنافها أعمال الاستيطان في مستوطنة (هار حوما) على جبل أبوغنيم عند البواوابة الجنوبية لمدينة القدس، بل أن أحمد قريع (أبو علاء)، رئيس وفد المفاوضات، كان أكثر حدّة، وهو الذي دعا عباس إلى مقاطعة المفاوضات، حتى توقِـف نشاطاتها الاستيطانية، وِفق ما تقول خطة خارطة الطريق، التي وضعتها اللجنة الرباعية.
قريع قال في تصريح وزّعه مكتبه على الصحافة “إنه لا معنى لمؤتمر أنابوليس ولا لمؤتمر باريس ولا جدوى من المفاوضات في ظلّ إصرار الجانب الإسرائيلي على المُـضي في مخططاته الاستيطانية ورفضه الالتزام بوقفها، ما يناقض أية مواقف معلنة حول الاستعداد للسلام ويخالف أي منطق لعملية سلام ذات مصداقية”.
وأضاف أن “الجانب الفلسطيني يريد جوابا قاطعا باستعداد اسرائيل للوقف الفوري لكافة نشاطاتها الاستيطانية، بما في ذلك النمو الطبيعي في المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس، قبل الدخول في المفاوضات”، وهو ذات المطلب الذي توجَّـه به الوفد المفاوض إلى نظيره الإسرائيلي.
مرة أخرى، يذهب الوفد عشية عيد الميلاد في 24 من ديسمبر إلى القدس، في محاولة للحصول على نفس الإجابة.
أحد المسؤولين الكِـبار لدى الوفد الفلسطيني، أكد لسويس انفو أن اللِّـقاء “محكوم بالفشل المُـسبق” وأنه لا يتوقع أن تتحرك إسرائيل نحو وقف الاستطان، بل أن الدولة العبرية أعلنت نِـيتها البدء في بناء مستوطنة أخرى عند الطرف الشمالي للقدس.
وهكذا يكون الفلسطينيون قد دخلوا مرّة أخرى في مواجهة سياسية ساخنة حول الاستيطان، الذي تنُـص خطَّـة خارطة الطريق على وقفِـه، لتكون معركة المفاوضات قد بدأت بالفعل قبل بدء المفاوضات ذاتها.
الأسباب والدوافع
ثمة أسباب ودوافع متنوِّعة تقِـف وراء اندلاع المواجهة التفاوضية الجديدة، وتتعلق بماهية العملية السياسية الإسرائيلية الفلسطينية وحقيقة الانطلاقة التي خلقها مؤتمرا انابوليس وباريس الأخيران.
ويقول المحلل السياسي، عيل الجرباوي في حديث لسويس انفو “لم يطرأ أي تغير يذكر بعدَ انابوليس وباريس، سوى الحقيقة اليتيمة بخلق أجواء يمكن أن تمهِّـد لاستقرار اقتصادي مؤقَّـت في الضفة الغربية”.
وأضاف “لكن على الصعيد السياسي، ليس ثمة ما يُـمكن الإشارة إليه. فإسرائيل لن تُـلقي بالا إلى المرجعيات التفاوضية التي يطمع الفلسطينيون في التركيز عليها: الدولة المستقلة في حدود عام 1967 وحق عودة اللاجئين والقدس”.
ويعتقد الجرباوي أن إسرائيل ستتصرف وِفق “انتقائية” محدّدة خلال المفاوضات مع الفلسطينيين من أجل فرض الشروط الخاصة بها، وقال “ستتعامل إسرائيل مع الإشارات إلى التطبيع والتعاون، وتترك الأمور الأساسية الأخرى”.
ويرى سمير عوض، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت أن “كل ما يمكن للفلسطينيين القيام به، هو عدم الاستجابة للشروط الإسرائيلية لا أكثر من ذلك، لأن من المستحيل أن يقوموا بغير ذلك في ظل موازين القِـوى الحالية والدعم الدولي، الذي تتمتع به إسرائيل”.
ويتَّـفق عوض مع الجرباوي في أن جلب ما يمكن للفلسطينين أن يتوقعوه خلال الفترة القادمة، هو تحقيق بعض الانتعاش الاقتصادي وشيء من الاستقرار في الضفة الغربية. أما على الصعيد السياسي، فإن لا أمل في إحداث أي اختراق.
ومن شأن هذه الأسباب أن تدفع المفاوضات إلى دائرة المواجهة وأن تهدِّد الموقف الفلسطيني الرسمي، الذي يُـعول على عدم إدارة الظهر للمفاوضات والاستمرار في العملية السياسية.
في انتظار بوش
وفي غضون ذلك، لا ينكر المقرّبون من الرئاسة الفلسطينية أنه لا يمكن لهذه المفاوضات الانتقال إلى المرحلة العملية دون وقف الاستيطان، الأمر الذي يتطلَّـب تدخّـل المجموعة الدولية، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، الحَـكم على تنفيذ خارطة الطريق، لإجبار إسرائيل على الالتزام بواجباتها.
لكن الإدارة الأمريكية المنشغلة في إجازة عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة، لن يمكنها الالتفات بجدّية الآن إلى حقيقة ما يجري في مفاوضات القدس الغربية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وقد أوفدت مبعوثها ديفيد وولش، وهو أيضا نائب وزيرة الخارجية، للاطِّـلاع على مستجدّات الأمور قبل أيام من عطلة الميلاد، وأخبره المسؤولون الفلسطينيون أنه، إذا كان لهذه المحادثات أن تستمر بنجاح، فإن على إسرائيل وقف الاستيطان.
وتُـعوِّل الرئاسة الفلسطينية على الزيارة المُـرتقبة للرئيس الأمريكي جورج بوش إلى كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية في النصف الثاني من شهر يناير المقبل، لحثِّـه على دفع إسرائيل لتنفيذ التزامها في البُـند الأول من خطَّـة خارطة الطريق.
ويعتقد الفلسطينيون أن خارطة الطريق، التي أصبحت قرارا دوليا، يشمل المبادرة العربية التي تنُـص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس، وعلى عودة اللاجئين، تشكِّـل نقطة الارتكاز الرئيسية في المفاوضات، لاسيما وأن الأمريكيين هم الذين وضعوها في الأساس وهم الحَـكم على حُـسن تنفيذها.
هشام عبدالله – رام الله
القدس (رويترز) – قالت وزارة البناء الإسرائيلية يوم الأحد 23 ديسمبر، إنها اقترحت بناء نحو 740 منزلا جديدا العام المقبل على أرض محتلة قرب القدس في خطوة يمكن أن تعطل محادثات السلام التي أطلِـقت حديثا مع الفلسطينيين. وألقت قضية البناء الإسرائيلية في منطقة القدس بظلالها على المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، التي أطلقت في مؤتمر للسلام عقد في أنابوليس بولاية ماريلاند الأمريكية الشهر الماضي.
وافتتحت الجولة الأولى من المحادثات بين الجانبين بعد أنابوليس، وسط خلاف في وقت سابق من الشهر الحالي، بعد أن طالب الفلسطينيون إسرائيل بالتخلي عن خُـطط بناء نحو 300 منزل جديد في منطقة قُـرب القدس، يطلِـق عليها الإسرائيليون هار حوما ويطلِـق عليها الفلسطينيون جبل أبو غنيم.
وقال مسؤولون بوزارة البناء، إن ميزانية الوزارة المقترحة لعام 2008 تتضمَّـن خطط بناء المنازل الجديدة ومجموعها 740 منزلا، والاقتراح يتطلَّـب موافقة برلمانية. واقتراح وزارة البناء يتضمَّـن نحو 25 مليون دولار لبناء 500 منزل في هار حوما و240 في مستوطنة معاليه أدوميم قرب القدس. وسمحت ميزانية الوزارة العام الماضي، ببناء نحو ألف منزل في نفس المستوطنتين.
وقال مارك ريجيف، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت، “لا نعلم بأي قرار جديد بالبناء في معاليه أدوميم”. وفيما يتعلَّـق بالبناء في هار حوما، قال ريجيف، إن البناء سيكون داخل منطقة مُـقامة بالفعل وتُـعد جزءا من القدس، وتابع “لها وضع قانوني مختلف”، ويعارض الفلسطينيون ذلك.
وضمَّـت إسرائيل القدس العربية الشرقية في حرب 1967 في خطوة لم يُـعترف بها دوليا، وتأمل إسرائيل الإبقاء على معاليه أدوميم وتكتُّـلات استيطانية أخرى كبيرة، في أي اتفاق سلام نهائي يجرى التوصل إليه.
ويطالب الفلسطينيون بأن توقف إسرائيل على الفور كل الأنشطة الاستيطانية، كما تدعو خطة “خارطة الطريق” لإحلال السلام، المتعثرة منذ فترة طويلة. وقال صائب عريقات، المفاوض الفلسطيني البارز إن هذه التصريحات مدمّـرة، مضيفا أن كل يوم هناك خطَّـة جديدة ومستوطنة جديدة، وهذه ليست الطريقة التي يمكن بها بناء الثقة، وتابع أن تصريح وزارة البناء يُـعرِّض للخطر مفاوضات السلام المُـقرر أن تُـستأنف يوم الاثنين 24 ديسمبر. ودافع مسؤولون إسرائيليون عن خطط البناء الجديدة.
من جهته، قال رافي ايتان، وزير شؤون القدس لراديو الجيش الإسرائيلي “هار حوما جزء لا يتجزّأ من القدس، وإسرائيل لن تُـوقف البناء هناك… من واجب إسرائيل أن توفر لمواطنيها مكانا يقيمون فيه”. وقالت الوزيرة الإسرائيلية يولي تامير لرويترز “يجب أن يكون واضحا أن إسرائيل لن تبني خارج هذه المناطق، التي ستكون جزءا من أراضيها في المستقبل، ولكن في هذه المناطق التي سيجري ضمها لأراضيها في المستقبل، فليست هناك مشكلة في بناء منازل جديدة.”
وقال ياريف أوبنهيمر، رئيس حركة السلام الآن، المناهضة للاستيطان، إنه يأمل أن تلغي الحكومة الميزانية المقترحة لبناء مستوطنات، مضيفا أنه “بعد أنابوليس، ليست هناك فرصة لمثل هذه البنود في الميزانية.”
ويشير مسؤولون إسرائيليون إلى أنهم سيواصلون السماح بالبناء داخل مستوطنات قائمة بالفعل، ويقول الفلسطينيون إن ذلك يتعارض مع خطَّـة “خارطة الطريق”، التي جرى التوصل إليها عام 2003 وتدعو إسرائيل لوقف كل أنشطتها الاستيطانية، بما في ذلك ما تصفه بالنمُـو الطبيعي، كما تدعو الفلسطينيين إلى كبح جماح النشطاء، وهو التزام تقول إسرائيل إن الفلسطينيين لم ينفِّـذوه بعدُ.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 ديسمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.