مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انقسام المعارضة ومخاوف الغرب يُطيلان عمر المأساة في سوريا

في كل يوم، تُزهق عشرات الأرواح في شتى أنحاء سوريا في ظل استمرار القصف المدفعي والجوي من طرق قوات النظام على الأحياء السكنية في المدن والأرياف السورية Keystone

هل سينتهي الصِّـراع في سوريا على الطريقة اليمنية، أي بحلٍّ وسط، مثلما تدعو لذلك الأمم المتحدة وروسيا والصين وإيران، "حقْـنا للدِّماء" أم طِـبقا للسيناريو اللِّـيبي الذي يُقتَـل في نهايته "البطل" وتُقوض أركان عرشه؟

أبعد من ذلك، هل تتَّـجه سوريا نحو مزيد من المذابح التي ستتَّـخذ طابَـعا طائفيا وتستدرج “حزب الله” اللّبناني إلى الحرب، مع تبلْـوُر دويلة علوية على الساحل السوري، يردّ عليها الأكراد بإعلان دويلتهم أيضا، فيتكرّس تقسيم سوريا، الذي طالما حلمت به وسعت له إسرائيل؟

يبدو أن العُـقدة في اللحظة الرّاهنة، تتمثل في تنازع المعارضين على الشرعية، ما أخَّـر إيجاد طرف واحد يحظى بالتمثيلية والمِـصداقية، يمكن أن يتعاون معه العالم على تسريع خُـطى سقوط النظام ومنع انزلاق الحرب إلى صراع طائفي إقليمي؟

أكثر من ذلك، يشكِّل وجود مُـخاطب واحد باسم الثورة السورية الآن، ضمانة لنقلة أقلّ دموية وفوضى بعد انهيار النظام، كي لا تتكرّر التجاوزات الخطرة التي حدثت في ليبيا، بعد انتصار الثوار.

تشظي المشهد المعارض

فيما تستعجِـل عواصم القرار في العالم تشكيل حكومة مؤقتة تضم جميع الأطياف، يبدو المشهد السوري المعارِض اليوم بثلاثة رؤوس تُعرقِـل بعضها البعض، ولا تتردّد في كيل الاتِّهامات لبعضها بالتّساهُـل مع النظام. غير أنها تلتقي حول ضرورة تشكيل الحكومة المؤقّتة، وهو الموقف الذي دافع عنه عبد الباسط سيدا، رئيس “المجلس الوطني السوري”، الذي يضم كثيرا من الأطياف والطوائف، وهو أيضا موقِـف “الجيش السوري الحُـر” برئاسة العقيد رياض الأسعد، الذي طرح تشكيل مجلسٍ عسكري أعلى، يضمّ عسكريين ومدنيين. ولا يختلِـف معارضون آخرون مع المجلس الوطني والجيش الحر في هذا الموقف، إلا أنهم طرحوا مشروع حكومة برئاسة المعارض العنيد هيثم المالح، الذي انشقّ عن المجلس الوطني وأعلن عن تشكيل “المجلس الثوري”، متَّـهما الآخرين بكونهم مجرّد منظّـرين.

وكان سداد العقاد، مدير المركز الإعلامي في المجلس الوطني السوري واضحا، حين قال “إن توحيد المعارضة أمْـر مستحيل وإن المجلس الوطني السوري حقّـق اعترافاً كبيراً بين ما يزيد على مائة دولة، كما أُقـيمت أربعة مؤتمرات لأصدقاء سوري”، مُـضيفا “نحن لا ندّعي تمثيلنا لكل المعارضة السورية، لكننا نحتاج إلى مزيد من التعاون، لضمّ القوى من هنا وهناك، لنكون صفّـاً واحداً”.

حكومة مؤقتة؟

وقد يُعطي تشكيل حكومة مؤقتة دُفعة للعملية السياسية، لكنه لا يغيِّـر من المَـوازين العسكرية شيئا، بالنظر إلى استمرار التفوّق الناري والتسليحي للقوات النظامية، بحسب الخبير الاستراتيجي العميد صفْـوت الزيات. وضرب الزيات مثلا بأن ثلاثة مقاتلين من الثوار يشتركون في رشّـاش واحد في بعض المناطق، فضلا عن صعوبة مواجهة الدبّـابات والطائرات بأسلحة فردِية، على رغم نجاح الثوار مؤخّـرا في إسقاط طائرة من طِـراز ميغ 21 (تم تصنيعها في سبعينيات القرن الماضي). واعتبر أن الحرب الدّائرة حاليا، سيكولوجية وليست حربا تقليدية بين جيشيْـن نظامِـييْـن.

ولئن أقرّت بسمة قضماني، مسؤولة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني بأن السعودية وقطر وليبيا، قدّمت أسلحة خفيفة للثوار، فإنها أكّـدت أنهم لا يملكون أسلِـحة متطوِّرة، مُـشيرة إلى أن حصول المعارضة المسلّـحة على “بعض المبالغ” لم تُحدد هوية الجهات التي قدّمتها، سيمكنها من التزوّد بالسلاح من السوق السوداء.

وأوضح العميد الزيات في تصريح لـ swissinfo.ch أن الوسيلة الأقرب للحدّ من ذلك الاختلال، هي فرض منطقة حظْـر جوي على شمال سوريا المتاخِـم لتركيا، بحيث يتِـم ضمان خطوط الإمداد لقوات الثوار من الحدود التركية وتجميد الطيران الحربي، أسْـوة بما حصل في ليبيا.

ويعتقد مراقبون أنه طالما لم تُفرض منطقة حظر جوي، سيبقى إيجاد مخرج لبشار الأسد أمرا مستحيلا، لأنه لا يحظى فقط بدعم قطاع مهِـم من الجيش، وإنما من الطائفة العلوية التي لم تتحرّك حتى الآن، ما جعل الشريط الساحلي من بانياس وطرطوس، وصولا إلى اللاذقية والقرداحة، معقلَ آل الأسد، بمنأىً عن الثوار، الذين ينعتهم الإعلام الرسمي السوري بـ “المليشيات الخليجية التركية”.

جيْب علوي ودُويلة كردية؟

وفي رأي محلّـلين أن فشل النظام في احتواء الأزمة وعجْـزه عن تقديم نفسه في صورة الحامي للأقليات، جعله ينكفِـئ إلى الحلَـقة الأضْـيق، وهي التخطيط لدُويلة طائفية، وأدّى كما قال الكاتب اللبناني عبد الوهاب بدرخان إلى “انكشاف الأقليات وتعريضها للخطر، فخسِـر ورقة حمايتها ولم يبق له سوى أن يحمي أقليته العلوية، التي صادر صوتها ومصيرها وظلمها بالآثام، التي راكمها”، على حد قوله.

وفي هذا السياق، كثُـر الحديث عن احتمال لجوء الأسد، في حالة هزيمته المحققة في دمشق، إلى خِـيار “الجيب العلوي”، تحت حماية الأسطول الروسي المرابِـط في الموانئ السورية، وبدعم من طهران، المُصمِّـمة على الدِّفاع عن النظام حتى الهزيع الأخير، لأسباب استراتيجية وطائفية.

واستدرج الحديث المتواتِـر عن “الجيب العلوي”، حديثا متواتِـرا من نوْع آخر عن دُويلة كردية في شرق سوريا، إلا أن هذا السيناريو عصِـي على التحقيق لأسباب دولية وإقليمية، في مقدِّمها تصدّي تركيا لِـما تعتبره نموذجا سيِّـئا لأكرادها، بالإضافة إلى أن زعماء أكراد سوريا أنفسهم يقولون، إن واشنطن أبلغتهم أنها لا تؤيِّـد أية صيغة استقلالية لهُـم وتفضل الإدارة الذّاتية التي تمنحهم حقوقهم وتحافِـظ على خصوصياتهم القومية.

وعلى رغم تلك الكوابح، يُحذر الدكتور غسان شبانة، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ماريمونت مانهاتن، من أن انهيار النظام سيخْـلق فوضى عارِمة داخل المناطق السورية كافة والكثير من التصفيات العِـرقية، وأن الأثر السّلبي سيصِـل إلى جيران سوريا. وقال لـ swissinfo.ch: إذا ما استمرّ الصِّراع ستة أشهر أخرى، فإن التأثير سيكون كبيرا على بِنية الدولة السورية، خاصة في ظلّ نضوب الاحتياطات النقدية، بعدما أنفق النظام نحو 17 مليار دولار في الأشهر الستة عشر الماضية، ولم يبق لدى الجيش ما يكفيه للأكل والشرب والإمدادات.

ويوافقه في هذه التوقّـعات الدكتور فايز الدويري، الخبير في مركز الدِّرايات الاستراتيجية بالأردن، الذي توقّـع أن يقلب سقوط النظام السوري ووصول الغالبية السُـنية للحكم الموازين، ويخلق خالة جديدة من العلاقات مع إيران وتركيا.

يُذكر أن تقارير إعلامية صادرة من العاصمة الروسية، أكّدت أن سوريا ناشدت موسكو منحها مساعدات مالية واقتصادية، للتخفيف من تداعيات العقوبات الدولية والعربية عليها.

آفاق ما بعد الأسد

يتّفق جميع الخبراء والمحللين على أن خسارة النظام للحرب، محسومة، لكنهم يختلفون في تقدير مدة “الصمود” المتبقِّـية له. ويتّـفقون أيضا على أن السيناريو السوري لن يكون سيناريو يمَـنيا، بل ليبيا، قد يُستبعَـد منه جميع الذين عمِـلوا مع النظام.

لكن، خلافا للقذافي، الذي وقف العالم بأسره ضدّه، عدا زمبابوي وفنزويلا، يحظى الأسد بدعم قوّتين دوليتين ودولة إقليمية كبرى (إيران إضافة لحزب الله)، ما منحه قدرة أكثر على الإيذاء. في المقابل، لا تجرُؤ العواصم الغربية على تِـكرار السيناريو الليبي، خاصة بعدما غادر الحُكم زعيمان مغامران، هما ساركوزي وبرلوسكوني، اللذين برزا في القضاء على القذافي، بالرغم من صداقتهما الحميمة معه سابقا. أما الرئيس الأمريكي أوباما، فكشفت مجلة “ديلي بيست” Daily Beast  الأمريكية، أنه أرسل عناصر سرية إلى محيط سوريا لتقويم ما يجري هناك ومعرفة اللاعبين الرئيسيين، واحتمال تقديم الدّعم لبعضهم. لكنها أكّدت أنه، على نقيض ليبيا، لن يكون هناك تدخّل عسكري.

ويمكن القول أن موسكو استطاعت، في ضوء انشغال الأوروبيين بإنقاذ العُملة الموحدة وتفرغ أوباما لحملة إعادة انتخابه، أن تضمن أن ما حدث في ليبيا كان استثناء، وليس قاعدة، يمكن تِـكرارها في مكان آخر. وعزا الدكتور شبانة “ميوعة” الموقف الأمريكي إلى أن سوريا، خلافا لليبيا، ليس فيها نفط ولا معادن تحارب من أجلها، ولا هي الحديقة الخلفية لأوروبا، مثل البلقان.

مع ذلك تتدخل العواصم الغربية في تهيِـئة البدائل للنظام الحالي، وهناك مَن رأى في العميد المنشقّ مناف طلاس، بديلا محتَـملا، فهو نجل وزير الدفاع مصطفى طلاس، الذي كان الذراع اليُـمنى لحافظ الأسد، والد بشار، وهو ينتمي إلى الغالبية السُـنية، كما أنه أرفع مسؤول عسكري ينشقّ منذ نحو سنة، بعدما كان قائدا للواء 105 في الحرس الجمهوري.

ولوحظ أن طلاس، المنحدِر من الرستن، في محافظة حُـمص، المدينة الخارجة عن سيطرة النظام منذ مدّة طويلة، والتي تُعتَـبر معقلا للجيش السوري الحر، أعلن أنه بصَدد إعداد خريطة طريق للخروج من الأزمة. وأكّد أنه يؤيِّـد حكومة لا تشمل الأسد، بل تضم عناصر من “المجلس الوطني” و”الجيش السوري الحر”، بالإضافة لمسؤولين “شرفاء” من النظام الحالي.

وباشر في الفترة الأخيرة اجتماعات ولقاءات مع أطراف مهمّة، في مقدّمتها تركيا، الدولة المفتاح في الأزمة السورية. 

جماعات أصولية

كما في الأزمة الليبية، تتزايد مخاوف الغربيين من تنامي دوْر الجماعات الأصولية في سوريا. لكن خصوصية الأزمة السورية، تتمثل في أن تلك المخاوف تزداد يوما بعد آخر لدى الأقليات والنخب التي قارعت آل الأسد باسم الانفتاح على مدى نصف قرن. وهناك مَـن يرى أن خوف الغرب وتردّده، يشكِّـلان أحد الأسباب التي تفسِّـر بُـطء الحسم العسكري والدبلوماسي للصِّراع.

وكان أحد أهداف الجولة، التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قبل العيد، هو التأكد من تلك المعلومات لدى الحكومات في جوار سوريا، التي تعرف الوضع على الأرض بدقّـة. وبسبب هذا التردّد وتلك المخاوف، سيستغرق سقوط النظام أشهُـرا وربما سنة، بحسب العارفين بالشؤون السورية، مع ما يرافق ذلك من مذابح ودمار، يكاد يشمل جميع المدن السورية. فالرئيس بشار الأسد، لم يتعلّم من تجربتَيْ اليمن وليبيا، أنه إذا دقت ساعة الرحيل يغدو ثمن العِناد والمكابرة باهظا جدا، ليس فقط بالنسبة لرأس النظام، وإنما أيضا لكل البناء الذي راكمه طيلة نصف قرن. وفي حالة سوريا اليوم، لم تعد هناك فرصة لتطبيق الأنموذج اليمني، فالقِـطار فات، كما قال أحد المُضيعين الكبار للقطار الأخير.

الام المتحدة (رويترز) – حث زعماء عالميون ومنظمات اغاثة مجلس الامن التابع للامم المتحدة يوم الثلاثاء 21 أغسطس 2012 على السعي لوصول المساعدات داخل سوريا وعدم السماح بأن يصبح آلاف النازحين في الانتفاضة المستمرة منذ 17 شهرا “رهائن” للجمود السياسي في المنظمة العالمية.

ويصيب الشلل مجلس الامن المكون من 15 عضوا حين يتعلق الأمر باتخاذ إجراء قوي -يشمل التهديد بعقوبات- ضد دمشق. وعرقلت روسيا والصين ثلاث محاولات يدعمها الغرب للضغط على الرئيس السوري بشار الاسد وانهاء الصراع الذي بدأ كاحتجاجات سلمية مؤيدة للديمقراطية.

ودعا خمسة أعضاء من مجموعة الحكماء (ذي إلدرز The Elders) المستقلة -المؤلفة من زعماء عالميين وتروج للسلام وحقوق الانسان- ومنظمات انقذوا الاطفال وريفيوجيز انترناشيونال والمجلس النرويجي للاجئين مجلس الامن للقضاء على ازمة المساعدات في سوريا.

وقالت المجموعة في رسالة الى سفراء مجلس الامن الدولي “أكثر من مليون ونصف المليون شخص داخل سوريا هم الان نازحون محليون اقتلعوا من منازلهم نتيجة للصراع في سوريا.”

وأضافت الرسالة “معظمهم في حاجة ملحة للمساعدات الانسانية.” وتابعت “نحثكم على عدم السماح بأن تصبح رعاية الاف النازحين في سوريا رهينة للجمود المستمر على المستوى السياسي.”

والزعماء الذين وقعوا الرسالة هم رئيسة ايرلندا السابقة ماري روبنسون ورئيس البرازيل السابق فرناندو انريك كاردوسو ورئيس وزراء النرويج السابق جرو هارلم برونتلاند ووزيرة التعليم السابقة في موزامبيق جراسا ماشيل وإيلا بات مؤسسة رابطة النساء اللاتي يعملن لحساب أنفسهن.

وتقول وكالات الامم المتحدة ان الاحوال الانسانية في سوريا تدهورت وحرمت المدنيين من الامدادات الغذائية والرعاية الصحية والمساعدات الأخرى.

وتقول الامم المتحدة ان أكثر من 18 الف شخص قتلوا و170 الفا هربوا من البلاد نتيجة للقتال في سوريا. وقالت فاليري اموس منسقة الشؤون الانسانية بالامم المتحدة الاسبوع الماضي ان ما يصل الى 2.5 مليون شخص في سوريا يحتاجون للمساعدات.

وكتب أعضاء مجموعة الحكماء ومنظمات الاغاثة في الرسالة “نشعر انه أمر بالغ الاهمية التوصل الى اتفاق مع السلطات السورية بشأن تأمين المساعدات الانسانية داخل سوريا وضمان ان يكون التمويل متوفرا لتلبية الاحتياجات على الارض.”

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 أغسطس 2012)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية