مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العلم والدبلوماسية… كيف تحاول سويسرا التأثير في الوضع الجيوسياسي في القرن الأفريقي؟ 

جيبوتي
تعتبر المياه الواقعة قبالة جيبوتي مفترق طرق بحرية. ولذلك فهي تخضع للمراقبة الدولية. هنا، أفراد من البحرية الإسبانية خلال تدريب مع السلطات الجيبوتية. Credit: Apfootage / Alamy Stock Photo

تزداد أهمية خليج عدن الاستراتيجية، حيث مصالح سويسرا الحيوية، لكن نفوذها هناك محدود. ولتجاوز ذلك، يحاول بلد جبال الألب كسب علاقات جيّدة من خلال توفير الرعاية والاهتمام بالشعاب المرجانية في جيبوتي، على سبيل المثال. 

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

المزيد

نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

اشترك.ي في النشرة الإخبارية لدينا، واحصل.ي على بريد إلكتروني كل يوم جمعة يحتوي على أخبار من الدول الناطقة بالعربية تم جمعها بواسطة وسائل الإعلام السويسرية. معلومات من منظور سويسري خصّيصًا من أجلك.

طالع المزيدنشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

لا تزدهر الشعب المرجانية في أيّ مكان من العالم مثلما تزدهر قبالة ساحل جيبوتي، الدولة الصغيرة الواقعة في القرن الأفريقي، وعلى الطرف الجنوبي للبحر الأحمر تحديدا. ورغم أنّ تلك المنطقة ذات المناظر الطبيعية المظلمة الشبيهة بالبراكين، والمطلّة على خليج تاجورا، لا تُرى فيها غير القوارب الشراعيّة من حين لآخر، فإنّ هياكل الشعب المرجانية تضفي عليها ألوانا متألقة، وأشكالا ذات ثراء حيوي لا يُضاهى. 

ومنذ عاميْن، أُرسلت بعثة بحثية من ثلاثة بلدان منها سويسرا، إلى أعماق هذه المناظر الطبيعية الواقعة تحت سطح الماء، بهدف جمع عيّنات من النباتات الفريدة، قيد التحليل، في مركز البحر الأحمر العابر للحدود (TRSC)، التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان (EPFL). 

ويسعى البحث من خلال تحاليل الحمض الوراثي، إلى فهم أفضل للعمليات الحيوية بالشعاب المرجانية، التي تبدو أكثر مقاومة للاحتباس الحراري العالمي الناتج عن أزمة المناخ. وأمكن مشاهدة صور الحملة الاستكشافية التابعة للمشروع البحثي، والمستمر حتى عام 2025، اعتباراً من الخريف في معرضٍ بالهواء الطلق، يقام في جنيف. 

المزيد
شعاب مرجانية

المزيد

الدبلوماسية العلمية تسعى لإنقاذ الشعاب المرجانية في البحر الأحمر

تم نشر هذا المحتوى على تعتبر المهمة التي يقودها باحثون من لوزان في مياه البحر الأحمر رمزا ذا دلالة للجهود المبذولة من طرف سويسرا في إطار الدبلوماسية العلمية.

طالع المزيدالدبلوماسية العلمية تسعى لإنقاذ الشعاب المرجانية في البحر الأحمر

العلم في خدمة الدبلوماسية 

قد لا يكون هدف المشاركة السويسرية في هذا المشروع علمياً محضاً. إذ يرتبط البعد الآخر لمركز البحر الأحمر العابر للحدود، الذي أطلقه المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان عام 2019 بتمويل من وزارة الخارجية، بمبدأ راسخ من مبادئ السياسة الخارجية السويسرية، يتمثّل في الجمع بين العلم والدبلوماسية في المحيط السياسي الهش، من أجل “بناء جسور وتوطيد أواصر قَيِّمة”، على حد وصف وزير الخارجية إنياتسيو كاسيس في مقال نشر على موقع سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) قبل خمس سنوات. 

ويقول الدكتور علي ميقانه هادي، الباحث في القضايا البحرية والجيوسياسية في جامعة جيبوتي، أثناء جلوسه في فندق دوليّ من فئة الخمسة نجوم، في عاصمة جيبوتي، في ظهيرة ذات يوم خريفيّ، حيث يمكن رؤية رافعات الميناء في الخلفية، إن منطقة البحر الأحمر بتوتراتها الكثيرة يمكن أن تؤدي دورًا جيوسياسيًا مهمًا في المستقبل، خارج نطاق الشعاب المرجانية.  

وقد نجحت جيبوتي، التي تضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في القارة الأفريقية، بالإضافة إلى أخرى صينية، وفرنسية، وإيطالية، ويابانية، في أن تكون لاعباً لا غنى عنه في المنطقة على مدى العقدين الماضيين. ويشرح ميجانيه هادي قائلاً: “على عكس الدول المجاورة لنا، نحن مرساة للاستقرار في المنطقة”.   

جيو سياسي
swissinfo.ch

على بُعد بضعة أميال فقط، حيث تلتحم أمواج البحر بالأفق، يوجد مضيق باب المندب، أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم. ويقع بين جيبوتي وإريتريا من جهة، واليمن من جهة أخرى، ويربط البحر الأحمر بخليج عدن، ويُعدّ أحد أهم الطرق التجاريّة بين أوروبا وآسيا. يمر ما يقرب من ربع حركة الشحن في العالم (عدة مليارات من الأطنان من البضائع)، عبر هذا الممر المائي كل عام.   

ولكن منذ شهر نوفمبر من العام الماضي، سادت حالة من التوتّر في هذه المنطقة. المليشيات الحوثية المدعومة من إيران، والتي تسيطر على أجزاء من شمال غرب اليمن، تهاجم سفن الشحن الدولية بالطائرات دون طيار والصواريخ. وتهدف هذه الهجمات إلى دعم حركة حماس الإسلامية المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى مثل سويسرا. ويريد الحوثيون استخدام هجماتهم لإجبار إسرائيل على وقف هجومها العسكري على قطاع غزة.    

الاقتصاد السويسري يعتمد أيضا على هذه المنطقة 

وقد يصبح هذا الأمر مشكلة متزايدة بالنسبة للدول الأوروبية على وجه الخصوص، إذ سببت الهجمات الحوثيّة أزمة اقتصادية حادة. فقد تعرضت مئات السفن التجارية في المياه الدولية بالقرب من اليمن منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، لهذه الهجمات بالصواريخ، والطائرات المسيرة، وصواريخ كروز. وراح ضحيّتها عدّة بحّارة، وتعرضت العديد من السفن للاختطاف، أو الإغراق، أو التلف.     

ويؤثر هذا الوضع أيضاً على سويسرا غير الساحلية، التي تعد الآن مركزاً مهماً للشحن البحري. فقد تعرضت في شهر مارس الماضي، سفينة حاويات تابعة لشركة البحر الأبيض المتوسط للشحن (MSC) الواقعة في جنيف، إحدى أكبر شركات الشحن في العالم، لهجوم حوثيّ أثناء عودتها من سنغافورة إلى جيبوتي، على بعد 90 ميلاً تقريباً جنوب شرق مدينة عدن اليمنية. وأفاد الجيش الأمريكي بإطلاق الحوثيين صاروخين، أصاب أحدهما السفينة. ومع ذلك، لا تُذْكَر الحوادث غالبا، في محاولة من شركات الملاحة تجنب الإضرار بسمعتها أو ارتفاع أقساط التأمين.   

المزيد

ولتجنب هذا الطريق الخطر من آسيا إلى أوروبا، تزايد في الأثناء لجوء السفن التجارية العالمية إلى الطريق الأطول عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا. لكن يستغرق هذا الطريق أسبوعين إضافيين، ويحتاج إلى ما يزيد عن حوالي 30% من الوقود. وقد تراجع فعلا مرور السفن عبر البحر الأحمر منذ العام الماضي، على إثر هذه الهجمات، بحوالي 80%. وإضافة إلى شركات النقل البحري، تأثرت في سويسرا كذلك شركات النقل والإمداد، القطاع الهام الآخر في البلاد الذي يتعرض كذلك لمخاطر التقلبات الجيوسياسية، بسبب سلاسل الإمداد العالميّة. 

ويزداد هذا الوضع تعقيدا، لأنّ جيبوتي هي الممر الرئيسي لحركة الهجرة من شرق أفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية. ولم تغيّر الحرب الطويلة في اليمن من هذا الأمر شيئا.   

طريق الهجرة
مهاجرون يغادرون جيبوتي إلى اليمن – وأشخاص من اليمن يفرون إلى جيبوتي. في الصورة، مخيم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اليمنيين في ماركازي. Credit: Joerg Boethling / Alamy Stock Photo

نهج جديد لكسب نفوذ؟ 

ويدرك الخبير في الشؤون الشرق أفريقية توبياس هاغمان من “مؤسسة السلام السويسرية” (Swisspeace)، المعهد المستقل لأبحاث السلام في بازل، اليوم جيداً إمكانيّة ازدياد أهميّة القرن الأفريقي في سياسة الدول الأوروبية الخارجيّة مستقبلا، ومن ثم سويسرا كذلك. 

 لقد أدت الحرب الأهلية في اليمن بالفعل إلى إعادة التفكير في المنطقة، والنظر إليها باعتبارها فضاءً اقتصادياً مدمجاً؛ تغيير دعمته الأزمة الأخيرة مع الحوثيين. ويقول هاغمان: “ما إن تتعرض طرق التجارة والسفن لتهديد، حتى تُقرع أجراس الخطر لدى المسؤولين، ما يعزز الأسئلة حول الوضع السياسي العام في المنطقة. ويتحتّم على سويسرا، باعتبارها دولة مصدرة، تأمين سلاسل التوريد الخاصة بها”. 

وقد حاولت سويسرا حتى الآن، على حدّ قوله، أداء دور بنّاء في تحقيق الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، من خلال المساعدات الإنسانية، والتعاون الإنمائي في المقام الأول، من خلال دعم الصناديق متعددة الأطراف والجنسيات مثلا، لبناء الدولة في الصومال المجاورة، حيث اعتاد القراصنة على تهديد طرق التجارة.   

ونظراً للأزمة الحالية، فقد يتركّز الاهتمام أكثر مستقبلا، على دول مثل جيبوتي، المذكورة في استراتيجية جنوب الصحراء، أفريقيا، الصادرة عن وزارة الخارجية السويسرية حول التطورات الجيوسياسية في البحر الأحمر. وإن أعلنت هذه الدولة الساحلية الصغيرة فعلا تضامنها مع الفلسطينيين والفلسطينيات في غزة، فهي تدعم الحلول السلمية، وتحترم سيادة كل جانب، حسب قول العالم الجيبوتيي علي مجانح هادي. 

جيبوتي
أدى ميناء دوراليه متعدد الأغراض، الذي بنته شركات صينية وافتتح في عام 2017، إلى تحسين القدرة التنافسية وإيرادات الشحن في جيبوتي. Xinhua News Agency.all Rights Reserved

ويتوقّع أن تجد سويسرا، التي يفرض عليها مبدأ الحياد النأي بنفسها عن التدخلات العسكرية المباشرة، سبلا جديدة من خلال بعض المشروعات، كالدبلوماسية العلمية ومركز البحر الأحمر العابر للحدود، من أجل تعزيز موقعها في المنطقة، وتأكيد وجودها. 

لكن تظلّ فرص استغلال العلم لتحقيق مصالح السياسة الخارجية محدودةً، مثلما ترى ياسمين ساريك من المعهد السويسري للمناطق الاستوائية والصحة العامة، الباحثة في مجال الدبلوماسية العلمية السويسرية بالقارة الأفريقية. فتقول: “لا يمكن توقع أن يحلّ مشروع علمي جميع التوترات والتحديات في منطقة شديدة التعقيد، بضربة واحدة”. 

لكن توجد أمثلة إيجابية من مناطق أخرى في القارة، من كينيا مثلا، حيث تتعاون سويسرا بنجاح مع الحكومة في مجالات الأمن الغذائي، وإدارة الموارد الطبيعية، والأمن الحيوي، كما تصرح ساريك قائلة: “حيثما تتاح شراكات أو مشروعات علمية طويلة الأمد، كثيراً ما ينشأ مجال لتحقيق أهداف مشتركة جديدة، أو لتعاون ثنائي في مجالات أخرى، حتى وإن كانت القنوات الدبلوماسية قد أخفقت بالفعل”. 

تحرير: جانيس مافريس

ترجمة: هالة فراج

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية