“الأمُـور ستزداد سُــوءاً في سوريا”
حَسَب المُـخرج والناشط السوري الكردي مانو خليل، الذي يعيش في سويسرا منذ عام 1996، فإن "عمليات القتال سوف تستمِـر في سوريا، على الرغم من إدانة مجلس الأمن لنظام الرئيس السوري بشار الأسد".
كان قرارا من النّـوع “المُخَفَّـف”، ذلك الذي خَرَج به مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم 3 أغسطس الجاري، بعد مُـناقشات صعبة إستمرت ثلاثة أيام.
ففي ما سُمّـي بالبيان الرئاسي، أدانت الدول الخمسة عشر الأعضاء، “الإنتهاك الواسع النطاق لحقوق الإنسان والعُنْف المُستَخدَم ضِدَّ المدنيين”، من قِبَل النظام السوري. وعلى الرغم من أن هذا البيان كان بالإجماع، إلا أنه ليس مُلزِماً.
ولا يشعر مانو خليل بالتفاؤل حِـيال هذا القرار. فبالنسبة للمُـخرج السوري، الذي يعيش في العاصمة السويسرية برن منذ 15 عاماً، ستتجاهل دمشق بكل بساطة، الإشارة الواردة من نيويورك والتي أراد المُجتمع الدولي إظهار وِحدته من خلالها.
مطالبات دولية وعربية
حتى الآن، يبدو خليل مُحِقّاً في تشاؤُمه. فوِفقاً للناشطين في مجال حقوق الإنسان، سقط عشرات القتلى بنيران الرشاشات وقذائف الدبّـابات في “معقل الإحتجاج” حماه وفي دير الزور وحمص وغيرها من المدن السورية منذ بداية شهر رمضان وهو ما أدّى إلى تزايُـد الضغوط الدولية، المُطالِبة بِوَضع حدٍّ لما يجري من أعمال عُنف، وانضمام كل من الكويت والبحرين مؤخراً إلى المملكة العربية السعودية في استدعائها لسفرائها من سوريا.
وفي إتصال هاتفي مع الرئيس السوري بشار الأسد، عبَّـر بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة يوم السبت 6 أغسطس عن “انزعاجه الشديد من تصاعُـد العنف في سوريا”، كما طالبه بـ “وقف استخدام الجيش ضدّ المدنيين”.
كذلك، كَسَرَ الملك عبد الله، عاهل المملكة العربية السعودية حاجزَ الصَّـمت العربي يوم الأحد 7 أغسطس، داعياً إلى وضع حدٍّ لِـما يجري من سفْـكٍ للدماء.
وقال متظاهرون من مدينة دير الزّور الحدودية، شرق سوريا، بأنَّ القوات السورية قتلت 65 شخصاً في هجومٍ بالدبّـابات يوم الأحد، كما قتلت 13 قروِياً على الأقل في هجوم عسكري على منطقة سهل الحولة، شمال غرب مدينة حُـمص. كما ذكرت وكالات الأنباء سَـماع أصوات قصفٍ وإطلاق نيران في المدينة المُحاصَرة مُجدّداً يوم الاثنين 8 أغسطس.
وكانت الدبّـابات ما تزال مُنتشِـرة في مدينة حماه خلال عطلة نهاية الأسبوع، بعد هجوم استمر سبعة أيام، لقى خلاله ما يقرب من 300 مدني مصْرَعَهم.
صوت مُـهِـم في الخارج
وعلى الرغم من أنَّ مانو خليل، الذي يبلغ 47 من العمر ممنوع من الدّخول إلى وطنه منذ 18 عاماً بسبب قيامه بإخراج فيلم ينتقِـد فيه وضع الأكراد في سوريا، فإنَّه على اتصال دائم مع أفراد أسرته وأصدقائه ومعارفه في سوريا عبْـر الهاتف والإنترنت. وبسبب ما يمتلِـكه من بعض الشُّـهرة والاعتراف الدولي، أصبح خليل شخصية مهمة في هذا البلد المعزول.
وفي إتصال هاتفي من منطقة جبلية في تركيا، حيث يقوم باستطلاع أماكن تصوير مشروع فيلمه الوثائقي الجديد (أنظر النص المصاحب على اليسار)، يقول خليل: “حيث أن لَـدَي الكثير من الأصدقاء على موقع “فيس بوك” الإلكتروني، يُرسِـل لي العديد من الأشخاص تسجيلات للإحتجاجات في سوريا، قاموا بتصويرها بهواتفهم المحمولة، كي أقوم بنشرها”.
إستحالة التحقيق داخل البلد
وحسب خليل، بلغ عدد المتظاهرين الذين قُـتِلوا على يَـد القوات السورية، أكثر من ألفَـيْ شخص، وهو رقم يَقِـلّ قليلاً، حسب المعلومات الواردة من منظمات حقوق الإنسان. وقد سجّـلت منظمة العفو الدولية أسماء أكثر من 1500 شخص سوري في عِـداد الأموات منذ بدء الاحتجاجات في منتصف شهر مارس 2011.
وما يجعل تحديد عدد الضحايا أكثر صعوبة، هو مراقبة نظام الأسد لوسائل الإعلام المحلية من ناحية، وطرده لجميع الصحفيين الأجانب ومنعه لمُمَثلي منظمات حقوق الإنسان من دخول سوريا، من ناحية أخرى، وبالتالي، تستنِـد الهيئات الحقوقية، مثل منظمة العفو الدولية بالأساس، على الأشخاص الذين فَـرّوا إلى تركيا أو لبنان، لاستقاء معلوماتهم. ولتوضيح ما جرى من حوادث يصعُـب اكتشافها، تطالب هذه المنظمة التي تتخذ من لندن مقرا لها نظام الأسد بالسماح بدخول لجنة تحقيق مُستقِـلة إلى سوريا.
تمرّد بين الشباب
وفيما يتعلَّق بسفْـك الدِّماء، فإن مانو خليل مقتنعٌ أنه لن يستمر فَحَسْب، بل سوف يتفاقَـم أيضاً، وهو يَصِف المَـزاج العام للكثير من المواطنين الشباب بالقول: “سوف يَتَمَرّد جيل الشباب على هذا الوضع. فهُـم ينظرون من خلال موقِـع “فيس بوك” إلى العالم، وهُـم يعرفون بأن الناس في بلدان أخرى يعيشون حياة كريمة ويطالبون بالشيء ذاته لأنفسهم”.
وما يزيد من الحُـزن الذي يشعُـر به المُـخرج السوري بسبب إراقة الدِّماء في وطنه، هي ردود الأفعال الفاتِـرة للمجتمع الدولي، حيث يشكو قائِلاً: “بالنسبة لنا نحن السوريون، أكراداً أو مسلمين أو غيرهم، فإنَّ ما لا يمكن تصوُّره تقريباً، هو وقوف الولايات المتحدة ودول الغرب، وحتى الدول العربية الأخرى مكتوفي الأيدي أمام وحشِـية النظام السوري”، ويضيف: “تكمُـن المأساة في عدم عُثور الشعب السوري على أصدقاء”.
المسلَّـحون الإسلاميون.. كحُجّة
ويعتقد خليل، بأنَّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما يدَعم بشار الأسد بسبب خِـشيته من إستيلاء الإسلاميين على السلطة في سوريا، لأنَّ ذلك قد يعني تهديداً للمنطقة، ويعلَّق بالقول: “ولكن، لا يوجد هناك إسلاميون مُسلَّـحون أو أيّ جماعات مسلَّحة أخرى في سوريا، هناك فقط أشخاص يريدون الحرية “.
وبالنسبة للمُـخرج السوري المُقيم في سويسرا، لا تمثِّـل الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها الأسد يوم الخميس 4 أغسطس والمتعلَّقة باعتماد قانون جديد للأحزاب وآخر للإنتخابات، أكثر من “عمليات تجميل ديمقراطية”.
في الوقت نفسه، يُطالب خليل بِالتَدَخّل العسكري من طرف المجتمع الدولي، كما حدث إبّان الحرب في يوغوسلافيا السابقة وكما يحدث الآن مع نظام القذافي في ليبيا. وليس هذا فحَسْب، بل ويدعو أيضاً إلى مُحاكمة الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وبشيء من المرارة، يتساءَل المخرج السينمائي: “لماذا تتبنّـى الأمم المتحدة مشروعَ قرارٍ يَتِمّ بموجبه قَصْف قصور القذافي وتوريد أسلحة للمُتمرِّدين، في حين ينتظر المجتمع الدولي في حالة سوريا، بحجة أن الأسد سوف يجلب الديمقراطية للبلد؟”.
دعم منظمة العفو الدولية
وفي هذا السياق، يشير خليل إلى العنف الذي يستخدِمه نظام الأسد بالقول: “ضِـمن أمور أخرى، هناك شريط فيديو يُظهِـر ماهر الأسد (الشقيق الأصغر لبشار الأسد، وهو ضابط في الجيش برُتبة عميد ركن)، وهو يقوم بتصوير مذبحة ارتكبها جنوده المحيطين به للتَّـو”.
لا يقف المُـخرج والناشط السوري وحيداً هنا، حيث تدعو منظمة العفو الدولية بدوْرها الأمم المتحدة إلى تسليم الشأن السوري للمحكمة الجنائية الدولية. وكما يقول دانيال غراف، الذي يعمل في الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية: “إن ردَّ فعل مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، غيْـر كافٍ على الإطلاق”.
وتحُـث هذه المنظمة الإنسانية الأمم المتحدة على التحرّك بسرعة، إستناداً على موقف مُحَدَّدٍ وواضح ومُلزِم قانونياً، وهذا يشمل أيضاً حظراً على تصدير الأسلحة لسوريا وتجميد الأصول المالية للرئيس بشار الأسد والمسؤولين الذين يُشتَـبه في ارتكابهم جرائم ضدّ الإنسانية في الخارج.
وعلى الرغم من تشديد موسكو إلى جانب واشنطن من لهجتها ضدّ النظام السوري يوم الخميس 4 أغسطس، فمِـن غيْـر المُرجَّـح – في الوقت الحاضر على الأقل – أن تتحقق آمال مانو خليل والعديد من أبناء وطنه في الإطاحة بحكومة الأسد بهذه السرعة.
ولِـد في كردستان سوريا عام 1964.
دَرَس التاريخ والقانون في جامعة دِمشق.
سافر إلى تشيكوسلوفاكيا السابقة لدراسة الإخراج السينمائي في أكاديمية السينما والتلفزيون.
في السنوات الأولى لتسعينيات القرن الماضي، عمِـل خليل كمُـخرجٍ أفلامٍ مُستقِـل في التلفزيون التشيكوسلوفاكي، تَبِعَها بالعمل في التلفزيون السلوفاكي.
يُـقيم في سويسرا منذ عام 1996، ويعمل كمُـخرج ومُـنتج أفلام مُستَقِل.
مُنِح المخرج السوري الكردي مانو خليل جائزة برن الثانية عن فيلمه الذي أسماه “حديقتنا في جنة عدن” عام 2010 والتي تبلغ قيمتها 20.000 فرنك سويسري.
وفي هذا الفلم، يوثِّـق خليل التَّـعايُـش إلى جانب ومع أشخاصٍ ينتمون إلى ثقافات مُختلفة، فيما يُسمّى بحدائق “شريبر” في ضواحي مدينة برن، وهذه الحدائق عِـبارة عن قِـطع أراضٍ صغيرة تُـوزَّع على أفرادٍ يقومون بزِرَاعَـتها والاستفادة من مَـحصولها والإسترخاء فيها، مقابل أجرٍ زهيد.
ولدى المخرج السوري في منفاه السويسري، قِـطعة أرضٍ صغيرة كهذه يزرعها بِدَوره.
ويقوم خليل حاليا باستطلاع مواقع لِتَصوير فيلمه الوثائقي المُقبل في تركيا، والذي يروي قصّة نَحّال كردي بدأ بتربية النّـحل في مدينة بازل، بعد أن خَسِر كلَّ شيء واضطر للفرار إلى سويسرا، وهو يقوم بوضع النّـحل في شاحنة لِنَقله إلى جبال الألب في كانتون أوري، لقضاء فصل الصيف. ومن المفترض أن يستغرق تصوير الفيلم مدّة عام واحد.
قامت سويسرا بِفَـرضِ عقوبات ضدّ سوريا، بما في ذلك تجميد أي أصول مَملوكة لأعضاء في النظام السوري منذ 25 مايو 2011.
كما يخضع الأشخاص المُدرَجون في القائمة التي تضمّ الرئيس السوري بشار الأسد، لِمنعٍ من السفر.
وقد تماشت هذه التحركات من جانب سويسرا مع العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي.
وجاءت هذه العقوبات كردِّ فعلٍ على أعمال القَمعْ العنيفة من قِـبَل الجيش وأجهزة الأمن السورية ضد التظاهرات المدنية السِّـلمية.
ونص بيان الحكومة السويسرية، بأن على أيِّ شخصٍ يملك معلومات عن أصول سورية في سويسرا، إبلاغ كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية (SECO) بدون تأخير.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.