فاسد أم ضحيّة للفساد؟ قصّة تاجر قهوة سويسري مسجون في غواتيمالا
يقبع المواطن السويسري، أولريخ غورتنر، في أحد سجون غواتيمالا، وذلك بتهمة غسيل الأموال والتهرّب الضريبي. وكان غورتنر، قد نشط طويلاً لصالح صغار مزارعي.ات البنّ المحليّين.ات، ومثّل شوكةً في خاصرة سلطات البلد، الواقع في أمريكا الوسطى.
ولا يزال الرجل، البالغ من العمر 68 عاما، ينتظر تقديمه إلى المحاكمة رسميا، على الرغم من صدور لائحة الاتهام ضده منذ أكثر من عام. ويقول أنصار غورتنر إن الاتهامات التي يواجهها ملفّقة، وذات دوافع سياسية. فمن الفاسد حقًّا: غورتنر، أم النظام القضائي الغواتيمالي؟
بادئ ذي بدء: من هو أولريخ غورتنر؟
عمل رجل الأعمال، المنحدر من فينترتور، الواقعة شمال سويسرا، كتاجر قهوة في غواتيمالا، وذلك طيلة عقود من الزمن، بعد أن كان قد اعتزل لعبة كرة القدم في نادي فينترتور، وعمل كمصرفي متدرّب في سويسرا في بداية مشواره المهني.
وقد أُرسل غورتنر لأوّل مرة إلى غواتيمالا، في الثمانينات من القرن الماضي، من قِبل صاحب العمل وتاجر السلع الأساسية آنذاك، غيبرودر فولكار. لكن السلطات الغواتيمالية أجبرت السويسري على العودة إلى بلاده، بعد رفضه دفع رشاوى إلى مسؤولين محليين، وفقًا لما أبلغ به المواطنُ السويسري مجلةَ “بيوباختر” (Beobachter) في أبريل الماضي، مضيفًا أنه “لو فعلت ذلك، ما كنت لأستطيع النظر في المرآة مرة أخرى”.
عاد غورتنر إلى غواتيمالا مرة أخرى في عام 1988، بعد أن كلّفته مؤسسة كونراد أديناور (Konrad Adenauer)، الألمانية، بإعادة تنشيط تعاونية فيديكوكاجوا (Fedecocagua) لزراعة البنّ.
وقد ابتكر الرّجل، وفقًا للعديد من التقارير الإعلامية السويسرية، نظامَ تجارة عادلة بهدف تحرير المزارعين.ات من هيمنة قلّة فاسدة، تنهب أرباحهم.نّ في مجال زراعة البن .
وتشير مجلّة “بيوباختر” إلى أن تعاونية فيديكوكاجوا، التي انتدب غورتنر لتنشيطها، تقدّم الدعم الآن إلى أزيد من 20 ألف أسرة محلية، وهو ما يعادل حوالي 120 ألف شخص. وقد ارتفعت المبيعات السنوية للتعاونية، تحت إشراف غورتنر، من 25 ألف كيس قهوة إلى 650 ألف كيسٍ، لتشمل قائمة عملائها وعميلاتها شركات كبرى، مثل نسبرسو وستاربكس.
ما الذي حدث لغورتنر؟
عانت غواتيمالا عقودًا من العنف والاضطرابات، خلال الحرب الأهلية، التي انتهت في عام 1996، على إثر تدخّل الأمم المتحدة. لكنّ انعدام المساواة والفساد يظلاّن جزءًا من النظام السياسي والاجتماعي السائديْن.
وفي السنوات الأربع الماضية، تراجعت غواتيمالا عدّة مراتب، وفقًا لمؤشر مدركات الفساد العالمي لمنظمة الشفافية الدولية. حيث يحتلّ البلد، حاليًا، المرتبة 154 من جملة 184 بلدا.
وقال السفير السويسري السابق في غواتيمالا توماس كولي، في حديث أدلى به إلى صحيفة “تاغس أنتسايغر”، يوم 8 يوليو الجاري: “يخشى المتنفّذون في غواتيمالا من الأشخاص والمنظمات التي تقدم الدعم للسكان الأصليين[.ات] من أجل أن يعيشوا [ويعشن] حياة كريمة”.
في عام 2009، اُتهم غورتنر بغسيل الأموال والتهرب الضريبي. وقال المخرج السينمائي رودي لويتهولد، الذي أنتج فيلما وثائقيا يصوّر تجربة غورتنر، لصحيفة “فينترتور تسايتونغ”: “لم تكن التهم الموجّهة إلى غورتنر والتعاونية التي أشرف عليها مقبولة، لكن أصبح من الواضح أن العمل الذي كان يقوم به غورتنر قد شكّل شوكة في خاصرة الدوائر النافذة في البلاد”.
وكانت محكمة الأمم المتحدة الخاصة بمناهضة الإفلات من العقاب قد برّأت غورتنر، ولذلك تمّ طردها من البلاد منذ ذلك الحين.
كما أنّ غورتنر عضو في مجلس إدارة بنك “بانرورال” (Banrural) للتنمية، الذي يحوّل القروض الخارجية إلى المزارعين.ات المحليين.ات، ممّا سمح له بإماطة اللثام عن الفساد المالي للنظام القائم. حيث كان السويسري قد صرّح لـ”نويه تسورخر تسايتونغ”، العام الماضي، بأنه “كان عليّ الإشارة إلى ما كان يحدث، وإلا كنت سأكون متواطئا”.
وقد عادت تهمتا غسيل الأموال والتهرب الضريبي، لتطفوَا على السطح، الأولى في مارس 2023، والثانية في يونيو من هذا العام. ومنذ ذلك الحين، كان غورتنر إمّا في السجن أو تحت الإقامة الجبرية. وقال توماس كولي لصحيفة “تاغس أنتسايغر” إنه “ليس هناك شك على الإطلاق في براءة غورتنر”.
ماذا يجري الآن بالخصوص؟
لا يقدّم النظام القضائي الغواتيمالي الغامض سوى القليل من المعلومات عن الاتجاه الذي ستتخذه الإجراءات الجنائية في المستقبل.
وقد تعقّد الوضع بعد أن أُنتخب برناردو أريفولي، رئيسا جديدا في غواتيمالا العام الماضي. وكان قد تولّى السلطة في يناير الماضي، بعد فشل أحزاب المعارضة وبعض مرافق السلطة القضائية، في إبطال نتائج الانتخابات وإعلان عدم شرعية حزبه.
وفي 10 أبريل، اعتمدت سويسرا عقوبات الاتحاد الأوروبي ضدّ خمسة من كبار المسؤولين في مكتب الإدعاء العام الغواتيمالي. وكان هؤلاء قد حاولوا “تقويضَ الانتقال السلمي للسلطة، وتهديد الديمقراطية وسيادة القانون”، وفقًا للحكومة السويسريةرابط خارجي.
من جهتها، أعلمت وزارة الخارجية السويسرية سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) أنها على اتصال مع السلطات الغوتيمالية، وأنّها تقدّم الدعم لغورتنر، بصفته مواطنًا سويسريًّا “في إطار الحماية القنصلية”.
وماذا عن مزارعي.ات البنّ؟
قام المدّعون العامّون بتجميد أموال تعاونية فيديكوكاجوا عندما تمّ توجيه الاتهامات لأوّل مرة العام الماضي.
وفي مقابلة مع برنامج “روندشاو” الإخباري، الذي تقدّمه قناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالألمانية (SRF)، قال روجيه دينزر، السفير السويسري الحالي في غواتيمالا، إن تجميد أرصدة التعاونية سيكون له تأثير اقتصادي مدمّر على الأسر الأعضاء فيها.
ودون غورتنر على رأس تعاونية فيديكوكاجوا، يواجه العديد من صغار مزارعي ومزارعات البنّ مستقبلًا قاتمًا.
تحرير: بالتس ريغندينغر
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
مراجعة: أمل المكي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.